المقامة المسكية لمولانا جلال الدين الأسيوطي رحمه الله تعالى ورضي عنه ونفع به جميع المسلمين آمين. مشتملة على ذكر أربعة أنواع من الطيب ومنافعها: المسك والعنبر والزعفران والزباد. بسم الله الرحمن الرحيم قال مولانا شيخ الحديث جلال الدين الأسيوطي رحمه الله تعالى ونفع به المسلمين: حضر أمراء الطيب بين يدي إمام في البلاغة خطيب. فقالوا: أيد الله مولانا وتولاه، وأمده بالمكارم وولاه، وأولاه من نعمه وما أجدره بذلك وأولاه، وحرسه من المكاره ووقاه، وأصعده إلى ذروة المجد ورقاه، إنا معشر إخوان، وعلى الخير أعوان، نرصد للخير، نقصد لدفع الأذى والضير، لا يرى منا مكروه، وإذا قصدنا عارف لم يرعه منا ما يسوء، ولم يسؤه منا ما يعروه، كل خير عنا شاع وذاع، وكم ربح ربحنا إذا ربحنا ضاع وقد كاد يحصل بيننا نزاع أينا أجل في المرتبة الطيبة وأجل في مواطن الانتفاع، فنادانا المنادي في النادي يا أيها الملأ إني نصيحتكم، أطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم، فتواصينا

1 / 2

على حسن السير ... أضوع من المندل الرطيب، ورفعها على الأسرة والأرائك، وحببها إلى الأنبياء والمرسلين والملائك، وقرنها بالسنن المطلوبة في الجمعة

1 / 3

والعيدين وحسن أولئك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الذي جعل الخير بحذافيره في الجنة، وأنزل من آثارها أنموذجا يستدل به على ما فيها من عظيم المنة، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي جاء بأطهر شريعة، وأطهر سنة إلى الحق سريعة، وأقوى ملة إلى الله ذريعة، الطيب خلقا وخلقا، الذي كان يقطف منه ما هو أطيب من المسك إذا إرفض عرقا ﷺ وصحبه ما نصبت أعواد منبر، وجلبت من بر ما نبت نوافح المسك ومن شاطيء البحر نوافح العنبر. أما بعد أيها الناس فإني آتي أنواع الطيب شرفًا عميمًا، وجعل لها في الدنيا والآخرة والبرزخ فضلًا عظيمًا، وحببها إلى رسله وأنبيائه، وإلى ملائكته وخواص أصفيائه، ويكفي فيما شرف به الطيب وأولاه. ما رواه الحاكم في المستدرك وصححه إذ رواه عن أنس بن مالك خادم المصطفى ومولاه قال قالَ رسول الله ﷺ وشرف وعظم وزاد علاه (حبب إلي من دنياكم النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة) . وفي حديث آخر رويناه في الصحاح (أربع من سنن المرسلين السواك والتعطر والحناء والنكاح) . وفي حديث (من عرض عليه طيب فلا يرده فإنه خفيف المحمل طيب الريح) . وعن أنس رضي الله تعالى عنه (أن رسول الله ﷺ كان لا يرد الطيب) . رواه البخاري في الصحيح. وروى البزار في مسنده حديثا في رتبه الإنافة (إن الله طيب يحب الطيب نظيف يحب النظافة) . وقد ورد الأمر بالطيب في غير ما موطن من شرائع الإسلام كالجمعة والعيدين والكسوفين والإستسقاء وعند الإحرام، وشرع مطلقا لكل حي، ولميت كل قبيلة وحي. وقال أبو ياسر البغدادي الطيب من أعظم لذات البشر، وأقوى لدواعي الوطئ وقضاء الوطر. وورد في الحديث الصحيح (أن طيب الرجال ما ظهر ريحه وخفي لونه يعني كالمسك والعنبر، وطيب النساء ما ظهر لونه وخفي

1 / 4

ريحه يعني كالزعفران) . ولهذا حرم على الرجال المزعفر. ثم أيها الأمراء الثلاثة المسك والعنبر والزعفران ثلاثتكم في الرياسة والسيادة أقران، ولهذا قام فيكم دليل الاقتران في السنة التي هي تالية للقرآن. روى ابن أبي الدنيا من حديث أنس عن أعظم نبي صعد المنبر (خلق الله الجنة ملاطها المسك وحشيشها الزعفران وحصباؤها اللؤلؤ وترابها العنبر) . ولكن للمسك بينكم الخصوصية، وله عليكم الفضل والمزية، حيث جاءه ذكره في التنزيل، وذلك غاية التشريف والتبجيل. قال تعالى فيما تلاه الدارسون (يسقون من رحيق مختوم، ختامه مسك وفي ذلك فلينافس المتنافسون) . [٢٥، ٢٦ المطففين] . وقال فيه الصادق المصدوق وهو منبئ عن فضله ومعلم (أطيب الطيب وهو المسك) . رواه أبو سعيد الخدري. ومن كلام العرب المأثور من قديم، ليس الطيب إلا المسك بالرفع على لغة تميم. وقد طيب به رسول الله في حنوطه عند وفاته، وفضلت منه فضلة فأوصى علي ﵁ أن يحنط به تبركا بفضله فضالته. وأوصى سليمان الفارسي ﵁ عند احتضاره أن يرش به البيت في أثر صحيح، وقال إنه تحضرني ملائكة لا يأكلون ولا يشربون ولكن يجدون الريح وكم روينا حديثا صحيحا جاء فيه ذكر المسك صريحًا. ومن ذلك أنه شبه به دم الشهيد، وخلو ف فم الصائم، وجعل عليه المزيد وأن أنهار الجنة تفجر من تحت جباله. وأن في الجنة مراغًا من المسك يتمرغ فيه كما يتمرغ فيه بهيم الدنيا في رماله وشبه لحاملها الجليس الصالح إما أن يحذيك أو تجد منه ريحا طيبة فأنت في الحالين رابح رائح رائح. وقد أمر به رسول الله ﷺ الحائض إذا طهرت واغتسلت وقدمه على سائر أنواع الطيب لحكمة علمت ما جهلت، وذلك أنه في الدرجة الثانية من الحرارة التي اشتعلت وما اعتدلت، فهو يسرع إلى العلوق فإذا ألم بها الزوج جبلت. ومن منافعه الطبية، ومحاسنه الطيبة

1 / 5

أنه يطيب العرق ويسخن الأعضاء وينفع من الرياح الغليظة المتولدة في الأمعاء، ويقوي القلب ويسجع أصحاب المرة السوداء، وفيه من التو حسن تفريح، ومن السدد تفتيح ويصلح الأفكار، ويذهب بحديث النفس وما فيه من الاستنكار، ويقوي الأعضاء الظاهرة وضعا، والباطنة شربا، وناهيك بذلك نفعا ويعين على الباه وينفع من بارد الصداع، وإذا طلي به مع دهن الخيري رأس الإحليل أعان على سرعة الإنزال وكثرة الجماع، ويقوي الدماغ وينفع من جميع علله الباردة، ويبطل عمل السموم ونهش الأفاعي فيا لها من فائدة وهو جيد للغثي وسقوط القوة والخفقان، وللرياح التي تعرض للعين وفي سائر جسم الإنسان ويجلو البياض الرقيق من العين ويقويها وينشف رطوبتها من غير شين، ويعقل البطن ويزيل من الوجه الإصفرار وينفع من أوجاع البواسير الظاهرة طلاء عليها بالتكرار، وإذا استعمل للحرارة الغريزية قواها، وفي أدوية الحواس الأربع كلها ذكاها، وإذا خلط بالأدوية المسهلة كان أبلغ في إبقائها، وينفع من إضعاف الأدوية المسهلات وإذا حل في دهن البان وطلي به الرأس نفع من النزلات، وإذا أسعط به المفلوج وصاحب السكتة الباردة نبهه، وإذا حل في الأدهان المسخنة وطلي به فقار الظهر نفع من الجدري والفالج وما أشبهه، وأكثر نفعه للمشايخ والمرطوبين وخصوصًا في الأزمنة والبلدان القارة، ويصدع الشباب والمحرورين، ولاسيما في البلدان والأزمنة الحارة، ولعظم شأنه وعلو مكانه جبته الشعراء بالتنزيه ولم يشبهوه بشيء بل جعلوه أصلا للتشبيه، فشبهوا به لون المحبوب والخال، وكلما استطيب ريحه شبه به في الحال. قال في اللون بعض من قال: أشبهك المسك وأشبهته ... في لونه قائمة قاعدة لا شك إذ لونكما واحده ... أنكما من طينة واحدة وقال في الخال صاحب شغل الحال

1 / 6