ليس منا من يكره الترف والحلوى، ولكن أولى من الترف حاجات الصحة والطمأنينة. وأولى من الخبز واللحم.
في ظروفنا الحاضرة، في فقرنا المذل، لا يتسع وقتنا للترف، بل لا نستحقه؛ لأننا نحتاج إلى الخبز، وإلى اللباس، وإلى السكنى، وإلى ما يوفر لنا صحة الأم وصحة الطفل في المعيشة النظيفة التي تليق بالكرامة الإنسانية. هنالك ما هو حسن وما هو أحسن، الأدب حسن ولكن العلم أحسن.
ومرة أخرى أقول: إننا في ظروفنا الحاضرة، نحتاج إلى العلم وليس إلى الأدب، أي: نعجل بنقل الكتب العلمية ونؤجل كتب الأدب. ونعجل بالخبز الضروري ونؤجل حلوى الترف.
لا أعتقد أن أحدا يتهمني بأني شكسبير، فإني أستطيع أن أنشد سبعين بيتا من أشعاره عن ظهر قلب، كما أستطيع أن أفعل ذلك في أشعار المعري، ولكني لأني أعرف شكسبير، أقول: إن في وسعنا، في ظروفنا الحاضرة أن نستغنى عنه عشر سنوات، أو عشرين سنة، بلا أقل ضرر، كما نستغني عن أي ترف آخر.
وقد سبق أن قلت: إن شكسبير يعد من شعراء الملوك والأمراء، ونقلت قليلا من الكثير الذي تحفل به دراماته في سب الشعب واستصغار العامة، والعامة عنده، التي يصفها بأنها تأكل الثوم، هي الشعب.
ولم أكن في حاجة إلى أن أنقل ما قاله عنه تولستوي، وهو أنه مليء بالجلافة وسوء التقدير للقيم الأدبية، ولا أن أنقل ما قاله عنه برناردشو، من أنه في كثير من أشعاره لا يبدي عبقرية أو ذكاء، هذا بعض ما قاله عنه هذان الأديبان العظيمان، وعندي أن أعظم ما يعاب على شكسبير أنه يخلو من الرسالة، وأنه ليس له مبادئ أو مناهج، ولذلك لن تجد أديبا عصريا في إنجلترا يستطيع أن يقول إنه تعلم من شكسبير.
وقد يرد على الراغبون في نقل مؤلفاته إلى لغتنا بأنه «فنان»، وهو لا شك كذلك، ولكن فنه ليس هو الفن الذي يمكن أن يغير في أساليب التفكير أو التعبير في أدبنا. هو ترف.
لو أنه طلب إلي اختيار بعض كتب الأدب لنقلها إلى لغتنا لقلت: العلم أولى.
فلو كرر علي الطلب لاخترت هذه الكتب التالية باعتبار كل منها طرازا لغيره: (1)
الإخوة كارامازوف لدوستويفسكى باعتبارها أعظم قصة ظهرت في العالم القديم والوسيط والحديث، وأنها جديرة بأن تحدث ثورة في القلوب الشرقية، وتنقل معاني جديدة من الإنسانية تغير النفس العربية. (2)
Неизвестная страница