ثمة شيء آخر كان يقال عن جدي، وهو أنه كان على قدر من الثراء. ولكن الثراء لم يكن شيئا يسعى وراءه، أو يفهم، في تلك الأيام مثلما هو الآن. أذكر جدتي حين قالت لي: «حين كنا نحتاج إلى القيام بشيء - حين ذهب والدك إلى بليث للالتحاق بالمدرسة وكان في حاجة إلى كتب وملابس جديدة وما إلى ذلك - كنت أقول لجدك: حسنا، علينا أن نربي عجلا آخر أو شيئا من هذا القبيل ليدر علينا دخلا إضافيا.» ولكن، يبدو أنهما لو عرفا كيف يأتيان بهذا الدخل الإضافي، لكان في وسعهما أن يتحصلا عليه دوما.
وهذا يعني أنهما دوما في حياتهما العادية لم يكونا يتكسبان من المال ما كان في وسعهما تكسبه فعلا؛ فلم يكونا يستغلان طاقاتهما وجهدهما لأقصى درجة. لم ينظرا إلى الحياة من هذا المنطلق، وكذا لم يرياها من منظور ادخار ولو جزءا من طاقاتهما لأوقات السراء أسوة ببعض جيرانهما الأيرلنديين.
إذن كيف كانا يريان الأمر؟ أظن أنهما في الغالب كانا يريانه كطقس، موسمي وجامد، شبيه جدا بأعمال المنزل. ربما لم تكن تستهويهما الأمور التي من شأنها أن تجعل حياتهما أيسر، مثل محاولة كسب المزيد من المال أو رفع المكانة وتحسين وضعيهما.
هذا تغير في المنظور عن منظور الرجل الذي ذهب إلى إلينوي. لعله كان تأثيرا ممتدا من هذا التراجع على سلالته الأكثر خجلا أو الأكثر تأملا.
لا بد أن هذه هي الحياة التي كان أبي يراها في انتظاره؛ حياة لم تكن جدتي آسفة تماما أن وجدته يتجنبها، على الرغم من خضوعها وإذعانها الشخصي لها.
ثمة تناقض واحد هنا، فحين تكتب عن أناس حقيقيين، فإنك دائما ما تكون في مواجهة تناقضات؛ لقد كان جدي صاحب أول سيارة على طريق موريس الثامن، كانت من طراز جراي-دورت، وامتلك أبي في فترة المراهقة راديو ذا مكشاف بلوري، شيئا كان كل الصبية يريدونه. بالطبع قد يكون قد دفع ثمنه من ماله الخاص.
ربما يكون قد دفع ثمنه من المال الذي كان يتحصل عليه من الصيد.
كانت الحيوانات التي يصيدها أبي بالشراك هي فئران المسك، والمنك، والخر، ومن آن لآخر الوشق الأحمر، إلى جانب ثعلب الماء وابن عرس والثعالب. كان يصيد فئران المسك في الربيع؛ لأن فراءها يكون في ذروة نقائه حتى نهاية أبريل، فيما تكون جميع الحيوانات الأخرى في أفضل حالاتها بدءا من نهاية أكتوبر حتى دخول الشتاء. أما ابن عرس الأبيض، فلا يبلغ فراؤه نقاءه الأقصى حتى العاشر من ديسمبر تقريبا. كان أبي يخرج للصيد مرتديا حذاء الجليد خاصته. وكان ينصب أشراكه الثقيلة بدائرة إطلاق تتخذ شكل الرقم 4، وينصبه بحيث تقع ألواح الخشب وأفرع الشجر على فأر المسك أو المنك. وكان يثبت أشراك ابن عرس في الأشجار. كان يربط ألواح الخشب معا ليصنع شراكا على شكل صندوق مربع تعمل بنفس فكرة الأشراك الثقيلة؛ ولم يكن هذا بالأمر المعتاد لدى الصيادين الآخرين. أما الأشراك الفولاذية المخصصة لفئران المسك، فكانت تثبت بحيث يمسك بالحيوان عادة عند طرف سياج منحدر من خشب الأرز. كان الصبر والبصيرة والمكر عناصر أساسية في هذا الأمر. فكان يضع للحيوانات النباتية قطعا لذيذة من التفاح والجزر الأبيض، أما آكلات اللحوم، مثل المنك، فكان لها طعم أسماك سائغ يمزجه بنفسه ويتركه ليعتق في برطمان في الأرض. وكان هناك مزيج لحوم مماثل للثعالب يدفن في يونيو أو يوليو ويستخرج في الخريف؛ فكانت تنبش لاستخراجه من الأرض للتدحرج عليه، مستمتعة بالرائحة النتنة المنبعثة منه.
كانت الثعالب هي الأكثر إثارة بالنسبة إليه، فكان يتتبعها من الأنهار الصغيرة حتى التلال الرملية الصغيرة الوعرة التي أحيانا ما كانت توجد بين الأحراش والمرعى؛ فقد كانت تحب الإيواء إلى التلال الرملية ليلا. وتعلم أن يغلي مصائده في الماء ولحاء القيقب الأملس للقضاء على رائحة المعدن. وكانت مثل هذه الأشراك تنصب في العراء وتنخل فوقها كمية من الرمال.
كيف يقتل ثعلب أوقع في شرك؟ لا يمكن بالطبع إطلاق النار عليه؛ لأن أثر الجرح في الجلد ورائحة الدم يفسدان الشراك.
Неизвестная страница