قالت: أنت تهزأ بي، وتزعم أني مصدقة بالاستخارات وضرب الرمل وفتح الورق والمندل والخرافات الأخرى التي من هذا القبيل، المتسلطة على عقول العامة من الناس بمعزل عن العقلاء العارفين بأنها من الأباطيل والمضحكات، فلا يعتبرونها بشيء ولا يعتقدونها إلا شعوذة أو مهمة اتخذها بعض الناس وسيلا للمعاش، أما لو رأيتني أفتح الورق أحيانا فليس إلا على سبيل التسلية في وحدتي.
قال: ما دمت لا تصدقينها فإني لا أصدق الأحلام.
قالت: ولعلك أبصرت في منامك شيئا، فأخبرني عنه لأفسره لك.
قال: أبصرت في المنام كأنك موجعة متكدرة، فرأيتك في اليقظة مسرورة محبورة، فأشكر الله على كذب أحلامي.
قالت: أكان هذا السبب في غمك؟ فإني رأيت على وجهك علامات الكدر في دخولك إلي.
قال: كنت مضطربا خوفا عليك أن أراك متكدرة ومنحرفة المزاج.
قالت: كدرك مجرد الظن أن تراني - كما قلت - موجعة، فوالله إنك لصديق صادق، لا ريب في شهامتك، ولكني أراك بعض الأحيان عابثا واجما فيضعف اعتقادي بمحبتك، ويعروني الكدر الشديد، وكل مناي في الدنيا أن أكون محبوبة لك عزيزة مجبورة الخاطر على فقد الملجأ والسند، ولولا رجائي منك واتكالي عليك واعتقادي بأنك تحبني وتهتم في شأني؛ لفارقت هذه الدنيا، وكفى بالأمل تسلية للحزون، أذهب الله عن قلبك الأكدار، وبلغك الفوز والسعادة.
قال فؤاد: ما هذا الكلام يا عفيفة؟ يعلم الله أني محبك من صميم الفؤاد، ولا شيء في الكون عندي بمعزتك، فقد كدرتني بحديثك.
قالت: في إمكانك أن تجعلني مسرورة دائما أبدا لو تبش في وجهي فلا تعبس، فإني عندما أراك مبتسما يفرح قلبي، وبعكس ذلك إذ أراك عابسا واجما فإني أنقبض، وتعروني الغمة والله يعلم. ثم إنها حولت وجهها عنه، وأذرفت الدموع من شدة التأثر ورقة الإحساس، فزادها الوجد ظرفا وجمالا.
فاندهش فؤاد من رؤية محاسنها البديعة، وتحركت عواطفه نحوها، فجعل يحدث نفسه بقوله: لقد صدقت - والله - أمها حين قالت لي وهي على فراش الوفاة: إن عفيفة ستكون حملا ثقيلا عليك، فها أنا أشاهدها كل يوم وألازمها الساعات الطوال شاعرا بلوعات الهوى، أحبها وتحبني، فأكتم وجدي حتى برح بي الجوى وأضناني الغرام، واشتدت وطأته علي، فأخشى الاحتراق في ناره، فأنا بين أن أهلك أسى وكتمانا وبين أن أبوح لها بحبي، أكاد لا أهتدي سبيلا، وأشفق أني أصرح لها بوجدي فأكون قد خدعتها ونكثت بالأيمان التي حلفتها لوالدتها في ساعة النزاع، وهي يمين معظمة أقوم بها حتى يواريني التراب، وخير لي أن أهلك وأفارق هذه الدنيا من خيانة الأمانة والعهد ونقض الشرف، فهذه الفتاة محرمة علي إلا أن تكون لي زوجة على الحلال، فتتم سعادتي، وأنال من الدنيا جميع ما أشتهي، وأما أن أفسق بها فمعاذ الله من ذلك.
Неизвестная страница