فازداد خفقان قلب سلمى، حين تبينت الشبه الشديد بين هذه الحكاية وحكايتها، وأرادت أن تتكلم فلم تستطع، فبقيت مذهولة مادة عنقها، إصغاء لنهاية الحديث، وكذلك زوجها.
فقال غريب: «يا للعجب! ونحن أيضا من بر مصر، وقد أصابنا تقريبا مثل ما أصابك، فما اسم والدك لعل والدي يعرفه؟»
فقال سالم: «اسمه أمين، ووالدتي الأميرة سلمى.»
فصرخت سلمى: «ولدي سليم، حبيبي، مهجة كبدي!» ورمت نفسها عليه، وجعلت تقبله حتى أغمي عليها، وكذلك زوجها. فبهت سالم لذلك، ولكن تحركت فيه العواطف، وتذكر صورتيهما بعد مضي هذه المدة من الزمان، وترامى على يديهما وجعل يقبلهما، والدموع تتساقط من أعين الجميع من شدة الفرح.
فبهت غريب لذلك؛ لأنه لم يكن يعلم أن له أخا يدعى سليما، ولكنه اهتم برش الماء على أبيه وأمه، فلما نهضا كررا القول: «ولدي سليم، حبيبي!» فقال غريب: «ما هذا؟ من أين نبت لنا هذا الأخ؟ ما بال الدهر يأتينا كل يوم بنبأ جديد؟»
ونهض غريب إلى الغرفة، حيث كان المصباح مشتعلا. وجعل يتأمل أخاه سليما، ولما علم أنه أخوه حقيقة، أخذ يقبله ويعانقه.
ولا تسل عن قلب الوالدة في تلك الحال، لقد كان الجميع يحسبون أنهم في حلم.
وكان سليم أقل ذهولا من والدته؛ لأنه كان قد يئس من أن يلتقي بها، وكذلك بأبيه، فقضوا تلك الليلة في الأحاديث عما جرى لهم، إذ ظل كل منهم يقص حكايته، فلم يناموا طرفة عين. فلما أصبح الصباح سار أمين بك لإعلام الأمير بشير بالقصة، وطلب أن يسأل إبراهيم باشا إعفاء سليم من العسكرية وإبقاءه في بيت الدين.
ثم عاد وأخبرهم بسرور الأمير البالغ باجتماع شمل تلك الأسرة المشتتة، وبعث الأمير إلى سليم (سالم أغا) فهنأه بلقاء أهله، وقبل سليم يد الأمير قائلا: «إن لسيادتكم الفضل الأكبر في جمع شتات هذه الأسرة فنحن غرس نعمتكم.»
ودار الحديث مدة، ثم استأذن سليم في الانصراف؛ لأن الأمير كان في انشغال بالأحوال السياسية وثورات الدروز على الحكومة المصرية .
Неизвестная страница