402

كالحيوان مثلا نوعا بالفعل ، وحيوانا بالفعل ، من غير أن يحتاج في كونه نوعا بالفعل إلى حصول هذه الأشياء له بالفعل.

والمحصل أن الكمال الأول والثاني وإن كان كل منهما كمالا للنوع ، إلا أن الأول متبوع وملزوم والثاني تابع ولازم له ؛ وأن الأول متقدم ، والثاني متأخر عنه ، والأول يتوقف عليه حصول النوع في نفسه بالفعل ، والثاني متأخر عن تحصل النوع بالفعل ؛ حيث إن الأول مما يحتاج النوع في حصوله بالفعل إلى حصوله بالفعل ، دون الثاني ؛ فإنه وإن كان حصوله بالقوة أيضا ، أي بالقوة القريبة يمكن أيضا حصول النوع بالفعل. والملخص أن الأول مما يكمل به النوع في ذاته ، والثاني مما يكمل به في صفاته ، وحيث كان النفس من قبيل الكمال الأول ، حيث إنها مبدأ للكمالات الثانية ، ويصدق عليها ما هو معنى الكمال الأول كما ذكر ، فيجب أن يقيد الكمال في حدها بالكمال الأول ، حتى يكون مختصا بها ويخرج غيرها. فيقال : إنها كمال أول ، وربما أشعر تمثيله للكمال الأول والثاني أن الكمال مطلقا كما يمكن أن يكون جوهرا يمكن أن يكون عرضا أيضا ، كما ادعاه فيما تقدم ، فافهم.

وقوله (1): «ولأن الكمال كمال للشيء ، فالنفس كمال الشيء ؛ وهذا الشيء هو الجسم ، ويجب أن يؤخذ الجسم بالمعنى الجنسي لا بالمعنى المادي ، كما عملت في صناعة البرهان».

أي حيث قلنا إن النفس كمال أول ، فاعلم أن الكمال لما كان من باب المضاف ، وكانت الإضافة معتبرة في معنونه ، وكان معناه أنه كمال لشيء ، وجب إضافته إلى شيء ، وهذا الشيء ليس شيئا مطلقا ، بل شيئا خاصا هو الجسم ؛ فيجب إضافته إلى الجسم ، والقول بأنها كمال أول لجسم ، لكن لا للجسم بالمعنى المادي ، بل للجسم بالمعنى الجنسي ، حتى يمكن أن يكون ذلك كمالا وفصلا له ، كما علمت ذلك في صناعة البرهان ، وذكرنا نحن نبذا منه ، نقلا عن إلهيات الشفاء.

Страница 74