ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس .
وجاء في تفسير النسفي: أن النجم هو النبت ليس له ساق كالذي عليه الجسم ارتفع، وهو كما قيل مأخوذ من نجم إذا طلع، والشجر هو ما له ساق يشاهد بالأبصار، وهو مشتق من مادة الاشتجار، الذي هو تداخل بعض الأشجار في بعض، ومناسبة طولها للعرض، ويسجدان أي لله يخضعان، ويشهدان على أنفسهما أنهما له سبحانه مسخران، وأنهما يدلان على وحدانيته، ويعترفان بربوبيته، ولو أتينا على جميع ما ذكره المفسرون من الأقوال، وما دونوه في كتبهم مما طرأ على هذه الآية من اختلاف الأحوال، لخرجنا عن الموضوع الذي عليه المعول وإليه الرجوع، فلما ختم الدرس، عند غروب الشمس، أقبل علي بطلاقة، بعدما شد نطاقه، وقال لي: لعلك أيها الأديب، في هذه الأوطان غريب، فقلت له: إي وأبيك يا علامة، إني من جبال تهامة. فقال لي: أنت ضيفي ما دمت في هذه البلاد، ولك علي المنة يا سليل قوم أمجاد، فأجبته إلى ما طلب، وكان ذلك في أول رجب، وتوجهت معه إلى دار وسيعة، ذات حديقة نضيرة بديعة، فعطف بي على قاعة مزخرفة بأنواع النقش، مفروش بأحسن فرش، ثم أجلسني على الفور في الصدر، وقال لي: أنت في هذه الدار لك النهي والأمر.
مسكننا هذا لمن حله
نحن سواء فيه والطارق
فمن أتانا فيه فليحتكم
فإنه في حكمه صادق
لا يجد الفاقة من زارنا
فربنا المانع والرازق
وبعد ساعة من الجلوس، حضرت مائدة عليها أطعمة تميل إليها النفوس، وفي أثناء الطعام، كان يحييني بما فوق المرام، ويقول: يا أثيل المجد، ويا أصيل الأب والجد، لقد سرني منك ما أوليتني به من الإجابة، وحققت فيك ما هجس بخاطري من الإصابة، وكيف لا تكون علي لك المنة العظيمة، وقد سعيت معي بذاتك الكريمة، ولم تحتقرني لسوادي، مع عدم وقوفك على حقيقة طارفي وتلادي؟!
فقلت له: يا مولاي ومالك رقي، ومن أنا عبده ولا أبتغي منه عتقي، أنت صاحب المنة والفضل، ولا ريب في أنك كريم الأصل، وإني على يقين أنك إن لم تكن من أبناء الأمراء، والصدور الفخام والوزراء، فأنت المقصود بين الناس، بقول عبد بني الحسحاس:
Неизвестная страница