فقال لي: أيها الأديب النبيه، والأريب الكامل الوجيه، أنت أولى بالمدح والثنا، والكرامة والغنى.
فقلت له: يا سيدي، إني مقصر عن القيام بما يجب من الشكر الجزيل، بين البرية لمقامك السامي الجليل، وإني لأرجو أن تأذن لي بالرحيل، إلى حج بيت الله وزيارة الخليل، والسعي إلى ضريح أفضل الأنام، والفوز من لثم أعتابه الرفيعة بالمرام.
فقال لي: لولا أنها فريضة لما كنت أجيبك إلى ما تروم، ولا تركت الفراق يرمي من شهبه برجوم، لكن انتظر هلال شعبان، حتى تخرج مع قافلة العربان، المتأهبة للسفر إلى أم القرى، والوقوف بعرفة والتبرك بأبي قبيس وحرى.
فلما انسلخ رجب، وخرجت قافلة العرب، جهزني معها بكل ما أحتاج إليه، وضمني للوداع إلى صدره والدموع تتحدر من عينيه، وقال لي: ناشدتك الله يا ابن الكرام، إلا ما جعلت الزيارة متواصلة في كل عام. فقلت له: يا عالي الذرى، ويا أعلم الورى، أنا ما أدع فرصة، لدفع هذه الغصة، ثم أخذ في السير، في الحال مع العير، وهو يقول مسليا لنفسه على ما أصابه من ألم النوى في يومه، بعد ذهاب أمسه:
أيا نفس لا تجزعي واصبري
وإلا فإن النوى متلف
حبيب جفاك وقلب عصاك
ولاح لحاك ولا ينصف
شجون منعن الجفون الكرى
وعوضتها أدمعا تنزف
Неизвестная страница