نموذجا للاستدلال الرياضي، ويؤدي كل من الحدس والتفكير الشكلي إلى تزويد العلوم الرياضية بقدرة هائلة على التعميم.
وفي نهاية الفصل ندرس الهندسات غير الإقليدية، وامتدادات فكرة العدد.
أولا: المبادئ (1) فكرة المبدأ. ميز إقليدس في المبادئ بين البديهيات والمصادرات والتعريفات
إذ قلنا إن الاستدلال الرياضي يتكون من استنباطات دقيقة، وإنه هو الاستدلال الاستنباطي على الحقيقة، ففي قولنا هذا تكرار لصفة أوضح من أن تستحق مزيدا من التأكيد، حتى بالنسبة إلى أبسط أنواع التعليم. فصحة النظرية الرياضية تتوقف على صحة الفروض، على أن تكون قواعد الاستنباط قد طبقت، بطبيعة الحال، تطبيقا صحيحا. ولكي تصدق هذه الفروض يجب أن يكون قد سبق البرهنة عليها، وهكذا دواليك. غير أننا لا نستطيع أن نتابع هذه الحركة الراجعة إلى ما لا نهاية، متعقبين سلسلة البراهين في الاتجاه العكسي. فليس ثمة استدلال دون معطيات أولية. ونقطة البداية هنا قضايا ليست نتائج لأي برهان، وتسمى هذه القضايا الأولية بالمبادئ - وهي تستخدم أساسا لبراهين النظريات الرياضية - ويميز إقليدس، في هذه المبادئ بين البديهيات والمصادرات والتعريفات. فلنتساءل إذن إن كانت كل هذه القضايا الأولية لها قيمة واحدة من حيث البداهة. (2) البديهيات (
Axiomes )
كثيرا ما نرى البديهية تعرف بأنها قضية بلغت في ذاتها حدا من البداهة يجعلنا نعجز عن الاهتداء إلى قضايا أشد بداهة منها ليبرهن بها عليها. ولقد اشترط «باسكال» للبديهيات أن تفي بهذه القاعدة «يجب ألا نتطلب من البديهيات سوى أمور واضحة بذاتها كل الوضوح.» وأضاف، تبعا لذلك، أنه «ليس علينا أن نحاول البرهنة على الأمور التي تبلغ بذاتها حدا من الوضوح يستحيل معه على المرء أن يجد ما هو أوضح منها ليبرهن به عليها.»
وإليك أمثلة لهذه القضايا: المقداران المساويان لمقدار ثالث متساويان. الكل أكبر من الجزء.
فنحن نجد في هذه القضايا مبادئ واضحة وضوحا مطلقا، وتصلح لكل الاستدلالات والتجارب. (3) الصادرات:
غير أن هناك قضايا أخرى لا يبرهن عليها، وتتخذ بدورها أسسا للرياضة، وذلك إلى جانب البديهيات التي تتصف بالوضوح التام، وتلك الأسس الأخرى تسمى بالمصادرات، ومن أمثلتها مصادرة إقليدس المشهورة: لا يمكن أن يمد من نقطة خارج مستقيم إلا خط واحد وواحد فقط، مواز لهذا المستقيم، ولقد حدث كثيرا خلال التاريخ أن حاول بعضهم «البرهنة» على هذه القضية، أعني أن يجعل منها نظرية تستنبط من نظريات أخرى أو من بديهيات واضحة بذاتها ولكن لم ينجح أحد من الإتيان بمثل هذا البرهان.
ومع هذا فلو لم «يسلم» المرء بهذه القضية، لتوقفت الهندسة الإقليدية عن المسير، ولهذا طالبنا إقليدس بأن نسلم بها. فهي إحدى «مطالبه». فالمصادرة إذن «مطلب» يتقدم به العالم الرياضي، كما يدل على ذلك أصلها الاشتقاقي، (يطالب =
Неизвестная страница