قال الثعلب : مهلا أبا أسامة ، أبقاك الله للزعامة ، سمعت أنك مريض ، فذهبت إلى البلد العريض ، ألتمس لك دواء ، جعله الله لك شفاء ، قال : أحسنت ، وسهلت علي الأمر وهونت ، فماذا وجدت ، قال : وجدت أن علاجك في كبد الذيب مع حفنة من زبيب ، فقال الأسد للذيب ، أمرك عجيب ، وشأنك غريب ، علاجي لديك ، وقد سبق أن شكوت عليك ، فلما دنا الذيب واقترب ، سحبه الأسد فانسحب ، فخلع رأسه ، وقطع أنفاسه ، ثم سلخ لبده ، وأخرج كبده ، فصاح الغراب ، وهو فوق بعض الأخشاب ، يا أبا أسامة ، ما تترك الظلم والغشامة ، فرد عليه الأسد ، اسكت سد الله فاك ، أنسيت أنك قتلت أخاك ، ودفنته في تراب ، ما أقبحك من غراب .
قال الغراب : يا ظلوم يا غشوم يا مشؤوم . أنا الذي دل على بلقيس يا خسيس ، وجيت سليمان ملك الإنس والجان ، بنبأ من سبأ ، وحملت الرسالة في بسالة ، ودعوت للتوحيد ، وهو حق الله على العبيد ، فبلقيس أسلمت بسببي ، وحسبي معروف ونسبي ، ثم أنشد الغراب :
ولقد حملت رسالة مختومة
يهدي سليمان بها بلقيسا
فوضعتها في حجرها متلطفا
كانت تقدس شمسها تقديسا
فأعرض أبو أسامة ، وقطع كلامه ، وإذا بحية لها فحيح ، أقبلت تصيح ، قد ذبل شعر رأسها وشاب ، وما بقي لها إلا ناب ، فقال الأسد : من بالباب .
قالت الحية : أنا أم الجلباب ، فقال : ما اسمك يا حية ، وما معك من قضية ، قالت : اسمي لس ، وخبري على ظاهر فقس ، أنا كنت اسكن ، في قرية من قرى فلسطين ، رأسي في الماء ، وذنبي في الطين ، فعصى أهل القرية خالقهم ، وكفروا رازقهم ، فساقني إليهم ، وسلطني عليهم ، فقذفت في بيرهم من سمي زعافا ، فماتوا آلافا ، وهلكوا أصنافا ، وردم الله عليهم القرية ، لأنهم أهل فرية .
Страница 46