وإنها لمحاولة جريئة من قبلهم ، قاموا بها، لصيانة التوحيد، والرد على التشبيه، ولتفسير الخلق، والقول بأن المادة حقيقية، ولتنزيه الله عن كل ما يتعلق بالمادة ويشوبها.
مصدر فكرة المعدوم: مما لا شك فيه، أن المعتزلة قد اقتبسوا هذه الفكرة من اليونان.
ويؤكد الشهرستاني ذلك الاقتباس، وأنه من «أرسطو» بالذات. ويقول أرسطو في كتاب (السماع الطبيعي): إن الهيولى- أي المادة الأولى- أزلية أبدية، ولو كانت الهيولى حادثة، لحدثت عن موضوع، ولكنها هي موضوع تحدث عنها الأشياء، بحيث يلزم أن توجد قبل أن تحدث، وهذا خلف، ولو كانت فاسدة، لوجبت هيولى أخرى تبقى، لتحدث عنها الأشياء، بحيث تبقى الهيولى بعد أن تفسد، وهذا خلف كذلك.
وإذا اقتبست المعتزلة، فكرة المعدوم من أرسطو، فإن مذهبهم الوجودي متشبع، بنظرية المثل الأفلاطونية.
والمعتزلة قرأت بلا ريب، جمهورية أفلاطون، ومحاورة (تيماوس) وقالت: إن المعرفة الحقيقة هي معرفة الكليات.
لذلك قالت، بموضوع لهذه الكليات، هذا الموضوع هو هذا المعدوم، الذي قالوا به، ووصفوه خارج الزمان.
ولقد ردت المعتزلة فكرة المثل الأفلاطونية وحافظت على جوهر المذهب الأفلاطونى، القائل بوجود موضوعات الأفكار، وزادت بأن الله وحده، يمنح الوجود لهذه الموضوعات المعدومة. فيمكننا القول بأن فكرة العدم عند المعتزلة، مقتبسة من فلسفة أفلاطون وأرسطو.
وفي الوقت نفسه، أخذوا عن أفلاطون فكرة المثل، بدون أن يقولوا بوجودها الحقيقي، خارج الزمان. فقط هذه المثل، ساعدت على تكوين المذهب الوجودي المعتزلى.
Страница 139