وهؤلاء المماليك كانوا في مباراة عامة لسرقة الشعب، وكانوا يحترفون الجندية، وذلك أن المملوك كان جنديا أولا وقبل كل شيء وعندما دخل نابليون مصر حاربوه في شجاعة نادرة.
ولكن هذه الشجاعة كانت فردية؛ لأن المملوك لم يكن يحس التضامن بينه وبين سائر المماليك، ولم يكن يحس كذلك التضامن بينه وبين الشعب المصري.
كان المملوك، قبيل دخول نابليون، في مباراة مع جميع المماليك الآخرين، يسطو عليهم ويسطون عليه، والغلبة للقادر، وكذلك كان لا يعرف عن مصر إلا أنها، أو بعضها، عزبته التي يستغلها كي يشتري القصور والأسلحة لجنوده، ولعلنا لا ننسى أن كلمة «عزبة» هي كلمة قوقازية جاءتنا من القوقاز، بلاد الشركس، وهي تعني البيت الريفي، وما زلنا نستعملها إلى الآن في مصر بمعنى الضيعة.
فلما جاء نابليون، وكان يقصد بالاستيلاء على مصر أن يستولي على البحر المتوسط كله وأن يقطع الطريق على الإنكليز في استعمارهم للهند، وجد الفوضى العامة والأخلاق المنهارة والفقر والجهل والمرض.
وقد لاحظ نابليون على المماليك ملاحظة سيكولوجية تستحق الالتفات ، هي أن المملوك الفرد يتغلب في القتال على الفرنسي الفرد، وجنديان من المماليك يتغلبان على ثلاثة جنود من الفرنسيين، ولكن مئة جندي فرنسي يتغلبون على مئتين من المماليك.
وعبرة هذه الملاحظة أنه لم يكن بين المماليك إحساس جماعي أو اتحاد للقتال، وإنما كان كل جندي يقاتل عن نفسه، ولا يقاتل عن مصر، ولا يقاتل عن هيئة المماليك، كان شعار المماليك: «أنا وحدي»، ومن هنا كانت شجاعته حين كان ينفرد، ومن هنا أيضا ضعفه حين كان يجتمع.
أما الجنود الفرنسيون فكانوا أبناء الثورة، تجمعهم أهدافها، ويتضامنون، ويضحون من أجل مبادئها، هذه المبادئ التي نشرها نابليون في مصر بهذه الكلمات: «الحرية والإخاء والمساواة». ولذلك كانوا ينتصرون في الحرب لاتحادهم.
ولم يكن الوجدان في مصر وقتئذ وطنيا، بل إن الوطنية في أوروبا نفسها لم تكن قد رسخت، وإنما كان الوجدان الغالب في مصر هو الوجدان الديني، وكانت حرب نابليون في مصر هي حرب المسيحية مع المسلمين لا أكثر.
ولكن أرجو ألا يؤخذ كلامي هذا على إطلاقه، فإن حركة العظيم عمر مكرم، قبل دخول نابليون مصر، ضد الوالي التركي، كانت تحتوي شيئا من الإحساس المصري الوطني فوق الإحساس الديني، ثم بعد حركة هذا العظيم نفسه ضد نابليون وتزعمه للمقاومة، بل كذلك اختياره لمحمد علي مع سائر العلماء الأزهريين، ثم بعد ذلك ثورته عليه، كل هذا كان يدل على بزوغ الإحساس المصري الوطني فوق الإحساس الديني.
ولما دخل نابليون مصر وجد عنصرين مختلفين، عنصرا سائدا من الشركس البيض يحكم ويتحكم ويملك الأرض، وعنصرا مسودا من المصريين السمر يخدمون ويذلون للعنصر السائد.
Неизвестная страница