وقال: «فصدهم» لما اتبعوه، على طريق المجاز»، كما يقال في الملك العظيم، قد استحوذ واستولى عليه خادمه، وقد صده عن العدل والاحسان، وذلك لا يمنع من أنه ضعيف في نفسه وفي كيده، فكذلك القول (ذكر)، وانما نبه تعالى بذلك، على ضعف الكفار، لما تمكن الشيطان منهم، مع ان حاله ما وصفنا، وتركهم الحزم، عدولهم عن الصواب، وإلا فالشيطان لا يمكن منه إلا الوسوسة، التى لولاها لكان الكافر سيكفر أيضا، لأنه لا يجوز أن يكفر عند ادعائه، على وجه، لولاه كان لا يكفر، فلا يكون لوسوسته تأثير.
وهذا الموضوع هو الذي خالف فيه «أبو هاشم» «أبا علي»، فجوز أن يجري دعاء الشيطان مجرى زيادة الشهوة، في أنه لا يجب أن يمنع تعالى منه، إذا علم أن عنده يكفر، ولولاه لأمن، لأنه جار مجرى التمكن، خارج عن طريقة المفسدة.
بطلان طعنهم على القرآن بالتكرار والتطويل:
فأما ما يطعنون به، مما يزعمون، أنه تكرار فى سورة «قل يا أيها الكافرون»، فقد بين أبو على، أنه وإن أشبه فى اللفظ التكرار، فليس بتكرار، لأن المراد به، ألا أعبد ما تعبدون اليوم، وأراد بقوله «ولا أنتم عابدون ما أعبد»، أنكم غير عابدين لما أعبد اليوم.
وأراد بقوله: «ولا أنا عابد ما عبدتم»: أي أني عابد ما عبدتموه، فيما سلف، لأنهم كانوا يعبدون، في المستقبل، من الحجارة والأوثان، غير ما عبدوه من قبل.
وعنى بقوله «ولا أنتم عابدون ما أعبد»، أنكم لا تعبدون ما أعبده بعد اليوم ... وإنما أنزل عز وجل ذلك، لأن قوما من الكفار، قالوا لرسول الله، صلى الله عليه وسلم:
أعبد ما نعبده اليوم سنة، حتى نعبد ما تعبده أنت اليوم سنة، واعبد أنت ما نعبده سنة أخرى، حتى نشترك في العبادة على هذا السبيل، فأنزل الله تعالى هذه السورة، جوابا لهم «1».
Страница 131