قال: إن كان ما تطلبين محبتي، فهي مبذولة لك غير ممنوعة.
وكان غانم حين سمع كلام أخته تهلل وجهه، وقر عينا بما سمع، وانشرح لانحصار الطلب في أمر ليس له قيمة واعتبار عنده، ولا يكلف شيئا.
قالت كريمة: إن صدق قولك، فدعني أختبرك، واسمع قصتي: إنني متألمة وبي مرض يلازمني من عدة أشهر، وهو يزداد يوما عن يوم، وقد شعرت بدنو أجلي وانصرام أيامي.
فأظهر غانم لأخته الحنو، وقال لها: بالله أن تصرفي عنك هذه الأوهام، فإنه لا يليق مثل هذا التصور بامرأة عاقلة مثلك، وأنت صحيحة الجسم، وليست نحالتك دليلا على المرض، فإني مثلك ناحل، وعافيتي جيدة، وليست بسطة الجسم دليلا على الصحة وقوة البنية. تذكري أن امرأتي المرحومة كانت سمينة، فلم يحفظها سمنها من القضاء المنزل، فتوفيت في الرابعة والأربعين من عمرها، وبقيت حيا بعدها، فمن ذلك تعلمين أن تصوراتك محض أوهام وأضغاث أحلام.
قالت: ليست رغبتي من الموت ولا أسفي على حياة هذه الدنيا، وأنا لا أرجو منها شيئا، وإنما أعلمني الطبيب أني مصابة بداء في القلب يجعل صاحبه في خطر دائم من النكسة، وهكذا فإني أشعر بانحطاط كلي في قوتي، وضعف جسمي لم أكن أعلمه قبل اليوم.
قال: كل هذه أوهام باطلة، فاصرفيها عن خاطرك.
قالت: بل هي حقيقة أعلمها حق العلم، والإنسان أدرى بنفسه وحاله من غيره، حتى إني الآن من برهة وجيزة أصابني الصرع، فظننت أن ساعتي الأخيرة قد دنت الأجل، ويا ليت ذلك قد تم لأرتاح من العذاب وأخلص من مصائب هذه الدنيا وأكدارها، وإني لأتمنى الموت، وأرحب به لولا شفقتي على ابنتي وحشاشتي وقرة عيني.
وهنا تنهدت كريمة، وزفرت زفرة المتأوه، وأذرفت الدموع، وقالت: إنما قلبي على بنتي وشفقتي عليها لا على نفسي، فقد لزمت التعاسة هذه المسكينة منذ يوم ولدت؛ فعاشت ذليلة يتيمة من أبيها الكريم الفاضل ووا لهفي عليها، كيف تكون حالها حين تفقد أيضا والدتها؟!
فعاود غانم انشغال البال والقلق عند سماعه هذا الكلام، فقال لأخته: أي شيء تخافين على ابنتك، فهي تقيم من بعدك في حجر زوجك خليل؟
فارتعشت عند ذلك فرائص كريمة، وقالت: هيهات هيهات أن تجد لها سندا عنده، وهي بعد مماتي تكون غريبة، فلا تبقى علاقة أو قرابة بينه وبينها.
Неизвестная страница