وارتاح الكونت فريزن لمجرى الحوادث في ذلك الوقت؛ فقد اغتبط بما لاحظه من دلائل الألفة التي تمت بين السيدة البرنسيس دي بوربون والآنسة فيرونيك كريستوف بعد مقابلتهما الأولى، وسرعان ما أحست السيدة بالارتياح والثقة بالفتاة ودار بينهما الحديث، فذكرت السيدة لها أحلامها وأمانيها وصورت لها ما سوف يحدث عند تتويج ملك فرنسا، وما سيكون عليه قصر التويلري وفرسايل، وقالت: إن قداسة البابا سوف يحضر ليضع تاج القديس لويس على رأس الملك ويباركه، كما سيحضر إمبراطور أوستوريا أيضا، والواقع أنه سيجتمع في الحفل كل الرءوس المتوجة في أوروبا.
وأنصتت فيرونيك لكل هذا وهي مطرقة، وكان فؤادها يرتجف إذ وجد خيالها في كل هذا مادة مشبعة له، ولكن حتى هذا الوقت لم تكن السيدة ولا البارون قد ذكرا شيئا عن مشروع الزواج للفتاة.
وحدث بعد ذلك أن زارت الفتاة فلا إليزابث وجلست مع السيدة في الشرفة، حيث تطل على منظر جميل فوق الطريق المؤدي إلى ليخنثال، وكانت السيدة كعادتها تتحدث عن فرسايل والتويلري، فقالت: ألا ترين يا عزيزتي أن الإنسان يستطيع أن يعقد استقبالات رائعة في فرسايل؟ إنه مكان مدهش للحفلات مع ذلك المدرج العظيم.
وقالت الفتاة ملاطفة: إنني لم أشاهده مطلقا يا سيدتي.
وأقرت السيدة: ولا أنا أيضا، غير أنه يمكنني أن أتصور كم يكون جميلا بأولئك العظماء الذين يجتمعون فيه ليؤدوا التحية للويس! بل وما أعظم حضور البابا خصيصا إلى ريمس ليضع التاج على رأس ولدي!
وقالت السيدة بغصة: وعلى كل حال فقد توج بيوس السابع ذلك البونابرتي المحدث الذي لا يمكن أن يكون جديرا حتى يلعق حذاء لويس.
فغمغمت الفتاة بلهفة: لا بد أن أذهب إلى ريمس، إنها حتما ستكون رائعة. - إنني أكاد أسمع هتافات الشعب القوية، هل تسمعينها يا فيرونيك؟ - وأجابت الفتاة بابتسامة: إنها تطن في أذني.
وفي ذلك الوقت ملأت الجو هتافات بعيدة ظلت ترتفع شيئا فشيئا، حتى إذا اقتربت امتزجت بها جلجلة الخيل وقرقعة العجلات، فقفزت فيرونيك على قدميها وجرت إلى طرف الشرفة حيث أمكنها أن تكشف بالنظر طول الطريق، وقالت السيدة: إنه نابليون وأوجيني.
لقد كان الازدحام عظيما وكانت الأصوات والهتافات ترتفع إلى عنان السماء مرحبة بنابليون الثالث وهو في أوج مجده وأوجيني في عز جمالها.
وتنهدت فيرونيك ثم التفتت إلى السيدة التي نمت عيناها الجاحظتان وشفتاها المطبقتان عما يضطرم في نفسها من مرارة قاسية، وكانت أصابعها المرتعشة تمزق أطراف منديلها المطرز، وعادت فيرونيك إليها ثم ركعت على ركبتيها ورفعت أناملها الرقيقة فوق يدي السيدة المرتعشتين وهمست: سوف لا يبقى هذا طويلا.
Неизвестная страница