أو فن الشفاء، وهو الطب بمعناه الصحيح، من «العلم» النظري المحض، وهذا العلم النظري ينقسم إلى: (1)
علم التشريح: وهو علم قديم جدا، ينحصر في وصف «الأعضاء» التي يتكون منها الكائن العضوي، ويقتضي مجموعة من العمليات لاقتطاع الأعضاء (أي تشريحها) ثم إعدادها تمهيدا لحفظها، أو ملاحظتها دون مشقة. (2)
الفسيولوجيا: وعلى العكس من ذلك، فإن العلم المسمى بهذا الاسم حديث إلى حد ما، ورغم أن الكلمة التي تدل عليه ترجع إلى القرن السادس عشر، فإنه لم يصبح علما محددا إلا في القرن التاسع عشر، بفضل جهود كلود برنار، وهو ينحصر في دراسة «الوظائف» أي القوانين التي تؤدي الكائنات الحية وظائفها تبعا لها، والمنهج المميز له هو «التشريح الحي
vivisection » أي ملاحظة طريقة عمل الأعضاء «الحية» التي يجري عليها التجارب بوساطة عمليات مختلفة ذات طبيعة جراحية: كالبتر التجريبي، أو عمليات الفصد التي تهدف إلى فحص السوائل التي يفرزها العضو أثناء أدائه لوظيفته ... إلخ. ولقد أصبح علم وظائف الأعضاء أهم العلوم التي تفرعت عن الطب القديم وأكثرها نفعا. (2) الفسيولوجيا ليس لها أن تفسر الحياة
وهنا يعرض سؤال أولي، فهل تستطيع علوم الحياة أن تفسر لنا كنه الحياة؟ لا شك في أن المرء يميل إلى الثقة بقدرة هذه العلوم ثقة لا حد لها، ولكن للمرء أن يخشى من أن الحياة بطبيعتها لا تخضع خضوعا مطلقا لمناهج العلم.
فما الكائن الحي إذن؟ (أ) الحياة والفردية (1) لقد قيل إنه هو الفرد، أي هو حقيقة تنطوي على طابع مزدوج، هو أنها: محددة المعالم، منعزلة في المكان قائمة بذاتها، أي بمعنى ما حقيقة لا ينفذ إليها غيرها، كما أنها مزودة بوحدة داخلية، بحيث تفنى الأجزاء إذا انحل الكل، أي إذا أصيب الكائن العضوي في مقتل، ولا شك في أن فردية الحيوان أو النبات ليست مطلقة؛ إذ يتفق أحيانا أن يعاد تركيب الكائن العضوي عن طريق أحد أجزائه المنفصلة؛ بل إن هذه الظاهرة هي المعتادة في أنواع معينة من التكاثر، كما هي الحال في تكاثر النباتات بانفصال بعض أجزائها. ولكن الذي نستنتجه من ذلك، كما قال برجسون في عبارته الدقيقة، هو «أن الفردية لا تكون كاملة أبدا، وأنه كثيرا ما يكون من العسير؛ بل من المحال أحيانا، أن نفرق تفرقة واضحة بين ما هو فردي وبين ما هو غير فردي، ولكن هذا لا يحول دون القول بأن الحياة تسعى إلى تحقيق الفردية، بطبيعتها.»
1
ولقد كان علماء الكيمياء القدامى يقولون إن الكائن العضوي كون مصغر
microcosme . وإذا كان من سوء الفهم أن نتصور الكون المصغر على مثال الكون الحقيقي، وعلى أنه مكون من أجزاء تناظر أجزاء الكون، فمن المؤكد مع ذلك أن الكائن العضوي الحي يشبه الكون إلى حد معين، يتمثل في أنه هو الآخر كل ما يبدو موجودا لذاته. (ب) الحياة والطبيعة، والميل (2) وللكائن الحي «طبيعة» أو «ماهية» داخلية، يمكن تصورها على أنها حقيقة تعبر عن طريقة تركيب ذلك الكائن، ولقد تصور «إسبينوزا»
2
Неизвестная страница