[112] وقد يعرض الغلط في التفرق يضا من أجل خروج الضوء الذي في المبصر عن عرض الاعتدال. وذلك أن الأخشاب الجسام إذا أراد النجار أن يشق منها ألواحا فإنه يخط فيها خطوطا مستقيمة بالسواد في المواضع التي يريد شقها، فإذا شقها صارت مواضع الخطوط شقوقا نافذة. فإذا أدرك البصر جسما من هذه الأجسام قبل أن تشق وكانت الخطوط مخطوطة فيه، وأدركه البصر في موضع مغدر شديد الغدرة أو أدركه في الغلس، ولم يكن قد تقدم علم الناظر بذلك الجسم، فإنه يظن بتلك الخطوط السود أنها تفرق وشقوق، وأن ذلك الجسم هو عدة ألواح قد شقت وبعضها منطبق على بعض، لأن النجار إذا شق الألواح التي بهذه الصفة فإنه يبقيها على وضعها ولا يفرق بينها إلى وقت الحاجة إليها. وإذا ظن البصر بالجسم الواحد المتصل أنه عدة أجسام مضموم بعضها إلى بعض، وأن الخطوط السود التي فيه هي تفرف بين تلك الأجسام، فهو غالط فيا يدركه من التفرق وغالط فيما يدركه من عدد تلك الأجسام إذا كانت وحدا وهو يظنها جماعة.
[113] وكذلك إذا أدرك البصر عدة من المبصرات في موضع مغدر شديد الغدرة أو في سواد الليل، وكانت تلك المبصرات مظلمة الألوان ومتشابهة الألوان، وكانت متضامة ومنطبقا بعضها على بعض وكان التفرق والالتماس الذي ينها ضيقا خفيا، فإن البصر يدرك المبصرات التي بهذه الصفة كأنها جسم واحد متصل ولا يدرك التفرق الذي بينها، لأن المعاني الدقيقة والتفرق الخفي الضيق ليس يظهر للبصر في المواضع الشديدة الغدرة وفي سواد الليل. وإذا كانت لوان تلك المبصرات مظلمة كان جملتها مظلما ولم تتميز ظلمتها من ظلمة التفرق الخفي الذي في تضاعيفها. وإذا أدرك البصر الأجسام المتفرقة جسما واحدا متصلا فهو غالط فيما يدركه من اتصالها، وغالط في عددها أيضا إذا كانت جماعة وهو يظن أنها واحد.
[114] وكذلك إذا كانت مبصرات صقيلة شديدة الصقال وكانت متضامة ومماسا بعضها لبعض، وكان التفرق الذي بينها ضيقا خفيا، وكانت تلك المبصرات مع ذلك متشابهة في اللون، وكانت سطوحها متشابهة الوضع وأشرق على هذه المبصرات ضوء الشمس، وكان البصر ينظر إلى هذه المبصرات وضوء الشمس منعكس من سطوحها الصقيلة إلى البصر، فإن البصر إذا أدرك المبصرات التي بهذه الصفة والضوء منعكس من سطوحها إلى البصر فإنه لا يدرك التفرق الذي فيها ويظن بها أنها جسم واحد متصل. وذلك أن سطح المبصر إذا كان صقيل وانعكس الضوء منه إلى البصر فإن البصر ليس يدرك صورةذلك السطح إدراكا محققا، ولا يدرك المعاني الدقيقة التي تكون في ذلك السطح. فإن كان التفرق الذي بين المبصرات التي بهذه الصفة تفرقا خفيا ضيقا فإن البصر لا يدركه لانعكاس الضوء من سطوح تلك المبصرات إلى البصر. وإذا لم يدرك البصر التفرق الذي بين تلك المبصرات فهو يظن بها أنها جسم واحد متصل.
Страница 467