ثم إن سعيدا تناول الكأس وشربها وقدمها إلى فؤاد فملأها وجعلها أمامه وأردف بقوله: وقد كان قلعي ضرسها سببا للنزاع والخصام المستمر بيني وبينها حتى إن والدي حقد علي أيضا، وكان لكرهه الإنفاق واغترام المصاريف قد أبى أن يصنع لها سنا عوضا عن المفقودة؛ لاعتقاده أنه لا يغير في محاسن الوجه نقصان سن من الأسنان، ولا يعوق عن الأكل، ولكن أختي جعلت تعكر عليه وتلازم النوح والبكاء حتى رق لها، فاشترى السن المصنوعة، وتراه إلى الآن كلما رآها يتذكر الخسارة التي اغترمها وفي قلبه الأسف والحسرة.
قال فؤاد: فقد الأسنان مصيبة عظيمة عند النساء، فأختك سعدى معذورة بما تكدرت، فبالله أن تخبرني هلا فيها شيء صناعي غير سنها؟
قال سعيد: شعرها صناعي أيضا، وهي تعيرني بلون شعري أنه مائل إلى الحمرة، وذلك أفضل من الشعر الصناعي على كل حال.
قال فؤاد: لله درك، ما أبرعك ناقدا تعرف الخفايا!
فتناول سعيد الكأس وشربها وهو يضحك، فجعل فؤاد يضحك مثله ويقول: شرط الأصحاب على بعضهم المشاركة ورفع الكلفة والتصنع، وأن لا يكتموا شيئا من هواجس أفكارهم، فأخبرني عما يجول في خلدك.
قال سعيد: ضحكت من أمر خطر في بالي، وأخشى أن أخبرك به فتتكدر.
قال فؤاد: معاذ الله أن يكدرني سماع حديثك، وأنا أسر سرورا فائقا به، وأجده في غاية الظرف واللطافة.
قال سعيد: أرجوك أن تعفيني هذه المرة من الكلام.
قال فؤاد: والله ما أحب أن أثقل عليك في السؤال، ولكنني أتلذذ بسماع أقوالك، فإنك تروي بأجمل تعبير وألطف إشارة، وفيك تمام الظرف والمؤانسة.
قال سعيد: تتملقني لأطلعك على كل شيء فمحبة وكرامة، ولكنني لا أجد بدا من كتمان ما ورد في خاطري مخافة أن يبلغ أختي سعدى حديثي وتنزعج له، ويدفعها الغضب، فتنشب في أظافرها، وتسمل عيني الواحدة أو تفقأهما معا، ولا تلام على ذلك، ومن العادة أن لا يستهزئ أحد بالعيوب الطبيعية في الجسم، وفوق ذلك فإنه لا يصح وقوع هذا الأمر بين الأخ وأخته.
Неизвестная страница