169

وتلخص لك أيضا معنى ما قالوه ، من أن النفس لا تفسد بفساد البدن ، حيث إن ذلك الفساد لا يتصور بالنسبة إلى المادة البدنية الباقية بعينها ، بل يتصور بالنسبة إلى صورها وأن أولى المراتب البدنية ، أي الصورة الأخلاطية ، علة معدة لحدوث النفس متعلقة بها ، كما أنها علة معدة لحدوث المرتبة الاخرى بعدها ، أي الصورة المنوية وهكذا كل صورة سابقة علة معدة للاحقة منها ، والنفس باقية بعينها في تلك المراتب الاخرى ، ولا يقدح انعدام العلة المعدة مطلقا حين وجود معلولها سواء فرضت علة معدة لوجود النفس أو لعلاقتها بالبدن ، كما فيما نحن فيه ، إذ العلة المعدة ما يجوز بل يجب انعدامها حين وجود معلولها ، ويتوقف وجود معلولها على عدمها الطارئ على وجودها ، فلا تفسد النفس حينئذ بفساد تلك المرتبة من البدن ، بل يجب وجود النفس حينئذ ، وحيث إن النفس فيما بعد تلك المرتبة الاولى من المراتب الاخرى إلى تمام البدن ، وإلى حلول الأجل باقية بعينها ، وبينها وبين البدن علاقة منشؤها نوع علية واحتياج بينهما كما ذكرنا ، وتلك العلاقة وإن كانت تزول وتفسد بفساد البدن كما ذكرنا وجهه ، لكن زوالها لا يستلزم زوال ذات النفس المتعلقة بالبدن كما بينا وجهه ، بل لا يمكن الاستلزام هنا ، إذ زوال العلاقة بين شيئين بزوال المتعلق به كالبدن هنا إنما يمكن أن يستلزم زوال المتعلق كالنفس هنا ، إذا كان المتعلق متعلق القوام بالمتعلق به وإذ ليس فليس.

فيظهر أنه بفساد البدن لا تفسد ذات النفس ، بل تكون باقية بعد خراب البدن أيضا بعلتها الموجدة لها المبقية إياها الباقية التي لا يطرأ عليها الزوال والفساد.

وظهر الجواب مفصلا عن ذلك الاعتراض المورد هنا بحيث انحسمت مادته ، إلا أنه بما ذكرنا من الجواب إنما يظهر أنه يمكن بقاء النفس بعد فساد البدن ، ولا يجوز أن يكون خراب البدن سببا لفساد النفس.

وأما أنه لا يمكن فساد النفس مطلقا من جهة ذاتها ، فيدل عليه الدليل الثاني الذي ذكره الشيخ في الكتابين. فلذا ذكره بعد الدليل الأول ليتم بالدليلين ما هو المقصود من عدم إمكان طريان الفساد على النفس ، لا من جهة فساد البدن ولا من جهة ذاتها.

وأما عدم إمكان طريان الفساد عليها من غير جهة البدن وذاتها مثل جهة أمر آخر يكون فساده مستلزما لفسادها ، فكأنه مبني على الظهور ، إذ ليس يتصور هنا أمر كذلك ،

Страница 218