فلما علاه بالسيف ورأى أنه قاتله ألقى بنفسه إلى الأرض وكشف سوأته، فغض علي بصره حياء وتكرما وانصرف عنه فنجا، وعيره معاوية بذلك شبيها بالممازح فقال:
أما والله لو كنت أنت لما اهتديت لها.
ولذلك قال علي عليه السلام يوما بالعراق وقد انتهى إليه عن عمرو مقال قال فيه، فضرب بين يديه فقال: «يا عجبا لابن النابغة يزعم لأهل الشام أني ذو دعابة وأني امرؤ تلعابة أعافس وأمارس، لقد قال كذبا، إنما يمنعني من ذلك: ذكر الموت، وقراءة القرآن، وخوف البعث والحساب، وشر القول الكذب، إنه ليقول فيكذب ويعد فيخلف ويسأل فيبخل وينقض العهد ويقطع الآل، فإذا كان يوم البأس فإنه زاجر وآمر ما لم تأخذ السيوف هام الرجال، فإذا كان ذلك ولاهم استه، قبحه الله وترحه» (1).
وعمرو وهو الذي ألقى الشبهة لأهل الشام في قتل عمار، لأنهم كانوا يروون أن النبي صلى الله عليه وآله قال له: «يا عمار تقتلك الفئة الباغية» (2) فلما قتله أصحاب معاوية تكلموا في ذلك وفشى القول فيه واغتم معاوية لذلك، فقال لهم عمرو: إنما قتل عمارا علي [لأنه هو] الذي جاء به وألقاه في الحرب وعرض به القتل. فجازت عليهم.
وقد قال علي عليه السلام لما بلغه ذلك: «إن كنت أنا قتلت عمارا فرسول الله صلى الله عليه وآله قتل من استشهد معه من المهاجرين والأنصار! يا لها من عقول ناقصة».
وكان معاوية وعمرو يتفاخران بالمكر ويتعارضان بالدهاء، وقيل: إن رجلا ممن كان مع علي عليه السلام هرب إلى معاوية، فدخل إليه وقد احتفل أهل الشام عنده وعمرو بن العاص بحضرته، فقال معاوية للرجل: من أين أقبلت إلينا؟
Страница 273