فلما سمع همام حجة الفتى، حاول المغالطة بالضحك وقال: أخطأت يا عزيزي الصواب، وأنزلت الزواج غير منزلته، فقد يصح قولك على القوم الذين يأخذون على الظواهر، ولو بحثت ودققت لرأيت أنك لم تقل شيئا معقولا، ولئن سألتني عن رأيي أجبتك أني ما أرى بأسا أن يتزوج الرجل كل يوم بامرأة، فما يكلف بمحبتها والإخلاص إليها، وإلا فالزواج هلاك يحشر فيه الزوج حيا.
ومضى همام مطنبا في شرح حالة الرجل المتزوج بامرأة قبيحة الشكل دميمة المنظر، وأنه يكون خلوا من الشواغل والمتاعب. وبينما هو يتكلم دخل خادم الفندق يخبر بقدوم امرأة تطلب الدخول، فسأله عن صفتها وسنها، وهل هي قبيحة أو جميلة؟ فأجابه الخادم أنها قبيحة متقدمة بالسن، فأنف همام عند سماع ذلك من دخولها، وقال للخادم: أغنانا الله عن رؤيتها، ثم سأله: هل أخبرته بشيء؟
فقال: إنها طلبت مقابلة الخواجه غانم، وزعمت أنه في هذه الحجرة.
قال همام: أدققت النظر فيها؟
قال الخادم: نعم، دققت فيها النظر وسوف تبصرها.
قال همام: صدقتك، وعرفت أنها ثقيلة بمجيئها في هذا الوقت، وهو أوان الطعام.
ثم إنه التفت إلى ابن أخته يقول: من الواجب علينا احتراما لصاحبنا غانم أن نقابل من يأتي لزيارته أو يكون له معه اتصال ومعرفة.
فقال فؤاد: لا بأس بذلك. وأمر الخادم بأن يدخل المرأة، فلما دخلت إذا هي تلك التي رآها تقف مضطربة أمام باب الفندق عند موقف العربات، فقطب همام جبينه لرؤيتها، وانصرف بوجهه عنها إلى أقصى الحجرة ساخطا لاعنا يقول: ألا قبحها الله من عجوز تكاد تنال الأرض بوجهها ... إن منظرها ليقطع شهية الأكل للجائع، ويتخم طعام المتغذي، قاتل الله غانما وعشيرته.
وكانت المرأة على الحقيقة شمطاء، مجعدة الجبين، صفراء اللون، واهية القوى، رثة الثياب، وعلى وجهها علامات الغضب، وعيناها جاحظتان، وأخذت تلتفت يمينا وشمالا باحثة عن غانم، فلما لم تره أرادت الخروج، فمنعها فؤاد لشفقة أخذته عليها، وقال لها: لم يحضر بعد صاحبنا غانم، فإن رأيت أن تنتظريه، فهو لن يتأخر في ظني عن الحضور، وهذا أوانه.
قالت: أخشى إزعاجك يا سيدي.
Неизвестная страница