لم يكن لذلك أي أهمية لدي أنا وفرانسيس؛ فعلى طاولة للعب الورق نصبت في منتصف الغرفة كانت ثمة لعبة دامة صينية جاهزة لكي يلعبها شخصان، ومجموعة من المجلات السينمائية، وفي الحال انقضضت على المجلات، لم يمر بخيالي قط أن أجد مثل هذه الوليمة من المجلات. لم يكن مهما بالنسبة إلي أنها لم تكن جديدة ولا أن بعضها كان شبه ممزق من كثرة تصفحه. وقفت فرانسيس بجوار مقعدي، مفسدة علي متعتي قليلا بإخباري بما سأجده بعد ذلك في المجلة التي بين يدي وما تحويه أخرى لم أفتحها بعد. كانت المجلات فكرتها بالطبع، وكان علي التحلي بالصبر معها؛ فقد كانت ملكا لها، ولو قررت انتزاعها لعصف بي الحزن أكثر مما حدث لي عندما أغرق أبي قططي الصغيرة.
كانت ترتدي ثوبا ربما يكون قد خرج من واحدة من تلك المجلات؛ كان رداء حفلات لإحدى النجمات السينمائيات من الأطفال، وكان من القماش المخملي ذي اللون الأحمر القاني وله ياقة من الدانتيل الأبيض وشريط أسود متدل عبر الدانتيل. كان رداء والدتها مماثلا لردائها تماما، وكانت تسريحة شعرهما واحدة؛ الشعر متموج من الأمام ومنسدل من الخلف. كان شعر فرانسيس خفيفا وناعما، وفي غمرة حماسها وقفزها هنا وهناك لتريني الأشياء كان تموجه قد انحل بالفعل.
كانت الغرفة تزداد ظلاما، وكانت ثمة أسلاك بارزة من السقف ولكن دون مصابيح، فأحضرت السيدة وينرايت مصباحا ذا سلك طويل ووضعت قابسه في مقبس بالحائط، فتألق ضوء المصباح عبر الإطار الزجاجي الأخضر الفاتح لتنورة نسائية طويلة. «إنها تنورة سكارليت أوهارا. أهديتها أنا وأبي إلى أمي في عيد ميلادها.»
لم نجد وقتا للعب الدامة الصينية، وبعد فترة أزيلت لوحة اللعب الخاصة بها، ونقلنا المجلات إلى الأرض، وبسطت قطعة من القماش المطرز - لم تكن مفرش مائدة بالمعنى المفهوم - عبر الطاولة، ثم تبع ذلك وضع الأطباق عليها. كان من الواضح أني أنا وفرانسيس سوف نتناول طعامنا هنا بمفردنا. انشغل كلا الأبوين في تجهيز الطاولة؛ وكانت السيدة وينرايت ترتدي مريلة رائعة فوق ردائها المخملي الأحمر بينما ارتدى السيد وينرايت قميصا وصدرية الجزء الخلفي منها مصنوع من الحرير.
حين انتهى إعداد كل شيء دعينا إلى الطاولة. توقعت أن يترك السيد وينرايت تقديم الطعام لزوجته؛ والحق أنني قد اندهشت جدا حين رأيته يتحرك حول المائدة بالسكاكين والشوك، ولكنه حينئذ كان يجذب لنا مقاعدنا لنجلس، وأعلن أنه سيلعب دور النادل. حين اقترب مني لتلك الدرجة، استطعت أن أشم رائحته وأسمع صوت أنفاسه. كانت أنفاسه تبدو متلهفة، مثل أنفاس كلب، وكانت تفوح منه رائحة بودرة التلك واللوسيون التجميلي، ذكرتني برائحة الحفاضات النظيفة وأوحت بحميمية مثيرة للاشمئزاز.
قال: «والآن آنساتي الجميلات، سوف أحضر لكما بعض الشامبانيا!»
وإذا به يحضر إبريقا به عصير ليمون ويملأ كئوسنا منه . راودني شعور بالقلق إلى أن تذوقته؛ فقد كنت أعرف أن الشامبانيا مشروب كحولي، ولم يكن لمثل تلك المشروبات مكان في منزلنا ولا في منزل أحد ممن نعرفهم. وراح السيد وينرايت يرقبني وأنا أتذوقه وبدا أنه كان يخمن ما أشعر به.
قال: «هل ثمة مشكلة؟ ألست قلقة الآن؟ هل كل شيء ينال رضا سيادتك؟»
ثم انحنى لي.
وأردف قائلا: «والآن، ماذا تحبين أن تتناولي من صنوف الطعام؟» وراح يسرد قائمة من الأصناف غير المألوفة؛ كان كل ما فهمته منها هو لحم الغزال، الذي لم يسبق لي أن تذوقته بالتأكيد، وانتهت القائمة بالحلويات، فضحكت فرانسيس وقالت: «سوف نتناول حلويات من فضلك، مع البطاطس.»
Неизвестная страница