والحق أن فكرة العلاقة قد تكونت بصعوبة كبيرة فاليونانيون قد أدركوا أهميتها، ونحن نعلم أنهم أسموهما
pros ti ، وهذا هو اسم المقولة الرابعة من مقولات أرسطو. غير أن العلاقة عندهم كانت تعبر عن مقارنة كمية يستخدم «أفعل تفضيل» لتحديدها، أو هي رابطة غير محدودة بين صفة نشعر بها، وبين حساسية الذات التي تدرك (فيقال مثلا إن المصاب بالصفراء يرى كل شيء أصفر اللون، أو أن المصاب بعمى الألوان يتساوى لديه الأخضر والأحمر). ونتيجة ذلك أن النسبة كانت تعد إحدى حجج الشك، والحق أن النظر إلى الأمور من وجهة النظر النسبية يجعل من المحال القول بوصف مطلق؛ فسقراط ليس طويلا ولا قصيرا؛ بل هو «أطول» من تيتاتوس، و«أقصر» من القبيادس، والكريز الناضج ليس أخضر ولا أحمر، بل هو أحمر «بالنسبة إلى» ذي الإبصار السليم مثلا، وأخضر وأحمر معا بالنسبة إلى المصاب بعمى الألوان الجزئي.
الرياضيات والنسبية العلمية
وقد كانت الرياضة هي التي حررت العقل إذ أعانته على تكوين فكرة صادقة. ذلك لأن العلاقة في الرياضة موضوع من موضوعات هذا العلم، ولقد كان اليونانيون هم الذين كونوا فكرة اللوجوس
Logos
وعرفوها، وكانوا يعنون بها العلاقة الرياضية أ /ب بل «التناسب» وتساوي العلاقات أ/ب = ج/د، واستخلصوا النظرية عن هذه العلاقات. وذلك هو موضوع الكتاب الخامس لإقليدس. وكانت مهمة العصر الحديث هي تعميم هذه الفكرة على نحو يكفي لتحويل النسبة إلى «دالة»
fonction . ويقدم ديكارت في «المقال في المنهج» تعريفا لعلم رياضي (الرياضة البحتة والمجردة
mathesis pura atque abstracta «كما يسميها في التأمل الخامس») هو نظرية محضة «للعلاقات أو النسب المختلفة».
19
وبعد أن اعتاد الإنسان أن يواجه فكرة العلاقة مباشرة، ويراها معقولة، انتهى به الأمر إلى إدراك أن النسبية بدلا من أن تؤدى إلى الشك، هي في الحق إحدى دعائم العلم. (1) قلنا إن الحتمية هي تأكيد ضرورة «شرطية» أعني ضرورة رابطة، وضرورة نسبية؛ فالحتمية تتخذ إذن صيغة «العلاقات الضرورية» وذلك هو ما يسمى ب «قوانين الطبيعة». ويطلق عليها «لوكريس
Неизвестная страница