وفيما هم في تلك النشوة، وإذا بالحكيم «أرباسيس» قام واقفا على أقدامه وألقى خطبة فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن الله قد جمل هذا الملك الصغير السن الكبير القدر بحسن الشيم، ومكارم الأخلاق، وقد خصه بالنصر حتى إنه فتح أعظم ممالك العالم في أقرب وقت، وهي مملكة «مادي» و«أشور» و«بابل». ثم وجه كلامه إلى الملك «أكيا كسار»، وقال: والآن فإنه يريد أيها الملك أن ينتمي إليك، ويكون لك صهرا، وإن تنعم له بابنتك، ويكون صداقها رجوع مملكة «أشور» إليك كما كانت.
فلما سمع الملك «أكيا كسار» ذلك كاد أن يطير فرحا، وقال: فليكن كما يشاء الملك. ثم عقدوا لها عليه في تلك الساعة، وقامت الأفراح في تلك الليالي الضاحكات، وتم السرور، وزينت تلك المعالم الزاهرة، وأرجعوا مياه النهر إلى مجاريها، وبعد أن كان الفرح «لأفراسياب» انقلب، وصار «لكورش» فسبحان من له الدوام، وفي اليوم الثاني جمع أكابر بابل، وعرض عليهم ترك عبادة النار، وأن يعبدوا الله الواحد القهار فآمنوا جميعا، وقد خصص لهم من يعلمهم شروط الدين. ولما انتهى من تصليح بلاده، وتم له الأمر أرسل «أكيا كسار» إلى بلاده، وأمر أن يسير كل من كان معه في الأسر من عساكره، فودع ابنته وصهره الملك «كورش»، وخرج الملك وحاشيته إلى خارج المدينة، وبعد أن ودعوه سار إلى بلاده في غاية الفرح والسرور.
أما الملك «كورش» فإنه جعل عاصمة بلاده مدينة «بابل»، وصار يجتهد في إصلاح بلاده، وتنظيم أمورها، وانتخاب الأكفاء من أمرائه للولايات في أنحائها. وصار يحارب عباد النار، ويهدم هياكلهم ومعابد النار، ورد طائفة اليهود إلى بيت المقدس بعد السبي (وقد كان نبي الله أشعيا أنبأ عنه قبل ظهوره بمائة سنة).
والحاصل: فبينما هو جالس في ذات يوم، وإذا بالحاجب دخل عليه وأخبره بأن الملك «أفراسياب» تخلص من السجن، وهرب فذعر الملك من هذا الخبر، وغضب غضبا شديدا، وأمر أن يفتشوا عليه في كافة أنحاء المدينة، وقامت الجواسيس من كل صوب، وكان «روبير» من ضمن من خرج، وبعد مدة، وجيزة رجع الكل بدون جدوى، وقالوا لم نجد له خبرا ولا أثرا، فاغتاظ الملك، وقال: أين «روبير»؟ ائتوني به!
فقالوا له: لم يأت بعد.
قال «فانيس»: فلننتظره أيها الملك، ولا بد أن يأتينا بخبر أكيد.
أما «روبير» فإنه صار من مكان إلى آخر يتجسس الأمور إلى أن بلغ شاطئ البحر، فوجد هناك سفينة تجارية، فطلب من ربانها أن يخبره إلى أين وجهته فقال: إلى جزيرة صقلية.
فقال: هل تقبلون معكم ركابا؟
قال: نعم، نحن مستعدون لقبول كل من يريد السفر.
قال: أريد أن أبحث عن سيدي؛ لأنه خرج فارا من وجه ملك الفرس، ولم أعلم له مكانا، وقد تخلصت أنا من السجن ولحقت بسيدي أبحث عنه إلى أين سار.
Неизвестная страница