وإذا بها تظهر من حيث لا ندري، كل اثنتين معا، وكل ثلاث، حتى اجتمع خمس عشرة، لم تحضر أربع منها، فتوغلنا إلى مسافات أبعد في الغابة للعثور عليها، وكنسوكي يغني طول الوقت. وفجأة أتت ثلاث وهي تصطدم في سيرها بالأشجار، وكانت من بينها توموداكي. لم يكن غائبا سوى الصغير كيكانبو.
ووقف كنسوكي في باحة مكشوفة في الغابة، تحيط به السعالي، وشرع يغني لكيكانبو المرة بعد المرة، ولكن الصغير لم يأت. ثم سمعنا صوت تشغيل محرك، في مكان ما بالبحر، محرك مثبت خارج السفينة. وعاد كنسوكي للغناء بصوت أعلى، وبنبرات أشد إلحاحا. وأصخنا السمع عسى أن يصدر كيكانبو صوتا، وبحثنا عنه وناديناه.
وقال كنسوكي أخيرا: «لا نستطيع الانتظار أكثر من ذلك، سأسير في الأمام وتسير يا ميكاسان في الخلف. أحضر السعالي الأخيرة معك، هيا، بسرعة.» وانطلق عند ذلك، سالكا المسرب وسط الغابة، وهو يقود أحد السعالي بيده، ولا يزال يغني. وأذكر أنني خطرت لي، ونحن نسير خلفه، صورة عازف المزمار الأسطوري الذي سحر الأطفال بموسيقاه فاتبعوه حتى اختفوا في كهف في جانب الجبل.
أما أنا فكانت مهمتي محددة في آخر الحشد، كانت بعض الصغار تحب أن تلعب لعبة «الاستغماية» أكثر من اهتمامها بالسير وراء الكبار. واضطررت في النهاية إلى أن التقط اثنتين منها وأحملهما، كل واحدة في ذراع. كان وزنها أكبر كثيرا مما يدل عليه منظرها، وظللت ألقى النظرات خلفي، من فوق كتفي، عسى أن أرى كيكانبو، وأناديه ولكنه لم يحضر رغم كل ذلك.
وتوقف صوت محرك السفينة، وسمعت بعض الأصوات. كانت عالية، أصوات رجال، وضحكات. كنت الآن أجري، والصغيرتان متعلقتان برقبتي، وكانت الغابة ترتج بأصوات النعيب والعواء في انزعاج في كل مكان حولي.
وعندما وصلت إلى الكهف سمعت صوت أولى الطلقات التي تردد صداها في الفضاء. وهب كل طائر وكل خفاش في الغابة طائرا، حتى اسود لون السماء التي امتلأت بصرخاتها الحادة. وحشدنا السعالي معا في آخر الكهف، وانكمشنا في الظلام معها، وأصوات طلقات الرصاص لا تنقطع.
كانت توموداكي أشد السعالي قلقا واضطرابا، لكنها جميعا في حاجة إلى التسرية وبث الاطمئنان في قلوبها دائما، وهو ما كان كنسوكي يقوم به، إذ لم يتوقف عن الغناء لها طيلة هذا الكابوس الرهيب.
كان الصيادون قد اقتربوا، بل اقتربوا اقترابا شديدا، وهم يطلقون النار ويصيحون. وأغلقت عيني ودعوت الله. وكانت السعالي تئن بصوت مرتفع كأنما تغني مع كنسوكي، وكانت ستلا طول الوقت ترقد عند قدمي، وفي حلقها زمجرة مستمرة. وكنت أقبض على غضون عنقها طول الوقت، تحسبا للمفاجآت. وكانت صغار السعالي تدفن رءوسها في جسمي حيثما استطاعت، تحت ذراعي، وتحت ركبتي، وتتشبث بي.
كانت الطلقات تدوي الآن على مقربة شديدة منا، تشق الهواء ويرجع الكهف أصداءها. وسمعت صيحات انتصارات بعيدة، وكنت أعرف خير معرفة ما لا بد أن يعنيه ذلك.
وابتعد موقع الصيد بعد ذلك. لم نعد نسمع أية أصوات، باستثناء الطلقة العارضة، ثم ساد الصمت. سكتت الغابة كلها. ومكثنا حيث كنا ساعات طويلة. كنت أريد أن أغامر بالخروج لأرى إن كانوا قد رحلوا، ولكن كنسوكي رفض. كان يغني طول الوقت، وظلت السعالي رابضة معا حولنا، حتى سمعنا صوت تشغيل محرك القارب. ومع ذلك، فقد جعلني كنسوكي أنتظر فترة أخرى. وعندما خرجنا أخيرا كانت السفينة قد أبحرت وابتعدت كثيرا عن الشاطئ.
Неизвестная страница