فقد كان الأديب يكتب للملوك الذين يعتمد في عيشه على بقائهم وبقاء حواشيهم من أمراء وأثرياء مثل وفقهاء، ولذلك كانت كتب الأدب صنفين: أحدهما لتسلية الملوك مثل الأغانى للأصفهانى. والآخر لدراسة الآداب التقليدية مثل الكامل للمبرد.
والملوك تعيش بالتقاليد، فكان مثل المبرد يجد العيش والحافز في تأليفه مثل هذا الكتاب؛ لأن مناخه الذي ينمو فيه هو المناخ الملوكي، وكان هذا شأن الفلسفة أيضا؛ لأن الذين كانوا يدرسونها كانوا من الفقهاء في الدين، فكانوا لهذا السبب يحرصون على أن تخدم الفلسفة التقاليد والعقائد، وليس المعنى هنا أنه لم يكن هناك شاذون مثل ابن رشد أو محيي الدين بن عربي؛ لأن في كل مجتمع طوائف شاذة أو ساخطة.
لذلك كان اهتمام الفلاسفة مقصورا على بحث القيم العقيدية وليس القيم الاجتماعية، أو كان الاهتمام يتجه في الأكثر نحو استخدام الفلسفة لتأييد العقائد، وفى الأقل لبحث الأسلوب الصالح للعيش في هذه الدنيا.
ولم يكن هذا شأن المسلمين أو اليهود فقط، بل كان شأن المسيحيين أيضا في أوروبا، ولم يكن من الممكن أن يكون غير ذلك في أوروبا؛ إذ كان الفلاسفة السالفون من رجال الدين أو الرهبان فكانت القيم الفلسفية فيها دينية عقيدية على الدوام. •••
كانت الفلسفة قديما تحطم نفسها على صخرة الغيبيات، فتسأل: ماذا بعد الموت؟ وماذا وراء المادة؟ ونحو ذلك.
ولم يستطيع «فيلسوف» واحد أن يقنعنا برأي حاسم في هذه الموضوعات؛ إذ كان يخرج من تيه كي يدخل، أي: تيه آخر، وكان بذلك أشبه بالأعمى يبحث عن قطة سوداء في غرفة مظلمة، والقطة مع ذلك ليست في الغرفة .
وقد انتهى ابن رشد إلى القول المأثور: لا أدري. كما كان يقول الإسكندريون القدامى.
وهذا ما انتهى إليه هربرت سبنسر الذي وصف هذه الأشياء بأنها: «ما لا يمكن معرفته».
وانتهت الفلسفة في عصرنا إلى ترك هذه الأشياء بتاتا، وقنعت بأن يكون موضوعها الحياة.
كيف نعيش أحسن العيش؟
Неизвестная страница