ما كان جمع العدا لما لقيتهم
إلا كرجل جراد ريع منجفل
هذا ما كان من أمر الجيوش والنائب، وأما أميرهم القسورة أبو العزم الغائب، فإنه لما غرق في بحار الكرى، بعد الظفر بأسد الشرى، انقض عليه خمسة من اللصوص، وأحاطوا به على الخصوص، وأوثقوه بالكتاف، وكادوا يطرحونه في مهاوي التلاف، وكان قد استشعر بهذا الأمر المنكر وهم بالوثبة عليهم بالسلاح، فلم يجد له سبيلا إلى الكفاح؛ لأنهم مالوا عليه قبل أن يثور من رقدته، واستحوذوا على لأمته وعدته، وقال له كبيرهم: أيها الرجل المغرور، ما ساقك إلى هذا المكان غير المعمور، إلا أمر يفضي بنفسك، إلى هلاكك وحلولك برمسك، فقلت له وقد أظهرت البشاشة بعد العبوس: كيف تقتلون من زالت عنه بسعودكم النحوس؟! على أني أعلم أنكم لو وقفتم على حقيقتي، وعرفتم ما أنا عليه لسلكتم طريقتي، ولاتخذتموني لكم من الأصحاب، ولآثرتموني بالود على جميع الأحباب، فقالوا له: وما هي حقيقتك يا نظيف الثياب؟ وما هي طريقتك التي اتباعها عين الصواب؟ فقال: أما حقيقتي فإني لص محتال، صاحب إقدام على الأهوال، وأما طريقتي فهي اختلاس الأرواح والأموال، ونهب أثاث القصور في غالب الأحوال، وعندي سر لو عرفتموه لانتفعتم به في كل ملمة، ولنجوتم به من الغوائل في كل ليلة مدلهمة؛ فقالوا له: وما هذا السر أيها الساحر؟ وهل تعلمته من الأوائل أو من الأواخر؟
فقال لهم: إنه لا يسوغ لإنسان، أن يتفوه به وهو في حالة الذل والامتهان، فإن أردتم الفوز بمعرفته، والوقوف على كنه صفته، فأطلقوا مني السراح، وردوا علي الجواد والسلاح، ثم اسمعوا مني، ما تتلونه في الشدة عني، وكانوا من غير الأشراف، الذين هم سكان الأطراف، وكانوا لا يميزون بين الحق والباطل، ولا يفرقون بين الصحيح والعاطل، ولا يتوهمون أن أحدا من الرجال، يخدع عند الضرورة بزخارف المحال، فصدقوني فيما أتيتهم به من الاختلاق، ومنوا علي بالإطلاق من الوثاق، وتقدم أحدهم إلي وناولني سيفي الصقيل، وقرب مني الجواد الأدهم الأصيل، فركبته وخرجت من الغابة، بوقار وسكينة ومهابة، وتبعوني طمعا في معرفة السر، الذي هو على حسب وهمهم ضرب من السحر، وهنالك امتشقت الحسام، وقلت لهم: ارجعوا من حيث أتيتم يا بني اللئام، فهذه حيلة ابتدعتها، وخديعة اخترعتها؛ لأتخلص بها من ورطة الارتباك، وأنجو من حبائل الهلاك، والآن ليس لكم عندي سوى قطع الرقاب، وترك جيفكم لغذاء الوحوش والكلاب، فإن أردتم لأنفسكم السلامة، فاذهبوا قبل أن تحل بكم الندامة، وإلا فابرزوا جملة واحدة، حتى أهدم من أجسامكم الأساس والقاعدة؛ فلما تحققوا مقالي، وعرفوا سؤالي، حملوا علي بالسيوف، وعولوا علي تجريعي كأس الحتوف، فصدمتهم صدمة تهد راسيات الجبال، وقتلت منهم في أقل من لمح البصر ثلاثة رجال، وكان النائب قد نشر البنود، ونادى بالرحيل في الجنود؛ لعله يقص الأثر، أو يقع على خبر، فلما انتصف النهار، نزل للراحة في القفار، وأرسل الجواسيس والعيون؛ ليكشفوا الطرق والمناهل والعيون، فغابوا ساعة من الزمان، ثم عادوا وأنا معهم على ظهر الحصان، متمثلا في الأول بقول السموأل:
إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه
فكل رداء يرتديه جميل
وإن هو لم يحمل على النفس ضيمها
فليس إلى حسن الثناء سبيل
تعيرنا أنا قليل عديدنا
فقلت لها إن الكرام قليل
Неизвестная страница