أهم هذه المبادئ، تأكيد الحتمية
يبدو أن كلود برنار يسوي بين العلم وبين الإيمان «بالحتمية». فما الحتمية؟ إنها مبدأ عبر عنه كلود برنار على النحو التالي: «في الكائنات الحية، وفي أجسام الجماد على حد سواء، تتحدد شروط وجود كل ظاهرة تحديدا مطلقا.»
11
ولقد فعل كلود برنار الكثير من أجل تثبيت دعائم علم حقيقي «بالكائنات الحية»، وهذا ما يفسر الجزء الأول من عبارته، والمقصود بالظاهرة حادث يمكن الوصول إليه، من حيث المبدأ عن طريق الملاحظة، ونقول من حيث المبدأ، لأنه قد يحدث أن تكون حواسنا عاجزة من الناحية العملية عن إدراكه مباشرة، ويكون لزاما علينا أن نلجأ إلى آلات دون أن نبرح مكاننا (فمثلا، تسليط أشعة إكس لا يستطيع تسجيله إلا للتصوير) أو أن نتصوره من جديد، بناء على ما خلفه من آثار (ومن هذا القبيل، كسوف الشمس الذي تنبأ به طاليس، كما روى لنا كتاب المذاهب
doxographes
اليونانيون، وهم مؤرخو الفلسفة والعلم عند اليونان)، أو أن نتنبأ به عن طريق تضافر ما لدينا من براهين على وجوده (مثل حركة الأرض، التي لا نستطيع أن نقررها مباشرة، وإن كان لدينا عنها عدد كبير من البراهين غير المباشرة).
أما شروط وجود الظاهرة فهي الظواهر التي تسبقها أو تصحبها، والتي يؤدي وجودها إلى حدوث الظاهرة، بينما يستحيل أن تحدث في غيابها. ومن هذا القبيل، الجراثيم، والقابلية للإصابة بمرض معد. وهذه الشروط «محددة حتما» (ومن هنا استخدام لفظ الحتمية)، بمعنى أنها ثابتة على نحو مطلق. وبعبارة أخرى فالظاهرة لا تحدث إلا إذا توافرت هذه الشروط، ولكنها لا بد أن تحدث في هذه الحالة. وإذن من المستحيل أن تحدث الظاهرة إذا لم تتحقق هذه الشروط، ومن المستحيل ألا تنتج إذا ما توافرت. وهذه الاستحالة هي ما يسمى بالضرورة.
النتيجة الأولى: ليس هناك قدر محتوم ولا مصير محدد
كثيرا ما يخلط الناس بين الحتمية وبين الإيمان بالقدر المحتوم، وبالمصير، أعني الجبر المطلق. غير أن الحتمية بعيدة كل البعد عن الجبر المطلق، حتى ليمكن القول بأنها مضادة له بمعنى ما، وهذا ما جعل «كانت» يستخلص من الحتمية نتيجة هي إنكار الجبر المطلق
non datur fatum
Неизвестная страница