واسلكوا من الطرق الوسط ، ودعوا الغلو والشطط ، والتهور والغلط . واسمعوا مني نصيحة . اعلموا أن الدنيا لا تساوي تسبيحة ، ولو كانت مليحة ، لجعلها الله لأوليائه مريحة . وصونوا أنفسكم من سؤال الناس ، واستغنوا عما في أيديهم باليأس . واطلبوا العلم فإنه أجل المطالب ، وأعظم المواهب ، وهو أرفع من المناصب ، وأكرم من كل المراتب . وزينته العمل ، وخوف الأجل ، والاعتصام بما نزل . والداء العضال معاداة الرجال ، ومن سالم الناس سلم ، ومن صمت غنم . والناس لا يطلبون منكم الأرزاق ، وإنما يطلبون جميل الأخلاق . وأوصيكم بالأذكار ، في طرفي النهار ، فإنها عبادة الأبرار. ولا تهجروا تلاوة القرآن كل يوم . فإنه دواء الهموم والغموم . وركعتان في السحر خير مما طلعت عليه الشمس والقمر ، ووقروا الكبير ، وارحموا الصغير .
واحذروا أن يكون لسان أحدكم كالمقراض في الأعراض ، فإن هذا من ضعف البصيرة ، وخبث السيرة ، ورافقوا أهل الصلاح، وأحبوا أصحاب الفلاح، ولا تستصغروا شيئا من المعاصي ، وراقبوا من يأخذ بالنواصي . وقسوة القلب يذيبها الندم ، والدمع المنسجم ، والأسف من الذنب المنصرم . ولا تتنعموا تنعم المترفين ، ولا تزروا بأنفسكم فعل الشحاذين ، فإن المبالغة في الزينة للنساء ، والوقاحة للإماء ، والشره للسفهاء ، فكونوا أنتم العلماء الحكماء . وأدمنوا الاستغفار كل حين ، فإنه مفتاح رضى رب العالمين ، وهو قوة وتمكين ، وعلى كل كربة معين . ومن لم يراقب الحسيب ، ويردعه الشيب ، ويخاف العيب ، فليس له في الفضيلة نصيب . وويل لمن غرته دنياه ، وخدعه مناه ، وصرعه هواه . وطوبى لعبد إذا أنعم عليه شكر ، وإذا ابتلي صبر ، وإذا أذنب استغفر . وعليكم بتوقير الصحابة ، وحب القرابة ، مع لزوم مذهب السلف ، فهم أعلم وأحكم من الخلف . حفظكم الله بالدين ، وعصمكم من نزغات الشياطين .
المقامة الصحفية
Страница 32