الإدارة في عصر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
الإدارة في عصر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
Издатель
دار السلام
Номер издания
الأولى
Год публикации
١٤٢٧ هـ
Место издания
القاهرة
Жанры
شكر وتقدير
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
بعد أن منّ الله ﷿ عليّ بالانتهاء من إعداد هذا البحث أتوجه بجزيل الشكر، وخالص الوفاء، ووافر الامتنان، إلى أستاذي الفاضل الدكتور صالح درادكة الذي كان لتوجيهاته وإرشاداته النافعة أثر كبير في خروج هذا البحث بثوبه الحالي، فبارك الله في علمه، وجزاه عني خير الجزاء.
كما أتقدم بالشكر الجزيل للأستاذ الفاضل الدكتور محمد ذنيبات من قسم الإدارة العامة، لملاحظاته القيمة التي وجهت البحث من الناحية الإدارية، وكذلك أشكر الإخوة والأصدقاء على تعاونهم وتشجيعهم.
1 / 3
المختصرات والرموز
لقد أشير للمصادر والمراجع في الهوامش على النحو التالي:
١- عندما يرد المصدر أو المرجع لأول مرة تذكر المعلومات كاملة عن المؤلف، وعن الكتاب، ثم يحال عليه بعد ذلك.
مثال: الطبري، محمد بن جرير (ت ٣١٠ هـ)
تاريخ الأمم والملوك، بيروت، دار سويدان، د. ت، ج ٢، ص ٥٧، سيشار إليه (الطبري، تاريخ) .
٢- في حالة استعمال مصدر مخطوط يذكر اسم المؤلف واسم الكتاب، ومكان وجود المخطوط، ورقم الشريط إن وجد.
مثال: الجزائرلي، محمد بن محمود بن حسين (ت ١٢١٦ هـ) .
اختصار السعي المحمود في نظام الجنود (مخطوط) مصور في الجامعة الأردنية، رقم الشريط (١٢) .
٣- استعملت الرموز والمصطلحات التالية:
م: مجلد. ج: جزء.
ق: قسم. ص: صفحة.
ت: توفى. م. ن: المصدر نفسه.
ر. ن: المرجع نفسه.
د. ت: دون تاريخ (أي أن تاريخ النشر غير مذكور) .
د. ن: دون ناشر (أي أن مكان النشر أو اسم الناشر غير مذكور) .
ق. هـ: قبل الهجرة.
1 / 4
المحتويات
مقدمة ٧
تمهيد ١٥
الفصل الأول: «الإدارة في الجزيرة العربية قبل الإسلام» ٢٥
مفهوم مصطلح الإدارة ٢٧
الإدارة في القبيلة العربية ٢٩
الإدارة في مكة ٣٥
الإدارة في يثرب ٥٠
الفصل الثاني: «إدارة الدعوة الإسلامية حتى قيام الدولة» ٥٧
إدارة الدعوة الإسلامية في مكة قبل الهجرة ٥٩
إدارة الدعوة الإسلامية في يثرب قبل الهجرة ٦٩
ملامح الإدارة في الهجرة النبوية ٧٣
إجراات الرسول ﷺ الإدارية في المدينة بعد الهجرة ٧٦
الفصل الثالث: «التنظيم الإداري للدولة» ٩١
إدارة البلدان وتقسيماتها الإدارية ٩٣
الإدارة الدينية ١١٢
الكتابة والكتاب ١١٨
إدارة العلاقات العامة (الدبلوماسية الإسلامية) ١٢٨
الفصل الرابع: «الإدارة المالية» ١٤٣
إدارة المال حتى قيام الدولة ١٤٥
إيرادات الدولة في عهد الرسول ﷺ ١٤٧
تنظيم شؤون الزراعة ١٦٤
تنظيم شؤون التجارة ١٦٩
تنظيم شؤون الصناعة ١٧٤
تنظيم حفظ الأموال العامة ١٧٩
الفصل الخامس: «الإدارة العسكرية» ١٨٣
التمويل ١٨٥
1 / 5
الخدمات المساعدة ١٩٣
القيادة ١٩٩
التخطيط وأساليب القتال ٢١٢
الفصل السادس: «إدارة شؤون القضاء» ٢٢١
القضاء في المدينة المنورة ٢٢٣
القضاء في الأمصار ٢٣٧
المظالم ٢٤٠
الحسبة ٢٤٣
الخاتمة ٢٤٥
ملحق رقم (١) ٢٤٨
ملحق رقم (٢) ٢٥١
قائمة المصادر والمراجع ٢٥٥
1 / 6
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين وبعد:
فإن من الأمور المسلم بها، أن النظم الإدارية تشكل جانبا مهمّا من جوانب الحضارة الإسلامية. سواء كان ذلك في مجال الحكم، أو المال، أو الجانب العسكري، أو القضائي. ومع هذا، فإنه لم يكتب حتى الان بحث شامل يكشف الخطط الإدارية التي نشأت في عهد الرسول ﷺ. وتزداد أهمية الدراسة إذا علمنا أن الممارسات والتنظيمات الإدارية في فترة الرسالة هي الأساس الذي قامت عليه التنظيمات الإدارية فيما بعد، وبلغت ذروة تطورها في عصر العباسيين.
لم تكن الإحاطة بجوانب هذا البحث مهمة سهلة وميسرة؛ وذلك لأن الفترة التي تناولتها الدراسة كانت فترة مبكرة جدّا، والدولة فيها تجربة جديدة أرست مجموعة من القواعد في شتى الميادين، وهذه الفترة هي فترة النشوء والتكوين، وأن معظم المصادر التي أخذت منها مادة البحث لم تكن معاصرة لتلك الفترة، بل كانت متأخرة عنها كثيرا، مما جعل هذه المصادر تتناولها معتمدة على الروايات، باستثناء ما ورد من إشارات في القران الكريم؛ إذ هو أهم المصادر وأوثقها، ولكون المصادر كتبت في فترة متأخرة، فإن مهمة الباحث في غاية الصعوبة؛ إذ عليه أن يكون حذرا في أخذ الروايات خشية أن يقع فريسة لتضارب الروايات وتناقضها.
ثم إن أغلب المصادر تهتم بالنواحي السياسية والعسكرية، فتذكر أخبارا عن حياة النبي ﷺ وغزواته المختلفة دون أن تشير إلى النواحي الإدارية إلا عرضا. أضف إلى ذلك تنوع المصادر التي تتناول هذه الفترة بين مؤلفات في الحديث والسير والتاريخ والتفسير والفقه والجغرافية والأدب، مما يضطر الباحث إلى تقليب صفحات كثيرة، وذلك لقلة المعلومات وتبعثرها، الأمر الذي يتطلب دراسة فاحصة للمصادر بأنواعها.
لقد اعتمدت في هذه الدراسة على ما ورد في القران الكريم من توجيهات ربانية لبناء المجتمع الجديد، ثم الحديث الصحيح معتمدا على كتب الصحاح ومبعدا الروايات القابلة للطعن، وأخذت من كتب التاريخ والسير ما يوافق هذا المنهج، ولم أستخدم المراجع الحديثة إلا للتعرف على المصادر، أو للوقوف على وجهات النظر الحديثة إزاء بعض القضايا في فترة الدراسة.
1 / 7
هذا، وقد قسمت الرسالة إلى ستة فصول رئيسية مع مقدمة وتحليل للمصادر وخاتمة تبين أهم نتائج الدراسة.
اشتمل الفصل الأول «الإدارة في الجزيرة العربية قبل الإسلام»؛ على بيان «مفهوم مصطلح الإدارة» وتتبعها في ايات القران الكريم والحديث الشريف والمعاجم اللغوية، حيث تبين أن الكلمة حديثة الاستعمال بلفظها، وإن كانت موجودة في واقع الحال على شكل ممارسات عملية.
كما تناول هذا الفصل مبحث «الإدارة في القبيلة العربية»؛ إذ كانت القبيلة هي أساس النظام الاجتماعي عند أهل البادية، وكان عندهم مجموعة من الممارسات الإدارية، فهناك شيخ للقبيلة ينبغي أن تتوافر فيه صفات معينة، وله حقوق وعليه واجبات تعارفت عليها القبائل، دون أن يوجد دستور منظم أو نظام إداري واضح المعالم، مرسوم الخطوات.
واختص المبحث الثالث بالحديث عن «الإدارة في مكة» متضمنا موضوع الإدارة المدنية لمكة ممثلة بملأ قريش الذي كان يدير أمر مكة على أساس أن التشاور والتراضي بين بطون مكة وأفخاذها، وكذلك الحديث عن الوظائف الإدارية المرتبطة بوجود بيت الله الحرام والكعبة فيها، مثل: الرفادة والسدانة والسقاية والإفاضة والأموال المحجرة والأيسار، وغيرها من الوظائف المقسمة بين البطون القرشية، والإدارة المالية الناجحة لمكة والمتمثلة بأخذهم الإيلاف من رؤساء الدول، وشيوخ القبائل في الجهات الأربع، مما أتاح لها تعاملا مستقلّا وامنا مع جميع هذه الدول والقبائل على طول الطرق التجارية في الشرق والغرب، ثم تحدث هذا الفصل عن الإدارة العسكرية والوظائف المتعلقة بها، مثل: القبة والأعنة والقيادة واللواء، والإدارة القضائية المتمثلة بوجود بعض القضاة في الأسواق العربية يحكمون بين الناس ويفضّون منازعاتهم.
وتناول المبحث الرابع «الإدارة في يثرب» مبينا بعض الأمور الإدارية والمالية والعسكرية التي كانت موجودة في يثرب قبل الإسلام، سواء كان ذلك عند سكانها اليهود أو العرب، والتي لم تختلف كثيرا عن حياة القبائل في البادية إلا بالاستقرار الذي فرضته الحياة الزراعية.
واشتمل الفصل الثاني «إدارة الدعوة الإسلامية حتى قيام الدولة» على مبحث «إدارة الدعوة في مكة قبل الهجرة» وتناول التخطيط لنشر الدعوة من خلال مرورها
1 / 8
بمرحلتين مهمتين، هما: مرحلة الدعوة الفردية (السرية)، ومرحلة الدعوة الجماعية (العلنية)، وكان لكل مرحلة من هاتين المرحلتين تخطيط خاص، اقتضاه واقع الحال والظروف المحيطة بالدعوة وأتباعها.
وفي مبحث «إدارة الدعوة في يثرب قبل الهجرة» تم الحديث عن إرسال مصعب بن عمير إلى يثرب ليدعو أهلها إلى الإسلام، وكان يلقب هناك «بالمقرئ» مما يشير إلى توجه جديد في التنظيم الإداري يتم بعيدا عن العصبية القبلية. وما تلا ذلك من بيعة هؤلاء الأنصار للرسول ﷺ وإنشاء نظام النقباء سيكون هؤلاء كفلاء على أقوامهم، ويكوّنون رجال الإدارة في الدولة بعد ذلك.
وتناول مبحث «ملامح الإدارة في الهجرة النبوية» التخطيط للهجرة، وخروج الرسول ﷺ وأصحابه إلى يثرب ضمن خطة محكمة اتّبع فيها مبدأ تقييم العمل، والسرية الكاملة في التخطيط والتنفيذ.
وفي المبحث الأخير لهذا الفصل «الإجراات الإدارية بعد الهجرة» تم الحديث عن دور الإدارة الجديدة للمدينة في تقسيم الدور على المهاجرين، واستيعابهم في المجتمع الجديد، وبناء المسجد ليكون مركزا للحكم والإدارة، والمؤاخاة بين المسلمين لإيجاد مجتمع مترابط أمام الأخطار الخارجية والداخلية التي تهدد المجتمع الجديد، وإنشاء السوق التجارية ليتميز المسلمون في تعاملهم، وتخليص الاقتصاد المدني من سيطرة اليهود القائمة على الاستغلال والجشع، وكان عقد الصحيفة بين مواطني المدينة الإجراء الإداري الكبير الذي نظم به النبي ﷺ أمر المدينة، وبيّن حقوق الأفراد وواجباتهم، وربط المجتمع كله بجميع فئاته بالقيادة الجديدة المتمثلة بالرسول ﷺ وبذلك استكملت الدولة أركانها المتمثلة بوجود أمة وأرض ودستور ينظم شؤونها الداخلية والخارجية.
وتناول الفصل الثالث «التنظيم الإداري للدولة» مبحث «إدارة البلدان وتقسيماتها»، حيث بيّن موضوع إدارة الدولة المتمثلة بالرسول ﷺ والنقباء والمستشارين، وشمل موضوع تقسيمات الدولة إلى واحدات إدارية أرسل النبي ﷺ لكل واحدة من هذه الواحدات واليا من قبله، أو أقرّ زعيما أو شيخا على منطقة من المناطق أو قبيلة من القبائل، وبيّن هذا المبحث واجبات وحقوق هؤلاء الولاة، وشروط التعيين والاختيار لمن يتولى إدارة من الإدارات؛ إذ لابد أن تتوافر فيه صفات التقوى والورع والكفاءة والخبرة؛ لمكافأة متطلبات الوظيفة وحاجاتها.
1 / 9
وتناول مبحث «الإدارة الدينية» إدارة الصلاة وأماكن العبادة، حيث أوجد النبي ﷺ من يقوم على أمر الصلاة، سواء كان من الأئمة أو المؤذنين أو الخدم الذين تتوافر فيهم الصفات المطلوبة للقيام بوظائفهم، وكذلك ما يتعلق بالحج، فكان يعين أميرا للحج مع وجود بعض الوظائف المرتبطة بهذا الموسم، مثل: السقاية والرفادة والسدانة، والتي بقيت مع البطون والأفخاذ التي كانت تقوم عليها في الجاهلية، وأما بالنسبة إلى إدارة الصوم فتتمثل بمراقبة بداية الشهر ونهايته، ومعاقبة المجاهرين والمنتهكين لحرمة الصوم وادابه.
وشكّل مبحث «الكتابة والكتّاب» جانبا مهمّا من جوانب التنظيم الإداري للدولة فكان هناك عدد من الكتّاب وزعوا في مجموعات تخصصية للقيام بمهامهم المختلفة، وكان هناك من تعلم أكثر من لغة من أجل تسهيل التعامل بين الدولة والدول أو المجموعات المجاورة، وقام النبي ﷺ بتشجيع العلم والتعلم، وأرسل بعثات تعليمية إلى أنحاء الجزيرة؛ للقيام بمهمة نشر الإسلام والتعليم. حيث أرادت الدولة أن يكون العلم والتعلم شاملا لجميع فئات المجتمع وسمة عامة من سماته.
وتناول مبحث «إدارة العلاقات العامة» الدبلوماسية الإسلامية ممثلة بسفراء النبي ﷺ وطريقة اختيارهم؛ إذ لابد أن تتوافر فيهم صفات الذكاء والفطنة وجمال الهيئة والخلقة؛ لأنهم يمثلون أمتهم في القضايا المختلفة، وما راعته الدبلوماسية الإسلامية من قواعد متبعة في إعطائهم حق الأمان (الحصانة)، والحرية، والتكريم في الاستقبال وفي الانصراف، كما بيّن هذا المبحث دبلوماسية الرسول ﷺ في عقد المعاهدات، وربط القبائل مع الدولة بمواثيق ضمنت للدولة ولاء هؤلاء وطاعتهم، وضمنت للقبائل الحرية الذاتية في تنظيم أمورها الداخلية.
أما الفصل الرابع «الإدارة المالية للدولة» فقد تضمن الحديث عن «إدارة المال قبل الهجرة»، حيث كانت متطلبات الدعوة بسيطة، وكان الأفراد ينفقون عليها من تبرعاتهم الخاصة، وبعد الهجرة وتأسيس الدولة في المدينة بدأت الواردات تتدفق على الدولة، وكانت تشمل الغنيمة والفيء والجزية والزكاة والصدقات المختلفة، فاقتضى هذا وجود وظائف خاصة لحفظ الأموال المختلفة، وإرسال العمال لجمع الصدقات، وإنشاء جهاز إداري كامل لهذه الغاية سماه القران الكريم ... وَالْعامِلِينَ عَلَيْها ...
[التوبة: ٦٠] .
1 / 10
وفي مبحث «تنظيم شؤون الزراعة» تمّ الحديث عن دور الدولة في حفز المسلمين على الزراعة والاهتمام بها، وتنظيم الزراعة في عهد الرسول ﷺ، حيث زرع النخيل في بساتين سميت بالحوائط، قام بزراعتها الأنصار مع بعض الأجراء من الموالي، وكانت الدولة تتدخل لتنظيم المعاملات وحل المشكلات المترتبة على العلاقات الزراعية.
وهناك مبحث «تنظيم شؤون التجارة» بيّن دور الإدارة النبوية في تنظيم المعاملات التجارية، وذلك في إطار إجراات تنظيمية فرض على التجار الالتزام بها، وفرضت رقابة على أسواق المدينة؛ لتجنب التلاعب بالبيع أو الشراء أو الاحتكار، وذكر هذا المبحث- بشكل موجز- النقود المتداولة في عهد الرسول ﷺ وتمثلت بالدينار الرومي، والدرهم الفارسي، وكذلك الحديث عن الموازين والمكاييل التي قامت الدولة بضبطها ورقابتها.
أما «تنظيم شؤون الصناعة» فهو أحد مباحث هذا الفصل، وقد بيّن مجموعة من الصناعات المختلفة، ودور الدولة في إدارتها وتشجيعها، لينتهي الحديث عن أماكن حفظ المال في الدولة في هذه الفترة، والتي تمثلت ببيت النبي ﷺ أو بيوت أصحابه، وأحيانا كان يأتي المال فيوضع في المسجد حتى يقسم بين المسلمين، هذا بالنسبة إلى الأموال النقدية، أما الأموال العينية، فكانت توضع حسب نوعها، فأما المزروعات والثمار والتمر وغيره فوضعت في علّية خاصة فوق المسجد، وأما الحيوانات فقد قامت الدولة بحماية أرض لمعيشتها ورعيها، حيث كانت تستخدم هذه الأنعام في مصلحة المسلمين العامة.
وتناول الفصل الخامس «الإدارة العسكرية» موضوع تسليح وتموين المقاتلة، وكان يتمّ ذلك بأن يقوم كل مسلم بتسليح وتموين نفسه، وحث النبي ﷺ الموسرين بأن يجهزوا من لا جهاز له من المسلمين، وقامت الدولة بدورها في تجهيز المقاتلة عن طريق شراء السلاح وعقد المعاهدات التي فرضت في بعض القبائل أو تزويد المسلمين بالطعام والسلاح والثياب، في حين شكّلت الغنائم رافدا اخر في إعداد المقاتلة أحسن إعداد.
وفي مبحث «الخدمات المساعدة للمقاتلة» تناولنا إجراات الرسول ﷺ وأمرائه في تزويد المقاتلة بهذه الخدمات مثل الأدلّاء، والعيون، والحاشر، والفعلة، والشعراء، والخدمات الطبية، والتي كانت ضرورية لقيام المقاتلة بواجبهم على أكمل وجه.
وشمل هذا الفصل مبحث «تنظيم أمور المقاتلة الداخلية» من حيث الأمرة وتسلسل الرتب القيادية، وصفات الأمير ومؤهلاته إلى تقسيمات المقاتلة وتعبئتهم في أثناء جمعهم
1 / 11
وسيرهم وراحتهم ومبيتهم وصلاتهم وقتالهم، وما إلى ذلك من وجود الرايات والألوية والشعارات والشارات المختلفة في معارك المسلمين، وذلك كجزء من الإعداد المطلوب لتحقيق الهدف المرسوم.
وفي ختام الفصل تم الحديث عن «إدارة المعركة وأساليب القتال»، فمن التخطيط للاستفادة من كل الإمكانات المتوافرة، كالعوارض الطبيعية وطبيعة الأرض، والتمويه على الأعداء، والحرب النفسية المضادة، ومراعاة روح المقاتلين المعنوية، إلى التعرض إلى أساليب القتال من حيث الكيفيّة التي تبدأ بها المعركة، وأوقات اللقاء المطلوبة، والاداب المتبعة، سواء كانت النتيجة نصرا أو هزيمة.
وتناول الفصل السادس «إدارة شؤون القضاء» مبحث «القضاء في المدينة»، حيث كان النبي ﷺ هو القاضي والمشرع والمنفذ، وذلك من خلال ايات القران التي رسمت نظاما كاملا في الحكم بين الناس، وعرض إلى الإجراات التي يسلكها القاضي في مجلس الحكم من المساواة بين الخصوم، والعدل، ووسائل الإثبات المختلفة، واستئناف الحكم وتمييزه، ومكان القضاء، حيث ورد أنه كان يتم في المسجد أو البيت أو الشارع، ولم يكن هناك مكان خاص؛ لقلة القضايا المطروحة، وميل المجتمع في هذه الفترة إلى السهولة واليسر والبساطة. وكان يتم تنفيذ الأحكام من قبل الخصوم أنفسهم، وفي حالة وجود حد أو تعزير كان النبي ﷺ يكلف من يقوم بذلك، دون أن يكون وظيفة ثابتة لأحد منهم، وهناك إشارات إلى وجود السجن في هذه الفترة، ولم يكن له مكان خاص، إنما تم بسجن بعض المتهمين في المسجد، أو حظيرة قريبة منه، أو عند المتهم نفسه.
وتناول مبحث «القضاء في الأمصار الإسلامية المختلفة» أسماء القضاة الذين قضوا في حضور الرسول ﷺ في المدينة، وأسماء أولئك الذين أرسلهم النبي ﷺ للقضاء في الأمصار المختلفة كوظيفة مستقلة، أو أن يكون القضاء ضمن الوظيفة العامة لكل وال من الولاة.
وفي مبحث «المظالم» تم الحديث عن بعض القضايا التي اعتبرت من باب قضاء المظالم، حيث لم تكن هذه الولاية قائمة بذاتها، فكان الولاة يقومون بأنفسهم برفع مظالم الرعية عنها.
وتضمن موضوع «الحسبة» الحديث عن ممارسة النبي ﷺ لهذه المهمة بنفسه أو تعيين من يقوم بها، وتم ذلك على نطاق ضيق محدود؛ وذلك لأن الدولة بكل مؤسساتها كانت في مرحلة النشوء والتكوين.
1 / 12
وبعد ذلك، فإن كان في هذه المحاولة شيء جديد، فبتوفيق من الله، وإن كان غير ذلك، فهذا جهدي جهد المقل راجيا من الله أن يكون إشارة لبدء بحوث جادة تبحث في هذه الفترة، والتي تعدّ الأساس والقاعدة للتاريخ الإسلامي في جميع عصوره.
«والله من وراء القصد» حافظ أحمد عجاج الكرمي
1 / 13
تمهيد
إن البحث في النظام الإداري للدولة في عصر الرسول ﷺ يتطلب الرجوع إلى مصادر متنوعة، في طليعتها القران الكريم وتفسيره، والحديث وشروحه، والسير والتاريخ (الطبقات، التراجم، الأنساب)، والفقه والأدب والجغرافية، وقد أفيد من هذه المصادر جمعيا وبدرجات متفاوتة، وبخاصة مصادر التفسير والحديث والسير والفقه.
فقد أفادت مصادر التفسير في توضيح كثير من الإشارات القرانية التي وردت كقواعد عامة لتنظيم المجتمع الجديد «١»، حيث أشار القران إلى مجموعة من الوظائف في مكة قبل الإسلام، مثل: السقاية، والرفادة، والعمارة، والنسيء، والأيسار، وكذلك أشارت الايات إلى إيلاف مكة وتجارتها قبل الإسلام، ثم ذكر بعض المعلومات الأولية عن الشورى، والعدل، والطاعة، كقواعد وأسس للنظام السياسي الإسلامي، ثم نزلت ايات تبين أحكام الأمور المالية، مثل: الغنائم وتوزيعها، والجزية، والفيء، والزكاة ومصارفها، ولكن بقيت هذه الايات عبارة عن إشارات عامة جاءت الأحاديث النبوية (القولية والفعلية) لتفسير وتوضيح أحكام هذه القواعد؛ ولذا نجد أن المفسرين قد اعتمدوا كثيرا على الحديث النبوي وأقوال الصحابة- الذين عاصروا وشهدوا هذه الفترة- في تفسير الايات، وقد أفدت فوائد جمة من تفسير الطبري (ت ٣١٠ هـ) «٢»، والكشاف للزمخشري (ت ٥٣٨ هـ) «٣»، وتفسير الرازي (ت ٦٠٦ هـ) «٤»، والجامع لأحكام القران للقرطبي (ت ٦٧٠ هـ) «٥»، والدر المنثور للسيوطي (ت ٩١١ هـ) «٦» .
وقدمت كتب الصحاح في الحديث معلومات رئيسية وقيمة أفادت في فصول الرسالة كلها، ولا سيما فصلي الإدارة المالية، وإدارة شؤون القضاء، حيث اعتمدت على الروايات الصحيحة الواردة عن رسول الله ﷺ، وكان المحدثون قد قاموا بدراسة سيرة الرسول ﷺ ووضعوها في كتبهم تحت باب سموه (المغازي والسير) أدمجوا فيها الأحاديث الموثوق بصحتها، والتي يمكن للمؤرخ الوثوق بصحتها والاعتماد عليها في
_________
(١) انظر مثلا: البقرة: اية (٤٣، ٨٣، ١١٠، ١٧٧، ٢٧٧) وال عمران: اية (١٥٩) والتوبة: اية (٦٠) والروم: اية (٣٩) والذاريات: اية (١٩) والمعارج: اية (٢٤، ٢٥) .
(٢) الطبري، تفسير (ج ١٣، ص ٤٩٤- ٤٩٦) .
(٣) الزمخشري، الكشاف (ج ٣، ص ٣٨٤) .
(٤) الرازي، تفسير (ج ٢٧، ص ٢٠٦) .
(٥) القرطبي، الجامع (ج ١٦، ص ٧٥) .
(٦) السيوطي، الدر المنثور (ج ٤، ص ١٤٤، ١٤٥)، (ج ٧، ص ٣٧٠) .
1 / 15
دراسة الأحداث التي جرت في عصر الرسول ﷺ وبالإضافة إلى الاستفادة من كتاب «المغازي والسير» أفادت كتب «الإمارة» و«الأحكام» و«الاعتصام بالكتاب والسنة» و«الحج» و«الجهاد» و«البيوع» و«الغنائم» و«الفيء» و«الجزية» و«الصدقة» و«الأقضية» و«الشهادة» و«الحدود» و«التفسير» و«الوصايا» في بيان كثير من النظم الإدارية والمالية والقضائية المتبعة في عصر الرسول ﷺ، وكانت أشهر المصادر التي اعتمد عليها البحث هي مسند الإمام أحمد (ت ٢٤١ هـ) «١»، وصحيح البخاري (ت ٢٥٦ هـ) «٢»، وصحيح مسلم (ت ٢٦١ هـ) «٣»، وسنن أبي داود (ت ٢٧٥ هـ) «٤» وسنن ابن ماجه (ت ٢٧٥ هـ) «٥»، وصحيح الترمذي (ت ٢٧٩ هـ) «٦»، وسنن النّسائي (ت ٣٠٣ هـ) «٧» .
وكان لكتب السير والطبقات دور كبير في جميع فصول الرسالة، فابن إسحاق (ت ١٥١ هـ) في سيرته «٨» قدم معلومات وافية عن حكومة المدينة، وقد استفدت منه في استنباط كثير من المعلومات المهمة التي تحيط بظروف قيام حكومة المدينة، وسياسة الرسول الإدارية والمالية، وهذا المصدر يمتاز من غيره بوصفه أول من أعطى صورة متكاملة للسيرة النبوية. وتمدنا كتابات ابن إسحاق (ت ١٥١ هـ) بأخبار كثيرة وتفعيلية عن فترة الرسالة، وقد روى معظم مادة كتابه في السيرة عن عروة بن الزبير (ت ٩٢ هـ)، والزهري (ت ١٢٤ هـ)، وهو يستخدم منهجا محددا لعرض الغزوات؛ حيث يقدم ملخصا للمحتويات في المقدمة ويتبعه بخبر جماعي (قالوا) من أقوال أوثق أسانيده، ثم يكمل الخبر الرئيسي بالأخبار الفردية التي جمعها من المصادر الاخرى.
_________
(١) أحمد، المسند (ج ١، ص ١٤٨)، (ج ٤، ص ٢٢٧)، (ج ٥، ص ١٧٣) .
(٢) البخاري، الصحيح (ج ٤، ص ١٧- ٢٣٣) (ج ٥، ص ٢٢٢) (ج ٦، ص ٢- ٢٠) .
(٣) مسلم، الصحيح (ج ٣، ص ١٣٥٧، ١٣٨٩، ١٤٤٣، ١٥٠٦، ١٥١٠، ١٥١١) .
(٤) أبو داود، السنن (ج ٢، ص ٣٣٧، ٣٣٨) (ج ٣، ص ٣٥٥- ٣٥٧) (ج ٥، ص ٣٣٧) .
(٥) ابن ماجه، السنن (ج ١، ص ٤) (ج ٢، ص ٧٧٥، ٧٧٨، ٧٨٦) .
(٦) الترمذي، صحيح (ج ٤، ص ٢١٣) (ج ٦، ص ٧٢، ٧٤، ١٥٤) .
(٧) النّسائي، السنن (ج ٦، ص ٢٥٢) (ج ٧، ص ١٥٤) (ج ٨، ص ٢٤٧) .
(٨) قام ابن هشام بتهذيب هذه السيرة فسميت سيرة ابن هشام. انظر: ابن هشام، السيرة (م ١، ص ١١١- ١١٣، ١٢٥، ١٣٠، ٥٥٠، ٥٦٦، ٦٤٢، (م ٢، ص ٢٦٦، ٥٣٠) .
1 / 16
ويقدم الواقدي (ت ٢٠٧ هـ) في المغازي «١» معلومات قيمة عن المغازي النبوية، فذكر عن تنظيم المقاتلة وتسليحها، وتعبئتها، وأساليب قتالها، والرايات، والألوية، ويذكر بشكل مفصل غنائم كل غزوة وقسمتها، وهو يتبع خطة ثابتة في عرضه للمغازي، فيبدأ بذكر عام خروج الغزوة ورجوعها ويتبعه بأخبار الغزوة، ويذكر في النهاية نائب النبي ﷺ على المدينة، وبعض الأشعار والايات التي تحتوي على إشارة للحادث الذي يعالجه، وقوائم بأسماء الغزاة.
وأفاد البحث من كتاب الطبقات لابن سعد (ت ٢٣٠ هـ) «٢» حيث قدم معلومات وافية عن أحداث السيرة في الفترة المكية، وفي المغازي، وكان يذكر بشكل كبير نواب النبي ﷺ على المدينة، وأسماء كتّابه وقضاته وولاته وأمراء سراياه وغزواته، كما أن ابن سعد (ت ٢٣٠ هـ) يشير إلى الوظائف الإدارية التي كان يشغلها الرجل الذي يترجم له، ومن خلال التفصيلات التي يذكرها في تراجمه للرجال تتضح مادته الغزيرة بالأخبار، والتي أوقفتنا على معالم الحياة العلمية، والسياسية، والاجتماعية، والعسكرية وغيرها، وابن سعد من تلاميذ الواقدي (ت ٢٠٧ هـ)، وكان على اتصال برجال الحديث، وتقيد في طبقاته بأسلوب مدرسة الحديث في تدوين الأحداث، وإثبات الأسانيد المختلفة للمتون المختلفة، ومن حيث إثبات الرواية المنقولة بالسماع على الرواية المنقولة عن الصحف المدونة، ويروي ابن سعد مادة كتابه في السيرة وتراجم الصحابة عن الشعبي (ت ١٠٣ هـ)، والزهري (ت ١٢٤ هـ)، وابن إسحاق (ت ١٥١ هـ)، وهشام الكلبي (ت ٢٠٤ هـ)، والواقدي (ت ٢٠٧ هـ)، ويمتاز عن غيره بنقده للروايات بصورة مختصرة، فنجده يقول مثلا: «وهذا الثبت أنه ...» «٣» «والثبت كذا ...» «٤» .
وذكرت كتب التاريخ أخبار النبي ﷺ وسيرته، فقد أورد خليفة بن خياط (ت ٢٤١ هـ) «٥» معلومات تحدد تواريخ التولية بالنسبة إلى الولاة والعمال في الأمصار، فهو يعطينا قوائم بأسماء الولاة والعمال والقضاة والكتّاب في زمن الرسول ﷺ.
أما الأزرقي (ت ٢٤٥ هـ) مؤرخ مكة فقد قدم في كتابه «أخبار مكة» «٦»
_________
(١) الواقدي، المغازي (ج ١، ص ١٧، ١٨، ١٤٤، ١٧٩، ٢٦٢، ٣٧٨) (ج ٢، ص ٧٠٧) (ج ٣، ص ١٠١٨، ١٠٢٨) .
(٢) ابن سعد، الطبقات، الجزء الأول كاملا (ج ٢، ص ١٥، ٦٩، ٦٠٦) .
(٣) م. ن (ج ٢، ص ٦) .
(٤) م. ن (ج ٢، ص ٢٤) .
(٥) خليفة بن خياط، تاريخ (ج ١، ص ٦١، ٦٢) .
(٦) الأزرقي، أخبار مكة (ج ١، ص ٤٤- ٤٦، ٥٩، ٦٣- ٦٦) .
1 / 17
معلومات وافرة عن مكة وبشكل مفصل، والوظائف المتعلقة بالكعبة والبيت الحرام، مثل: السقاية، والرفادة، والسدانة، وغيرها من الوظائف الموزعة على بطون قريش وأفخاذها.
أضف إلى ذلك، فإن الأزرقي (ت ٢٤٥ هـ) قد وضّح بشكل كبير الإدارة المالية لمكة المتمثلة بالإيلاف والتجارة والأسواق وأوقاتها وإدارتها، وأورد إشارات عن إدارة مكة العسكرية المتمثلة بوجود بعض الوظائف المتعلقة بذلك، مثل: «القبة والأعنة» و«القيادة واللواء»، وينفرد هذا المصدر بأنه يعدّ من أقدم المصادر التي وضعت في تواريخ المدن، أما أسانيده فهي موثوقة بشكل كبير فيما يتعلق بأخبار مكة بعد الرسالة، وهو يأخذ أخباره عن الزهري (ت ١٢٤ هـ) وابن إسحاق (ت ١٥١ هـ)، أما ما يتعلق بأخبار مكة قبل الرسالة، فهي ليست بنفس درجة الأخبار الاخرى، وكثير منها يوردها من غير إسناد.
وكذلك أورد ابن حبيب (ت ١٥٠ هـ) في المحبر «١»، والمنمق «٢» أخبارا كثيرة عن مكة قبل الإسلام وبعده، ولا سيما فيما يتعلق بالوظائف المتعلقة بالكعبة، وبيت الله الحرام، والأحلاف الموجودة، مثل: حلف الفضول والمطيبين، وينفرد ابن حبيب بذكر قوائم بأسماء المعلمين الذين قاموا بمهمة التعليم في الجاهلية وصدر الإسلام.
وقدم البلاذري (ت ٢٧٩ هـ) في فتوح البلدان «٣» معلومات ذات قيمة كبيرة، وذلك بإيراده معلومات واسعة عن الفتوح والإدارة والكتابة والخط والخاتم. وأفاد البلاذري (ت ٢٧٩ هـ) كذلك كثيرا من كتب الفقه والخراج، وهذا يفسر لنا كثرة معلوماته في النواحي الاقتصادية والإدارية، وهو يستعمل الرواية في الأحداث والأخبار، كما يهتم بالأسانيد، ولكن ذلك لم يكن بصفة ثابتة ومستقرة، فنجده في بعض الأحيان يروي الخبر عن مجاهيل، فقد يروي عن جماعة لم يذكر أسماءهم فنجده يقول مثلا: (حدثني فلان عن أشياخ من أهل الطائف) «٤»، وهو من جهة أخرى يذكر الروايات بدون ترجيح، وأحيانا أخرى يرجح أو يضعف، وعباراته في نقد الروايات مختصرة، كأن يقول في عبارات الترجيح: «الأول أثبت» «٥» أو «ذلك
_________
(١) ابن حبيب، المحبر (ص ٢٦٣- ٢٦٨، ٢٤٦، ٢٣٣) .
(٢) ابن حبيب، المنمق في أخبار قريش (ص ٨٣، ٨٤) .
(٣) البلاذري، فتوح البلدان (ص ٢٤، ٢٨، ٦٧، ٨١، ٨٥، ٩٣، ٩٤، ٩٧) .
(٤) م. ن (ص ٧٥) .
(٥) م. ن (ص ١٢٨، ١٤١، ١٤٦) .
1 / 18
أثبت» «١» أو «الأول أصح وأثبت» «٢»، والكتاب يعدّ من المصادر الأساسية في أخبار الأقاليم المفتوحة والتنظيمات الإدارية المتبعة فيها، ويعتمد بصورة أساسية على روايات الواقدي (ت ٢٠٧ هـ) ثم الزهري (ت ١٢٤ هـ) . أما كتابه أنساب الأشراف «٣» فيعتمد طريقة الترجمة للأشخاص، والجزء الأول من الكتاب في سيرة الرسول ﷺ وكثير من أصحابه البارزين فيقدم معلومات عن الشخص، مولده ونسبه ونشأته، ويشير إلى الأعمال التي قام بها في حياة الرسول ﷺ، فهو ذو أهمية خاصة في بيان أسماء ولاة النبي ﷺ، وأمرائه، وعماله على الصدقات، ومؤذنيه، وشعرائه، وقضاته، وكانت روآياته في كثير منها مسندة، ويعتمد في روآياته على الزهري (ت ١٢٤ هـ)، وابن إسحاق (ت ١٥١ هـ)، والواقدي (ت ٢٠٧ هـ) وغيرهم، ثم يعتمد الرواية التي يعتقد أنها الأصح أو الأقرب للصحة.
ويبدأ القسم الثاني في تاريخ اليعقوبي (ت ٢٩٢ هـ) «٤» بمولد النبي ﷺ، ويشمل بعثته ورسالته، وكان يقتصر على ذكر الحوادث المهمة، ولكنه ذكر قوائم بأسماء الولاة والقضاة والعمال الذين بعثهم النبي ﷺ، ويلاحظ أن اليعقوبي يغافل الالتزام بالسند، وكما أنه لا يعنى كثيرا بالتدقيق والتمحيص ومحاولة الترجيح، واعتمد كثيرا على المعلومات التي قدمتها مصادر الشيعة؛ تبعا لميله وهواه في التشيع لال علي ﵁.
وأخذت من تاريخ الطبري (ت ٣١٠ هـ) «٥» في جميع فصول الرسالة؛ إذ إن الكتاب يعدّ من المصادر الأساسية، ولا غنى لكل باحث يكتب في التاريخ أو الإدارة عنه، فلقد استفاد البحث كثيرا من النصوص التي ضمنها في حولياته، ولا سيما فيما يتعلق بالولاة من حيث سنوات التولية، والعزل، والقضاة، والأمراء، ومن يتولى الحج بالناس في تلك السنة، وكذلك أعطى معلومات قيمة عن الغزوات والمعارك التي حدثت في هذه الفترة، مع ذكر أخبارها بالتفصيل، من استعداد إلى الخروج، فالقتال، فتوزيع الغنائم، إلى غير ذلك، أما مصادره فهي متنوعة وغزيرة، وأهمها القران الكريم، والسنة النبوية، والسيرة والفقه، والشعر العربي. وتأثر الطبري بشكل كبير بعلم الحديث الذي استعمل الأسانيد، فيذكر الروايات المختلفة التي استوعبت سائر من سبقه من المؤرخين
_________
(١) م. ن (ص ١٣٣، ١٤١، ١٦٦) .
(٢) م. ن (ص ١٦٩، ٣١٧، ٣٥٣) .
(٣) البلاذري، أنساب الأشراف، الجزء الأول كاملا. وانظر: (ج ١، ص ٢٩٣، ٣٤٣، ٣٤٦) .
(٤) اليعقوبي، تاريخ (ج ٢، ص ٨٠، ٨١، ٨٣) .
(٥) الطبري، تاريخ (ص ٤٣٤، ٤٥١)، (ج ٣، ص ١٦، ١٦٩، ٤٨٩، ٤٥٢، ٥٥٣) .
1 / 19
والرواة، مثل: الشعبي (ت ١٠٣ هـ)، وقتادة (ت ١١٨ هـ)، والزهري (ت ١٢٤ هـ)، وابن إسحاق (ت ١٥١ هـ)، والواقدي (ت ٢٠٧ هـ)، وابن سعد (ت ٢٣٠ هـ)، وعمر ابن شبة (ت ٢٦٢ هـ)، ويمتاز الطبري بأنه استطاع أن يربط بين هذه الروايات بشكل دقيق، إلا أنه لا يرجح بين الروايات، بل إنه أحيانا يقدم الرواية الأقوى سندا قبل غيرها، ولكنه لا يتوانى عن إيراد جميع الروايات الاخرى المتناقضة، أو حتى غير المعقولة، ويترك القارئ ليواجه جميع الروايات ويتحرى بنفسه حقائق الأمور.
وكان لكتب الفقه نصيب في هذه الدراسة، وبخاصة كتاب الخراج لأبي يوسف (ت ١٨٢ هـ) «١»، الذي أفاد البحث بشكل كبير في فصل الإدارة المالية، فذكر مقومات قيمة عن أحكام الغنائم والصدقة والجزية والخراج والعشور، ويعدّ من أقدم المصنفات التي وصلتنا في هذا الباب، وقد ظهرت بعده كتب في الدراسات المالية، تضمنت الكثير من الأمور التي تبين النظم المالية التي يغلب عليها التنظيم والأعمال الإدارية، وينفرد هذا الكتاب بأنه وضع على صورة سؤال وجواب، وكان يستدل في أحكامه بالايات القرانية، والأحاديث النبوية، وبعمل الصحابة ومن جاء بعدهم من صالحي التابعين، وكان يعتمد بروآياته عمن سبق بأسانيد متصلة أو منقطعة أو مرسلة، وقد جمع فيه مؤلفه بين الدراسة الفقهية الشرعية والوقائع التاريخية ونقد فيه بعض الانحرافات الموجودة في عصره.
وكان لكتاب شرح السير الكبير للشيباني (ت ١٨٩ هـ) «٢» دور كبير في بناء فصل «الإدارة العسكرية» حيث قدم معلومات فقهية تفصيلية في التسليح والتموين واختيار الأمير «تسلسل الإمرة»، وواجبات الأمير وحقوقه، وفيه معلومات مفيدة عن أهمية اللواء والراية، وسير المعارك وشعاراتها وشاراتها المختلفة، وأساليب القتال وادابه، ويجمع الشيباني (ت ١٨٩ هـ) بين أسلوبي مدرسة الحديث ومدرسة الفقه، فيذكر الروايات مسندة موثقة، ثم يستخرج منها أحكاما فقهية تفصيلية.
وأفدت من كتاب الخراج ليحيى بن ادم (ت ٢٠٣ هـ) «٣» بعض المعلومات المتعلقة
_________
(١) أبو يوسف، الخراج (ص ١٨، ٥٠، ٥١، ١٩٠، ١٩٨، ٢٠٨) .
(٢) الشيباني، كتاب شرح السير الكبير (ج ١، ص ١٥، ١٧، ١١٩، ٢١٤) .
(٣) يحيى بن ادم، الخراج (ص ٣٣، ٣٤، ٣٥، ٣٧، ٤٢، ٧٢) .
1 / 20
بالتدابير المتبعة في تقسيم وإدارة أمور المال وبخاصة الخراج والجزية.
وقدم أبو عبيد (ت ٢٢٤ هـ) «١» في كتابه الأموال، معلومات فقهية كثيرة فيما يتعلق بالإدارة المالية، من غنيمة وفيء وجزية وصدقة وخراج وغيرها، ويمكن القول إن كتاب الأموال هو عبارة عن موسوعة ضخمة جمع لنا مؤلفه فيها معظم الأحكام الشرعية المتعلقة بالنظم المالية المتبعة في الصدر الأول من تاريخ الإسلام، ويجمع ابن سلام (ت ٢٢٤ هـ) بين أسلوب مدرسة الحديث وأسلوب مدرسة الفقه، فيذكر روايات مسندة، وفي نفس الوقت يفصل في الأحكام الشرعية، فهو يقوم بتقديم الايات والأحاديث والاثار عن الصحابة والخلفاء الراشدين بأسانيدها، ثم يعقب على الأخبار بإيضاح مدلولها ويشرح ما فيها من الغريب، ويورد أحيانا اراء الفقهاء في القضية التي هي موضوع البحث.
وموقف أبي عبيد (ت ٢٢٤ هـ) من سرد الأدلة أنه يقوم بنقدها والاستدلال عليها، والقطع فيها برأي معين، وأحيانا يقوم بنقد الأسانيد وتبيين عللها، كما أنه يورد النصوص كما جاءت، فإذا شك فيها قال: «شك أبو عبيد» «٢» أو «كلام هذا معناه» «٣» وهذا يدل على مدى الدقة في نقل النصوص ونقدها.
أما الماوردي (ت ٤٥٠ هـ) في كتابه الأحكام السلطانية «٤»، فقد قدم معلومات فقهية مهمة تناقش المسائل المهمة في أمور الولايات على البلدان، والولاية على الحج والصلاة، والخراج، والجزية، والزكاة، ومصارفها، والقضاء، والحسبة، والمظالم، ولكنه يركز بشكل كبير على العصر الذي يعيش فيه، أما حديثه عن فترة الرسالة فكان فقط للاستشهاد أحيانا أو الاستدلال على حكم فقهي، فعلى الباحث أن يكون على حذر ولا سيما إذا كان يبحث في فترة مبكرة من تاريخ النظم الإسلامية.
وكان للمصادر اللغوية والأدبية والشعرية دور كبير في توضيح كثير من معاني الكلمات الغريبة أو المصطلحات المستعملة، أو الدلالة على وظيفة من الوظائف أو ولاية من الولايات، فابن منظور (ت ٧١١ هـ) في «اللسان» «٥»، والفيروز أبادي
_________
(١) أبو عبيد، الأموال (ص ٤، ١٥، ١٧، ٤٥٥، ٤٥٦ ... إلخ) .
(٢) م. ن (ص ١١٤، ٢١٧، ٣٢٢، ٣٣٨، ٣٦٣، ٤٠٠) .
(٣) م. ن (ص ٢٧٦) .
(٤) الماوردي، الأحكام السلطانية (ص ٥، ٢٢، ٢٤، ٢٩، ٣٠) .
(٥) ابن منظور، اللسان (ج ١، ص ٦٣٩، ٨٠٢) (ج ٥، ص ١٦٢) (ج ٧، ص ٤١٤) (ج ٩، ص ٢٣٨، ٤٥٧) (ج ١٤، ص ١٩٩) .
1 / 21
(ت ٨١٦ هـ) في «القاموس المحيط» «١»، والزّبيدي (ت ١٢٠٥ هـ) في «تاج العروس» «٢» ذكروا معاني وافية لبعض المصطلحات، مثل: البداوة، والحضر، والعريف، والربيئة، والخلع، والتغريب، والمرباع، والصفايا، والنشيطة، والفضول، وغيرها من المصطلحات المختلفة، سواء كان ذلك في الأمور الإدارية أو المالية أو العسكرية أو القضائية.
أما المصادر الأدبية التي أفيد منها فتتمثل في عيون الأخبار لابن قتيبة (ت ٢٧٦ هـ) «٣»، والكامل في اللغة والأدب والنحو الصرف للمبرّد (ت ٢٨٥ هـ) «٤»، والعقد الفريد لابن عبد ربه (ت ٣٢٨ هـ) «٥»، والأغاني للأصفهاني (ت ٣٥٦ هـ) «٦»، ونهاية الأرب للنويري «٧»، فقد أفادت هذه المصادر بشكل خاص في فصل «الإدارة في الجزيرة العربية قبل الإسلام»، فبيّنات بعض صفات شيخ القبيلة، بصفته الرئيس الإداري لقبيلته وحقوقه وواجباته، وأعطت معلومات جيدة عن طبيعة السلطة الإدارية في القبيلة، وكيفية انتقال هذه السلطة من شيخ إلى اخر أو من بطن إلى اخر، وذكرت بعض المعلومات عن إدارة مكة المدنية والدينية والمالية، وذكرت بشيء من التفصيل أخبار قصي بن كلاب الذي يعدّ المؤسس الأول للإدارة في مكة، ولكن يلاحظ على هذه الكتب أنها غير مسندة وتذكر كثيرا من المعلومات التي لا يقبلها العقل والمنطق.
وأفيد من المصادر الشعرية مثل، ديوان لقيط بن يعمر الإيادي (شاعر جاهلي) «٨»، وديوان الأقوه الأودي (شاعر جاهلي) «٩»، وديوان عامر بن الطفيل (ت ١٠ هـ) «١٠»، وديوان الأصمعي (ت ٢١٦ هـ) «١١»، في بيان الصفات الواجب توافرها في من يتولى إدارة القبيلة والتي تؤهله للاستمرار في مركزه، وذكرت شيئا عن مجلس القبيلة والتي سمته «بمجلس السراة»، وذكرت بعض الوظائف التي كانت بمكة، إذ كان العرب يعبرون عن كثير من قضاياهم بطريق الشعر والأقوال البليغة والحكم.
_________
(١) الفيروز أبادي، القاموس (ج ٢، ص ٣١، ٣٢) .
(٢) الزّبيدي، تاج العروس (ج ٤، ص ٢٠١) (ج ٥، ص ٢٧٨) (ج ٨، ص ١٨٧) .
(٣) ابن قتيبة، عيون الأخبار (ج ١، ص ٢٢٦) .
(٤) المبرد، الكامل (ص ١٦٦) .
(٥) ابن عبد ربه، العقد الفريد (ج ٣، ص ٢٣٥، ٢٣٦) .
(٦) الأصفهاني، الأغاني (ج ٥، ص ٣٤) .
(٧) النويري، نهاية الأرب (ج ١٥، ص ٤٢٩) (ج ١٦، ص ٣٥) .
(٨) لقيط بن يعمر، ديوانه (ص ٤٦- ٤٨) .
(٩) التميمي، الطرائف الأدبية (ص ٣) .
(١٠) عامر بن الطفيل، ديوانه (ص ١٣) .
(١١) الأصمعي، الأصمعيات (ص ٣٧) .
1 / 22
واعتمد الباحث على مجموعة من المصادر الجغرافية في بيان التقسيمات والأعمال التابعة لمكة والمدينة، والتعريف بمنطقة من المناطق أو مدينة من المدن، فكان لكتاب ابن الفقيه (ت ٣٤٠ هـ) مختصر كتاب البلدان «١»، وكتاب ابن خرداذبه (ت ٢٨٠ هـ) المسالك والممالك «٢»، وكتاب المسعودي (ت ٣٤٦ هـ) مروج الذهب «٣»، والتنبيه والأشراف «٤»، وكتاب المقدسي (ت ٣٨٠ هـ) أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم «٥»، وكتاب ياقوت الحموي (ت ٦٢٦ هـ) «معجم البلدان» «٦»، دور كبير في ذلك، ويواجه الباحث عادة مشكلة أن هذه المصادر لم تكن تميز بين وضع الجزيرة وتقسيماتها في فترة الرسالة المبكرة، وبين ما حدث من تغييرات على التقسيمات الإدارية في فترات لاحقة. ولكن تبقى هذه المصادر ذات قيمة كبيرة في التعريف بالأماكن المختلفة، ولا سيما كتاب المسعودي (ت ٣٤٦ هـ) الذي اعتمد بشكل كبير على الجغرافية في تأريخه للأحداث، وجمع بين أسلوبي مدرسة التاريخ ومدرسة الجغرافية، ولذلك فهو يعدّ من رواد المدرسة الجغرافية التاريخية.
وأفيد من بعض المصادر المتفرقة، مثل: كتاب أخبار القضاة لوكيع (ت ٣٠٦ هـ) «٧» في بيان كثير من الأمور المتعلقة بالقضاء في زمن الرسول ﷺ، وبخاصة أسماء القضاة الذين قضوا في حضرة النبي ﷺ، أو أرسلوا إلى الجهات المختلفة، وذكر في ذلك مجموعة من الأحاديث المسندة عن النبي ﷺ وهو يتفرد في البحث في أمور القضاء في صدر الإسلام، ولكنه لا ينقد روآياته، ولا يرجح في حالة ورود أكثر من رواية لحديث معين.
وقدمت كتب الاستيعاب لابن عبد البر (ت ٤٦٣ هـ) «٨»، وأسد الغابة لابن كثير (ت ٦٣٠ هـ) «٩»، والإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر (ت ٨٢٥ هـ) «١٠» ترجمة وافية للصحابة، ذكر خلالها اسم الشخص ونسبه، ومشاركته في الأحداث البارزة في
_________
(١) ابن الفقيه، مختصر كتاب البلدان (ص ٢٦) .
(٢) ابن خرداذبه، المسالك والممالك (ص ١٢٨) .
(٣) المسعودي، مروج الذهب (ج ٢، ص ٢٨٩) .
(٤) المسعودي، التنبيه والأشراف (ص ٢٤٥، ٢٤٦) .
(٥) المقدسي، أحسن التقاسيم (ص ٧٩، ٨٠) .
(٦) ياقوت، معجم البلدان (ج ٤، ص ١٤٢) (ج ١، ص ٢٤٩، ٥٢٩) .
(٧) وكيع، أخبار القضاة (ج ١، ص ١٥، ٤٥، ٤٦، ٨٢، ٨٣) .
(٨) ابن عبد البر، الاستيعاب (ج ٣، ص ١٤٠٣) (ج ٤، ص ١٥٦٢) .
(٩) ابن الأثير، أسد الغابة (ج ٣، ص ٢٤٦) (ج ٤، ص ٢٢٤، ٢٢٥) .
(١٠) ابن حجر، الإصابة (ج ١، ص ١٦٤) (ج ٣، ص ٢٥٨، ٢٥٩) .
1 / 23