ماذا نقصد بالمقاصد؟
مفهوم المقاصد
يطلق مصطلح مقاصد الشريعة على الأهداف العامة التي تسعى الشريعة إلى تحقيقها في حياة الناس. وتطلق أيضا على الأهداف الخاصة التي شرع لتحقيق كل منها حكم خاص.
1 / 1
أقسام المقاصد في الشريعة الإسلامية
المقصد العام:
هو تحقيق مصالح الخلق جميعا في الدنيا والآخرة، ويتحقق هذا من خلال جملة أحكام الشريعة الإسلامية.
1 / 2
المقاصد الخاصة:
هي الأهداف التي تسعى الشريعة إلى تحقيقها في مجال خاص من مجالات الحياة كالنظام الاقتصادي أو الأسري أو السياسي. . . إلخ. وذلك عن طريق الأحكام التفصيلية التي شرعت لكل مجال على حدة.
1 / 3
مراتب المصالح البشرية
ومصالح الناس من حيث الأهمية على ثلاث مراتب:
أ- الضروريات:
وهي ما لا يستغني الناس عن وجودها بأي حال من الأحوال ويأتي على رأسها الكليات الخمس كما سيأتي بيانه.
1 / 4
ب- الحاجيات:
وهي ما يحتاج الناس إليه لتحقيق مصالح هامة في حياتهم، يؤدي غيابها إلى المشقة واختلال النظام العام للحياة، دون زواله من أصوله، كما يظهر في تفصيلات أحكام البيوع والزواج وسائر المعاملات.
1 / 5
ج- التحسينيات:
وهي ما يتم بها اكتمال وتجميل أحوال الناس وتصرفاتهم، مثل الاعتناء بجمال الملبس وإعداد المأكل وجميع محاسن العادات في سلوك الناس.
1 / 6
أولا: حفظ الدين:
قدر الإسلام ما للدين من أهمية في حياة الإنسان حيث يلبي النزعة الإنسانية إلى عبادة الله، ولما يمد به الإنسان من وجدان وضمير، ولما يقوى في نفسه من عناصر الخير والفضيلة، وما يضفي على حياته من سعادة وطمأنينة.
نظرا لتلك الأسباب كلها كان الدين ضرورة حياة بالنسبة للإنسان، قال تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ ولذا يقول برجستون " لقد وجدت - وتوجد - جماعات إنسانية من غير علوم وفنون وفلسفات ولكن لم توجد قط جماعة بغير ديانة " ونظرا لتلك الاعتبارات حافظت شريعة الإسلام على الدين، سواء من حيث غرسه في النفوس وتعميقه فيها ابتداء، أو من حيث تدعيم أصله وتعهده بما ينميه ويحفظ بقاءه استمرارا ودواما، وشرعت لذلك الوسائل التالية:
أ-وسائل حفظ الدين من جانب الوجود:
من وسائل غرس الدين في النفوس ابتداء في الشريعة الإسلامية الوسائل التالية:
1 / 7
١- ترسيخ اليقين بأصول الإيمان وأركانه، وهي الإيمان بالله ورسله وكتبه وملائكته واليوم الآخر والقدر خيره وشره، يقول الله تعالى: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ﴾ ويقول تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾ .
1 / 8
٢- إقامة هذا الإيمان على البرهان العقلي والحجة العلمية، ومن هنا كانت دعوة الإسلام إلى النظر والتدبر: ﴿أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ﴾، وكان نعيه على أولئك الذين لا يتفكرون في الآيات المبثوثة في الكون ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ﴾ كما شن حملة شعواء على تقاليد الآباء وأخذ المعتقدات من غير نظر ولا برهان ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ﴾ .
٣- القيام بأصول العبادات وأركان الإسلام من صلاة وزكاة وصوم وحج، بعد النطق بالشهادتين فهذه العبادات من أهم أسرارها وحكمها أنها تصل العبد بربه وتوثق صلته به مما يرسخ أصل الإيمان في نفسه ويجدده، يقول الرسول ﷺ، فيما يرويه عن ربه «وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه»
1 / 9
ويقول ﷺ: «بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلا»
٤- إيجاب الدعوة إلى الله وحمايتها وتوفير أسباب الأمن لحملتها ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾، ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾، ﴿يَابُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ﴾، ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى﴾ ﴿عَبْدًا إِذَا صَلَّى﴾، ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ﴾
ب- وسائل المحافظة على الدين من جانب البقاء
والمقصود بها الوسائل التي انتهجتها الشريعة في المحافظة على الدين بعد حصوله، لصيانته وإزالة العوائق من طريقه، وتزكيته في النفوس.
1 / 10
ومن هذه الوسائل: -
١- كفالة حرية العقيدة والتدين وحمايتها فالإسلام لا يكره أحدا على اعتناقه، ويسمح بتعايش مختلف الأديان داخل دياره وفي رحاب دولته، ويترك الحرية لأهل الأديان في عقائدهم وممارستهم التعبدية وتصرفاتهم المدنية كما قال ﷺ: «لهم ما لنا وعليهم ما علينا» بل إن من أهداف الجهاد الإسلامي تأمين حرية الاعتقاد والتدين، قال تعالى: ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا﴾ .
٢- تشريع الجهاد تمكينا للدين ودرءًا للعدوان وحماية للاعتقاد قال تعالى: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾، ﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا﴾ .
1 / 11
٣- الالتزام بتعاليم الدين وتطبيقها بعد القناعة بها وبذلك تظل للدين حيويته في النفوس وأثره في الوجدان، ومن هنا قرن الإيمان والعمل الصالح في كثير من نصوص القرآن، إذ كثيرا ما يرد في القرآن: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ .
٤- تشريع عقوبة الردة وذلك حتى يكون الإنسان جادا في اعتناقه للإسلام، وحتى لا يقدم على الإسلام إلا بعد قناعة تامة، فالإسلام لا يكره أحدا على اعتناقه. بل إن الله لا يقبل من الدين إلا ما كان نابعا عن قناعة من صاحبه، فإذا دخله الشخص فمن المفروض أن يكون على قناعة بما اتخذ من قرار، فإذا ارتد بعد ذلك فمعنى ذلك أنه أحدث بلبلة فكرية وسياسية تضطرب بها أوضاع المجتمع، ويفقد استقراره الفكري والنفسي المنشود. كما قال تعالى مبينا دعوة المشركين إلى هذه السياسة: ﴿وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾
ونظرا لذلك شرعت عقوبة الردة. حماية لجدية الاعتقاد، وحرمة الدين.
1 / 12
٥- إقامة سياج من الحاجيات والتحسينات كأداء الصلاة جماعة، كنوافل العبادات المختلفة وبكل هذه التشريعات يتأصل الدين، ويرسخ في نفس الإنسان وفي المجتمع، مما يحقق الأنس والسكينة والخير للفرد والمجتمع.
1 / 13
ثانيا: حفظ النفس
فمن ضروريات الحياة الإنسانية: عصمة النفس وصون حق الحياة.
وقد شرع الإسلام عدة وسائل للمحافظة على النفس:
- فمن جهة الوجود: -
*شرع الزواج من أجل التناسل والتكاثر وإيجاد النفوس لتعمر العالم وتشكل بذرة الحياة الإنسانية في الجيل الخالف، وقد نوه الإسلام بالعلاقة المقدسة بين الزوجين واعتبرها آية من آيات الله ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾
- أما من جهة الاستمرار والدوام: فقد شرع عدة وسائل لحفظ النفس.
١- أوجب على الإنسان أن يمد نفسه بوسائل الإبقاء على حياته من تناول للطعام والشراب وتوفير اللباس والمسكن، فيحرم على المسلم أن يمتنع عن هذه الضروريات إلى الحد الذي يهدد بقاء حياته. كما اعتبر الحصول على هذه الضروريات هو الحد الأدنى الذي يلزم المجتمع ممثلا في الدولة بتوفيره للأفراد العاجزين عن توفيره لأنفسهم، بل أوجب على الإنسان -إذا وجد نفسه مهددة- أن يدفع عن نفسه الهلاك بأكل مال غيره بقدر الضرورة.
1 / 14
٢- أوجب على الدولة إقامة الأجهزة الكفيلة بتوفير الأمن العام للأفراد، من قضاء وشرطة وغيرها، مما يحقق الأمن للمجتمع.
٣- أوجب المحافظة على كرامة الآدمي بمنع القذف والسب، ومنع الحد من نشاط الإنسان من غير مبرر، وبهذا حمى حريات الفكر والعمل والرأي والإقامة والتنقل وكفلها قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ .
٤- تشريع الرخص بسبب الأعذار الموجبة للمشقة التي تلحق النفس فينشأ منها ضرر عليها، ومن ذلك: رخص الفطر في رمضان بسبب المرض والسفر، وقصر الصلاة في السفر.
1 / 15
٥- حرم الإسلام قتل النفس سواء قتل الإنسان نفسه أم قتله غيره قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ وشنع على هذه الجريمة فاعتبر قتل نفس واحدة: بمثابة قتل الناس جميعا، قال تعالى: ﴿مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾، ﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾، ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ وفي الحديث: «من قتل معاهدا لم يرح ريح الجنة» (حديث صحيح) .
1 / 16
٦- أوجب القصاص في القتل العمد، والدية والكفارة في القتل خطأ قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى﴾ قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ .
٧- إعلان الجهاد حفظا للنفوس وحماية للمستضعفين ﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ﴾ .
٨- أوجب على المسلم إنقاذ من يتعرض للقتل ظلما أو يتعرض لخطر إن استطاع أن ينقذه.
1 / 17
٩- كما شرع للإنسان أن يدفع عن نفسه إذا هاجمه من يريد الاعتداء عليه دون تحمل أية مسؤولية إذا مات المهاجم، وثبت أنه كان يريد الاعتداء عليه.
1 / 18
ثالثا: حفظ العقل
للعقل في الإسلام أهمية كبرى فهو مناط المسؤولية، وبه كرم الإنسان وفضل على سائر المخلوقات، وتهيأ للقيام بالخلافة في الأرض وحمل الأمانة من عند الله، قال تعالى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ﴾ ولهذه الأهمية الخاصة حافظ الإسلام على العقل وسن من التشريعات ما يضمن سلامته وحيويته ومن ذلك:
١- أنه حرم كل ما من شأنه أن يؤثر على العقل ويضر به أو يعطل طاقته كالخمر والحشيش وغيرها قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ .
٢- كما شرع العقوبة الرادعة على تناول المسكرات وذلك لخطورتها وأثرها البالغ الضرر على الفرد والمجتمع.
1 / 19
٣- أنه ربى العقل على روح الاستقلال في الفهم والنظر واتباع البرهان ونبذ التقليد غير القائم على الحجة كما في قوله تعالى: ﴿أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ﴾، ﴿وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ﴾، ﴿قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ .
٤- كما دعا إلى تنمية العقل ماديا ومعنويا: ماديا بالغذاء الجيد الذي يقوي الجسم وينشط الذهن، ومن هنا كره للقاضي أن يقضي وهو جائع، وفضل تقديم الطعام على الصلاة إذا حضرا معا. أما معنويا فبالتأكيد على طلب العلم واعتباره أساس الإيمان، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾، ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ كما أتاح فرصة التعليم للجميع وجعله حقا مشاعا بين أفراد المجتمع، بل جعل حدا أدنى منه واجبا على كل مسلم ومسلمة.
1 / 20