ذلك هو المنهج الذي وضعه هارفي، ولافوازييه ولابلاس، والذي صاغ كلودبرنار
11
قواعده النظرية، فضلا عن قيامه بأعظم تجاربه العملية، والمبادئ الأساسية لهذا المنهج هي: (1)
أن حتمية ظواهر الحياة صارمة تماما كحتمية علم الطبيعة والكيمياء. (2)
وهي من نفس الطبيعة، أعني أن المرء لا يصادف في الكائنات العضوية سوى ظواهر طبيعية وكيميائية. فالمادة الحية، كما قيل، «ذات تنظيم عضوي»، أعني أن لها تركيبها الخاص، وهذا التركيب عظيم التعقيد، ولكن عناصره هي نفس العناصر التي تكون المادة الجامدة؛ فالكربون والآزوت والهيدروجين تلعب فيها الدور الرئيسي. و«الكيمياء العضوية» إنما هي امتداد للكيمياء المعدنية أي لكيمياء الأجسام الجامدة، وليس هناك عنصر كيميائي تختص به الأجسام الحية، والتفاعلات الكيميائية التي تلاحظ أو تنتج في معمل الكيميائية، تنتج كذلك في الكائنات العضوية، وكل ما في الأمر أنها عندما تحدث في الكائن العضوي تخضع لشروط أكثر تعقيدا من ذلك، وإن كانت واحدة في حقيقتها. فمن وجهة نظر العلم الطبيعي يعد الكائن الحي «آلة»، كما قال ديكارت من قبل عن الكائن العضوي الحيواني، وعن الكائن العضوي البشري أيضا، بالقدر الذي تتشابه فيه وظائفه مع وظائف الكائن العضوي الحيواني.
وعلى هذا النحو تكون علم طبيعة كيميائي للحياة امتدت كشوفه امتدادا هائلا وتلاحقت بسرعة كبيرة. (5) أمثلة للبحوث الفسيولوجية تبين المراحل الثلاثة للمنهج
لكي نوضح خصائص المنهج في الفسيولوجيا، سنقتبس من كلودبرنار الأمثلة الآتية:
الأرانب من أكلة اللحوم: إن المثال الأول معروف مشهور وهو مثال تلك البحوث التي أثبت بها «كلودبرنار» أن الكائن العضوي للحيوانات آكلة العشب، إذا ما تعرض للصيام مدة طويلة، يتغذى من جسمه هو، ويسلك مسلك الحيوانات آكلة اللحوم. (1)
فقد أتى «كلودبرنار» لتجاربه بأرانب من السوق، وعندما تبولت هذه الأرانب على منضدة المعمل، لاحظ مندهشا أن بولها حمضي صاف، كما هي الحال في أكلة اللحوم، وليس قلويا عكرا، كما هي الحال في أكلة العشب عادة. (2)
خطر بذهنه أن هذه الحيوانات ربما كانت محرومة من الطعام منذ مدة طويلة، وأن جسمها الذي يتغذى مما فيه من مواد داخلية احتياطية، هو في حقيقته من أكلة اللحوم. (3)
Неизвестная страница