كون شيء وفساد ذلك الشيء بعينه ، وهذا إنما يكون إذا كان المحل واحدا بعينه من جهة واحدة ، بتلك الجهة يكون المحل قابلا لكلا الضدين حتى يكون الحال الكائن الفاسد واحدا ، حيث إن تشخص ذلك الشيء الكائن الفاسد إنما يكون بمحله من مادته أو موضوعه ، وإذا تغاير المحلان ذاتا أو من بعض الجهات التي بها يختلف كون المحل قابلا للضدين ، فلا يكون الفاسد هو بعينه ذلك الكائن ، بل أمر آخر حال في محل آخر غير محل الأول ذاتا أو من تلك الجهة ؛ هذا خلف وكذلك لو لم يكن ذلك المحل باقيا بعينه في الحالين ، لجاز أن يكون محلا قابلا لكون أمر فيه وكان باقيا في تلك الحال وقابلا أيضا لفساد ذلك الأمر بعينه عنه ، ولم يكن في تلك الحال باقيا بل فاسدا ، وهذا أيضا ممتنع ، لأن المفروض أن ذلك المحل قابل لفساده عنه ، وفساد شيء عن شيء فرع بقاء الشيء الثاني بعينه ، حتى يتصور فساد الشيء الأول عنه.
نعم يمكن أن يكون محل واحد مع صورة أو هيئة مخصوصة مستعدا لكون شيء فيه بإعداد تلك الصورة أو الهيئة ، بأن تكون تلك الصورة أو الهيئة علة معدة له ، ولجعله مستعدا لذلك الشيء فيكون ذلك المحل بذلك الاستعداد محلا قابلا لكون ذلك الشيء ، فيحدث هو فيه ، وينعدم تلك الصورة أو الهيئة التي هي العلة المعدة ، فيحدث فيه صورة اخرى غير الاولى ، ويكون ذلك المحل باقيا بعينه فيستعد بإعداد صورة اخرى فيه أو هيئة غير الاولى ، لفساد ذلك الشيء عنه ، فيفسد ذلك الشيء عنه ويفسد عنه تلك العلة المعدة أيضا ويكون ذلك المحل باقيا بعينه حينئذ أيضا. إذ لا دخل لتلك العلة المعدة لاختلاف المحل ، لا ذاتا ولا من الجهة التي بها يكون المحل قابلا للضدين ، أما عدم الاختلاف ذاتا فظاهر ، وأما عدم الاختلاف بتلك الجهة ، فلأن العلة المعدة وإن كان لها دخل في استعداد المحل أي لزيادة استعداده وتمامية قابليته لكن ليس لها دخل في أصل الاستعداد وأصل القبول ، بل ذلك مستند إلى ذات المحل بذاته ، فتدبر.
ومنها أن يكون الأمر الكائن الفاسد مع كونه غير ذلك المحل متعلق القوام بذلك المحل ، إذ لو كان مباين القوام عنه لم يجز أن يكون كونه فيه ، كيف ولو جاز ذلك ، لجاز أن يحصل كون شيء من الأشياء المباينة للحجر مثلا كالنفس مثلا في الحجر ، ولجاز أن يكون كون من هو في المشرق مثلا في من هو في المغرب ، وإذا لم يجز كون شيء مباين في
Страница 204