Foucault
تجربة تسمح بالمقارنة بين سرعة الضوء في الهواء وسرعته في الماء؛ فيقسم شعاعا ضوئيا إلى حزمتين، تمر إحداهما بأنبوبة مليئة بالماء، ويختلف الشعاعان عند وصولهما باختلاف صورة النقطة التي يسقطان فيها على شاشة. وفي الجزء المشترك من مسارهما توضع مرآة تدور حول نفسها بسرعة تصل إلى حد أن الشعاع الضوئي، بعد أن يصطدم بالمرآة التي تدور ثم ينعكس على مرآة أخرى ثابتة ترده إلى المرآة الدائرة، لا يرتد إلى نفس الموضع من المرآة التي تدور وإذن فالضوء قد انحرف، ويزداد انحرافه كلما ازداد بطئا، ويبين الموقع النسبي لنقطتي الوصول، بطريقة مباشرة وفاصلة، أي الشعاعين هو الأبطأ، وبالتالي أي الفرضين هو الصحيح. والواقع أن الفرض التموجي هو الصحيح .
وفي مبدأ الأمر تثير القدرة الإقناعية لهذا النوع من الأمثلة دهشة المرء. ومع ذلك فإن هذه الأمثلة نادرة، ويبدو أن التجربة الفاصلة تزودنا بنوع من برهان الخلف على الفرض الذي تثبت صحته. (10) ولكن ليس هناك تجربة فاصلة بالمعنى الصحيح
يبين بيير دوهم
20
أنه ليس ثمة تجربة فاصلة بالمعنى الصحيح، وذلك لسبب عرفناه من قبل؛ فالواقعة العلمية التي يراد أن تكون دليلا للإثبات، تفسر عن طريق معارف سبق اكتسابها، أي أن لها في ذاتها مضمونا نظريا كاملا، بحيث إن الفرضين لا يتمثلان في صورتهما الخالصة. فالشيء الذي يحققه المرء عندئذ هو العلم كاملا، وقد أضيف إليه محتوى جديد هو الفرضان المتضادان. فإن كان جواب التجربة عن أحد الفرضين بالسلب، فلن نعلم على وجه الدقة إن كان ما تكذبه هو الفرض الذي نحن بصدده، أو كان مسألة أخرى في ذلك العلم يجب علينا معاودة بحثها. ونقول بعبارة أخرى، إن العلم في جملته هو الذي يكون صوابا أو خطأ، لا الفرض الواحد. (11) هناك تشابه عميق بين العلوم الرياضية والعلوم التجريبية
تبين لنا أن منهج الطبيعة الرياضية نصف رياضي ونصف تجريبي. فهو رياضي من حيث أنه يستبدل بالواقعة المشاهدة واقعة ذات صورة رياضية، ويدخل هذه الواقعة في صيغة رياضية، هي الدالة. وهو تجريبي من حيث إنه يبدأ بمشاهدة أمر ما، أي بإدراك حسي، تدخل فيه الذهن على نطاق واسع حقا، ولكنه إدراك حسي على أية حال. ثم إن العلم يعود في نهاية الأمر إلى ذلك الإدراك الحسي الذي بدأ منه. وفضلا عن ذلك، فالإدراك الحسي الأخير هو الذي يحكم على القانون، فإما أن يؤكد صحته، وإما أن يرفضه مؤكدا بطلانه.
ومن ثم فإن قوام منهج الطبيعة الرياضية هو الفصل بين العمليتين اللتين كان يجمع بينهما البرهان الرياضي، واللتين لا يستطيع منهج علم الطبيعة أن يجريهما مجتمعتين: أي العملية التي يتم بها الفهم، والعملية التي يتم بها التحقق.
فهناك إذن شبه عميق - مع وجود اختلاف واضح - بين المنهج الرياضي ومنهج الطبيعة الرياضية، أي بعبارة أعم ، منهج العلوم «التجريبية» أعني العلوم الخاصة للتجريب.
المعاني المختلفة لكلمة الفرض:
Неизвестная страница