إن الثمانين وبلغتها
قد أحوجت سمعي إلى ترجمان
ولقد نشأ هذا الشيخ من مدينة الأهواز، بين مشاء من ناسها وهماز، وكان في مبدأ أمره مجبولا على مطاوعة نفسه، غير مكثرث بغده وأمسه، حتى إنه اتفق له في زمن الشبيبة، أنه رمي من حوادث دهره بمصيبة، كانت نجاته منها سببا في هدايته، وإقلاعه دفعة واحدة عن غوايته، وما ذاك إلا أنه خالف أمه وأباه، في طاعة شيطانه وهواه، ورحل مع قافلة من التجار إلى مدينة الأنبار، وبينما هي سارية بالليل، شاخصة بأبصارها إلى سهيل؛ إذ خرجت عليها من مكان سحيق، فرقة من قطاع الطريق، وحملت عليها حملة الجبابرة، بعدما أحاطت بها كالدائرة، فطرحت رجالها قتلى على الأرض، ولم تراع في حقهم السنة ولا الفرض، واستحوذت على البضاعة، وفقد كل واحد من أهل القافلة نفسه ومتاعه، وكان أبو المسرات ممن أصيب بضربة في الراس، فسقط على وجهه عادم الحواس، وبقي بين الأموات مدة ثلاثة أيام، كان آخرها أول العام، ثم دبت الحياة فيه بعد سبع، ولو زاد على ذلك لأكله السبع، فلما فتح عينه ورأى جثث القتلى حوله متراكمة، استرجع وحوقل وطلب من الله حسن الخاتمة، وحاول النهوض على قدميه، فعجز وتعذر القيام عليه، وبكى وأنشد في الحال، وقد أيقن بالزوال:
أقام على المسير وقد أنيخت
مطاياه وغرد حادياها
وقال أخاف عادية الليالي
على نفسي وأن ألقى رداها
مشيناها خطا كتبت علينا
ومن كتبت عليه خطا مشاها
ومن كانت منيته بأرض
Неизвестная страница