وقال آخرون: إن الأمر بوجوب الحج على التراخي؛ قياسا على الأمر بتأديب الأهل، وتعليم الصبيان القرآن، وذلك أمر مأمور به، وهو موسع على العبد، ما دام يغلب على ظنه أنه يدركه، فإن وقع الموت، فالوصية تنوب مناب التضييع، واحتجوا أيضا بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "وجب عليه الحج، ولم يحج إلا بعد تسع حجج من هجرته، ولا أمر به من يختلف عنه من أمته"(1)، والأصح أنه على الفور؛ لأن ما احتجوا به يحتمل أن يكون - عليه السلام - أخبره جبريل - عليه السلام - أنه يعيش حتى يحج، أو يكون ما هو فيه من مكابدة المنافقين والمشركين، آكد عليه من الحج، ولسنا نحن كحاله - عليه السلام -، وقد روي عنه - عليه السلام - من طريق ابن عباس - رضي الله عنه - أنه قال: "عجلوا الخروج إلى مكة، فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له، من مرض أو حاجة"(2)، ومن طريق[س/8] آخر عنه- عليه السلام - أنه قال: "من أراد الحج فليعجل، فإنه قد يمرض المريض، وتضل الضالة (3)، وتعرض الحاجة"(4)، وإلى هذا القول الآخر، ذهب أبو عبدالله محمد بن بركة (5) في كتابه(6)
__________
(1) رواه الإمام الربيع في كتاب الحج، في (1) باب في فرض الحج، رقم.ح393، من طريق ابن عباس.
(2) رواه البيهقي، كتاب الحج، باب ما يستحب من تعجيل الحج إذا قدر عليه، 4/340بلفظه، من طريق ابن عباس.
(3) الضالة: عاضل من البهائم للذكر والأنثى، يقال: ضل الشيء إذا ضاع، وتجمع على ضوال، الضالة من الإبل والبقرة، ما يحمي نفسه، ويقدر على الإبعاد في طلب المرعى والماء بخلاف الغنم. ينظر: ابن الأثير، (النهاية في غريب الحديث)، 2/ 90، وابن منظور، (لسان العرب)، 8/ 79، مادة "ضلل".
(4) رواه البيهقي من طريق ابن عباس ، في كتاب الحج، باب ما يستحب من تعجيل الحج إذا قدر عليه، 4/340، ورواه ابن ماجه في (25) كتاب المناسك، في (15) باب الخروج إلى الحج، ح رقم. 2883.
(5) سبق التعريف بابن بركة، ص
(6) ابن بركة، (الجامع)، 2 /65.
Страница 21