تأليف
ليو تولستوي
ترجمة
سليم قبعين
الفيلسوف تولستوي (آخر رسم له).
كلمة للمعرب
لا أزيد القراء تعريفا بالفيلسوف تولستوي، فإن مجرد ذكر اسمه يكفي للدلالة على شهرته؛ فهو فيلسوف هذا العصر الفرد بإجماع فلاسفة أوروبا وأميركا الذين اعترفوا له بسمو المدارك وسعة الاطلاع واستقامة المبادئ وحصافة الآراء. ولا عجب، فقد أفاض على العالم أجمع ينابيع الحكمة السامية، وعلم الناس كيف يعيشون، وأرشدهم إلى الطريق المؤدي إلى قمة الكمال الإنساني الذي لم يسبقه فيلسوف إلى تعريفه الحقيقي، ولم تتوصل أبحاث فطاحل العلماء إلى ما وصل إليه من المباحث بشأنه؛ فقد كشف النقاب عن كثير من الأسرار الغامضة. ومما تفرد به تولستوي إمكانه تصوير أنفس الناس تصويرا حقيقيا يدركه مطالعو كتبه لأول وهلة. وقد فاق من سبقه من الفلاسفة ببساطة فلسفته؛ فهي سهلة المأخذ، قريبة المنال، خالية من التعقيد والغموض.
وتولستوي فيلسوف قولا وفعلا؛ فإنه زهد هذه الدنيا الباطلة وتنازل عن جميع ممتلكاته الواسعة وأراضيه الشاسعة، واكتفى منها بمنزل تحيطه حديقة وقطعة أرض يستغلها بنفسه ويقضي سحابة يومه في الاشتغال بها؛ ليستثمرها ويتقوت من محصولها، وعدا ذلك فإنه يخيط ملابسه وحذاءه لأن من رأيه أنه يتحتم على الناس أن يداوموا على الشغل الذي هو الوسيلة الوحيدة التي تبعدهم عن الشر وارتكاب الموبقات والانغماس في حمأة الرذائل، فهو بهذا المعنى على رأي الشاعر العربي القائل:
إن الشباب والفراغ والجدة
مفسدة للمرء أي مفسدة!
Неизвестная страница