ظاهره أنه بين ذلك الفرق بوجهين ، وفرع على الأول منهما الأولوية من جهة تضمن جميع أنواع النفس ، وعلى الثاني الأولوية من جهة كونه أدل على معناها.
وبيان الأول : أنه لا يخفى أن كل صورة كمال ، أي أن كل صورة نوعية منطبعة في المادة كمال ، لأنها مما يكمل بها ذو الصورة ، سواء اعتبر كونها كمالا من جهة اعتبار كونها صورة ، حتى تكون كمالا للجملة منها ومن المادة ، أو من جهة اعتبارها فصلا ، حتى تكون كمالا للنوع.
وبالجملة فالصورة كمال ، ولا يخفى أيضا أن ليس كل كمال صورة كذلك ، فإن الملك كمال المدينة ، والربان كمال للسفينة ، من حيث إنهما يتم بهما ما هو المقصود من المدينة والسفينة ويكمل معهما ، والحال أنهما ليسا بصورتين كذلك للمدينة والسفينة ، بل هما مفارقا الذات عنهما ، وما كان من الكمال مفارق الذات ، لم يكن بالحقيقة صورة للمادة وفي المادة ، أي صورة بالمعنى المراد منها عند القوم ؛ فإن الصورة بالمعنى المصطلح عليه هي الصورة المنطبعة في المادة القائمة بها ، وظاهر أن الكمال المفارق الذات ليس كذلك ، اللهم إلا أن يصطلح ويقال لكمال النوع ، وإن كان مفارق الذات : إنه صورة النوع بالحقيقة. فظهر أن الكمال قد يكون صورة منطبعة في المادة ، وقد يكون مفارق الذات ؛ بخلاف الصورة فإنها لا تكون مفارقة الذات إلا بنوع من الاصطلاح. وظاهر أيضا أن النفس التي نحن بصدد تحديدها ، أعم من المنطبعة والمفارقة ، حيث إنها أعم من النباتية والحيوانية المنطبعتين ، ومن الإنسانية المفارقة.
فلو قلنا في تحديدها : إنها صورة ، وأردنا ما بها الكمال أيضا ، لكانت مخصوصة بالاوليين خاصة ، بخلاف ما إذا قلنا : إنها كمال ، فإنه حينئذ يشمل الجميع ، أي جميع أنواع النفس من جميع وجوهها ، ولا يشذ النفس المفارقة للمادة عنه ، وهذا هو تحرير ما ذكره.
مناقشة مع الشيخ
إلا أنك خبير بأن ما ذكره من الشاهد على الكمال المفارق الذات ، كأنه لا ينطبق على
Страница 58