ملحمة الجزائر
إهداء
مقدمة
المبحث الأول: العصور القديمة
1 - العهد الفينيقي
2 - العهد الروماني
3 - العهد الوندالي
4 - العهد البيزنطي
المبحث الثاني: العصر الوسيط
1 - الفتح العربي الإسلامي
2 - الدويلات المستقلة في الجزائر
المبحث الثالث: العصر الحديث والمعاصر
1 - التدخل الأجنبي في الجزائر
2 - الانتفاضة الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسي
3 - الحركة الوطنية الجزائرية
4 - جزائر العلم والنهضة الفكرية
5 - جزائر ما بعد الاستقلال
خاتمة
الملحقات
المراجع
إلياذة الجزائر
مقدمة الطبعة الأولى
مقدمة الطبعة الثانية
إلياذة الجزائر
ملحمة الجزائر
إهداء
مقدمة
المبحث الأول: العصور القديمة
1 - العهد الفينيقي
2 - العهد الروماني
3 - العهد الوندالي
4 - العهد البيزنطي
المبحث الثاني: العصر الوسيط
1 - الفتح العربي الإسلامي
2 - الدويلات المستقلة في الجزائر
المبحث الثالث: العصر الحديث والمعاصر
1 - التدخل الأجنبي في الجزائر
2 - الانتفاضة الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسي
3 - الحركة الوطنية الجزائرية
4 - جزائر العلم والنهضة الفكرية
5 - جزائر ما بعد الاستقلال
خاتمة
الملحقات
المراجع
إلياذة الجزائر
مقدمة الطبعة الأولى
مقدمة الطبعة الثانية
إلياذة الجزائر
ملحمة الجزائر
ملحمة الجزائر
شرح تاريخي لإلياذة الجزائر لشاعر الثورة مفدي زكريا
تأليف
سمير نور الدين دردور
ملحمة الجزائر
الشاعر مفدي زكريا 1908-1977م.
إهداء
إليك يا مبدع نشيد بلادي،
إليك يا صاحب إلياذتها،
إليك يا شاعر ثورتها،
إليك أزف خالص الدعوات وأطيب التحيات،
إليك أهدي «ملحمة» شارحا بها «إلياذة»،
إليك مفدي زكريا ...
مقدمة
(1) صاحب إلياذة الجزائر (1-1) مولده ونشأته
ولد الشيخ زكريا بن سليمان بن يحيى بن الشيخ سليمان بن الحاج عيسى، المعروف ب «مفدي زكريا» يوم الجمعة 12 يونيو 1908م الموافق ل 12 جمادى الأولى 1326ه ب «بني يزقن، ولاية غرداية بالجزائر». نشأ في عائلة جزائرية محافظة أصلها من الأبيض سيدي الشيخ - غرب ولاية البيض. دخل الكتاتيب، وتعلم القرآن الكريم وأساسيات اللغة العربية.
لقبه زميل البعثة الميزابية والدراسة الأستاذ سليمان بوجناح ب «مفدي»، فأصبح لقبه الأدبي مفدي زكريا. استعار في بداية مشواره الأدبي أسماء أدبية مختلفة: أبي فراس، ابن تومرت، فتى المغرب ...
تنقل رفقة أسرته إلى مدينة عنابة، ثم رحل إلى تونس وأكمل دراسته بمدرسة السلام والمدرسة الخلدونية ومدرسة العطارين، ثم الزيتونة التي نال بها شهادة التأهيل، وعاد بعد ذلك إلى الجزائر ، وكان له دور كبير في إثراء المشهد الأدبي والسياسي. انخرط في صفوف الشبيبة الدستورية التونسية، ثم انضم إلى الحركة الوطنية الجزائرية، وناضل بداية من الثلاثينيات في صفوف جمعية «طلبة شمال إفريقيا المسلمين» و«نجم شمال إفريقيا» و«حزب الشعب» و«الانتصار للحريات الديمقراطية» ثم «جبهة التحرير الوطني».
تعرف على العديد من الشخصيات الوطنية والعربية عندما كان مقيما بتونس. لازم أبا العربي الكبادي، ورمضان حمود، وأبا القاسم الشابي.
وظف مفدي زكريا في المجال الإعلامي رصيده الثوري عندما تولى رئاسة تحرير جريدة «الشعب»، لسان حال حزب الشعب في سنة 1937م.
سجن عدة مرات بسجن بربروس (سركاجي)، وبعد قضائه مدة ثلاث سنوات فر إلى المغرب، ثم إلى تونس، وأصبح سفيرا للقضية الجزائرية.
ساهم في تحرير جريدة المجاهد إلى غاية الاستقلال، وكانت له إسهامات عبر العديد من المقالات القيمة في صحف وجرائد عربية رائدة، منها جريدة «الأخبار» و«الصواب» التونسيتان و«اللواء» المصرية. (1-2) إنتاجه الفكري والأدبي
بعدما كتب النشيد الرسمي «فداء الجزائر»، ونظم النشيد الوطني للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية «قسما» الذي لحنه الأستاذ محمد فوزي، كتب مفدي زكريا «إلياذة الجزائر» التي هي محل بحثنا، استطاع بكتاباته وأشعاره ونضاله السياسي والثقافي أن يعرف بقضية شعبه في العالم العربي، ويدعو إلى الوحدة العربية في مواجهة القوى الاستعمارية والتكتلات الإقليمية.
له العديد من المؤلفات، أخص منها: «تحت ظلال الزيتون» (ديوان شعر) صدرت طبعته الأولى عام 1966م، «اللهب المقدس» (ديوان شعر) صدر في الجزائر عام 1961م، صدرت طبعته الأولى في عام 1973م، «من وحي الأطلس» (ديوان شعر) 1976م، وله عدد من القصائد الشعرية الوطنية: «من جبالنا طلع صوت الأحرار» سنة 1932م، و«فداء الجزائر روحي ومالي» سنة 1936م، و«اعصفي يا رياح»، ونشيد جيش التحرير الوطني، ونشيد العمال ونشيد الطلبة.
1
وقد كان لمؤسسة مفدي زكريا بولاية غرداية فضل جمع التراث الفكري والأدبي للشاعر. (1-3) التشريفات
نال مفدي زكريا العديد من الاستحقاقات والتشريفات، من بينها: «وسام المقاوم من رئيس الجمهورية الشاذلي بن جديد في سنة 1987م»، و«وسام الأثير من مصف الاستحقاق الوطني من رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة في سنة 1999م»، و«وسام الكفاءة الفكرية من الدرجة الأولى من عاهل المملكة المغربية سنة 1961م»، و«وسام الاستحقاق الثقافي من الحبيب بورقيبة، رئيس الجمهورية التونسية».
2 (1-4) وفاته
توفي الشاعر مفدي زكريا - رحمه الله - يوم الأربعاء 17 أغسطس 1977م الموافق ل 2 رمضان 1397ه بتونس، ونقل جثمانه إلى الجزائر ليدفن بمسقط رأسه بعد عطاء ثري ونضال وفي. (2) موضوع الإلياذة
موضوع إلياذة الجزائر موضوع ملحمي، يروي تاريخ الجزائر وأهم البطولات التي خلدها أبناؤها، والواضح أن طريقة إلقاء الإلياذة بتلك الصورة الإبداعية والحماسية في افتتاح الملتقى السادس للفكر الإسلامي سنة 1972م بالجزائر ونمط تركيبها واستعمال مفدي زكريا للمحسنات عوامل أعطت الإلياذة رونقا أدبيا وجرسا موسيقيا يثير في النفس عزة الروح الوطنية، ويربي فيها قوة الارتباط بأمجادها وتاريخها وبطولاتها، وهي في حد ذاتها رسالة قوية قوة القضية الجزائرية عبر التاريخ، ترسم في أبياتها معالم الدولة الجزائرية المعاصرة وأصالة مبادئها الإسلامية والعربية والأمازيغية.
إلياذة الجزائر، ديوان شعر، أرخ لتاريخ الجزائر، واجتهد في إزالة ما علق به من شوائب، في صورة ملحمة
3
تنبع حركة وأحاسيس جياشة.
وقد اشترك في ضبط نسجها التاريخي كل من مفدي زكريا الذي كان مقيما حينها بالمغرب، ومولود قاسم نايت بلقاسم الذي كان بالجزائر، وعثمان الكعاك من تونس. برزت الفكرة الأولى لنظم الإلياذة من قبل الأستاذ مولود قاسم - رحمه الله - الذي راوده مشروع الإشادة ببطولات هذا الوطن ومقوماته الدينية والثقافية والتاريخية في شكل ملحمة خلال الملتقى الخامس للفكر الإسلامي الذي أقيم بوهران سنة 1971م، طلب من خلالها من الشاعر مفدي زكريا كتابتها تحضيرا للملتقى السادس، الذي كان مقررا أن يقام في قاعة المؤتمرات لقصر الأمم بالجزائر العاصمة.
ويا ملتقى فكر إسلامنا
ومجلى قداسة إيماننا
ويقول في بيت آخر:
سلام على مهرجان الخلود
سلام على عيدك العاشر
كان مولود قاسم يراجع مادة الإلياذة التاريخية، ثم يقوم الأستاذ عبد المجيد غالب بخطها.
تتكون الإلياذة من ألف بيت وبيت، تغنت بأمجاد الجزائر وحضارتها ومقاوماتها لمختلف الأمم المستعمرة والمغتصبة التي تدافعت عليها. ألقيت بداية الإلياذة، وكان عددها ستمائة وعشرة أبيات، في افتتاح الملتقى السادس للفكر الإسلامي أمام جمع غفير من المؤتمرين، حضر لاستماع بعض منها رئيس الجمهورية الراحل هواري بومدين - رحمه الله.
اقترن إلقاء الإلياذة بالاحتفالات المخلدة للذكرى العاشرة لاسترجاع السيادة الوطنية، والذكرى الألفية لتأسيس مدينة الجزائر والمدية ومليانة على يد بلكين بن زيري.
ركزت الإلياذة على أهم المحطات التاريخية التي صنعت الجزائر، وبطلها ليس من وحي الخيال، وليس من أوهام وإبداعات الأسطورة، ولا من قبيل الرواية الشعبية المتواترة، ولا وجه للشبه فيها لإلياذة هوميروس ... إنما البطل فيها هو الشعب الجزائري في أوج تطوره وتنوع مشاربه العقدية والتاريخية والثقافية، عبر فترات تاريخية يمكن إجمالها بداية من العصور القديمة إلى العصر الوسيط، وصولا إلى العصر الحديث والمعاصر، ومحرك البطولة فيها هو مقوماته الإسلامية والأمازيغية والعربية، ودافع رفض الاستعمار والاستعباد في شتى صوره وأشكاله. لا مجال للتذكير أن التاريخ رغم تقسيماته، هو وحدة متواصلة وممتدة لا تصنعه الأمم المغيرة، ولا الدول المستعمرة، ولكن تصنعه الشعوب المقاومة والمكافحة من أجل صد العدوان في سبيل الحفاظ على مقوماتها واستعادة كرامتها وحريتها وسيادتها.
تختلج الدراسة التاريخية للإلياذة مسحة دلالية، أسهمت بشكل واضح وقوي في إعطاء الإلياذة حركية بطولية ورونقا بلاغيا أضفى عليها حلة جميلة منمقة بجميل الطبيعة، ومزينة بعبق التاريخ الذي لازم الألفية بطولة وأخلاقا. (2-1) المسحة الجمالية في الإلياذة
أخذ التصوير الجغرافي حيزا مهما في الإلياذة، وهو يحمل دلالة جمالية منبعها الوصف الطبيعي، ودلالة تاريخية مصدر طمع الأمم المستعمرة من الفينيقيين والقرطاجيين والرومان والوندال والبيزنطيين والإسبان والفرنسيين.
جزائر يا مطلع المعجزات
ويا حجة الله في الكائنات
ويا بسمة الرب في أرضه
ويا وجهه الضاحك القسمات
ويا لوحة في سجل الخلود
تموج بها الصور الحالمات
تتجلى عبقرية مفدي زكريا في الجمع بين الدلالتين الجمالية والتاريخية في البيتين الأخريين من المقطع الأول للإلياذة:
وألقى النهاية فيها الجمال
فهمنا بأسرارها الفاتنات
وأهوى على قدميها الزمان
فأهوى على قدميها الطغاة
وفي منطلق العقيدة التي قال عنها مفدي زكريا :
شربت العقيدة حتى الثمالة
وأسلمت وجهي لرب الجلالة
كانت مقتضيات العقيدة الإسلامية حاضرة بقوة في شعره؛ فها هو يربط بين جمال أرض الجزائر الخلاب، وبين الإيحاء الذي يتركه هذا التفكر في الجمال من إيمان واعتقاد يجلي في النفس تسليما جازما بالربوبية والاهتداء إلى سواء السبيل.
فلولا جمالك ما صح ديني
وما أن عرفت الطريق لربي
في مجال التفكر والاعتبار، يمكن لنا الاقتباس على عموم المقصد لا خصوص التنزيل، قول الله تبارك وتعالى في سورة الحج:
أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور (الآية: 46). (2-2) البطولة
لازمت البطولة أبيات الإلياذة، واتخذت من العامل الزماني والمكاني والبشري والحيواني سر تنوع وقوة، أضفى على عمله الأدبي والتاريخي حركية وجاذبية، ليست البطولة من وحي الخيال، وإنما واقع تاريخي لأمة مجاهدة تحدت أقوى الاستعمارات القديمة والحديثة.
هوميروس أرخ ... لم ينتقد
وشهنامة الفرس بالوصف تغلو
فقلت: وشعر الخرافات يفنى
وشعر البطولات لا يضمحل
وما ورد في الإلياذة من ذكر للأسطورة فمن جانب البلاغة في المعنى، والقوة في بيان البطولة التي أصبح ذكرها متواترا على مر الأزمنة والعصور.
ويا للبطولات تغزو الدنا
وتمنحها القيم الخالدات
وأسطورة رددتها القرون
فهاجت بأعماقنا الذكريات
ومن قوة الإلياذة ذكر بطولات كل المناطق الجزائرية باختلاف مواقعها وتضاريسها، ولم يخص منطقة من الجزائر دون غيرها، ولا مقاومة دون غيرها.
فيا أيها الناس هذي بلادي
ومعبد حبي وحلم فؤادي
وإيمان قلبي وخالص ديني
ومبناه في ملتي واعتقادي
بلادي أحبك فوق الظنون
وأشدو بحبك في كل نادي
عشقت لأجلك كل جميل
وهمت بحبك في كل وادي (2-3) قيم الإلياذة
يمكن تقسيم أبيات الإلياذة من حيث الموضوع إلى قيم جمالية وتاريخية ووطنية.
فالقيم الجمالية تشمل ذلك الوصف الشاعري لجمال التضاريس الطبيعية والتغني بأفنانها وغاباتها وبمواقعها الأثرية وبمناطقها السحرية، وما يتخلل كل ذلك من خواطر نفسية، منها قول الشاعر مفدي في المقطع الأول:
ويا تربة تاه فيها الجلال
فتاهت بها القمم الشامخات
وألقى النهاية فيها الجمال
فهمنا بأسرارها الفاتنات
وقد أحصينا 290 بيتا تذكر فيها القيم الجمالية؛ أي بنسبة 28,97٪ من مجموع الإلياذة.
أما القيم التاريخية فهي تلك الوقفات التاريخية والعوامل الزمنية والمكانية التي صنعت تاريخ الجزائر، كما تتضمن ذكر الأعلام والمعارك والمدن في جانبها التاريخي، ومنها قول صاحب الإلياذة:
وهال ابن رستم ألا نسود
ونبني كيانا لنا مستقلا
فقام بتيهرت يعلي اللواء
ويرسي نظاما وينشر فضلا
يقدر عدد الأبيات الحاملة للقيم التاريخية 428 بيتا؛ أي ما يعادل 42,76٪ من مجموع الإلياذة، وهي أعلى نسبة من حيث إحصاء القيم.
أما عن القيم الوطنية فهي كل تجليات القيم التي تصنع شخصية الجزائر، وهي الإسلام والأمازيغية والعروبة، ومبادئ الدفاع عن حق الشعوب في تقرير مصيرها، وآفاق الوحدة المغربية، وحلم تحرير فلسطين المغتصبة، كما تشمل الأخلاق والطباع والمواقف البطولية، والفكر ومناهج السياسة والاقتصاد والاجتماع. يقول مفدي زكريا في المقطع 79:
تفسخ هذا الشباب وماعا
وخرب أخلاقه وتداعى
فويل الجزائر والمسلمين
إذا دنس النشء هذي الطباعا
مجموع الأبيات التي تتكلم عن القيم الوطنية هي 283؛ أي ما يقدر بنسبة 28,27٪ من الإلياذة.
4 (2-4) التناص القرآني في الإلياذة
تتجلى شخصية مفدي زكريا المتشربة من منبع الثقافة الإسلامية في أبهى صور الاقتباس من القرآن الكريم والشعر والحكم والأمثال؛ لتعطي للإلياذة رونقا ومهابة وإضافة جليلة في النظم. نورد في هذا العنوان بعضا من التناص القرآني الوارد في الإلياذة؛ لأن القرآن الكريم يعد «... من أهم مصادر الصورة الشعرية عند مفدي زكريا؛ فقد كان يستقي مشاهده التصويرية والإيقاعية من مشاهد القرآن الكريم وجرس ألفاظه ...»
5
المقطع 3
ويا بابل السحر من وحيها
تلقب هاروت بالساحر
اقتباس من قوله تعالى:
واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت ... (سورة البقرة، الآية: 102).
المقطع 8
ويلتف ساق بساق، فنصبو
فيغمرنا ملتقى الفكر نصحا
والتفت الساق بالساق * إلى ربك يومئذ المساق (سورة القيامة، الآيات: 29-30).
المقطع 10
ومن خائرين كأعجاز نخل
ضمائرهم في المزاد رقيقة
تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر (سورة القمر، الآية : 20).
المقطع 12
وأنفاسه تغمر الصب دفئا
فينسى حرارة يوم الحساب
وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب (سورة ص، الآية: 16).
المقطع 14
تسلق إيعكورن واغز السها
وطاول به سدرة المنتهى
عند سدرة المنتهى * عندها جنة المأوى (سورة النجم، الآيات: 14-15).
المقطع 16
وسبح لله ما في السموا
ت والأرض ملء شفائف شفا
سبح لله ما في السموات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم (سورة الحشر، الآية: 1).
المقطع 18
وأخرجت الأرض أثقالها
فطار بها العلم ... فوق الخيال ...!
إذا زلزلت الأرض زلزالها * وأخرجت الأرض أثقالها (سورة الزلزلة، الآيات: 1-2).
المقطع 48
وتغري الكراسي ضعاف العقول
كنار جهنم ترجو المزيدا
يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد (سورة ق، الآية: 30).
المقطع 51
تأذن ربك ليلة قدر
وألقى الستار على ألف شهر
ليلة القدر خير من ألف شهر (سورة القدر، الآية: 3).
المقطع 58
وأخضر يحصد حمر الحوا
صل فيها، ويقطع منه الوتين
ولو تقول علينا بعض الأقاويل * لأخذنا منه باليمين * ثم لقطعنا منه الوتين (سورة الحاقة، الآيات: 44-46).
المقطع 62
وجاسوا خلال الديار، فكانوا
رجوما تحيل الظلام نهارا
فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا (سورة الإسراء، الآية: 5).
المقطع 77
ويدعو لكل احتلال ثبورا
ويضرع في النكبة المدلهمة
وأما من أوتي كتابه وراء ظهره * فسوف يدعو ثبورا (سورة الانشقاق، الآيات: 10-11).
المقطع 81
فويل لطلاب من شيوخ
توافه، لا يعلمون الكتابا
ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون (سورة البقرة، الآية: 78).
المقطع 83
غرابيب سود، تجيد النعيق
وتختال في مشيها كالزرافة
ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود (سورة فاطر، الآية: 27).
المقطع 87
ولم ترض بالفحل من قومها
فهامت بمن «ما رمى إذ رمى» ... وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ... (سورة الأنفال، الآية: 17).
المقطع 90
وبالمال تقذف طوعا وكرها
بأحضان من نفضته الدهور
أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون (سورة آل عمران، الآية: 83).
المقطع 97
وألقيت في الساحرين عصاي
تلقف ما يأفكون بسحري
فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون * فألقي السحرة ساجدين (سورة الشعراء، الآيات: 45-46).
المقطع 100
ولم يبرحوا الأرض، لما استقلت
شعوب، ولم تستكن للهوان
وزلزلت الأرض زلزالها
وضج لغاصبك النيران
وراهنه الشعب يوم التنادي
ورج به الشعب يوم الرهان ... فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين (سورة يوسف، الآية: 80)،
إذا زلزلت الأرض زلزالها (سورة الزلزلة، الآية: 1)،
ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد (سورة غافر، الآية: 32).
ولإبراز أهم المحطات التاريخية الواردة في الإلياذة، أقدم هذا الكتاب الذي سميته «ملحمة الجزائر: شرح تاريخي لإلياذة الجزائر لشاعر الثورة مفدي زكريا» لأستشف من خلاله أروع بطولات وأمجاد الشعب الجزائري في نضاله وكفاحه ضد الأمم الاستعمارية التي توالت عليه؛ ولأبرز صفاته وطبائعه وحبه للشعوب التواقة للانعتاق، كما لا يخلو البحث من صور التضامن الذي توليه الجزائر للقضية الفلسطينية، ورغبتها الحثيثة في تجسيد مبدأ الوحدة العربية والمغاربية والاهتمام بقضايا التحرر والانعتاق.
فكيف لبلد متأصل في جذور التاريخ، ومشهود له بالسبق الحضاري في شتى العلوم والمعارف، ومتمتع بكل مصادر الجمال والرونق، ومحققا لمعجزات الثبات على الحق، والدفاع عن الشرف والمقدسات، والذود عن حمى الأوطان؛ أن ينحرف بعض أهله عن مصادر القوة والمنعة! ولعل هذا التناقض هو أبرز معالم الإشكالية في إلياذة الجزائر.
وسأحاول أن أقدم مقاربة تاريخية أراعي فيها التسلسل التاريخي ومستلهما الشرح والاقتباس من أهم مصادر التاريخ الجزائري الموثوقة بعيدا عن كل ما شاب هذا التاريخ العريق من أباطيل بعض المستشرقين وشهادات الناقمين على الجزائر، مراعيا في ذلك صدق المورد وأمانة الإحالة، ومتحريا قدر المستطاع مواطن الإجماع والوفاق بين المؤرخين والمؤلفين الجزائريين على سبيل الأولوية.
وأعلل ما ذهب إليه مؤرخ الجزائر الأستاذ أبو القاسم سعد الله - رحمه الله - بقوله: «إننا شعب يحسن صناعة التاريخ، ولكنه لا يجيد روايته.» إلى السطحية في الدراسات التاريخية الناجمة عن خلفيات التعامل مع القضية الوطنية بحكم المشارب الغربية والأفكار الغريبة عن طبيعة الشعب الجزائري، وبحكم القهر الاستعماري الذي غيب الكثير من حلقات البحوث التاريخية.
المبحث الأول
العصور القديمة
جزائر يا مطلع المعجزات
ويا حجة الله في الكائنات
مطلع يثير في النفس عزة جليلة ونخوة قوية، يعبر فيه الشاعر عن صدق الرابطة المتأصلة نحو بلده، وعن بلوغ أسمى الوصف لمرتبته. سايرت المعجزات مجمل الرسالات السموية عبر التاريخ واستطاعت، بحكم مصدرها الرباني، أن تسكت الأفواه وتصحح المسار وتلهب في قلوب المناوئين نور الصراط المستقيم. وها هو مفدي زكريا يستخدم مصطلح المعجزة؛ بل مطلعها، ويزيدها قوة إلى قوتها بإضفاء صفة حجة الله على الجزائر، تعبير يعجز قلب القارئ أن يتحمل هيبته وجلاله، وهو الذي يحمل في طياته عبر الأمم الغابرة والحاضرة في نظم تاريخي سجل أروع بطولات وأمجاد الجزائر، وصراعها الأزلي من أجل الحفاظ على الهوية والكرامة والرقي.
في إشارة للإنسان، استخدم مفدي زكريا اسم «آدم» كلفتة طيبة لسرد الأحداث من بداية الخلق:
وألهمت إنسان هذا الزمان
فكان بأخلاقنا مومنا
وعلمت آدم حب أخيه
عساه يسير على هدينا!
وتتجلى حقوق الإنسان التي طالما نادى بها شاعر الثورة، وفيها إشارة نبيلة للفطرة البشرية الرافضة للظلم والتواقة لتكافؤ الفرص والعدل ورفعة الهمة.
وحذر آدم ظلم أخيه
وسوى الحظوظ وأعلى الرءوسا
وأخرج حواء من رمسها
فألهمت الروح هذي الرموسا
والحديث عن الخلائق التي جاءت من بعد آدم يضفي على شعر مفدي زكريا معاني الحكمة التي يحملها السرد التاريخي، في إشارة إلى وحدوية المبادئ الإنسانية، وثبات النواميس الكونية، وسريان القوانين الربانية في الخليقة.
وأوقفت ركب الزمان طويلا
أسائله: عن ثمود ... وعاد ...
وعن قصة المجد ... من عهد نوح
وهل إرم ... هي ذات العماد؟
فأقسم هذا الزمان يمينا
وقال: الجزائر ... دون عناد!
وفي نفس السياق التاريخي، يستلهم الشاعر مفدي زكريا تغنيه بجمال الجزائر من إيحاءات السحر الواردة في قول الله تبارك وتعالى:
واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت (سورة البقرة، الآية: 102).
1
بقوله:
جزائر يا بدعة الفاطر
ويا روعة الصانع القادر
ويا بابل السحر من وحيها
تلقب هاروت بالساحر
تشبع مفدي زكريا بالثقافة الدينية جعله يستلهم سرده التاريخي في وصف الجزائر من المصدر القرآني:
إن هذا لفي الصحف الأولى * صحف إبراهيم وموسى (سورة الأعلى، الآية: 18-19).
2
وسبح لله ما في السموا
ت والأرض ملء شفائف شفا
كأنك تصغي بها للخليل
وموسى الكليم يرتل صحفا
كان حرص مفدي زكريا في رحلته التاريخية التذكير بمقومات الشعب الجزائري ومرجعيته الدينية والتاريخية والثقافية، وحضوره المميز في صناعة التاريخ بكل ما يقتضيه واقع التاريخ من سلم وحرب.
وفي كل شبر لنا قصة
مجنحة من سلام وحرب
نستشف في إلياذة الجزائر ظاهرة حضارية مميزة اختص بها أصل هذه الأمة ألا وهو عدم الذوبان في حضارات الدول الغازية، والحفاظ على الهوية والتقاليد والمقومات رغم الأهوال التي مرت بها عبر الأزمنة والعصور، وكيف استطاعت الجزائر قهر الأعداء، وفرض نظام حياتها أصيلا في مصدره وفي منهجه بالرغم من تسجيل بعض مظاهر الزيغ التي أشار إليها الشاعر بعد استعادة السيادة الوطنية.
وأهوى على قدميها الزمان
فأهوى على قدميها الطغاة
وأسطورة رددتها القرون
فهاجت بأعماقنا الذكريات
أثبتت الحفريات والنقوش الصخرية والمعالم الجنائزية أن أرض الجزائر عرفت تواجدا بشريا مميزا لآلاف السنين قبل الميلاد، ساهمت في نموه الظروف الطبيعية الملائمة. اكتشف العالم الأثري «أرامبورغ» هيكلا عظميا في ناحية معسكر يعود إلى 450 ألف سنة قبل الميلاد، خلص في بحثه إلى أن الجزائر هي مهد العنصر البشري المتحضر،
3
ولقد تعاقبت على الجزائر حضارات، منها الآشولية والعاترية والأبيروميرية والقفصية ظهرت حوالي 8 آلاف سنة قبل الميلاد.
4
يشار إلى السكان الأصليين للجزائر أحيانا بالبربر، وأحيانا أخرى بالأمازيغ. أما البربر فاسم عرف به سكان شمال إفريقية من قبل الإغريق والمصريين والرومان بعدما كانوا يسمون بالليبيين.
و«بربر» في لغة الإغريق
Barbarus
يعني الصوت الذي يصدره الألثغ، ثم صارت تسمية على كل من لم يتكلم لغتهم، ومن ثم أطلقها اليونان على كل من ليس يونانيا.
5
يقول ابن خلدون: «يقال: إن إفريقش بن قيس بن صيفي من ملوك التبابعة، لما غزا المغرب وإفريقية، وقتل الملك جرجيس، وبنى المدن والأمصار، وباسمه زعموا سميت إفريقية ، لما رأى هذا الجيل من الأعاجم وسمع رطانتهم ووعى اختلافها وتنوعها، تعجب من ذلك وقال: «ما أكثر بربرتهم»! فسموا بالبربر، والبربرة بلسان العرب، هي: اختلاط الأصوات غير المفهومة، ومنها، يقال: بربر الأسد، إذا زأر بأصوات غير مفهومة.»
6
نعت الإغريق والرومان البربر بعدم التحضر وتفاقم الفوضى، يقول بوسكي
Bousquet : «إن كلمة بربر أصلها لاتيني وتعني الأشخاص الذين لا ثقافة لهم، ويعيشون خارج نطاق روما.»
7
تلك هي أحكام «العالم المتحضر» الذي استمد قوته من احتلال الأوطان والغطرسة على شعوبها وإجبارها على الذوبان في أنظمتها الاستعمارية. أما الأمازيغ، فهي تسمية تعني الإنسان الحر أطلقها الأمازيغ على أنفسهم؛ فهم السكان الأصليون لشمال إفريقية رغم اختلاف صفاتهم العرقية في بعض المناطق. يرتفع نسب الأمازيغ إلى مازيغ، وقد سبق لوفد بعد فتح مصر أن عبروا عن ذلك في حضرة الخليفة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حينما ذهبوا إليه.
وعندما سأل عمر بن الخطاب عن أصل الأمازيغ أجابه شيخ قريش: «يا أمير المؤمنين، هم البربر أولاد بر بن قيس بن عيلان.»
8 «ينقسم البربر إلى قسمين؛ البتر: وهم أبناء مادغيس الأبتر بن بر بن مازيغ، ومن قبائل البتر: مديونة، لواتة، زناتة، زواوة، نفوسة، مطغرة، مطماطة، زواغة، مغيلة ونفزة. البرنس: وهم أبناء برنس بن بر بن مازيغ، ومن قبائل البرنس: كتامة، أوربة، صنهاجة، مصمودة، لمطة، جزولة، عجيسة وهسكورة.»
9
عرف الأمازيغ بالشجاعة والإقدام والعيش في إطار نظام له مقوماته التنظيمية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية. يقول مفدي زكريا في الإلياذة:
فأبناء مازيغ قادوا الفدا
وخاضوا المعامع يوم الصدام
وساقوا المقادير، طوع خطاهم
وشادوا البنا ... وأقروا النظام
صمود الأمازيغ عبر القرون
غزا النيرات، وراع النجوما
ويقول في المقطع 28 منها:
ونحن الأمازيغ نرعى الذمام
ولا نجحد الفضل والآصرة
تطرقت الإلياذة إلى التاريخ الجزائري عبر العصور القديمة، من خلال أبرز الوقائع التاريخية الممتدة من العهد الفينيقي وصولا إلى العهد البيزنطي.
الفصل الأول
العهد الفينيقي
1200-146ق.م «إن الأمة إذا غلبت وصارت في ملك غيرها أسرع إليها الفناء.»
1
ذلك قانون تاريخي؛ بل بديهة حضارية تصير إليها كل أمة أو دولة نشأت في محيطها الطبيعي واشتد عضدها فيها، ثم توسعت لأسباب ذاتية على حساب غيرها من الشعوب لتنهب خيراتها، وتحتل أراضيها، وتعتدي على مقوماتها الوطنية. ينتسب الفينيقيون إلى العنصر الكنعاني السامي الذي ينتمي إليه العرب، «كانت لغتهم عربية محرفة قليلا عن العربية الفصحى، وتشبه كثيرا العامية المستعملة في بلادنا اليوم.»
2 (1) التعايش الأمازيغي الفينيقي
هاجرت الأصول الأولى للفينيقيين من شبه الجزيرة العربية، واستقرت في مدينتي صيدا وصور،
3
وسميت الأراضي التي استقرت بها ب «فينيقيا». أبحر الفينيقيون بأعداد كبيرة من فينيقيا، واستقروا بسواحل البحر الأبيض المتوسط من واجهة شمال إفريقية في القرن 12ق.م، وأسسوا الموانئ في بادئ أمرهم على طول الساحل البحري، وطوروا نشاطهم التجاري، وأنجزوا ورشات لصناعة السفن وإصلاحها. لم يكن استقرار الفينيقيين بشمال إفريقية استعماريا مضطهدا لسكانه الأصليين بقدر ما كان استقرارا له طابع اقتصادي وتجاري، استطاع الفينيقيون من خلاله توطيد علاقاتهم بالسكان وإدماجهم في الحركة التجارية. ولم يسجل التاريخ أي حملة ضد السكان المحليين مفادها اضطهاد الأمازيغ وتصفية قياداتهم مثلما فعل الرومان من بعدهم، ولعل ذلك يرجع إلى الأصل المشترك بين الفينيقيين والأمازيغ، وأن اللهجة السامية تشملهما، ولا ريب وأن هذه اللغة القرطاجنية قد مهدت السبيل إلى سيادة اللغة العربية بهذه الديار.
4
كان أول ما أسس الفينيقيون من المدن قرطاجة أو قرطاجنة سنة 814ق.م. وهي في لغتهم «قرت حدشت» ومعناها: القرية الحديثة، وبمصطلح عصري: المدينة الجديدة.
5
ونظرا للطابع الاستراتيجي في الميدان التجاري لبعض المناطق النوميدية، أنشئوا بها مدنا، مثل: عنابة
Rigius ، وسكيكدة
Risicada ، وقسنطينة
Cirta ، وجيجل
Ighilgili ، وبجاية
Saldae ، والجزائر العاصمة
Icosium ، وإيول
Iol (شرشال).
أسس الفينيقيون مدينة الجزائر (إيكوسيم) حوالي القرن 6ق.م، وينسب بعض المؤرخين تسميتها للدلالة على العشرين من حاشية هرقل، وقيل: نسبة إلى «جزيرة النورس» عندما حولها الفينيقيون إلى ميناء تجاري هام باقتراح من «هارودين» تحت حكم يوبا الأول.
بولوغين إن صانها فيرموس
وحازت إكوسيوم أقصى المرام
تعود تسمية النوميديين إلى الكتابات التاريخية الأولى لديودور الصقلي التي ذكر فيها أن النوميديين شاركوا في حروب جرت في نهاية القرن الخامس وبداية القرن الرابع قبل الميلاد، وهي نسبة إلى «رحل»
Numidae .
6
ولقد قطعت قرطاجنة صلاتها بفينيقيا في الوقت الذي تدهورت فيه تلك الجمهورية الآسيوية، وسقطت فيه مدينة صور تحت ضربات بختنصر الفاتح الكلداني (604-561ق.م).
7
توجس الفراعنة المصريون خيفة من النظام القبلي الذي عرف به الليبيون قديما فأعدوا له عدة المواجهة والتصدي؛ فقد سجل التاريخ حملة في حوالي 1250ق.م لرمسيس الثالث ضد هذه القبائل من الماشواش والتيمحون والزوتمار والتاحنون والكلاك لما حاولت غزو مصر. قيدت بعض أحداث هذا الصراع في شكل رسومات جدارية في معبد مدينة «هابو» لأسرى الشعوب الليبية تقدم قرابين للإله آمون، وقد ظهروا بضفائر طويلة مائلة على العنق، وحسب هيرودوتس كانت قبائل الأوزاس
Auses
والماكسياس
Maxyes
ذوو ضفائر على الجانب الأيمن من رءوسهم.
8
ارتبطت قرطاجة بروما بمعاهدتين: الأولى في سنة 509ق.م، والثانية سنة 348ق.م تعطي لقرطاجة الحق في احتكار التجارة للحوض الغربي للبحر الأبيض المتوسط، وألزمت الرومان وحلفاءهم بعدم تعاطي التجارة على شواطئها قبل أخذ إذن من قرطاجة.
9 (2) ثورة النوميديين على قرطاجة
لم تستمر العلاقة الحميمة بين السكان المحليين والفينيقيين طويلا؛ فبعدما تأسست قرطاجة وانفصلت عن فينيقيا وأصبحت قوة عسكرية في المنطقة ومركز إشعاع فكري وثقافي واقتصادي وسياسي، ظهرت بوادر الغلظة على السكان الأصليين وسوء معاملتهم وإثقال كاهلهم بالضرائب، فثار النوميديون على قرطاجة وقاموا بثورات أبرزها التي وقعت سنة 396ق.م و379ق.م تحت إمرة الإغريق تمهيدا للحروب البونيقية الأولى (363-241ق.م).
خلال الحرب البونيقية الثانية 218-202ق.م، وكردة فعل ضد القائد القرطاجي حنبعل، عينت روما القائد العسكري سكيبيون الإيميلي
Scipion Emilien
قنصلا عاما لروما سنة 206ق.م، وشن حملة عسكرية واسعة للبحث عن حلفاء بتفويض من مجلس الشيوخ الروماني ضد قرطاجة، حاول على إثرها، في بداية الأمر، كسب مودة سيفاكس
Syphax
ملك نوميديا الغربية سنة 206ق.م
10
أو المازيسيليا: نسبة إلى قبائل المازيسيل الذين ظهروا كقوة في إفريقية منذ أواخر القرن الثالث ق.م
11
غير أنه رفض العرض، وفضل التحالف مع قرطاجة بسبب العلاقة الأسرية التي تربطه بالبونيقيين، استطاعت روما مدعومة بملك نوميديا الشرقية
12
ماسينيسا
Massinissa
هزيمة الجيش القرطاجي بزاما، ألقي القبض فيها على سيفاكس سنة 203ق.م، توفي بعدها سيفاكس بحوالي ثلاث سنوات؛ أي سنة 200ق.م.
وخلوا سفاكس يحكي لروما
مدى الدهر كيف كسبنا الرهانا
وكيف غدا ظافرا ماسينيسا
بزامة لم يرض فيها الهوانا (3) ماسينيسا الملك النوميدي (ولد سنة 238ق.م، وتوفي سنة 148ق.م)
كان ماسينيسا أعظم ملوك البربر شأنا وأكبرهم سلطانا، من العائلة الماسيلية حكمت أربعة أجيال، واشتهر بالقوة ورجاحة العقل وسداد الرأي في الحكم.
فسر مارسيي معنى كلمة ماسينيسا بعد تقسيمه إلى مقطعين هما «ماس» و«إناس» فقال: إن معناهما باللغة البربرية: «سيد» «القوم».
13
دعوا ماسينيسا يردد صدانا
ذروه، يخلد زكى دمانا
وكم ساوموه، فثار إباء
وأقسم أن لا يعيش جبانا
وألهمه الحب نيل المعالي
وقد كان مثلي يهوى الحسانا
كان تحالف ماسينيسا تحالفا استراتيجيا مع روما بدافع الاستقلال عن قرطاجة والحيازة الكاملة على نوميديا بما فيها الشرقية والغربية، لكن ما خبأته روما لماسينيسا من دسائس هو ما جعله زعيما أمازيغيا حرا. أراد ماسينيسا أن تكون استعادة سيرتا استعادة سلمية بعد أسر سيفاقس، فتأتى له. وقد رفض ماسينيسا أن تؤسر زوجة سيفاكس سوفونيزيا القرطاجية من قبل الجيش الروماني. و«سوفونيزيا» هذه هي ابنة أزدروبعل، وقد قام أبوه جسكون بتزويجها إلى سيفاكس بدون علمه حسب رواية «ديوكاسيوس».
14
ومن صنعت روحه سوفونيزيا
جدير بأن يتحدى الزمانا
تغذيه حبا وفنا وعلما
وتنبيه ما قد يكون، وكانا
لكن سرعان ما قتلها بدس السم لها تعبيرا منه لكسب ثقة الرومان، ودليلا لقطع كل الأوصال التي قد تحد من طموحه في استرجاع ممتلكاته،
15
وفي رواية أخرى، أن «سوفونيزيا انتحرت بتجرعها السم، وموت الشرف خير من حياة المذلة والعار.»
استطاع ماسينيسا بعد معركة زاما أن يوحد نوميديا، وأصبح بموجب العهد الذي كان بينه وبين روما ملكا على كامل نوميديا في سنة 152ق.م، وعقدت على إثرها معاهدة تم بموجبها التنازل عن قرطاجة لروما سنة 201ق.م. من العيوب التي تحسب على ماسينيسا، تحالفه مع روما مقابل «إعطائه الأراضي القرطاجنية التي كانت متاخمة لدولة نوميديا».
16
ازدهرت نوميديا الموحدة في عهد ماسينيسا وأصبحت أنموذجا في الصناعة الحربية وفي التمويل الذاتي من المحاصيل الزراعية، وأضحت تصدر القمح والشعير ومواد أخرى لروما، وامتد نفوذها من طبرقة شرقا حتى نهر ملوية غربا. ازدهرت الحياة الفكرية والثقافية والاجتماعية في ظل النظام السياسي الذي رسمه ماسينيسا لنوميديا، وتعزز استقلالها، مما أثار هواجس ومخاوف روما، وأجبرها على التخلص من ماسينيسا. توفي ماسينيسا سنة 149ق.م بسيرتا قسنطينة.
أسفرت الحروب البونيقية الثالثة (149-146ق.م) عن سقوط قرطاجة سنة 146ق.م، واستطاعت روما بذلك احتلال إفريقية.
الفصل الثاني
العهد الروماني
146ق.م-430م
بعد سقوط قرطاجة حولت روما كل الأراضي القرطاجية إلى مقاطعة رومانية، وفصلتها عن باقي الأراضي النوميدية بالخندق الملكي
Fossa regia .
1
كانت بداية علاقة الرومان بالقطر الجزائري منذ 213ق.م، وتصرفوا فيه منذ 104ق.م، ووضعوا قدمهم بنوميديا سنة 46ق.م-42م،
2
وحولت إلى مقاطعة رومانية عرفت بإفريقية الجديدة
Africa-Nova . (1) نوميديا تحت الاحتلال الروماني
بهذا الاحتلال الغاشم، دخل البربر في دوامة من القهر والاستعباد لازم حياتهم وممتلكاتهم وأراضيهم. كان استعمارا مدمرا لم يعهده البربر من قبل من الفينيقيين والقرطاجيين، تغيرت فيه حياتهم كلية، اغتصبت منهم الأراضي الزراعية غصبا، وفرضت عليهم الضرائب فرضا، وجند شباب البربر في الجيش الروماني قصرا لخوض الحروب الجرمانية والمجرية والمصرية.
3
ترك ماسينيسا بعد وفاته ثلاثة أبناء: ميكبسا ميكواسن، وجولوسا، ومستنبعل. واستطاع سكيبيو أن يشجعهم على قبول تقاسم السلطة، كان هذا النمط الملكي الجماعي في الحكم مستمدا من النموذج الهللينستي.
4
بعد وفاته امتدت يد الغدر إلى جولوسا ومستنبعل من طرف روما في محاولة لاجتثاث أي نزعة انفصالية أو ثورة يكون مآلها استقلال نوميديا عن روما. أسند الحكم إلى ميكواسن، وأظهر موالاة لروما في تسييره لشئون نوميديا. (2) التأسيس لدولة نوميديا المستقلة (2-1) يوغورطا يوحد نوميديا
توفي الملك ميكبسا ميكواسن سنة 118ق.م وترك من بعده ولدين، هما: أدهر بال
Adherbal ، وهيمبسال
Hiempsal ، وقد نشأ في حجره ابن أخيه مستنبعل يوغورطا
jugurtha ، ويعود له فضل تربيته، فأصبح بهذه العناية وريثا شرعيا مثل باقي أبنائه.
5
بدأت معالم الشجاعة والإقدام تظهر على يوغورطا، وشجعه في نبوغه المحيط الملكي الذي نشأ فيه. استطاع أن يظهر مهارات قتالية في قيادة الجيش خاصة في حروب نومانتيا سنة 134ق.م، وتألق اسمه بانتصاراته التي حققها. كان حلم استقلال نوميديا وتوحيدها يراود يوغورطا كثيرا، غير أن المناورات التي كانت تقوم بها روما لدفع هيمبسال وأدهربال لعزل يوغورطا من الحكم، أدخل الأسرة الملكية في دوامة من الصراعات بين يوغورطا وأبناء عمه، قتل على إثرها هيمبسال. وما كان من روما إلا أن قامت بتدعيم حليفها أدهربال في محاولة جريئة لتثبيته على نوميديا الشرقية. اقتضت ضرورة الحرب أن يستقر حكم يوغورطا على حكم نوميديا الغربية لاستجماع قواه، وسرعان ما أعلن الحرب على أدهربال، قتل على إثرها في سيرتا، واسترد يوغورطا نوميديا الشرقية، ووضعها تحت سلطانه. بذلك استطاع يوغورطا توحيد نوميديا وأسس فيها نظاما سياسيا مستقلا تماما عن روما.
لم يكن توحيد نوميديا هدفا في حد ذاته بقدر ما كان وسيلة لاستعادة سيادتها وكف كل محاولات التدخل الأجنبي، ورفع القهر والاستبداد المسلطين على النوميديين من قبل روما.
دخلت نوميديا في حرب ضد روما بداية من سنة 110ق.م، واستطاع يوغورطا أن يلحق هزيمة بالجيش الروماني الذي كان يقوده سبوريوس ألبينيوس
Spurius Albinus ، فما كان من روما إلا أن أوكلت قائد الجيش بستيا للتفاوض من أجل عقد صلح معه مقابل ثروة تدفع لمجلس الشيوخ، وقد قال يوغورطا حينها كلمته الشهيرة: «في روما، كل شيء يباع.»
6
وفي تعبير ساخر آخر أورده سالوستيوس أن يوغورطا قال قبل أن يغادر ميناء روما: «يا لك من مدينة للبيع، ستنتهي بمجرد أن تجد المشتري.»
7
فجاء يغورطا على هديه
بحكم الجماهير يفشي الأمانا!
وقال: «مدينة روما تباع
لمن يشتريها!» فهز الكيانا!
ووحد سيرتا بأعطاف كاف
وأولى الأمازيغ عزا وشأنا «تبوأ يوغورطا عرش سيرتا قسنطينة سنة 112ق.م، وأعلن استقلال الجزائر التام.»
8
كانت حملات الجيش الروماني، التي قادها كل من ميتللوس وماريوس من سنة 109 إلى 108ق.م، عنيفة على الجيوش النوميدية، أجبرت يوغورطا على الاحتماء بالملك الموريطاني باخوس
Bocchus
بمنطقة قبائل الجدالة بالهضاب العليا. لم يكن باخوس وفيا ليوغورطا؛ فقد تمكن من إيهامه بالأمن لديه إلى أن دبر له مكيدة غدر وخديعة سلم بموجبها يوغورطا سنة 106ق.م إلى قائد الجيش الروماني ماريوس، نقل بعدها يوغورطا إلى روما حيث توفي في ظروف تدعو إلى الريبة سنة 104ق.م بسجن هناك. عرفت نوميديا ازدهارا في عهد حكم يوغورطا ونموا اقتصاديا واجتماعيا.
وقد تمكن من سك نقود من فضة على وجهها صورة تمثال نصفي له وعلى وجهها الآخر صورة فيل تحته نقش بونيقي.
9
بعد وفاة يوغورطا، تولى شقيقه جودا
Gauda
ملك نوميديا من بعده إلا أن المنية وافته بعد عام أو عامين من توليه الحكم. بعد وفاته وقع صراع بين هيامبسال الثاني وهيرباص
Hierbas
حول استخلاف جودا، فما كان من بومبي
إلا أن يميل إلى هيامبسال، ويساهم في توليه الحكم على نوميديا سنة 81ق.م.
تساءل مفدي زكريا عن تأسيس مدينة مليانة من قبل هذا القائد الروماني المدفون بها هو وحفيده بناء على بعض الآثار المكتوبة المخلدة له بهذه المدينة.
أشادك بومبي مقوقس روما؟
أم أن بولوغين رب الصنيعة؟
فأغرى بمليانة الطامعين
وما كنت للطامعين وديعة
عرفت نوميديا في عهد حكم هيامبسال الثاني تطورا منفردا في نظام الحكم والجباية، ونموا في الإنتاج الزراعي والحيواني. ضربت في عهده النقود ذهبا وفضة ونحاسا، ونمت التبادلات التجارية بين نوميديا وأثينا ومارسيليا وجنوب إسبانيا وروما. (2-2) يوبا الأول والحرب ضد قيصر
بعد وفاة هيامبسال الثاني تولى من بعده ابنه يوبا الأول منذ سنة 52ق.م، وقد ثبت عنه مولاته لحزب بومبي الملكي وعداؤه لملك موريتانيا باخوس الثاني المناصر لحزب قيصر
César
10
الجمهوري، وسرعان ما انتصر قيصر على يوبا الأول.
11
إن النزعة الاستعمارية لروما لم تهدأ بمرور الزمن، بل اتقدت نيرانها ضد يوبا الذي سارع في استنفار جيوشه ضد القائد العسكري كوريو والانتصار عليه في سنة 49ق.م. أعاد قيصر الكرة على يوبا بجيش مستعملا هذه المرة المداخل البحرية، إلا أنه رغم انهزام الجيش النوميدي، لم يتمكن قيصر من الظفر بيوبا حيا؛ فقد توفي يوبا انتحارا حسب عديد الروايات، وضم قيصر المملكة النوميدية إلى روما. حول قيصر جانبا كبيرا من نوميديا إلى ولاية رومانية باسم إفريقية الجديدة
.
12 (2-3) يوبا الثاني، الحاكم والعالم
بعد وفاة باخوس الثاني نصبت روما يوبا الثاني ملكا على الشمال الإفريقي، وكان موسوعة في التاريخ والجغرافيا وفنون الموسيقى، وقد تزوج من سيليني ابنة الملكة كليوبترا ملكة مصر، توفيت قبل زوجها يوبا بثماني عشرة سنة، ويقال أيضا إنها دفنت هي كذلك بهيكل يوبا المشهور شرقي مدينة شرشال والمعروف لدى الجزائريين بقبر الرومية.
13
أشاد مفدي زكريا بالدور الرائد للنساء الجزائريات في الثورة، مقيما تناسقا بين كليوبترا وبين النسوة مثيلات جميلة بوحيرد:
وكم ضارعت في الفدا كليوبترا
جميلات ثورتنا الهادرة
اتخذ يوبا الثاني شرشال عاصمة للمملكة النوميدية، وكان له باع طويل في الفنون والثقافات الإغريقية، وكان عالما فنيا كبيرا.
14
ازدهرت في فترة حكمه المملكة في شتى الميادين بفضل الأمن والاستقرار.
أشاد مفدي زكريا بيوبا الثاني، وخصص المقطع الثامن والعشرين من الإلياذة كاملا له ولأبولوس:
أشرشال! ... هلا تذكرت يوبا
ومن لقبوا عرشك القيصريه؟
ومن مصروك فنافست روما؟
وشرفت أقطارنا المغربيه
لماذا يلقب يوبا بثان؟
أما حقق السبق في المدنيه؟
وباهى بشرشال جنة عدن؟
وزان حدائقها السندسيه؟
أما كان أول من خط رسما
لوجه جزيرتنا العربيه؟
أما شاد يوبا بشرشال للعل
م أول جامعة أثريه؟
أبوليوس عالم مؤلف عدة كتب أشهرها: «الحمار الذهبي»، «المسوخ»،
Les florides, L’hermagoras
و
L’apologie .
15
وهذا أبولوس كان طبيبا
يدين له العلم بالعبقريه
وأبدع في قصص الحيوان
فأثر في القصص الأمويه
وكان الأفارق في منتداهم
بروما يخصونه بالتحيه
وكان أبولوس قاضي روما
ليمناه ترفع كل قضيه
بعد وفاة يوبا الثاني سنة 23م تولى ابنه بطليموس
حكم المملكة النوميدية. سعى أن يسيطر على القبائل الأمازيغية، فأظهر المقاومون البربر جأشا وصمودا بقيادة تاكفاريناس
Tacfarinas
المنتمي لقبيلة موسالامس
Musalams ،
16
وكان يومها عاملا لحساب روما، اغتيل بطليموس حوالي سنة 40م. (3) الثورة الأمازيغية بقيادة تاكفاريناس وفيرموس (3-1) تاكفاريناس
بعدما تفنن في أساليب القيادة العسكرية، وتنفيذ الخطط الحربية، فر تاكفاريناس من الجيش الروماني، والتحق بالمقاومة الأمازيغية قصد صد العدوان الروماني، واسترجاع سيادة الأمازيغ على نوميديا والقضاء على سياسة التمييز العنصري التي انتهجتها روما بإبعادها الأمازيغ خارج جدار «الليمس»
Limes
الذي بنته لفصل الجنوب عن الشمال الإفريقي.
صمود الأمازيغ عبر القرون
غزا النيرات، وراع النجوما
فكم أزعجوا نائبات الليالي!
وكم دوخوا المستبد الظلوما!
سلوا طبرية يذكر تبيريوس
تيكفرناس يوالي الهجوما
ثمان سنين يصارع روما
فدق المسامير في نعش روما!
وأوحى له الأطلس الوحدوي
فوحدنا فانطلقنا رجوما
انطلقت ثورة تاكفاريناس سنة 17م، واستندت في عملياتها على استراتيجية المباغتة عن طريق فرق منظمة ومدربة شاركت فيها بضراوة قبائل الموسالامس والموريين والكنتانيين؛ حيث لم يسبق للجيش الروماني أن تعامل مع هذا الشكل من العمليات.
عمد تاكفاريناس على الإغارة وتخريب الممتلكات الرومانية، وشل توازنات الجيش الروماني بإثارة الخوف والهلع في صفوفه خلال سبع سنوات من المقاومة المتواصلة.
سقط تاكفاريناس قتيلا بعد حصار لقلعته بسور الغزلان أثناء معركة قادها كورنيليوس دولا بيلا
Cornelius Dolabella .
لم تكن ثورة تاكفاريناس حركة تمرد على نظام روماني مستبد أو انتفاضة على وضع اقتصادي جائر؛ بل كانت ثورة استقلالية ضد استعمار استنفد فيها الثوار كل وسائل المقاومة للذود عن حمى بلاد الأمازيغ، وتحرير الأوطان من ربقة الاحتلال، ولم يتمكن الرومان من احتلال باقي إفريقية الشمالية إلا بعد مقتل تاكفاريناس، لم تهدأ الثورة في نفوس الأمازيغ طيلة السيطرة الرومانية على أوطانهم ولم يستجيبوا لدعوى الاندماج تحت الحكم الروماني المستعمر؛ بل استمرت ولم يلبث أن ظهر فيهم زعماء ثوريون قادوا المعارك وخاضوا الحروب ضد المحتل، ولعل أبرز من ظهر من بعد تاكفاريناس القائد المغوار فيرموس. (3-2) فيرموس
بعد أكثر من ثلاثة قرون من ثورة تاكفاريناس، أعد فيرموس ابن الملك البربري نوبيل العدة لخوض الحرب ضد الاستعمار الروماني بمنطقة جرجرة، فاستطاع بفضل بسالة جيشه ورباطة جأشه الانتصار على الجيش الروماني سنة 369م و«فرض سيادته على سيزاري (شرشال) وإيكوسيوم (الجزائر العاصمة) وكان قوام جيشه آنذاك 20 ألفا من البربر.»
17
سجل التاريخ في كثير من المواطن، إقدام روما على تفجير الثورات المناوئة لها من الداخل بواسطة شحن الفتن بين الزعماء والقادة، خاصة إذا تعلق الأمر بأفراد العائلة الواحدة، وهذا ما قامت به حيال حركة فيرموس ومعاونيه من الدوناتيين المنتسبين للزعيم دوناطوس
Donatus
الذين كان لهم الدور الأساسي في بلوغ ثورة فيرموس إلى غاية إيكوسيوم.
قال مفدي زكريا:
بولوغين إن صانها فيرموس
وحازت أكوسيوم أقصى المرام
وقال في مقطع آخر:
بولوغين يا من صنعت البقا
سنحفظ عهدك والموثقا
فيرموس أم أنت من شادها؟
فحيرت الغرب والمشرقا
لم يفلح القسيس سان أوغستان
Augustin
في رد النوميديين عن ديانتهم الدوناتية وفرض الديانة المسيحية عليهم.
وهب الأمازيغ من دوناطوس
تصول وتزجي الخميس اللهام
فأبناء مازيغ قادوا الفدا
وخاضوا المعامع يوم الصدام
يقول الأستاذ توفيق أحمد المدني: «اعتنق البربر المسيحية في بداية أمرهم، فما كادت روما تعتنق الديانة المسيحية وتجعلها دينا رسميا عام 312م حتى أخذ البربر يفرون من ذلك الدين أفواجا وائتمروا بأمر راهب بربري يدعى دونات، وألفوا جندا ظاهره نصرة المذهب الدوناتي وباطنه تحطيم السلطان الروماني.»
18
والانتماء إلى الدوناتية يعتبر ردة فعل من الأمازيغ ضد الهيمنة الرومانية.
وللعلم فإن القديس أوغسطين سنة 354م ببلدة «تاجيستة» بسوق هراس (الجزائر)، كان منتميا إلى المذهب الأرثوذكسي، وعالما به وفيلسوفا، دون العديد من المؤلفات يصل عددها إلى المائتين، تم تعيينه على رأس أسقفية بونة سنة 391م.
وهذا أغوستنس بالاعترافا
ت حير - عبر الزمان - الفهوما
وأسقف بونة أصبح قدي
س قرطاج مذ بث فيها العلوما
وكان أغستنس فخر البلاد
وكان بها الفيلسوف العظيما
نظرا لاستحالة القضاء على فيرموس في المعارك المباشرة، نقلت روما الحرب إلى داخل الصف الأمازيغي، وحاكت له مكيدة للإطاحة به عن طريق تواطؤ أخيه القائد جيلدون
Gildon ، مقابل امتيازات مادية وعينية، ولما حوصر فيرموس من كل ناحية، انتحر شنقا سنة 375م، حسب بعض الروايات، وكان نفس مصير أخيه جيلدون الذي انتحر ندما سنة 398م.
من ناحية الإنجازات الرومانية، شهدت الحضارة الرومانية في الجزائر تطورا في مجال الطرق والجسور والمسارح والملاعب والحمامات مثل المتواجدة ب «لمبيز» و«تيمقاد»
19
و«جميلة». أما من الناحية السياسية والعسكرية، فدبت في أواخر عهدها بالجزائر الفوضى عارمة، ووهن فيه سلطانها، وضعف جيشها الذي حاولت به إذلال الأمازيغ في بلادهم. تمرد القائد المنشق بونيفاس
Boniface
على حكم روما، ودعم قائد الوندال «جنسريق» في عهد الإمبراطور فلانسينيان
Valencinien
عند غزوه لشمال إفريقية، وبذلك انقضى حكم الرومان بالجزائر، وخلف من بعدهم الوندال سنة 429م.
20
الفصل الثالث
العهد الوندالي
430-534م (1) الاستعمار الوندالي للجزائر
أصل الوندال جرماني، توطنوا في سواحل البلطيق حوالي القرن الأول الميلادي، ثم استقروا بشبه الجزيرة الإيبيرية. «يكاد يجمع المؤرخون على إقامة الوندال في منطقتي أودر وفيستول.»
1
كان الرومان يصفونهم: بالوحشيين
Barbares . كان أول عهدهم بشمال إفريقية سنة 428م عندما دخلوا عبر مضيق جبل طارق، وكان تعدادهم يومها 80 ألفا وجيشا يضم حوالي 50 ألف مقاتل بقيادة الملك جنسريق
Geiséric .
2
خرب الوندال كل ما وجدوه قائما في زحفهم، ولما طلب بونيفاس من الوندال الرحيل لما لمسه منهم من عنف وغلظة ضد السكان المحليين، رفضوا فأعلن الحرب عليهم، وقد اتخذ من عنابة
Hippone
مقرا لقيادته. (2) أغستنس: الاستماتة في قتال الوندال
شن الوندال الحرب على بونيفاس وأتباعه وحوصر حصارا شديدا لمدة خمس سنوات، ثم احتلوا عنابة سنة 431م، واتخذوها عاصمة لمملكتهم. تمكن بونيفاس من الفرار إلى إيطاليا وقتل القسيس أغستنس
Augustin
في معركة فك الحصار وهو يدافع عن الجزائر.
3
بعد سقوط عنابة، احتل الوندال قرطاجة سنة 439م. أحكم المحتلون قبضتهم على شمال إفريقية، فأجهزوا على الأمازيغ وصادروا أراضيهم وممتلكاتهم، واضطهدوا رجال الكنيسة وبالخصوص الدوناتيون. انكمشت الحياة الاقتصادية في نوميديا بسبب الوضع الأمني الذي فرضه الوندال على رقاب الأمازيغ. (3) الظلم الوندالي يحرك الثورة الأمازيغية
بدأت بوادر الوهن تظهر على الوندال بعد وفاة جنسريق سنة 477م، فساءت أحوال السكان جراء الجور والظلم الوندالي، فكان هذا الضعف عامل قوة ساعد الأمازيغ على الثورة سنة 480م من جبال الأوراس وجبل راشد، فكان النصر حليف أصحاب الحق من الأمازيغ سنة 483م.
الفصل الرابع
العهد البيزنطي
534-647م
ما حقيقية الدولة البيزنطية؟ «الدولة البيزنطية هي في الحقيقة دولة الروم الأرثوذكس التي أسسها الإمبراطور الروماني «قسطنطين» سنه 330م في مدينة القسطنطينية.»
1 (1) الجزائر تحت النير البيزنطي
بانتصار الثورات الأمازيغية على جيوش الوندال، أطيح ب «هيلديريك»
Héldéric ، وعين مكانه جيليلمير
Gélimer ، إلا أن هيلديريك ساءه ما وصل إليه الحال فاستنجد بالإمبراطور البيزنطي جوستينيان
Justinien . أعلنت الحرب على الوندال وجهز بيليسير
Bélisaire
أسطولا بحريا مكنه من احتلال قرطاجة سنة 534م، ثم الاستيلاء على باقي نوميديا وسردينيا وجزر البليار.
طبقت على الأمازيغ نفس سياسات القهر والجور التي سنها الرومان والوندال فاستجمع الأمازيغ قواهم وأعلنوا الحرب مجددا على المستعمر البيزنطي قتل على إثرها القائد البيزنطي سليمان الخصي
Solomon
في ضواحي تبسة سنة 544م خلال معركة كيليوم
Cillium .
2
عرفت الجزائر قيام إمارات أمازيغية مستقلة عن الحكم البيزنطي، كما ظهرت مقاومات بجبال الأوراس قادها ضد البيزنطيين «يابداس» منعت البيزنطيين من الاستيلاء على سيرتا وتيمقاد
3
وثورات أخرى بالحضنة والزيبان. (2) آثار الثورات الأمازيغية على البيزنطيين
بعد مرور 113 سنة من الاحتلال، بات وشيكا سقوط الإمبراطورية البيزنطية تحت وطأة الثورات الأمازيغية، وإفلاس الخزينة وتوسع رقعة الفساد والفوضى، ولم يعد سلطان يحكم توازنات الجيش البيزنطي بسبب القصور عن دفع المرتبات الجند، ولعل السبب الرئيسي في السقوط هو ثورات الأهالي التي باتت تهدد السلطة البيزنطية. (3) سقوط الحكم البيزنطي
وانتهى الحكم البيزنطي من شمال إفريقية بقتل جرجير، وانتهت بذلك غطرسة الإمبراطوريات جميعها، وأصبح الناس في شغف يترقبون شريعة توحد الصفوف، وتزرع في النفوس الطمأنينة والأمن والخلاص.
ولم يفت مفدي زكريا أن ينوه بفضل الأمازيغ في رد كل أشكال الاستعمار، ويعتز بالانتساب لهم مهما كانت دياناتهم في العصور القديمة:
أولئك آباؤنا منذ عيسى
وكان محمد صهرا لعيسى
ولم نك ننكر آباءنا
أكانوا نصارى! أكانوا مجوسا!
وهل كان بربر إلا شقيقا
لجرهم؟ هلا نسينا الدروسا؟
إذا عرب الدين أصلابنا
فما زال أحمد صهرا لعيسى!
المبحث الثاني
العصر الوسيط
إذا جاء نصر الله والفتح * ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا * فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا (سورة النصر).
وتبزغ شمس الهداية على العالمين، مبشرة بعهد جديد، يقر فيه التوحيد ويؤسس لنظام العدل والإحسان، وينشر الفضيلة وينبذ الرذيلة، إنه دين الإسلام الذي جاء به رسولنا محمد
صلى الله عليه وسلم
من ربه عز وجل هاديا وبشيرا ونذيرا.
الفصل الأول
الفتح العربي الإسلامي
22ه/643م
قام العرب بالفتح الإسلامي في شمال إفريقية سنة 22 للهجرة، فوجدوا الأمازيغ مقيمين لنظام اجتماعي وأمني مبني على التأهب للتصدي لكل ما هو غزو خارجي ، كيف لا وقد عانى السكان المحليون من ويلات الاحتلال طيلة العصور القديمة، وتربت في مخيلتهم الجماعية أن أي دخيل أجنبي إلا وله مقاصد استعمار واستدمار، لكن لم يلبث الأمازيغ أن دخلوا في دين الله أفواجا وتمسكوا بالعروبة إلى جانب الأمازيغية، وجند العديد منهم في جيوش الفاتحين في بلاد المغرب.
وهبنا العروبة جنسا ودينا
وإنا بما قد وهبنا رضينا
إذا كان هذا يوحد صفا
ويجمع شملا رفعنا الجبينا
وإن كان يعرب يرضى الهوان
ويلبس عارا أسأنا الظنونا (1) بداية الفتح الإسلامي
الموطن الأصلي للعرب هو الجزيرة العربية، وينقسمون إلى عرب بائدة وقد اندثرت، تشتمل على قوم عاد وثمود والعمالقة والأحقاف؛ وعرب عاربة من بني قحطان من سبأ وحمير؛ وعرب مستعربة، وهم: العدنانيون من بني إسماعيل.
استقر العرب في بلاد شمال إفريقية بأعداد كبيرة بعد الفتح الإسلامي، خاصة في عهد عثمان بن عفان - رضي الله عنه. في سنة 27ه/647م أمر الخليفة والي مصر عبد الله بن سعد بن أبي سرح العامري بفتح إفريقية، وكان في جيشه من الصحابة - رضوان الله عليهم - من أهل الشجاعة والدهاء، مثل: عبد الله بن الزبير، وعبد الله بن جعفر، وعبد الله بن عباس، وعقبة بن نافع.
1
بدأت معالم الشقاق بين المسلمين تظهر بعد مقتل عثمان - رضي الله عنه - وولاية علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - للخلافة كان لها الأثر البالغ في وحدة الصف الإسلامي. استعمل الخليفة معاوية بن أبي سفيان عقبة بن نافع الفهري - رضي الله عنهما - على إفريقية سنة 46ه/668م، وعزله وولى مكانه مسلمة بن مخلد الأنصاري - رضي الله عنه. وفي سنة 55ه/676م عهد مسلمة بن مخلد الإمارة على إفريقية إلى أبي المهاجر دينار. استطاع الانتصار على عمالة قسنطينة سنة 59ه، وجعل مركز قيادته مدينة ميلة فابتنى فيها دار الإمارة، ومكث فيها سنتين، وقد تقدم أبو مهاجر في الجزائر حتى تلمسان.
2
في خلافة يزيد بن معاوية، رد الاعتبار لعقبة ونصبه واليا على إفريقية بداية من سنة 62ه/682م، وبعد إعادة تأهيله للقيروان، بدأ حملته الشهيرة فاتحا وغازيا للأمازيغ والروم بعدما تيسر له أسر أبي مهاجر وكسيلة بن لزم القائد الأمازيغي الذي اعتبر العرب غزاة في بداية فتحهم، وكان ذا وجاهة في قومه.
وقلنا: كسيلة كان مصيبا
وكاهنة الحي أعلم منا!
فأهلا وسهلا بأبناء عم
نزلتم جزائرنا فاتحينا
ومرحى لعقبة في أرضنا
ينير الحجى ويشيع اليقينا
ويعلي الصوامع في القيروان
ويرفعها للدفاع حصونا
يبث المراحل في كل فج
فراعت أساليبه العالمينا
على هامش المقطع الخامس والعشرين من الإلياذة، تطرق الأستاذ مولود قاسم - رحمه الله - إلى استراتيجية عقبة الحربية في مسيره من مصر إلى المغرب، وكيفية الحفاظ على جيشه من خلال إنشاء المخيمات على طول المسار، ومدى اقتباس الألمان من خطة عقبة العسكرية، كما أشار إلى التبادل التجاري للسلع الذي تم بمقايضة ملح فزان بفضة إفريقية السوداء من أجل تجهيز الجيش.
وبادله السمر تبرا بملح
وما كان عنه فزان ضنينا (2) المواجهة الأمازيغية للفتح الإسلامي
عند عودة عقبة من المغرب، توجه تلقاء تهودة، فسرب كسيلة المأسور إرسالا يطلب فيه النجدة، ويعطي فيه تفاصيل جيش المسلمين. انقض البربر على الجيش فألحقوا به خسارة شنيعة، وقتل عقبة وأبو مهاجر ومعظم جند المسلمين في تلك المعركة في أواخر 63ه/682م، وقد سجل التاريخ موقفا جليلا لكل من عقبة وأبي مهاجر، قال عقبة لمهاجر: «الحق بالمسلمين وقم بأمرهم، وأنا أغتنم الشهادة.» فأجاب مهاجر: «وأنا أيضا أغتنم الشهادة.»
3
بعد انتصاره في معركة تهودة، استطاع كسيلة أن يجلي جل العرب الوافدين على إفريقية وتوطن بالقيروان، وأقام مملكة لمدة ثلاث سنوات بداية من سنة 68-71ه/687-690م.
وما إن عين الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان سنة 69ه/688م زهير بن قيس البلوي واليا على إفريقية وأمده بجيش قوامه 4000 مقاتل حتى سار في طلب كسيلة وجنوده، ووقعت معارك بين جنود المسلمين والبربر قتل على إثرها كسيلة في موقعة «ممش»، وفر بقية جيشه.
4
استشهد زهير سنة 71ه/695م في معركة ضد الروم.
أمر الخليفة عبد الملك بن مروان بتشكيل جيش تعداده 40 ألفا، وعين قائدا له حسان بن النعمان الغساني.
5
لم تستسغ دهيا بنت تابت بن تيفان الشهيرة باسم الكاهنة أمر انتصارات المسلمين ، فأعلنت الحرب على حسان، واستطاعت الانتصار عليه في معارك عدة، كان أهمها معركة وادي «نيني» بالأوراس سنة 76ه، لكنها لم تصمد كثيرا؛ فقد تمكن من إحكام السيطرة على معاقلها مستغلا ما كان يرد إليه من خالد بن يزيد الأسير لدى الكاهنة الذي صور له وضعية جيش البربر المنقسم على نفسه. توفيت الكاهنة، وقيل قتلت ببئر العاتر سنة 82ه/701م. لقد دلت بعض الروايات التاريخية أن الكاهنة لما أدركت حقيقة الإسلام وهدف الفتوحات أوصت أبناءها وقبيلتها الأمازيغية بالدخول فيه واعتناقه.
تفطن حسان لخلفيات التعامل مع مقتضيات الانتماء العربي والأمازيغي، فقام بتعريب الدواوين، وطور أساليب التعليم ونظم الخراج والأسواق.
كسب حسان بن النعمان مودة الأمازيغ ففتح لهم التجنيد الطوعي في الجيش وأصبحوا قادة فيه. توسعت رقعة الإسلام في بلاد البربر وحملوا رايته في إكمال الفتح تحت إمرة موسى بن نصير وطارق بن زياد، ووصلت رسالة الإسلام إلى كامل الشمال الإفريقي وبضع من إفريقيا والأندلس. أصبح الأمازيغ دعاة لهذا الدين، حاملين تعاليمه وجاهدين من أجل نشر هديه الرباني. «لما أرسل الخليفة عمر بن عبد العزيز إسماعيل بن عبيد الله واليا على المغرب أرسل معه عشرة من التابعين يعلمون البربر الدين ولغته، فعم الإسلام البربر ولم يقف دون قلوبهم.»
6
في سنة 85ه/704م، أقال الوالي عبد العزيز بن مروان حسان بن النعمان وعين موسى بن نصير واليا على شمال إفريقية، «ثم توفي حسان - رحمه الله - أواخر 85ه أو أوائل 86ه؛ لأن ولاية موسى بن نصير على المغرب بدأت أواخر حكم عبد الملك بن مروان سنة 85ه.»
7
في استعداداته لخوض غمار الفتوحات الإسلامية في الأندلس، قام موسى بن نصير سنة 89ه/710م بتجهيز جيش من البربر يبلغ تعداده 7000 مقاتل تحت قيادة طارق بن زياد.
8 (3) التوافق العربي الأمازيغي
والملاحظ تاريخيا أن توافقا كبيرا بين العرب والبربر بدأ يتأسس منذ إمارة حسان بن النعمان. يورد مبارك الميلي قولا عن البيروني يبرر فيه سرعة انسجام العرب مع البربر، فقال: «احتار كل المؤرخين من سرعة تأثير العرب على البربر في ديانتهم وعاداتهم وأخلاقهم، ويوجه ذلك بعضهم بأن العرب والفينيقيين متقاربون في اللغة، ومتحدون في الأصل الذي ينشأ عنه تقارب في الطبائع.»
9
غير أن هذا الانسجام، رغم أصوله التاريخية، إلا أنه لا يرقى إلى درجة الجزم؛ بل يرجع إلى التعاليم الإسلامية الناصة على الإخاء والمحبة بين المسلمين. يقول الله تبارك وتعالى:
محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ...
10
بدأت الانشقاقات والانقلابات تنخر السكينة في بلاد المغرب بين العرب والبربر في زمن عصيب مرت به الأمة، كانت دوافع الشقاق داخلية لكن الجانب الخارجي وما يحمل من دسائس ومكر بالمسلمين كان حاضرا.
تصدع الصرح واستقرت في نفوس المسلمين الشكوك والظنون فيما بينهم. قال الحاكم العسكري لبجاية إدوارد لبان
Edouard Lapène
في بداية الاستعمار الفرنسي في كاتبه «ستة وعشرون شهرا في بجاية»، إن عقبة بن نافع قتل سكان مدينة صالداي (بجاية فيما بعد) سنة 666م، بالرغم من أن عقبة لم يمر في حملته إلى تلك المناطق. واعتبر غوتييه كسيلة والكاهنة كرمز لبطولة البربر في سبيل استقلالهم زمن «الغزوة» العربية.
11 (4) النزعة الانفصالية عن الإمارة الإسلامية
وتعود ثورات البربر لتطفو على سطح بلاد المغرب، وتتأثر بها الجزائر في نظام حكمها ومذهب سكانها، لم تكن الحرب هذه المرة حربا ضد الإسلام والفاتحين؛ بل حرص، في اعتقادهم، على الحفاظ عليه من نظام التوريث الذي اعتمده الحكم العربي في تسييره للشأن العام، وظهرت بوادر بؤر الفتن تنخر جسد هذه الأمة بالركون إلى مبدأ الخروج عن الحاكم الذي أقره وأسسه «الخوارج».
12
اتخذت العصبية للقبيلة وللمذهب منحنى خطيرا، وتناسى المؤججون لنار الفتنة من العرب والبربر تعاليم السماحة التي جاء بها الدين الحنيف، وثارت في نفوسهم دواعي النقمة. وفي بادرة لثورة البربر على الإمارة الإسلامية، تمذهب الناس بداية من 122ه/740م على الصفرية، وانتقل الصراع في الجزائر، أو بالأحرى في المغرب، من سجال مذهبي إلى حروب طاحنة بين المسلمين.
الفصل الثاني
الدويلات المستقلة في الجزائر
ظهرت دويلات مستقلة، وانقسمت الجزائر بين ثلاث دول؛ الدولة الرستمية: وضمت منطقة الزاب وقسنطينة وتلمسان. الدولة الإدريسية: وهران، وشلف ومعسكر. والدولة الأغلبية: سكيكدة، وسطيف وميلة. (1) الدولة الرستمية: 160-296ه/776-909م
بتحالف مع الإباضية، انتخب عبد الرحمن بن رستم إماما حاكما، وأسس الدولة الرستمية بتيهرت.
1
فر بن رستم من العباسيين كما فر إدريس بن عبد الله وفر عبد الرحمن بن معاوية إلى الأندلس (صقر قريش كما ورد عن أبي جعفر المنصور) «هكذا تأسست دولة الرستميين: إسلامية في قضاها، عربية في معارفها، بربرية في عصبيتها، وفارسية في إدارتها.»
2
وإباضية في مذهبها. أنشأ البربر الدولة الرستمية وكونوا جبهة صمود ورقعة انفصال عن إدارة الحكم بالقيروان، وتعتبر أول دولة إسلامية بقيادة بربرية نشأت في الجزائر، كان أول من أسسها ورسم سياستها ومنهج حكمها عبد الرحمن بن رستم، وانتهت بمقتل اليقظان بن أبي اليقظان (294ه/907م). دائما في خضم الحراك المذهبي والمتحول إلى اقتتال طائفي، أقدم أبو عبد الله الشيعي على اغتيال أبي اليقظان سنة 296ه/909م في إطار مخطط شامل يقضي باسترجاع «الخلافة المغتصبة»، بزعمهم، أسس له وضبط قواعده ومناهج تنفيذه القائد الشيعي جعفر الصادق.
تولى عبد الرحمن بن رستم حكم الجزائر فاستقل بحكمها، واتخذ من مقومات البربر وموروثهم التاريخي والثقافي ركنا منيعا في نمط حكمها. أسس بالعاصمة تيهرت نظاما شاملا للحكم الأمازيغي:
هال ابن رستم ألا نسود
ونبني كيانا لنا مستقلا
فقام بتيهرت يعلي اللواء
ويرسي نظاما وينشر فضلا
وضبطه بتنظيم أمني تولى القيام به الشارة. تعود تسمية الشارة، كما ذكر، الأستاذ مولود قاسم - رحمه الله - في حاشية الإلياذة، إلى قوله تعالى:
إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ...
3
وهي تنظيم شبه عسكري يقوم بمهام الشرطة:
يوجه حكم البلاد الشراة
بوحي الشريعة حقا وعدلا
استند حكم عبد الرحمن بن رستم على نظام الشورى في تسيير الشأن العام وفي انتخاب رئيس الدولة، معتمدا في ذلك على استقلالية الدولة في منهجها وقراراتها السيادية، دون خلفيات العصبية وما تولده من تصدعات وشقاقات داخل الدولة الواحدة.
ويجعل أمر الجماعة شورى
وحق انتخاب الإمامة فصلا
فلم يك للتبعيات ذليلا
ولم يك بالعصبيات يبلى
شهدت الجزائر في عهده ازدهارا أدبيا وحضاريا، وكانت تيهرت يومها تضاهي قرطبة وبغداد ودمشق في نموها وجمالها ، عرفت بتطور الحرف والصناعات والأسواق والحمامات، ولقد كانت من المدن الحضرية التي زارها عبد الرحمن الداخل.
في مجال العلوم نبغ بها عالم اللغات والنحو يهوذا ابن قريش التاهرتي.
فدوخ بغداد في أوجها
فكانت لتيهرت بغداد ظلا
وفاض بها العلم يجلو العقول
ويغمر أرض الجزائر نبلا
دب الوهن في صفوف الدولة، واعتراها الضعف بفعل النزاعات الداخلية، وتعاظم شأن الخلافات المذهبية، وتربص زعماء الشيعة بها إلى أن سيطر عليها عبيد الله المهدي. (2) الدولة الأغلبية: 184-297ه/800-909م
استمرت مقاومة الأمازيغ لخلافة العرب، فاضطر الأغالبة إلى استعمال القوة لإخماد حركة العصيان التي قام بها سكان الزاب والحضنة في الجزائر، وبحكم تحالفهم مع أنصار المذهب الشيعي، أعانت قبيلة كتامة البربرية أبا عبد الله الشيعي بالجند والعدة والعتاد في حربه ضد الدولة الأغلبية.
تأسست الدولة الفاطمية بزعامة عبيد الله المهدي و«دانت بعض المناطق الشرقية للجزائر لحكم الدولة الأغلبية: منطقة الزاب ومجانة وبادس والغدير وسطيف.»
4
إن تسألوا عن بني الأغلب
سلوا الزاب عن جاره الأقرب
عرفت منطقة الزاب بكثرة شعرائها وأدبائها، ذكر منهم مفدي زكريا: أبا مضر محمد بن الحسين بن محمد بن أسد بن محمد بن إبراهيم بن زياد بن كعب بن مالك التميمي الحماني من بني سعد بن منة بن تميم الطبني،
5
سكن قرطبة، وكان من أهل العلم بالآداب واللغات والأشعار، والشاعر نسبة إلى طبنة «بريكة» عاصمة الزاب الجزائري، ولد بها سنة 303ه.
6
وطبنة هل تذكرين ابن الحسين
التميمي وتاريخه القرطبي
قال ابن حزم: «كنت أنا وهو (أي ابن الطبني) متقاربين في الأسنان، وكنا أليفين لا نفترق، وخدنين لا يجري الماء بيننا إلا صفاء، إلى أن ألقت الفتنة جرانها وأرخت عزاليها، ووقع انتهاب جند البربر منازلنا في الجانب الغربي بقرطبة ونزولهم فيها.»
7
وورد كذلك اسم أبي القاسم محمد بن هانئ بن سعدون الأزدي الأندلسي، وهو أشعر شعراء المغرب العربي، ولد في إشبيلية في بلاد الأندلس، وترعرع فيها وتعلم الشعر والأدب. ارتحل إلى الزاب وبقي بها إلى أن استقر المعز لدين الله الفاطمي بمصر، فقصده ابن هانئ وأقام عنده.
يرى الفاطميون شعر ابن هاني
كما يخلق اللحن للمطرب
وأبدع حتى تنبأ مثلي
ولم يتقول ولم أكذب
علام يلقب أندلسيا
فتى مغربي، أصيل الأب؟
بالغ ابن هانئ في مدح المعز وأقاربه، وعرف بتعصبه للمذهب الشيعي استعطافا للفاطميين. ومن شعره، قوله:
لي صارم وهو شيعي لحامله
يكاد يسبق كراتي إلى البطل
إذا المعز معز الدين سلطه
لم يرتقب بالمنايا مدة الأجل
قال عنه ياقوت الحموي في كتابه معجم الأدباء: «أبو القاسم الأزدي الأندلسي أديب شاعر مفلق، أشعر المتقدمين والمتأخرين من المغاربة، وهو عندهم كالمتنبي عند أهل الشرق ... وبرز في الشعر فلم يباره في حلبته مبار ... ثم رحل إلى الزاب واتصل بجعفر ابن الأندلسية وأخيه يحيى، فانتجع بابهما ولزم رحابهما ...»
وقال ابن خلكان عند ذكره ديوانه: «وليس في المغاربة من هو في طبقته لا من متقدميهم ولا من متأخريهم؛ بل هو أشعرهم على الإطلاق، وهو عندهم كالمتنبي عند المشارقة.» (3) الدولة العبيدية: 296-361ه/909-972م
تأسست الدولة العبيدية على يد عبيد الله المهدي سنة 297ه/910م، واتخذت من المهدية عاصمة لها. انتقلت الريادة من المهدية إلى مصر، وعرفت هناك بالدولة الفاطمية.
كان تأسيسها على قواعد مذهبية، وفي مراميها، الهيمنة على حكم الأقطار الإسلامية باسم التشيع الذي أضحى تيارا سياسيا يحاول الغور في أعماق كل دواوين الإمارة، تارة بإيعاز من الزيدية، وتارة أخرى من الإمامية، وأخرى من الإسماعيلية. من الأمازيغ، حمل هذا التيار خاصة قبيلة كتامة بمنطقة الزاب الأغلبي التي ناصرتها ودافعت عنها، وبخضوعها، انزوت الجزائر تحت حكم الدولة الفاطمية.
وفي قدس جناتنا الناضره
وجوه إلى ربها ناظره
تمد المعز لدين الإله
فيصنع جوهر والقاهره!
يشير مفدي زكريا إلى جوهر الصقلي، أبي الحسن جوهر بن عبد الله، (ولد بصقلية سنة 928م، وتوفي بالقاهرة سنة 992م)، يعتبر من أشهر القادة العسكريين في العهد الفاطمي، أسس القاهرة وشيد الجامع الأزهر، وتنسب له فتوحات في المشرق والمغرب، وقد سبق لشاعرنا أن أشار إلى اقتباس جوهر الصقلي من الخطة العسكرية التي قام بها عقبة بن نافع الفهري في فتحه لبلاد المغرب.
وما كان جوهر إلا مدينا
لعقبة ... يوم استقل السفينا
جهز المعز قائده جوهرا الصقلي لإخضاع المغرب مصطحبا معه «جعفر صاحب المسيلة، وزيري بن مناد الصنهاجي صاحب أشير، ومحمد بن خزر، ودارت حرب بين الأمويين والعبيديين على مقربة من تيهرت.»
8 (4) الدولة الزيرية 361-405ه/972-1014م
لم ينس المعز لدين الله الفاطمي فضل الأمازيغ في نصره للدولة العبيدية، فقام بتعيين أبو الفتوح سيف الدولة بلكين أو بولوغين بن زيري الصنهاجي أميرا على المغرب سنة 361ه/972م.
أوصاه وصية شهيرة عندما نزل بمصر قائلا له وهو يعظه: «ألا ترفع السيف عن البربر، وألا ترفع الجباية عن أهل البادية، وألا تولي أحدا من قرابتك؛ لئلا يطمعوا في أمرك، وأن تحسن إلى الحاضرة.»
9
أراد المعز لدين الله أن يوصل رسالة إلى بلكين مفادها إكرام الطائفة الإسماعيلية التي كانت تسكن المدن، والتشديد على البربر الذين توطنوا في البادية، ومراقبتهم مخافة تمردهم ضد الحكم الفاطمي.
أسس بلكين أشير
10
وضرب بها السكة ثم أسس مدينة الجزائر على أسس مدينة إيكوسيوم سنة 349ه/960م أيام إمارة والده زيري على صنهاجة، وسميت آنذاك ب «جزائر بني مزغنة». توفي سنة 373ه/984م، وعهد بالحكم من بعده لابنه المنصور، ثم صارت إلى ابنه باديس. يقول مفدي في المقطع العشرين من الإلياذة:
وقفنا نحيي بها ألف عام
ونقري زيري العظيم السلام
فقام بولوغين في عيدنا
يهز الدنا ويروع الأنام
وسيبوس فاض فتاه دلالا
يعانق زيري المليك الهمام
ويضيف عن بولوغين بيتا آخر في المقطع التاسع والعشرين:
بولوغين يا من صنعت البقا
سنحفظ عهدك والموثقا
فيريموس أم أنت من شادها؟
فحيرت الغرب والمشرقا
بنيت الجزائر فوق السماك
فكانت لمعراجنا المرتقى
كان أول ما عرف سكان المغرب العربي من المذاهب الفقهية، مذهب أبي حنيفة النعمان - رضي الله عنه - ثم انتشر وعم مذهب الإمام مالك - رضي الله عنه - في القيروان والأندلس، واعتمد في الجزائر بناء على جهود وحرص المعز بن باديس، «وكان الناس يقرءون بقراءة حمزة، لا يعرف قراءة نافع إلا الخواص، إلى أن جاءهم برواية ورش عن نافع محمد بن محمد بن خيرون الأندلسي نزيل القيروان المتوفى سنة 356ه.»
11
استمرت حملة إخضاع الأمازيغ، غير أن طبيعة الأمازيغ كانت تنجذب دوما إلى تغيير الولاء كلما لمست جورا أو ظلما، ذلك ما دفع قبيلتي مغراوة وزناتة لإعلان ولائهما إلى بني أمية بالأندلس. كان لقبيلة زناتة المعادية دور هام في التصدع الذي أصاب باديس، فما كان له من ملجأ إلا استنجاد باديس بعمه حماد بن بلكين في القضاء على المعادين. سعى لذلك وأعد العدة فتأسست الدولة الحمادية سنة 405ه/1014م معلنة ولاءها للعباسيين في بغداد. (5) الدولة الحمادية: 405-547ه/1014-1153م
يعود فضل تأسيس الدولة الحمادية إلى قبيلة صنهاجة «التي قدر لها أن تحكم المغرب العربي بعد نزوح الفاطميين إلى القاهرة.»
12
وتاه الربيع بجناتها
يهادي تلمسان وردا وفلا
فكان ابن حماد من وحيها
كأوصافها عبقريا وفحلا
وأفلح خلد أمجادها
فأفلح أفلح قولا وفعلا
بعد سقوط الدولة الزيرية، أسس حماد بن بلكين الدولة الحمادية وابتنى القلعة
13
سنة 398ه/1007م كأساس لحكمه، ودعم لاستقلال دولته بعدما أعلن الولاء لبني العباس. وبعد وفاته قام خلفه بتأسيس بجاية سنة 460ه. يرى بعض الدارسين أن قلعة بني حماد أسست على أنقاض قلعة رومانية في القرن الرابع الهجري - أي قبل بناء القلعة الحمادية بنصف قرن - اتخذ أبو يزيد الشهير بصاحب الحمار من هذا المكان حصنا يحتمي به في صد القوات الفاطمية.
14
وما لحق القلعة من دمار يعود، على حسب الكثير من المؤرخين، إلى الهلاليين والموحدين على حد سواء. كان من أهم القرارات الاستراتيجية للدولة الحمادية بعد انهزام الناصر بن علناس الحمادي سنة 475ه/1064م في معركة «السبيبة» - غربي القيروان - نقل مركز الحكم من القلعة إلى بجاية، «ويذهب إلى هذا الرأي ابن الأثير والنويري وصاحب كتاب الاستبصار وبعض المتأخرين.»
15
سل ابن علناس عن ذكرنا
وقلعة بني حماد عن مجدنا
يجبك ابن حمديس في الخالدين
ويصنع قوافيه من وحينا
وتنبئك عائشة كيف كانت
ترق وتقسو على بعضنا
وتذكر بجاية أحلافنا
وأسطولنا الضخم يغزو الدنا
وابن حمديس المذكور في المقطع السابق هو أبو محمد عبد الجبار بن أبي بكر بن محمد بن حمديس الأزدي الصقلي، المشهور بابن حمديس الصقلي.
ولد ابن حمديس الصقلي سنة 447ه/1053م بسرقوسة، كبرى مدن جزيرة صقلية. هاجر إلى الأندلس بعد هجمة النورمان لصقلية سنة 471ه. لازم المعتمد بن عباد ومدحه، ودخل إفريقية يوم كان يحكمها تميم بن المعز. له ديوان شعر حققه الأستاذ إحسان عباس سنة 1960م.
كف بصره عند بلوغه ثمانين سنة، وتوفي في رمضان من سنة 527ه ودفن في جزيرة ميورقة، «ويرجح أنه توفي في بجاية في الجزائر؛ لأن الذي دفن في ميورقة بجانب ابن اللبانة هو أبو العرب الصقلي، فخلط الناس بينهما.»
16
وفي البيت الذي يلي ذكر للشاعرة الحمادية عائشة العمارية.
يعود أصل تسمية الناصر بن علناس إلى «أعلى الناس»، تقلد الإمارة الحمادية سنة 454ه/1062م. بهدف حماية نفوذه، طلب الناصر التصالح مع ابن عمه تميم بعد موقعة سبيبة المذكورة، وتوسط في هذا الأمر وزيره أبو بكر بن أبي الفتوح، ولم يكتب للصلح تمام إلا سنة 470ه/1077م رغم ما روي عن خيانة ابن البعبع له، ولم يدعم إلا بزواج الناصر من بلارة ابنة تميم.
وفي القصر تختال بلارة
تشيع الضياء ، وتفشي السنا
تصاهر فيها الدها والجمال
فضم انصهارهما شملنا
وأعلت بجاية هام الجزائ
ر علما وشادت صروح الهنا
يقول في شأن هذا القصر ابن خلدون: «إنه كان من آنق الرياض وأحفلها.» حطمه المرينيون سنة 701ه/1301م.
17
اشتهرت بجاية بوفرة العلم وتطور الفنون وتقدم الصناعات المتعلقة بالعتاد الحربي وأواني النحاس والفضة وصناعة الشمع، وقد بلغت التجارة الخارجية أوج سموها؛ حيث عرفت بجاية تصدير الشمع إلى إيطاليا، «ولا يزال مسمى الشمع عند الأوربيين بوجي
Bougie
وهو اسم بجاية في نطقهم الإفرنجي.»
18
شهد العهد الحمادي هجرة الهلاليين إلى المغرب العربي، وخاصة إلى الجزائر، يقول توفيق المدني: إن «الخليفة الفاطمي بمصر حين أراد أن ينتقم من المعز الصنهاجي لخلعه سلطانه وانتمائه للعباسيين، أرسل عليه وعلى بلاده القبائل الأعرابية من بني هلال وبني سليم ومن معهم، فأقبلوا بخيلهم ورجلهم، وطغت موجتهم الأولى على دولة صنهاجة بالبلاد التونسية، ثم اجتاحوا دولة الحماديين.»
19
أخذ الصراع بين العرب والأمازيغ بعدا ومنحنى آخر، استهدفت فيه المعالم الثقافية والتاريخية، وهذا ما وقع عند الهجرة الهلالية لبلاد المغرب في منتصف القرن الحادي عشر الميلادي، أو بالأحرى ما علق بالعرب الهلاليين من تخريبهم لإفريقية كما ورد عن المؤرخين المسلمين والمستشرقين. حملت المدرسة الفرنسية القبائل الهلالية مسئولية انحطاط المغرب وفقدانه لمقومات البقاء من خلال ما نشره إرنست مرسيي
Ernest Mercier
في كتابه «تاريخ استقرار العرب بإفريقية الساحلية من خلال وثائق المؤلفين العرب، وعلى الخصوص تاريخ البربر لابن خلدون» (1875) وكتابه «تاريخ إفريقية الساحلية من الأزمنة البعيدة إلى الفتح الفرنسي» (1888)، وقاسم هذه النزعة العنصرية كل من جورج مارسي
Georges Marçais
وإميل فليكس غوتيي
Emile Félix Gautier
بشهاداتهم حول إشاعة الهلاليين للفوضى وإجبار البربر إلى الانسياق لبداوة الجزيرة العربية، واغتصاب أراضيهم ومصادرتها، مكيفين تعريب المنطقة البربرية من «الجرائم الكبرى».
لقد وظفوا ما قاله ابن خلدون في تأريخه لهذه الهجرة في قالب إيديولوجي استعماري.
20
انساق العديد من الكتاب والمفكرين العرب وراء طرح المدرسة الاستشراقية، ويمكن فقط ذكر ما توصل إليه فكر الهادي روجي إدريس من أن هجرة بني هلال تصنف ضمن «الكوارث» التي حلت بالمغرب العربي و«ضربة قاضية لحضارة المغرب».
21
يقول عبد الرحمن بن خلدون عن إفريقية والمغرب: «لما جاز إليها بنو هلال وبنو سليم منذ أول المائة الخامسة وتمرسوا بها لثلاثمائة وخمسين من السنين؛ قد لحق بها وعادت بسائطه خرابا كلها بعد أن كان ما بين السودان والبحر الرومي كله عمرانا، تشهد بذلك آثار العمران فيه من المعالم وتماثيل البناء وشواهد القرى والمدر، والله يرث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين.»
22
وتنصب أندلس عندنا
وترتاح للعرب النازحين
بغض النظر عن بعض عوائد التوحش التي ألفها العرب في صحراء مصر، والسلوكات السلبية المحسوبة على الهجرة الهلالية، غير أنها لم ترق إلى اعتبارها عاملا من عوامل السقوط؛ بل إن الواقع التاريخي يشيد بالدور الرائد لبني هلال في الحروب ضد الصليبيين وفي فتوحات الأندلس؛ بل أبعد من ذلك ما أثبته ابن خلدون في كتابه «العمران»، عندما أعزى انحطاط العالم الإسلامي وركونه إلى الضعف بسبب تراجع العصبية العربية، ووصول القيادات القبلية العسكرية الممثلة في الأتراك والبربر إلى قيادة الأمة الإسلامية ، حسب قوله.
شهدت الدولة الحمادية غزو النورمان لجيجل سنة 537ه،
23
واتسمت بودية علاقتها بالمسيحيين، وصارت مركزا تجاريا، وتجلت فيها معالم الحضارة في قصورها ومساجدها ومساكنها وطرقها. سادت فيها اللغة العربية وأصبحت اللغة الرسمية للدولة. تقلص استعمال اللغة الأمازيغية في بعض مناطق المغرب العربي، وأصبحت حكرا شفويا على سكان بعض الجهات في الجزائر.
لم يفلح عبد الله المهدي في نشر المذهب الشيعي الإسماعيلي في الأوساط الجزائرية، ولعل أهم عامل قضى على هذا التيار السياسي والمذهبي هو ثورة أبي زيد المحتسب الملقب بصاحب الحمار (ت336ه/947م) تحت لواء المذهب الإباضي.
24
ساد المذهب المالكي في الجزائر واعتمد في تأصيله تدريس موطأ الإمام مالك بن أنس - رضي الله عنه - ويرجع توسع الأخذ به، في عهد سحنون بن سعيد التنوخي (ت240ه/855م) عندما شغل منصب قاضي إفريقية، ثم تولى نشره وتعليمه أبو زيد القيرواني (ت386ه/996م)، وقد ألف في ذلك العديد من المؤلفات: «الرسالة» و«النوادر والزيادات».
25
سعى أبو حفص عمر بن الحسين الصابوني على رأس السادة المالكية في الجزائر في نشر المذهب المالكي بتأييد من سلطة بني حماد. أما عن انتشار المذهب الإباضي، فاقتصر تواجد هذا المذهب في بعض مناطق الجزائر، «لم ينجح أتباع مذهب جابر بن زيد إلا في الحفاظ على جزء صغير من نفوذهم بوارجلان (ورقلة) وأسوف (واد سوف) وخصوصا ببلاد مصعب (ميزاب)؛ حيث لجئوا إلى هناك وبنوا مدن العطف وبنورة وبني يسجن وغرداية ومليكة.»
26
أطاح المرابطون بآخر أمراء الدولة الحمادية يحيى بن عبد العزيز سنة 547ه، وانتهى بذلك حكم الدولة الحمادية من بجاية. (6) دولة المرابطية: 472-539ه/1079-1145م
وهم من الأمازيغ الذين ربطوا أنفسهم لخدمة الدين من قبائل لمتونة ومسوفة وجدالة، التي استقرت بجنوب المغرب وضفاف نهري السنغال والنيجر، ويقال لهم الملثمون. عاشوا حياة الاعتزال في الصحاري، وانقطعوا بجزيرة،
27
وربطوا أنفسهم للطاعة والذكر مع شيخهم عبد الله بن ياسين المتوفى سنة 451ه/1059م مؤسس طائفة المرابطين، وهم الذين يقال لهم التوارق.
28
تزعم الدعوة المرابطية في منطقة السودان أبو بكر بن عمر اللمتوني، وفي المنطقة الساحلية لمراكش يوسف بن تاشفين. أخذت هذه الدعوة الإصلاحية في التوسع واستحوذت على قلوب الكثير من المريدين، وانتقلت من مرحلة الدعوة إلى مرحلة قيام الدولة.
أسس يوسف بن تاشفين مدينة مراكش سنة (465ه/1073م)، وتمكن من السيطرة على كامل المغرب من مراكش إلى الحدود الشرقية لمملكة بني حماد. عرف يوسف بن تاشفين بدهائه في المعارك؛ فقد استطاع أن ينتصر على جيش الإسبان بقيادة «الأذفونش السادس» في معركة الزلاقة سنة (479ه/1086م)، بعدما تفطن لخديعة طمأن فيها الإسبان المسلمين بعدم مواجهتهم يوم الجمعة لقداسته، إلا أن جيش ابن عبادة كان مستعدا وقت صلاة الجمعة، فانتصر المسلمون انتصارا عظيما وفر الأذفونش السادس في نفر قليل من أصحابه.
29
أما على صعيد تعزيز سلطان الدولة المرابطية، فغزا يوسف بن تاشفين سنة 472ه تلمسان في 20 ألفا من المرابطين، فعسكر بها وسك اسمه في جهة، وفي الأخرى كتب
ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه
سنة ثلاث وسبعين 473ه/1077م .
30
وفي سنة 474ه عسكر بتاقرارت وأقام بها وافتكها من أيدي بني يعلى الخزريين، وأصبحت مدينة واحدة مع تلمسان، واتخذها المرابطون عاصمة لهم.
31
بنى فيها يوسف بن تاشفين جامعها الكبير سنة 495ه/1066م. ملك وهران بعده ابنه علي سنة 500ه/1106م، وفي أيامه ظهر أمر الشريف المهدي بن تومرت القائم بدولة الموحدين.
32
توفي يوسف بن تاشفين سنة 500ه، وخلفه ابنه علي بن يوسف. في سنة 516ه أشعل المهدي بن تومرت الموحدي نار الثورة على علي؛ فكانت تلك الحرب سببا في سقوط الدولة المرابطية سنة 539ه/1145م،
33
قتل في معركة على إثرها قرب مدينة وهران تاشفين بن علي بن يوسف، وانتصر عبد المؤمن بن علي الموحدي معلنا بذلك قيام الدولة الموحدية. (7) دولة الموحدية: 524-668ه/1130-1269م
أصل تسميتهم بالموحدين تعود لعلم التوحيد الذي عرف به أتباع الشيخ الشريف المهدي بن تومرت؛ فهو الذي سماهم بذلك تعريضا بالمرابطين. وهو أول ملوك الدولة الموحدية.
34
ويمضي ابن تومرت يغزو الض
لال فيخلص لله عقل ودين
اشتهرت الدولة الموحدية عند نشأتها بانتشار العلوم المختلفة، ولقي ميدان الفنون عناية كبرى، نبغ فيها الشريف بن عمارة.
35
ويوسف بن يعقوب الوارجلاني:
36
ويهزج بالصادحات الشريف
ويلمع يوسف في اللامعين
دخل جد المهدي ابن تومرت مع أبيه المغرب مع عقبة بن نافع الفهري في فتحه الإسلامي. بويع سنة 516ه/1122م وخلفه تلميذه عبد المؤمن بن علي الكومي الزناتي
37
على رأس الدولة الموحدية، وبويع سنة 524ه/1130م بعد وفاة ابن تومرت.
وتنجب ندرومة الخالدين
فتعلي الجزائر منا الجبين
ويصنع وحدتنا ابن علي
فيرفع رايتها باليمين
كان عبد المؤمن بن علي فصيح اللسان، ضليعا في علوم اللغة العربية والأدب والتراجم، اعتنى بتنظيم الجيش والتعليم والدواوين والأسواق، عقدت في عهده الدولة الموحدية معاهدات مع جمهورية جنوة، كانت العلامة السلطانية عند الموحدين في رسائلهم «الحمد لله وحده».
قالت الشاعرة حفصة الأندلسية بنت الحاج الركوني، مخاطبة عبد المؤمن بن علي:
38
يا سيد الناس يا من
يؤمل الناس رفده
امنن علي بطرس
يكون للدهر عده
تخط يمناك فيه «الحمد لله وحده»
بعد قضائه على الدولة الحمادية احتل عنابة، ثم واصل مسيرته إلى تونس ومدينة المهدية فاستولى عليهما سنة 555ه، واستطاع القضاء على الاحتلال النورماندي بالأراضي التونسية.
39
وتصفو «أعز المطالب» فيه
فتصفو المناهج للسالكين
وتزخر بالعلم أرجاؤنا
فتسمو المدارك بالنابهين
وقد أورد آغا بن عودة المزاري قولا لابن رزقون فيه حديث المدونة التي أشار إليها مفدي زكريا بتسمية «أعز المطالب»، قال: «كنت في العلماء الذين جمعهم عبد المؤمن بن علي سنة خمسين من القرن السادس (موافق ل 1155-1156م) التي أمر فيها بحرق كتب الفروع، وقام وزيره أبو جعفر بن عطية وقال: بلغ سيدنا أن قوما تركوا الكتاب والسنة، وصاروا يفتون بفروع لا أصول لها، «فمن نظر فيها عاقبته»، وأنهم عندهم كتاب يقال له «المدونة» لا يرجعون إلا إليه، ومن العجب قولهم بإعادة الصلاة في الوقت، مراده بذلك أن يحمل الناس على مذهب ابن حزم الظاهري، قال فحملتني الغيرة، وتكلمت بأن رسول الله
صلى الله عليه وسلم
لما صلى أعرابي أمامه قال له: «صل فإنك لم تصل.» كما في صحيح البخاري.
فقال: لا أحسن غير هذا، فعلمه، فلم يأمره بإعادة ما خرج وقته، فقام عبد المؤمن وسكن الحال ولم أر منه بعد هذا إلا الكراهة.»
40
في سنة 558ه ندب عبد المؤمن عرب بجاية إلى الحرب في الأندلس برسالة ختمها بأبيات من نظمه ذكرها المبارك الميلي في مؤلفه.
41
فرض عبد المؤمن على اليهود والمسيحيين أن يتميزوا بلباسهم حتى يعرفوا، وبنى القلاع والمصحات. اعتمد المذهب المالكي وأمر جماعة من المحدثين بجمع الأحاديث من الموطأ والصحيحين والترمذي وأبي داود والنسائي والبزار وابن أبي شيبة والدارقطني والبيهقي.
42
انتهج السكان الأمازيغ من الحضر والرحل عقيدة أهل السنة والجماعة، واتخذوا من المذهب المالكي مسلكا فقهيا لهم، «وكان للتقارب بين القيادات الفقهية المالكية بالمغرب الأوسط، وخصوصا ببلاد المرابطين في المغرب الأقصى والأندلس، الأثر الكبير في بناء ثقافة فقهية مالكية.»
43
توفي عبد المؤمن بن علي سنة 558ه/1163م، ودفن بتنمليل بجوار شيخه المهدي بن عبد الله تومرت. تولى من بعده الإمارة أبو يعقوب يوسف (ت579ه)، ثم المنصور (ت580ه) وانتهت بعد حكم إدريس الواثق سنة 668ه/1269م.
ظهر في عهد الدولة المؤمنية التصوف بالجزائر، واشتهر به أبو مدين شعيب الأندلسي دفين تلمسان المتوفي سنة 591ه أو 594ه على خلاف. تعرف بالشيخ عبد القادر الجيلاني بعرفة وأخذ عنه، واستوطن بجاية، فكان يقرئ بها رسالة القشيري وغيرها، وكثر أتباعه فاستقدمه يعقوب المنصور إلى مراكش، فلما بلغ تلمسان توفي بها، ودفن برابطة العباد.
44
تلمسان أنت عروس الدنا
وحلم الليالي وسلوى المحب
بحسنك هام أبو مدين
وفي معبد الحب شاد القبب
وقال في موطن آخر:
وأرقامنا العربية مالت
أوروبا العجوز لها طوعنا
وكان أبو مدين والثعا
لبي هنا، يرفعان البنا
يشهد علماء المشرق والمغرب بفضل الرعيل الأول من رجالات الجزائر في التمدن والتحضر ورفعة الكعب في العلم، ولقد أحسن مفدي زكريا إذ خلد في إلياذته تميم بن خريف في التأسيس للأرقام العربية التي تعتمد على الزوايا وقيمة الرقم؛ فإذا كانت زاوية واحدة فهو واحد، أو زاويتان فهو اثنان ... وهكذا على تسع.
45
استطاع الموحدون توحيد المغرب العربي، ورد هجومات الصليبيين عن شمال إفريقية، وبسط نفوذ المسلمين في الأندلس بعد انهيار دولة الأمويين بالأندلس في سنة 422ه/1031م واستيلاء الطوائف على كل مقاطعة.
46
كانت هزيمة معركة «الغراب» على المسلمين سنة 609ه/1214م نكبة كبيرة في تاريخ المسلمين ، وكان لها الأثر البالغ في تمرد الأندلسيين على الموحدين، وفتحت أبواب حرب بني مرين على بني عبد المؤمن بداية من سنة 613ه بالمغرب الأقصى، واعترى الدولة الموحدية الضعف والوهن وآلت إلى السقوط.
قامت على أنقاض الدولة الموحدية ثلاث دول: الحفصية، والمرينية، والزيانية. كان الصراع المفضي إلى الاقتتال أبرز مظاهر نشأة هذه الدول، ولعل طمع الإسبان في الإغارة على المغرب واستعماره كان ناتجا عن ضعفها وذهاب ريحها وإطلاق عنان الحملة الصليبية عليها، «ولولا قيام الدولة التركية بأساطيلها في وجوه الدول الأوربية للحق المغرب بالأندلس وصقلية.»
47
وقد سبق لصلاح الدين الأيوبي أن طلب من المنصور عام 580ه يستنجد به فيها على الإفرنج الخارجين عليه بساحل البلاد الشامية، خاصة أن أساطيلهم كانت تمر بممر جبل طارق، وكان حامل الرسالة شمس الدين بن منقذ، غير أن طلبه قوبل بالرفض.
48 (8) الدولة الحفصية: 627-943ه/1229-1536م
يعود أصل الحفصيين إلى أبي حفص عمر بن يحيى الهنتاتي، أحد العشرة المقربين من ابن تومرت،
49
توفي سنة 571ه، ومن أشهر أبنائه: أبو زكريا، سمح له موقعه ونفوذه باحتلال قسنطينة وبجاية والجزائر وتلمسان.
احتلت إسبانيا في سنة 915ه/1510م بجاية، ودلس والجزائر من غير مقاومة حفصية، وفي سنة 919ه احتلت جيجل، وفي سنة 941ه تنازل الحسن عن بونة فتم خروج الجزائر من أيدي الحفصيين.
50
تسببت الفتن الداخلية وغارات الإسبان والبرتغاليين ووهن الجيش في إضعاف الدولة الحفصية، فكان سقوطها حتميا سنة 748ه/1347م.
بدأت أولى التدخلات العثمانية في بلاد المغرب على يد بربروس وخير الدين من جهة تونس، وقد تمكن من تحرير بجاية وبقية السواحل التي ملكتها إسبانيا، وسر به الحفصيون، ثم استرجع جيجل سنة 920ه والجزائر سنة 922ه، فولاه سليم العثماني عليها، وكان ذلك أول قدم للعثمانيين بالجزائر.
51 (9) الدولة المرينية: 668-796ه/1269-1393م
ينسب المرينيون إلى جدهم مرين بن أمير الناس على قول، وابن ورتاجن على قول آخر، وأما تسميتهم ببني حمامة فنسبة لجدهم حمامة بن محمد بن ورزين.
52
في خضم الحروب الصليبية المعلنة وتحالفات الإمبراطوريات الأوروبية، انشغل المرينيون بالصراع مع بني عبد الواد، فوهنت قواهم، وتشتت شملهم، واشتدت بهم عواصف الفرقة، وضعفت لذلك غرناطة التي كانت تستمد منهم المدد العسكري والمالي، فسقطت على يد الإسبان سنة 897ه. (10) الدولة الزيانية: 633-962ه/1235-1554م
امتد نفوذ الدولة الزيانية إلى معظم التراب الجزائري، وكانت عاصمتها تلمسان، ومن المرجح، أن تلمسان هي اسم علم زناتي مركب من «تلم» بمعنى تجمع، و«سان» بمعنى اثنين؛ أي أنها تجمع بين اثنين: التل والصحراء، لاعتبارات مصيرية تخص بقاء الدولة واستمرار نفوذها. تحالف الزيانيون مع الموحدين وبقوا على خلافهم مع المرينيين والحفصيين. تنسب إلى زيان بن ثابت بن محمد بن زيدان والد يغمراسن من بني طاع الله، «وبنو طاع الله من بطون بني القاسم من عبد الواد.»
53
ويرتفع نسبهم إلى إدريس بن عبد الله الكامل، نسبتهم لعبد الواد من جدهم لأمهم عبد الوادي
54
بن يادين بن محمد رزجيك بن واسين.
دلال المدية أعيا الملوك
وكم خاطب ودها أخفقا
تنازعها الروم والمسلمون
وحاول زيان أن يسبقا
كان أول من حكمها، أبو يحيى يغمراسن بن زيان بن ثابت بن محمد العيد الوادي،
55
ولد سنة 603ه، أسسها سنة 633ه/962م وبويع في هذه السنة يوم كان الحكم لبني عبد المؤمن، أما الذين من قبله فلم يكن لهم الحكم والسيادة؛ بل مجرد المشيخة والريادة، «وفي رواية، أنه بدأ حكمه في أيام الرشيد عبد الواحد بن إدريس المأمون.»
56
عرف يغمراسن بتدينه ومحبته لأهل العلم والأدب ومجالسة الصالحين، ومن آثاره صومعتا جامعي تلمسان القديمة والحديثة.
سئل أن يأمر بكتب اسمه في صومعة الجامع الأعظم، فأبى وقال: «علم ذلك عند ربي.» وقد أورد محمد بن عبد الله التنسي في كتابه
57
قولا ليحيى بن خلدون أن يغمراسن قال بالزناتية: «يسنت ربي»؛ أي علمه لله، غير يغمراسن - عندما استقر له الأمر وكثر ماله - اسم تاجرارت من اسمها القديم إلى تلمسان، المعروفة الآن.
58
تلمسان مهما أطلنا الطوافا
إليك تلمسان ننهي المطافا
يغمراسن الشهم ضاق اصطبارا
وغالب خمسين عاما عجافا
وأصلى بني حفص حربا عوانا
وما اسطاع بابن مرين اعترافا
فكانت تلمسان دار سلام
وأمر الجزائر فيها ائتلافا
فأكرم بمشورها الوطني
وزيان يحسم فيه الخلافا
ويدفع خطو بني عبد واد
فتغزو الحياة ، ثقالا خفافا
بعد محاولات عدة للسيطرة الحفصية على الجزائر، أغار أبو زكريا الحفصي على تلمسان سنة 1242م، لكن جيش يغمراسن كان بالمرصاد واستطاع صد الهجوم.
هذا عن الحفصيين، أما عن أطماع المرينيين فلم تلبث أن طفت مرة أخرى على سطح العلاقات بين الإمارات الإسلامية، وتعكر صفو الدولة الزيانية، حتى بادر يعقوب بن عبد الحق المريني لتوجيه جيشه للإغارة على يغمراسن.
كانت الموقعة بوادي تلاغ سنة 666ه/1267م، انهزم فيها الجيش الزياني شر هزيمة، قتل فيها أبو حفص عمر بن يغمراسن بن زيان، وكان كبير أولاده وولي عهده، وهلك في المعركة نفر من أكبر رجال بني زيان.
59
بعد ثلاث سنوات، من موقعة تلاغ، أعاد يعقوب الكرة على الدولة الزيانية، ومني مرة أخرى يغمراسن بهزيمة في معركة إيسلي الشهيرة، وفقد هذه المرة ابنه أبا عدنان فارس وبضعا من أهل بيته. استغل يعقوب المريني شقاقا بين يغمراسن وطائفة من بني عمومته، وجعله عاملا من عوامل القضاء على يغمراسن، وكان على رأسهم أبو زيان محمد بن عبد القوي بن العباس بن عطية بن توجين من زناتة.
60
توفي يغمراسن - رحمه الله - يوم الإثنين 29 ذي القعدة سنة 681ه الموافق ل 28 مارس 1283م ب «رهيو» بعد عودته من مليانة وعمره 76 سنة.
61
خلفه ابنه أبو سعيد عثمان بن يغمراسن بن زيان 681ه/1303م، ثم جاء من بعده ابنه محمد بن السعيد سنة 703ه/1304م، وجدد الدولة أبو حمو موسى الثاني.
في غمرة التهديدات التي كان يطلقها الأسطول الإسباني على الجزائر، دخل الأتراك إلى الجزائر في عهد الحسن بن عبد الله الثاني 957ه/1550م، وقد كان آخر عهد الدولة الزيانية بالحكم.
وينسب لبني عبد الواد حرصهم على العلم وترقية القضاء والعمران، ويعود لهم الرسم الحالي لحدود الجزائر المعاصرة. ألحق الأتراك إمارة بني زيان للحكم العثماني، ونقلوا العاصمة من تلمسان إلى الجزائر بعدما استنقذوها من الإسبان، وأخذت الجزائر يومها نظام حكم آخر وسياسة مخالفة لما سبق.
62
المبحث الثالث
العصر الحديث والمعاصر
الفصل الأول
التدخل الأجنبي في الجزائر
تنازع في دخول الجزائر الإسبان باعتبارهم قوة بحرية أرادت الهيمنة على المنطقة وبث نفوذها ، والأتراك باعتبارهم قوة عظمى تم الاستنجاد بها من طرف الجزائر، ثم فرنسا المتحينة لفرصة الاحتلال. (1) ملوك الإسبان: عين على الجزائر
كان اجتماع الإسبان بداية من سنة 988ه/1484م على ملك واحد اشترك فيه هو وزوجته إيزبيلة، ودام مدة 35 سنة.
1
راوده افتكاك الأندلس كاملة من المسلمين؛ لذلك عزم على غزو غرناطة في سنة 995ه/1490م وكان أميرا بها أبو عبد الله محمد حسن، وسقطت في أيدي النصارى الإسبان سنة 997ه/1492م، وانتهى بذلك حكم المسلمين في أوروبا، كما يؤرخ العالم الغربي لبداية الاكتشافات الجغرافية وانطلاق النهضة الأوروبية؛ فحري بالعالم الإسلامي أن يعتبر سنة 1492م بداية لاستعمار الدول الإسلامية ودخولها في دوامة الغزو الصليبي وتدمير مقوماتها ومقدساتها.
غزا الإسبان مرسى وهران سنة 911ه/1505، ودخلوا وهران سنة 915ه/1509م، لم يكن للغزاة أن يدخلوها لولا غدر يهودي ذمي يدعى «سطورا»، كان يشتغل قابض مكس، فتح الباب للإسبان، على حين غفلة من المسلمين بمعية عيسى العريبي وابن قائص، وقد أسفر الغزو عن مقتل 4 آلاف مسلم وأسر 8 آلاف، وإنقاذ 300 أسير مسيحي.
2
وما استطاعت يومها السلطة الزيانية فعل شيء لرد العدوان.
بعدها بسنة واحدة، أي سنة 1510م، غزا فرناندو مدينة الجزائر، يقول مفدي زكريا:
وأوغر قلب الصليب الحقود
علانا، وأمعن فينا الحسود
وطافت بوهران جيطان غدرا
وزيان ما اسطاع حشد الجنود
في سنة 1516م وفي ظل الهجمة الإسبانية المسيحية، استنجد سالم بن تومي بالسلطة التركية، حسب غالب الروايات، فلبى لندائه الأخوان «عروج» و«خير الدين» واستطاعا رد الغزو الإسباني عن الجزائر. قتل عروج - رحمه الله - في معركة سقوط تلمسان سنة 1518م ضد الإسبان في السنة التي توفي فيها السلطان أبو حمو الثالث، فاستنجد خير الدين بالسلطان سليمان العثماني فأمده بأسطول بحري. في سنة 926ه/1519م حرر خير الدين الجزائر من الإسبان. عمد الأسطول الجزائري إلى مواجهة «شرلكان» سنة 1541م في عرض البحر، مني على إثرها الإسبان بخسارة قدرت ب 12 ألفا من الجند وإتلاف 150 سفينة.
ولعلع في بربروس نداها
فثار ... وأقسم أن لا يعود (2) العثمانيون في الجزائر: نظام الحكم ورد العدوان الإسباني
قبل دخول العثمانيين، حكم الجزائر الشيخ العالم الجليل سيدي عبد الرحمن الثعالبي،
3
فلما توفي تولى الحكم من بعده سالم التومي، وانتقلت الرئاسة من الثعالبة إلى بني سالم. انتزع العثمانيون السلطة من الجزائريين، وكان «الرياس» أول طبقة حاكمة للجزائر في العهد العثماني.
يليهم «اليولداش» وهم طبقة الجيش البري، ينحدر معظمهم من أصل تركي، ومنهم تتشكل الفرق الإنكشارية. (2-1) فترات الحكم العثماني
مر الحكم العثماني بالجزائر بأربع فترات:
عصر البايلربايات (أمير الأمراء) 1514-1587م، وعصر الباشوات 1587-1659م، وعصر الأغوات 1659-1671م، وانتهى بعصر الدايات 1671-1830م. (2-2) التقسيم الإداري للجزائر
دار السلطان:
الجزائر العاصمة وضواحيها ومقر الداي.
بايلك الشرق:
المقاطعة الشرقية للجزائر وعاصمتها قسنطينة.
بايلك الغرب:
المقاطعة الغربية وعاصمتها وهران - بعد إجلاء الإسبان عنها سنة 1792م.
بايلك التيطري:
وعاصمته المدية.
انتقل خير الدين من مجرد «رايس» بحر تركي إلى رئيس دولة جزائرية، أوصلها القهر الخارجي والفرقة الداخلية ودورة الزمان من صفة الدولة الرائدة صاحبة السيادة إلى دولة مرتبطة بالإمبراطورية العثمانية.
وللدين خير يصون حماه
وأسطولنا في البحار يسود
قراصنة البحر عاثوا فسادا
فأدب ليث البحار القرود
وخاض الأمازيغ ساح الفدا
تباركهم صلوات الجدود
وآزرنا الترك حتى انتصرنا
ولم يخفر الترك ماضي العهود
وقد أحسن شاعر الثورة إذ أضاف:
وقمنا نسوس البلاد بعدل
ونسدي الجميل، ونرعى الحدود
ولم نك للترك بالتابعين
وإن عززوا سعينا بالجهود
ونحن أناس نعد الجميل
ونرعى ذمام الصديق الودود
لم يستمر الأتراك كثيرا في مهام الدفاع عن الجزائر؛ لقد استغلت السطوة على البحر الأبيض المتوسط للقيام بأعمال وصفت بالقرصنة، كان الغرض منها الحصول على موارد تموين الخزينة العثمانية خارج مجال الأتاوى المعهودة. غذت هذه الأعمال شعور الانتقام من الحكم التركي لدى العديد من دول أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية. (3) الأطماع الفرنسية في الجزائر
كان باديا أن علاقة فرنسا بالجزائر ودية على أبعد الحدود، لكن الواقع التاريخي أثبت أن هذه العلاقة كانت تخفي وراءها نية القضاء على الحكم العثماني في الجزائر واحتلالها منذ 1270م في عهد الملك لويس التاسع. حظيت فرنسا بامتيازات تجارية ودبلوماسية، كان أهمها الترخيص لفرنسا، سنة 1794م، بالتمويل من ميناء الجزائر عندما صدت أبواب الأسواق التجارية أمامها.
جاعت فرنسا ... فكنا كراما
وكنا الألى يطعمون الطعاما
رغم اعتراف الجزائر بالجمهورية الفرنسية الجديدة المنبثقة عن الثورة الفرنسية، إلا أن ذلك لم يمنعها من التفكير في مشروعها «الحضاري» المتمثل في الاستعمار. يشير الأستاذ مولود قاسم - رحمه الله - إلى رسالة نابليون بونابرت التي بعث بها إلى وزيره «ديكريس » يوم 18 أبريل 1808م يقول فيها: «فكروا في إعداد غزوة للجزائر، وذلك على كلا المستويين؛ البحري والبري.»
4
كلف نابليون «بوتان» لإعداد خطة هجوم على الجزائر من سيدي فرج في يوليو 1808م.
أبوتان ... هل سيدي فرج
وإن طال ليل ... أقر النظاما؟
في بداية الأمر كان دفع المقابل المالي لأي معاملة تجارية يسدد من الحكومة الفرنسية إلى الجزائر بصفة مباشرة، فلجأت فرنسا إلى اعتماد وساطة مالية يقوم بها ميشيل بكري كوهين المعروف بابن زاهوت، ونافتالي بوشناق المعروف ببوجناح، وهما تاجران يهوديان قدما من إيطاليا سنة 1770م واستقرا بالجزائر، يعود لهما أمر الوهن الذي أصاب الاقتصاد الجزائري، والقيود السياسية التي أدت إلى حصار الجزائر والحملة عليها واحتلالها.
أورد الأستاذ عبد الله شريط في كتابه
5
قولا لحمدان خوجة، يروي فيه قصة ثراء بوشناق حينما طلب منه الباي حلية كريمة تعرف بالصريمة، فاشتراها منه ب 300 ألف فرنك ودفع مقابلها 75 ألف كيلة من القمح، ثم باع بوشناق القمح في فرنسا، وقد كان محتكرا لتجارته فربح 3 ملايين و450 ألف فرنك. ورحم الله صاحب الإلياذة حين يقول:
فأبطرهم قمحنا الذهبي
وكم تبطر الصدقات اللئاما
وباعت فرنسا ضمير اليهود
فباع ضمير اليهود الذماما
وما كان بوشناق إلا ابن آوى
وما كان بوخريص إلا طغاما
بلغ نفوذ اليهوديين مبلغ القدرة في توجيه سياسات الجزائر واقتصادها، وكان لهما الباع الطويل في تعيين موظفي الدولة الساميين، وعقد الاتفاقيات مع الخارج والتفاوض مع الدول الأجنبية.
كان التحضير للانتقام من بوشناق عاملا مشتركا بين العديد من الجزائريين والأتراك؛ حيث قام أحد الجنود الإنكشاريين سنة 1805م باغتياله. ثارت نعرة اليهود لمقتله، ويرجح أن يكون مقتل الباشا مصطفى في تلك السنة في سياق الانتقام.
في زمن تجاذب المصالح والنزاعات الحاصلة عن دفع الديون وتهديدات الحرب البحرية واكتشاف الداي حسين لخدعة إيقاع الجزائر التي نسج خيوطها القنصل الفرنسي بالجزائر دوفال مع شركة يهودية، وقعت في يوم عيد الأضحى المصادف 29 أبريل 1827م حادثة المروحة المشهورة؛ «فقد حضر كالعادة القناصل الأجانب، ومن بينهم دوفال، لتهنئة الباشا حسين، ودار حديث بين الباشا والقنصل الفرنسي حول رد فرنسا على طلبه المتعلق بدفع الديون، فكان رد القنصل غامضا، ولعله كان مهينا للباشا ... وأمره بالخروج، وعندما لم يتحرك ضربه بالمروحة التي كانت بيده.»
6
ومروحة الداي لم تك إلا
كما يستبيح اللصوص الحراما
أعلن التحالف المسيحي الحرب على الجزائر في يوم 16 يونيو 1827م، وجهزت فرنسا وإنجلترا وروسيا عدتها وعددها لخوض المعركة النهائية ضد الجزائر، فوقعت معركة نافارين الشهيرة يوم 20 أكتوبر 1827م التي تحطم فيها الأسطول الجزائري تحطما كليا، ثم ضرب الحصار البحري على الجزائر.
قرر مجلس الوزراء الفرنسي في 30 يناير 1830م القيام بحملة على الجزائر، وفي 7 فبراير 1830م أقر الملك شارل العاشر مشروع الحملة، وعين الكونت دي بورمون قائدا لها، والأميرال دوبيري قائدا للأسطول البحري.
وخرب شارل المريض فرنسا
فثار بها الشعب يغلي انتقاما
وضاق الفرنسيس بالعاطلين
وما ذاق شارل المريض المناما
وأوحى له قمحنا غزونا
فأطلق هذي القموح سهاما
وصب النفايات في أرضنا
وخان المسيح وأغرى السواما
نزلت القوات الفرنسية المحتلة أرض الجزائر عبر سيدي فرج في 14 يونيو 1830م، ونصب القائد العام الفرنسي دي بورمون مقر قيادته في زاوية سيدي فرج.
استنفر الباي إبراهيم جنوده لمقاومة القوات الغازية، غير أنه انهزم في معركة إسطاولي في 19 يونيو 1830م. لم يكن الوضع يدعو للطمأنينة؛ فبعد تمركز الفرنسيين بساحل سيدي فرج وفشل محاولات الجزائريين لرد العدوان، أصدرت القوات الفرنسية الغازية بيانا للسكان الجزائريين تدعوهم فيه للتعاون مع الفرنسيين للتخلص من «جور الأتراك».
7
لم يكن أمام الباشا حسين إلا التوقيع على معاهدة الاستسلام في 5 يوليو 1830م مع شارل العاشر، والتي أمضاها نيابة عنه الجنرال دي بورمون.
8
تضمنت المعاهدة البنود التالية:
تسلم قلعة القصبة وكل القلاع الأخرى المتصلة بالمدينة وميناء هذه المدينة (الجزائر) إلى الجيش الفرنسي هذا الصباح على الساعة العاشرة صباحا.
يتعهد القائد العام للجيش الفرنسي أمام سعادة باشا الجزائر أن يترك له الحرية وكل ثرواته الشخصية.
سيكون الباشا حرا في أن يذهب، هو وأسرته وثرواته الخاصة، إلى المكان الذي يقع عليه اختياره. فإذا فضل البقاء في الجزائر فله ذلك هو وأسرته تحت حماية القائد العام للجيش الفرنسي، وسيعين له حرسا لضمان أمنه الشخصي وأمن أسرته.
يتعهد القائد العام لكل الجنود الإنكشاريين بنفس المعاملة ونفس الحماية.
سيظل العمل بالدين الإسلامي حرا، كما أن حرية السكان مهما كانت طبقتهم ودينهم وأملاكهم وتجارتهم وصناعتهم لا يلحقها أي ضرر. وستكون نساؤهم محل احترام، ويلتزم القائد العام على ذلك بشرفه.
وسيتم تبادل وثائق هذا الاتفاق في الساعة العاشرة هذا الصباح، وسيدخل الجيش الفرنسي حالا بعد ذلك إلى القصبة، ثم يدخل كل القلاع التي حول المدينة كما يدخل الميناء. (توقيع الكونت دي بورمون، وختم حسين باشا داي الجزائر.)
9
نصب دي بورمون أول مجلس بلدي (كان مقره ما يصطلح عليه «قصر خداوج العمياء»)، ترأس المجلس أحمد بودربة، وضم كلا من حمدان خوجة وعدد من الأعضاء المسلمين واليهود، وأبرق دي بورمون تقريرا حول الاجتياح مذكرا بإخفاق القوات الإسبانية والبريطانية والهولندية والدنماركية والأمريكية في دخول الجزائر فيما سبق.
10
نقل الداي حسين باشا بتاريخ 10 يوليو 1830م إلى مدينة نابولي الإيطالية، ثم التحق بفرنسا، وأخيرا توجه إلى الإسكندرية حيث أقام بها حتى يوم وافته المنية ودفن بها سنة 1834م.
11
الفصل الثاني
الانتفاضة الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسي
لم تكن تلك الجيوش الجرارة من الفرنسيين الغزاة حجة للجزائريين في الاستسلام الكامل لفرنسا. ما فتئت القوات الفرنسية الاستعمارية تستقر في العاصمة حتى بدأ التفكير في المقاومة. لم يكن لنضال حمدان خوجة السياسي أن يرقى لمستوى تحدي دولة استعمارية؛ فلقد بات مؤكدا لدى الجزائريين أن استرجاع السيادة الوطنية لا بد أن تعبأ لها التضحيات بالنفس والنفيس.
كان للدافع الديني دور إيجابي في إيقاظ همة الثورة لدى زعماء ومريدي الطرق الدينية المختلفة بالجزائر التي استطاعت أن تشكل هاجسا لفرنسا وكابوسا نغص عليها استقرارها. تزعم الثورة في بداية الاستعمار عدد من هؤلاء الزعماء من بينهم بن زعمون، والحاج سيدي السعدي، والحاج محيي الدين بن المبارك، والأمير عبد القادر.
لم تكن استكانة الطبقة الحاكمة العثمانية في صد العدوان واستسلامها، عاملا مشتركا بين جميع الحكام من الأصل التركي؛ بل عمد بعض البايات والقادة الذين عملوا بالإدارة العثمانية إلى تزعم الثورة ضد الفرنسيين بعد استسلام الداي حسين وتسليمه العاصمة الجزائرية، نذكر منهم باي التيطري مصطفى بومرزاق، وإبراهيم باي قسنطينة السابق، والحاج أحمد باي قسنطينة.
وفي ردها على ثورة الجزائريين، أرادت فرنسا، أن تبلغ رسالة لكل الشعب الجزائري من خلال إقدامها على إصدار حكم بالإعدام في حق كل من مسعود بن عبد الواد، والعربي بن موسى في فبراير 1833م في عهد الدوق دي روفيغو، ونفذ في نفس التاريخ، وكان هذا أول حكم بالإعدام في تاريخ الجزائر.
تعالت أصوات غربية وشرقية تندد بتدهور حقوق الإنسان في الجزائر، أوفد على إثرها لويس فيليب ملك فرنسا في 7 يوليو 1833م لجنة لتقصي الحقائق، وإعداد تقرير حول الوضع العام في الجزائر، كانت نتيجة اللجنة أن سكان الجزائر «ينعمون بما تقدمه حضارة فرنسا» وأن الوضع مستقر. اقترحت تعيين حاكم عام للجزائر، والسماح لكل الجنسيات بدخول الجزائر والاستقرار فيها، وخرجت بتوصية الحفاظ على الجزائر كممتلكة فرنسية في أفريقيا. عند احتلالها للجزائر، قامت كذلك السلطة الاستعمارية «القائمة على مبادئ الإخاء والمساواة وحقوق الإنسان» على نهب أوقاف الحرمين الشريفين - مكة والمدينة - في الجزائر. أحصت فرنسا سنة 1837م في العاصمة وحدها 122503 فرنكات قيمة لتلك الأوقاف. (1) الأمير عبد القادر يؤسس للدولة الجزائرية
بناء على كبر سنه وعدم قدرته الصحية، اعتذر الشيخ محيي الدين بن مصطفى؛ لعدم استطاعته تلبية نداء السكان لقيادة المقاومة ضد فرنسا. واقترح عليهم تقديم ابنه عبد القادر للمبايعة. قبل الجزائريون اقتراح محيي الدين، فبايعوا الأمير عبد القادر يوم 3 رجب 1248ه/27 نوفمبر 1832م.
يقول مفدي زكريا في الإلياذة:
معسكر فجر عزم الشباب
فطال عملاقها الأنجما
وبويع شاعرها الهاشمي
فكان بها القائد الملهما
يصوغ النظام ويبري الحسام
فيقطر ذاك وهذا ... دما
فقام الشاب المعروف بتدينه وشاعريته وقوته بالعمل على تأسيس دولة جزائرية عصرية. نظم الجيش وأسس الديوان، وأقام نظام الشورى. أقام النظام الإداري على تقسيم الجزائر إلى مناطق، تنقسم إلى دوائر، وكل دائرة يرأسها «أغا»، وكل دائرة إلى وحدة يحكمها «قايد» مستعينا بشيوخ القبائل.
أيا عبد قادر ... كنت القديرا
وكان النضال طويلا عسيرا
شرعت الجهاد، فلباك شعب
وناجاك رب، فكان النصيرا
ونظمت جيشا، وسست بلادا
فكنت الأمير الخبير الخطيرا
وألهبت في القابعين الحنايا
وأيقظت في الخانعين الضميرا
لم تمض ثلاثة أشهر على مبايعة الأمير حتى بدأ شتات القبائل المناهضة لدولة الأمير والمناصرة لفرنسا يلتف، فما كان من الأمير إلا أن قرر صد عدوانها وردها إلى رشدها بالهجوم عليها وعلى معاقل القوات الفرنسية بتاريخ 4 فبراير 1833م. اضطر الجنرال «ديميشيل» أن يبرم معاهدة مع الأمير عبد القادر في 26 فبراير من سنة 1833م والتزم فيها الطرفان بما يلي:
يعين الأمير عبد القادر وكلاء له في مدن مستغانم ووهران وأرزيو كما تعين فرنسا وكيلا لها في معسكر.
احترام الديانة الإسلامية.
التزام الفريقين برد الأسرى.
إعطاء الحرية الكاملة للتجارة.
التزام كل طرف بإرجاع كل من يفر إلى الطرف الآخر.
لا يسمح لأي أوروبي أن يسافر داخل البلاد إلا إذا كان يحمل رخصة من وكلاء الأمير وموافقة الجنرال الفرنسي.
1
لم تلتزم فرنسا بالتزاماتها، فما كان من الأمير عبد القادر إلا أن يعلن الحرب مرة أخرى ويستنفر الجيش يوم 26 يوليو 1835م بمعركة «المقطع» التي انتصر فيها وانهزم فيها الجنرال «تريزل» منسحبا إلى أرزيو. في شهر ديسمبر من نفس السنة، أغار الماريشال «كلوزيل» على المنطقة التي عسكر بها جيش الأمير فانسحب منها الجيش الجزائري ليعيد حساباته وينظم صفوفه للمعارك القادمة.
في 1836م تمكن جيش الأمير من إلحاق هزيمة كبرى بفرنسا في معركة «التافنة» الشهيرة. بدأ الجيش يستنفد طاقاته العسكرية في ظل الإمدادات التي كانت تصل إلى الجيوش الفرنسية، وخيانة بعض القبائل التي أضحى شغلها الوحيد قطع المدد عن الجيش وتثبيط معنويات السكان في محاولات الالتحاق بجيش الأمير.
ولله در شاعر الثورة حين يقول متفاخرا بالأمير عبد القادر:
وحملت ماريان ما لا تطيق
وجرعت بيجو العذاب المريرا
ثمان وعشرا تخوض المنايا
وتجزي السرايا، وتبني المصيرا
وتدمغ بالعلم من جادلوك
فكنت الضليع وكانوا الحميرا
وكم رام إغراءك العابثون
فلم تك غمرا صبيا غريرا
وكم عاهدوك وكم أخلفوا
وكنت بما يضمرون بصيرا
وعبدت للشعب درب الفدا
وما خست مذ خطفوك أسيرا
ضاقت السبل بالأمير، ولم يكن أمام الأمير سوى قبول معاهدة التافنة في 30 مايو 1837م في ضوء معطيات خطيرة كانت تشير إلى إبادة جماعية لكل من يقف في وجه فرنسا. نصت المعاهدة بين الجنرال «بيجو» قائد القوات الفرنسية وبين الأمير عبد القادر على أحقية الحكم الذاتي لكل من فرنسا والأمير على الأقاليم الجزائرية، وممارسة الدين الإسلامي في أقاليم السيادة الفرنسية، والضرائب الواجب تسديدها على الأمير، وتنظيم عمليات اقتناء الأمير للبارود والكبريت من فرنسا، وممتلكات وتنقلات «الكول أوغلي»، وحرية التجارة بين فرنسا والجزائر، والتبادلات التجارية ...
وتم تعديلها بموجب اتفاقية مؤرخة في 4 يوليو 1838م.
2
نظرا لنكث العهود التي عرفت بها فرنسا، أعلن الأمير عبد القادر الحرب مجددا على فرنسا في 19 نوفمبر 1839م؛ حيث قام الجيش الجزائري بهجمات مختلفة منظمة على إقامة الجيوش الفرنسية في منطقة وادي علاق بالمتيجة وقتلوا جميع من فيها (108 جنود وضباط).
3
أعلن قائد الجيش الفرنسي «بيجو» خوض حرب الإبادة ضد الجزائريين. ونظرا لعنف المواجهة وقساوة الحصار، التجأ الأمير إلى المغرب الأقصى في أكتوبر 1843م، لكنه فوجئ بتسليمه سجينا من قبل سلطان المغرب مولاي عبد الرحمن إلى القوات الفرنسية، وفرض عليه قبول شروط «لاموريسيير» سنة 1847م.
سجن الأمير لمدة خمس سنوات بسجن «أمبواز» في فرنسا، ثم أطلق سراحه واستقر بدمشق إلى أن توفي - رحمه الله - يوم 24 مايو 1883م ودفن بها. عند استقلال الجزائر، نقل جثمانه بقرار من السيد رئيس الجمهورية الراحل هواري بومدين - رحمه الله - إلى مقبرة العالية يوم 5 يوليو 1966م.
4
من أفدح المجازر البشرية التي وقعت آنذاك في حق الشعب الجزائري مجزرة غار الظهرة بتاريخ 19 / 6 / 1845م، على بعد 80 كم من مدينة مستغانم؛ حيث أبيد أكثر من ألف ومائتين من السكان الجزائريين اختناقا بدخان الحرق على يد الكولونيل السفاح بيليسي بأمر من المارشال
Bugeaud ، عندما احتمى السكان بهذه المغارة ، ولم تكتشف هذه المغارة إلا في 19 / 6 / 2011م من قبل فريق بحث أكاديمي من جامعة مستغانم. (2) المقاومة الشعبية تخلط الحسابات الاستعمارية (2-1) ثورة الحاج أحمد باي
تزعم أحمد باي قيادة قسنطينة، واستطاع جمع شتات الجزائريين على كلمة واحدة تقضي بالثبات وصد العدوان الفرنسي. لقي دعما من أهالي قسنطينة رغم أنه كوروغليا وحاكم في الحقبة العثمانية. حققت الثورة الشعبية في الإقليم القسنطيني انتصارا في سيدي مبروك على الجيش الفرنسي سنة 1836م، فجهزت القوات الاستعمارية حملة عسكرية لإخضاع أحمد باي في 1 أكتوبر 1837م بقيادة الجنرال «دامريمون» ورئيس الأركان «بيريقو».
لم تكن معركة قسنطينة سهلة المنال بالنسبة للجيش الفرنسي؛ فلقد تمكن الجيش الجزائري من القضاء على الجنرالين المذكورين، وعدد من ضباط وجنود الرتل الفرنسي، استعمل فيه أحمد باي المدفعية المتطورة، ولولا خيانة فرحات بن سعيد، حسب تقدير العديد من المؤرخين، لما سقطت قسنطينة في يد فرنسا، ولما أجبر أحمد باي للانسحاب إلى الصحراء.
غزا لاموريسيير أحمد باشا
فقمنا بسيرتا نصون الحمى
وثرنا نقاوم: بيتا فبيتا
وشبرا فشبرا ونسبي الدمى
ولولا تخاذل بعض الكسالى الر
عاديد لم نفلت المجرما
أمضى الحاج أحمد باي عشر سنوات في ترحال دائم إلى أن استسلم للقوات الفرنسية في 5 يونيو 1848م، توفي - رحمه الله - بالجزائر العاصمة سنة 1850م، ودفن بزاوية سيدي عبد الرحمن.
للتمكن من التقرب من الأهالي وتتبع كل حركاتهم أقبلت فرنسا على إنشاء «المكاتب العربية» في محاولة منها لمد جسر يربط الجزائريين بالفرنسيين ويكسب مودة رؤساء العشائر والقبائل. ظاهر المشروع أن تقيم فرنسا جهازا إداريا يسمح بالترجمة، إلا أن حقيقة الأمر هو مد استعماري في كامل الأوساط الشعبية.
أسس المكاتب العربية النقيب «لاموريسيير» سنة 1833م، ثم طورها بيجو
Bugeaud
سنة 1844م.
5
أعطيت لهذه المكاتب سلطة التسيير المحلي وجمع الضرائب، وإحصاء السكان والأراضي، وجمع البيانات ذات الطابع الأمني والإشراف على تنفيذ الأحكام القضائية. تفاقم الوضع الأمني والاجتماعي جراء توافد المعمرين، وسيطرة الجيش الفرنسي على السكان، واعتقال وتصفية كل رافض للوضع الاستعماري، وظهرت ثورات شعبية أخرى في نواح مختلفة من الجزائر، نوردها باختصار: (2-2) ثورة أولاد سيدي الشيخ
قام بها الأعلى بن بوبكر بن حمزة:
بنو سيدي الشيخ قادوا النضالا
فهزوا الثرى وأذابوا الجبالا
سليمان حمزة آلى يمينا
فبر وأصلى المغير الوبالا
سلوا بوبريت العقيد المسجى
وحمزة يغرس فيه النبالا
ويستل من صدره روحه
بيمناه يبكي عليه الثكالى
ووهران تصرخ فيها الدماء
بساح الفدا تستفز الرجالا
قاد سليمان بن حمزة معركة ضد جيش العقيد بوبريتر
Beauprêtre ، فهزمه ويروى أن القائد حمزة هو من قتله بنفسه. (2-3) ثورة محمد بن تومي شوشة
مؤسس حركة التوارق بالصحراء، تعاون مع ثورة أولاد سيدي الشيخ في الجنوب، في 5 مارس 1871م هاجم حامية ورقلة فهزمها، وعين عليها بن ناصر بن شهرة. في 13 مايو 1871م هاجم توقرت، وانتصر على قوات المحتل بها. اعتقل في معركة مارس 1847م، حوكم وصدر في حقه حكم بالإعدام ونفذ فيه - رحمه الله - بتاريخ 29 يونيو 1875م بقسنطينة.
وصحراؤنا وابن شهرة فيها
يهيل على الغاصبين الرمالا
وجيش أبي شوشة المستميت
بصحرائنا ينسف الإحتلالا (2-4) ثورة الزعاطشة
بقيادة عبد الرحمن بن زيان سنة 1846م بمنطقة بسكرة.
وهب الزعاطشة الثائرون
فهب لنصرتهم كل ثائر
تحدى ابن زيان سخف اللئام
فمات الشهيد فداء الجزائر
وهل يخفض ابن الجزائر هاما
ويحني جبينا أمام الصراصر؟
لتشهد بسكرة إصرارنا
وصدق ندانا أمام المجازر
وترو النخيل لعقبة عنا
وتحك الرمال صمود القساور (2-5) ثورة محمد الأمجد بن عبد الملك
ابتدأت ثورة محمد الأمجد بن عبد الملك، المعروف بالشريف «بوبغلة» سنة 1267ه:
ويذكر أبو معزة للجبال
صراع أبي بغلة في المغاور
وتحفظ سطيف لأبطالها
وأبطال سرتا جليل المفاخر
ودام الصراع ولم تخب يوما
شعاليله في القرى والحواضر
وكانوا البغاة فكنا المنايا
وكانوا البغاث فكنا الكواسر (2-6) انتفاضة أولاد عيدون بالمليلية
وقعت بداية من 15 فبراير 1871م في شمال قسنطينة. (2-7) ثورة لالة فاطمة نسومر
لما اعتقل الحاج عمر شيخ الزاوية الرحمانية ونفي إلى تونس، قادت زوجته «لالة فاطمة» الحركة بنفسها، وهي بنت الشيخ علي بن عيسى الخليفة الأول لمؤسس الزاوية الرحمانية.
6
وتذكر ثورتنا العارمه
بطولات، سيدتي فاطمه
يفجر بركانها جرجرا
فترجف باريس والعاصمه
وخلد باسم أمها ذكره
فزكى قداسته الدائمه
وفاضت دماء بني راتن
تفدي قراراته الحاسمه
نسومر مذ نسبوك لتاكلا
رفضت التواكل يا فاطمه
وألهبت نارا تذيب الثلوج
وتعصف بالفئة الظالمه
وجند يباع ويشترى كما
تباع وتستأجر السائمه
وأرعفت راندون في كبره
ودست على أنفه الراغمه
وصعرت للجنرالات خدا
فخابت نواياهم الآثمه
أتنسى الجزائر حواءها
وأمجادها لم تزل قائمه؟
استمرت ثورتها حتى 20 ذي القعدة 1273ه/1857م. (2-8) ثورة المقراني والشيخ محمد أمزيان الحداد وبومرزاق
هاجم المقراني القوات الفرنسية المعتصمة ببرج بوعريرج في 16 مارس 1871م، واشترك المقراني والشيخ الحداد في معركة جبل تفارطاست في 12 أبريل 1871م.
وصوت ابن حداد دوى دويا
ينادي: البدار، ويدعو: القتالا
ومن آل مقران في الشاهقات
نسور بواشق تهوى النزالا
في 5 مايو 1871م أثناء خوضه لمعركة بسور الغزلان ضد الكولونيل «تروملي»، هاجمه جنود الزواف فاستشهد رفقة ثلاثة من رفقائه، ثم دفن في قلعة بني عباس.
خاض بعده الشيخ الحداد المقاومة في منطقة القبائل إلى أن اعتقلته القوات الفرنسية بداية يوليو 1871م بقيادة الجنرال «لالمان». في 8 أكتوبر 1871م خاض بومرزاق معركة ضد الجيش الفرنسي بقيادة الجنرال «سوسي» في ناحية بجاية، وانهزم فيها بعد مقاومة عظيمة.
وقال بومرزاق حان الجهاد
فحقق بالمعجزات المحالا
توجه إلى ورقلة للانضمام إلى بوشوشة وابن شهرة، غير أنه تاه وألقي القبض عليه في 20 يناير 1872م بواحة الرويسات، واقتيد بعدها إلى سجن كاليدونيا الجديدة وبقي هناك 30 سنة، ثم توفي بها.
7
شمل النفي إلى كاليدونيا 140 جزائريا في قضية استبدال الأحكام القضائية الصادرة عن محكمة الجنايات بقسنطينة في 19 رجب 1289ه/1872م القاضية بالإعدام في حق بومرزاق والسجن للبقية.
8
فيا آل مقران أسد الكفاح
ونبع الندى، والهدى والصلاح
نهدتم تشقون درب الخلود
فعبدتموا نهجه بالسلاح
وحداد في السوق ألقى عصاه
وأعلنها في الذرى والبطاح
كمثل عصاي ... سألقي الفرنسي
س في البحر، أركلهم بالرماح
سلام لمقران يمضي شهيدا
بسوفلات رمز الفدا والكفاح
ولابن الثمانين يغدو أسيرا
وما كبل القيد فيه الطماح
ومرحى لمالك يطغى بشرشا
ل بركانه بالأماني الفساح
انتفاضات أخرى: الحسين بن أحمد الملقب بمولاي الشقفة، يحيى بن محمد، أولاد بن عاشور ... (2-9) ثورة الشيخ بوعمامة
الشيخ بوعمامة بن العربي بن التاج من قبيلة أولاد سيدي الشيخ التي ثارت على الاستعمار. تمكن رجال المقاومة في 22 أبريل 1881م من إلحاق هزيمة بالقائد الفرنسي «واينبرينار» وبعدها انتصروا على بعثة الكولونيل «فلاتير». توفي - رحمه الله - في 7 أكتوبر 1908م.
فردد رجع صداه أبو
عمامة يدني حظوظ النجاح (2-10) ثورة الشيخ آمود
شيخ قبائل التوارق:
وهقار تزهو بآمودها
يذود عن الشرف المستباح (3) حملات التمسيح ... الفشل في استمالة الجزائريين
يظهر جليا أمر الروح الصليبية في احتلال الجزائر في أول تصريح لوزير الحربية الفرنسي (كلير مونت طونير)، حينما أعلن أمام مجلس الوزراء طالبا من لويس العاشر في 14 أكتوبر 1827م غزو الجزائر عقب حادثة المروحة: «إن العناية الإلهية تستثأر جلالتكم للانتقام لقنصلكم (يقصد القنصل دوفال) من أعتى أعداء المسيحية (أي الداي حسين)؛ لذلك سيدي فإن العناية تدعو لأغراض خاصة ابن سان لويس (شارل العاشر) للانتقام في نفس الوقت للدين وللإنسانية، ومن سباب الداي ... وسوف نكون سعداء بمرور الزمن عندما نحضر الجزائريين بتصييرهم مسيحيين، وإن كان هذا الاعتبار غير كاف للقيام بحرب فإنه سيكون على الأقل سببا للسير بثقة أكبر إلى النصر الذي تحضره العناية الإلهية لنا ... إنني أتوسل إلى جلالتكم باسم أغلى مصالح الوطن ... أن تعزموا على الانتقام للمسيحية وللسباب الذي تعرضتم له.»
9
عند الغزو الفرنسي، اصطحب دي بورمون 16 قسيسا وعلق الصليب في أعلى بناية في القصبة بتاريخ 6 يوليو 1830م، وأقيمت فيه الطقوس الدينية المسيحية في حفل كبير، بدأت في حينها عملية بناء الكنائس وتحويل المساجد إلى كنائس، واستقبال المبشرين المسيحيين على أرض الجزائر. قام كلوزي الذي خلف دي بورمون بطلب مسجد من بلدية الجزائر لكي يحول إلى مسرح، كما قام بتهديم ثلاثة مساجد، وصدر عنه قرار الاستيلاء على الأملاك الوقفية لمكة المكرمة والمدينة المنورة.
استمرت مظاهر التنصير وتدنيس مقدسات المسلمين، وشيدت كنيسة نوتردام الإفريقية سنة 1858م، وحول جامع كتشاوة الذي بني في العهد العثماني سنة 1021ه/1612م إلى كاتيدرائية؛ حيث قام الجنرال الدوق دو روفيغو قائد الحملة الفرنسية، عند قرار التحويل، بنصب الصليب، ورفع علم فرنسا المحتلة، وإحراق المصاحف الموجودة به في ساحة الشهداء.
بعد الإعلان عن تحويله إلى كنيسة «سانت فيليب»، أقام المصلون احتجاجا، قوبل بمجزرة رهيبة، ذهب ضحيتها المئات من الشهداء، سميت من يومها ساحة المجزرة ب «ساحة الشهداء» تخليدا لذكراهم. صلى المسيحيون فيه أول صلاة مسيحية ليلة عيد الميلاد 24 ديسمبر 1832م، فتوافدت الهدايا والتبريكات من ملوك المسيحية وقديسيها. وفي تاريخ 4 / 11 / 1840م حول كذلك مسجد البليدة إلى كنيسة، واتسعت رقعة التمسيح إلى المضايقات التي سلطت على الزوايا والمرافق الدينية الجزائرية. في إحدى حملات بيجو
Bugeaud
الهمجية على مدينة بوفاريك، اعتقل 250 طفلا وقدمهم إلى «الأب» برومو قائلا: «إنهم يتامى لقطوا في ساحة الوغى، ربوهم واجعلوهم مسيحيين.»
10
كما أن نشاط المسيحيين من أمثال دي فوكو كان كثيفا وموجها خاصة إلى سكان الصحراء. في رده على وفد المؤتمر الإسلامي الثاني الموفد إلى باريس، صرح رئيس الحكومة الفرنسي دلادييه
Daladier
بقوله: «ليس في إمكان فرنسا أن تمنح شعبكم حقوق المساواة مع الشعب الفرنسي ما دمتم متمسكين بشريعتكم الإسلامية، وأعلمكم أن فرنسا لا تزال قوية، وأن مدافعها لا تزل طويلة المدى ...»
11
لقد أبان القرآن الكريم عن تلك الكراهية الدفينة المعادية لرسالة محمد
صلى الله عليه وسلم
في قوله تعالى:
ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير (سورة البقرة، الآية: 120).
يقول مفدي زكريا في الإلياذة:
وجامع كتشاوة المستعاد
أما انفك رمزا لأجيالنا
يناجيه في النيل أزهارنا
فيستنجدون بأسلافنا
دبورمون هل دام حقد الصليب؟
أنال قريقوار من بأسنا؟
وهل فت فيليب في عزمنا؟
وحط القساوس من شأننا؟
وهل نابليون ومن وسمته
يداه، استهان بإصرارنا؟ «استغل رجال الدين المسيحي المجاعة والأوبئة التي وقعت بين 1867م و1868م والتي راح ضحيتها نصف مليون جزائري، نتيجة قلة الأمطار، وفساد المحصول وهجوم الجراد، وصحب تلك المجاعة حدوث زلزال، ثم وباء الكوليرا والتيفوس، ونجحوا في جمع عدد من هؤلاء الأطفال الجزائريين في أديرتهم، ثم منحوهم مساحات صغيرة من أراضي وادي الشلف، وهذا أصل فرقة الآباء البيض الجزائريين التي كونها المنسيير لافيجري
Lavigerie .»
12
وهل لافيجري وطول السنين اس
تطاعا المروق بأطفالنا
الفصل الثالث
الحركة الوطنية الجزائرية
في عام 1881م أنشأت فرنسا نظام «الإنديجينا» الذي يحدد القوانين السارية المفعول على السكان الجزائريين. تقرر تعيين متصرف إداري
Administrateur
لضبط تنفيذ هذا النظام.
حركة محمد البدوي
سلوا ساحة الشهداء أما
بها قرر البدوي المآل؟
ودوى بشرشال صوت النفير
وإن كان يبدو بعيد المنال
بالرغم من الإغراءات للحصول على الجنسية الفرنسية، فإن معظم الشعب الجزائري رفض هذا التجنس، وفضلوا حياة القهر بالجنسية الجزائرية على حياة الرفاهية في ظل الجنسية الفرنسية.
وهذا ما أكده الحاكم العام الفرنسي «فيوليت» في إحصاء قدمه بين 1919م و1925م بأنه لم يتقدم لطلب الجنسية إلا 641 فردا.
1 (1) النضال السياسي والإصلاحي
في خضم تعتيم وقهر الجزائريين، نهض تيار سياسي من المتعلمين في المدارس الفرنسية وتشكلوا في حركة «الشبان الجزائريين» للمطالبة بحق التمثيل والاعتراف بالشخصية الجزائرية، وشكلوا سنة 1904م جريدة «المشعل». اتخذت النخبة الجزائرية موقفا إزاء قانون التجنيد الإجباري الصادر في 1908م والمطالبة بإلغاء قانون الإنديجينا.
في سنة 1913م ضم قادة حركة «الشبان الجزائريين» بقيادة الشريف بن حبيلس جهودهم إلى الأمير خالد ابن الهاشمي - حفيد الأمير عبد القادر - لتصعيد احتجاجاتهم المطالبة بالحقوق الكاملة لكل الجزائريين، وحق التمثيل في البرلمان الفرنسي.
وراود صدق الضمير الأمير
فقام يلاحق طيف الخيال
ويعدو ب «فرساي» خلف الوعود
يناشد «ولسون» فرض المحال
في سنة 1917م، شارك الأمير خالد في مؤتمر رابطة حقوق الإنسان الذي نظم بفرنسا من قبل بعض المثقفين الجزائريين والتونسيين. لم يدم نضاله السياسي طويلا بسبب العراقيل التي وضعتها الإدارة الفرنسية أمامه، ثم الانتقال إلى مرحلة تزوير الانتخابات المحلية التي فاز بها سنة 1922م. كان هذا العامل الأساسي الذي أدرك فيه الأمير خالد أن فرنسا ليست راعية عهود، وأن الاندماج سياسة ماكرة وخاطئة، ليست سبيلا لحصول الجزائريين على حقوقهم المشروعة، وأن الركود وراء تصريحات الرئيس الأمريكي «ولسون » في تقرير المصير سراب؛ بل وهم لم يكن ليتحقق في ضوء التكتلات الغربية. رغم ذلك، نجد شاعر الثورة مفدي زكريا يرتب نضال الأمير خالد ضمن التجارب السياسة الممكنة للتعامل مع الاستعمار دون أن يبخس حقه في جهده من أجل حصول الجزائريين على حقوقهم.
تجاريب خالد مهما تكن
فلم نك نغمط قدر الرجال
قرر الأمير خالد ترك النضال السياسي الذي طالما نادى به وانسحب من الحياة السياسية. استقر بسوريا، وعاش بها إلى أن توفي - رحمه الله - في 9 يناير 1936م، ودفن بها.
فرضت فرنسا سياسة التمييز العنصري، وبدأت تظهر نتائج تطبيق قانون الإنديجينا على الشعب الجزائري في صور انتشار الفقر وعموم الجهل، وتفشي الأمراض المعدية. فضل الكثير من الجزائريين الهجرة إلى الخارج. لم تفتر نار الاحتلال على الشعب الجزائري رغم دور شبانه الذين جندوا قهرا في صفوف الجيوش الفرنسية خلال الحرب العالمية الأولى في إطار ما يسمى بالتجنيد الإجباري. (1-1) الذكرى المئوية للاحتلال
قررت السلطات الاستعمارية الاحتفال بمرور قرن من الزمان لاحتلال الجزائر، فجهزت لذلك عدة وعتادا، وحظرت وفودا أجنبية أخرى، وأرغم الشعب الجزائري إرغاما على المشاركة في تمويلها.
جزى الله عنا الشدائد خيرا
وذكرى احتلال الجزائر شكرا
وإن ننس ... هلا نسينا الجراح
وما تزال الجراحات حمرآ
وإن آلمونا بمائة عام
حفلنا بعيد الجزائر دهرا
وإن رقصوا فوق أشلائنا
وأحيوا على مذبح الشعب ذكرى
رقصنا على نغمات الرصاص
ورحنا نبث المقادير سرا
كانت الحركة الإصلاحية نشيطة في مواجهة تيار التغريب بقيادة زعماء جزائريين استطاعوا باندماجهم في الحركة الفكرية العربية المنتشرة في بلاد المشرق أن يؤسسوا لنهضة فكرية شاملة، ولعل أبرز مناصر للقضية الجزائرية من زعماء الإصلاح السياسي الأمير شكيب أرسلان.
يقول مفدي زكريا:
وصوت شكيب يهز الدنا
فترجف منه النفوس السقيمة
تتلمذ الأمير على يد الشيخ محمد عبده سنة 1886م. كان على علاقة بعائلة الأمير عبد القادر بسوريا. تحدث عن الأمير في كتابه «حاضر العالم الإسلامي»، كان نائبا عن حوران في المجلس العثماني ببرلمان اسطنبول. وفي اضطهاد جمال باشا لبعض زعماء العرب، علق أرسلان أن جمال باشا لم يرع حرمة جهاد والد الأمير علي - أي الأمير عبد القادر - وتشفع في الأمير عمر ابن الأمير عبد القادر فلم يصغ إليه وحكم بشنقه. وقال عن الأمير خالد إنه «على رأس الحركة الوطنية الحاضرة في الجزائر» وكان أرسلان على صلة بالأستاذ توفيق المدني منذ 1923م.
أنشأ جريدة «الأمة العربية» باللغة الفرنسية في جنيف في مارس 1930م، وكان على علاقة وطيدة بين الشيخ عبد الحميد بن باديس والطيب العقبي والحاج بنونة وسعيد الزاهري ومصالي الحاج، وكان يناضل من أجل الوحدة العربية.
2
الشيخ أحمد سحنون - رحمه الله - أول من أبن شكيب أرسلان، وذكر نضاله من أجل العروبة والإسلام ومساهمته في القضية الوطنية.
3
أقيم حفل تأبين في ذكرى وفاة أرسلان بنادي الترقي سنة 1947م، وحضر المناسبة الأستاذ محمد الحسن فضلاء - رحمه الله.
4
لم يتوقف النضال السياسي بفشل الأمير خالد، ولم تتلاشى سياسة الاندماج من مخيلة الجزائريين. حرك خيوط فكرة الاندماج، هذه المرة، بن جلول، ولكن سرعان ما تصدى له حزب «نجم شمال إفريقيا» وقرر عزله سنة 1936م.
لئن مج صوت السيوف الصقال
وأغفى صرير الرماح العوالي
فحرب اليراع أعاد الصراع
يقود سراياه نجم الشمال
بأرض فرنسا يدك فرنسا
وينذر ساستها بالوبال
أخذ النضال السياسي بعدا آخر في التعامل مع الوضع الاستعماري. وكان للإبداع الفني دور هام في رفع الهمة للجزائريين من خلال نظم أول نشيد وطني للجزائر، نظمه بكل اعتزاز شاعر الثورة مفدي زكريا في 17 نوفمبر 1936م عندما كان مناضلا في «نجم شمال إفريقيا» ومطلعه «فداء الجزائر، روحي ومالي.»
وقال الألى: ناصروا حزبنا
سنقضي على لعنة الاحتلال
وقال الذي خلدوا شعره
فداء الجزائر روحي ومالي
أخذ «حزب الشعب الجزائري» بعد ذلك، بزعامة مصالي الحاج، زمام الريادة والقيادة ووقف ضد مشروع «بلوم فيوليت» المنادي بالاندماج:
إذا ما فيوليت ضلل قوما
وغر ضعاف العقول وأغرى
وخدر قوما بمؤتمرات
فظنت سراب المتاهات نهرا
فللشعب حزب يصون المبادئ
وشعب الجزائر بالناس أدرى (1-2) جمعية العلماء المسلمين
جمعية جزائرية أخذت على عاتقها إصلاح الأمة، والتفكير في الخروج من مأزق الاستعمار الذي بات يقوض أركان الشعب الجزائري، ويهدم مقوماته ومقدساته. ترأسها الشيخ عبد الحميد بن باديس، وقاد حركتها الإصلاحية، واتخذت الجمعية الشيخ البشير الإبراهيمي نائبا له.
ولد الشيخ عبد الحميد بن باديس سنة 1889م بقسنطينة، تتلمذ على يد الشيخ حمدان الونيسي والتحق بجامعة الزيتونة. أصدرت الجمعية أول جريدة (المنقذ) في 2 يوليو 1925م، صودرت من قبل السلطات الاستعمارية بدعوى المساس بأمن فرنسا وإثارة الفوضى. كانت المصادرة تلاحق كل جريدة لها طابع إصلاحي، ومن ذلك جريدة «السنة» و«الشريعة المطهرة» و«الصراط».
تأسست جمعية العلماء المسلمين في 5 مايو 1931م بالجزائر العاصمة، استقطبت جهود العديد من علماء ومفكري الجزائر، فازدادت قوة إلى قوتها، وكان من بين أعضائها المؤسسين: الشيخ المبارك الميلي (أمين المال)، والشيخ إبراهيم بيوض (نائب أمين المال)، والطيب العقبي (أمين عام مساعد)، والشيخ الأمين العمودي (أمين عام)، والأستاذ أحمد توفيق المدني. ونورد على سبيل الذكر لا الحصر بعض رسائل الشيخ مبارك الميلي إلى الأستاذ توفيق المدني؛ لنستشف درجة التمسك بالوطنية والحرص على حماية مقوماتها.
5
أصدرت جمعية العلماء جريد «الشهاب»، ثم «الدفاع» في «البصائر»، وحاصرت سلطات الاحتلال الفرنسي نشاط الجمعية بدعوى التخفي وراء الدين من أجل مقاصد سياسية، وبث العداوة لفرنسا، والتحريض والتخابر مع قوى أجنبية، كانت إشادة الإلياذة بها في المقطع 44:
وفي الدار جمعية العلماء
تغذي العقول بوحي السماء
وتهدي النفوس الصراط السوي
وتغرس فيها معاني الإباء
تواكب نجم الشمال اندفاعا
وتغمر أكوانه بالسناء
ويعضد باديس فيها البشير
فتزخر بالخلص الأصفياء
وتغزو الضلالات في التائهين
مع الوهم في موكب الأغبياء
وترسي جذور الأصالة في الشع
ب تمحو بها وصمة الدخلاء
وتبني المدارس عرض البلاد
فيعلي ابن باديس صرح البناء
طلب الشيخ عبد الحميد بن باديس بتاريخ 25 يونيو 1937م في رسالة إلى شيخ الأزهر مصطفى المراغي يطلب فيها منه قبول وفد جمعية العلماء المسلمين للتكوين في الأزهر.
6
توفي الشيخ عبد الحميد بن باديس - رحمه الله - في 16 أبريل 1940م، واتخذت الجزائر من ذكرى وفاته محطة تاريخية لتثمين العلم وترقية المعارف والعلوم.
وختم مفدي زكريا المقطع ب:
كذا عبد العلماء الثنايا
بوحي السماء، ووحي الدماء
لم يقتصر نشاط جمعية العلماء على الجانب الدعوي والإصلاحي؛ بل تمدد إلى غاية النضال السياسي في خطوة منها لتكامل الجانبين، وأن كليهما يكمل الآخر، ومن ذلك استنكار الجمعية لقانون التجنس ومقاطعة البضائع اليهودية.
انعقد بالجزائر العاصمة مؤتمر يوم 7 يونيو 1936م، خرج بجملة من التوصيات والمطالب تمحورت جلها حول وجوب إلغاء القوانين الاستثنائية والولاية العامة، كما طالبت السلطات الاستعمارية بالحفاظ على الدين الإسلامي باعتباره مرجعا لا بديل عنه للجزائريين، وضمان حرية تعليم اللغة العربية، وتعميم التعليم لكل شرائح المجتمع الجزائري، كما رفع المؤتمر مطلبا يضمن تمثيل الجزائريين في البرلمان الفرنسي ... انتقل وفد عن المؤتمر برئاسة بن جلول إلى باريس، ورفعت المطالب إلى رئيس الحكومة الفرنسية «ليون بلوم» يوم 23 يوليو 1936م،
7
كانت تلك المطالب سرابا يحسبه الظمآن ماء، وصدق مفدي زكريا إذ يقول:
وخدر قوما بمؤتمرات
فظنت سراب المتاهات نهرا
فللشعب حزب يصون المبادئ
وشعب الجزائر بالناس أدرى
سبق انتقال وفد المؤتمر إلى باريس، بأيام قليلة تصريح مصالي الحاج خلال تجمع شعبي بالملعب البلدي للجزائر بتاريخ 14 يوليو 1936م:
ويوليوز والملعب البلدي
وأحمد يعلن فيه الأذان
ويصعق فيه بصوت جديد
فيصعق منه العتل الجبان
كانت الإدارة الاستعمارية وراء اغتيال مفتي الجزائر «كحول» في شهر أغسطس من سنة 1936م، وألصقت التهمة في عقب الشيخ الطيب العقبي بحكم انتمائه إلى جمعية العلماء المسلمين، وسوقت فرنسا لدعوى العداوة التي كانت بين المفتي والجمعية بهدف اعتقال الشيخ الطيب العقبي، وتصدع وحدة الصف الوطني. واعتبر مصالي أن هذا الاغتيال سذاجة من الجمعية، وقد تنسف ب «إنجازات النضال السياسي».
ولاذت فرنسا بأصنامها
تحاول بالدس كسب الرهان
فتغتال كحول تلقي دماه
على الطيب الواسع الصولجان
لئن خاننا الدهر في طيب
وأصغى مصالي لغدر الزمان
فلن يجحد الفضل تاريخنا
وهذي الدنا للرجال امتحان
انعقد مرة أخرى مؤتمر كذلك في 7 يوليو 1937م لكنه لم يحقق أي نتيجة.
بدأت فكرة إنشاء دولة مستقلة بعيدة عن أي طرح إدماجي تراود التيار الوطني. قال فرحات عباس لمصالي الحاج: «لقد كنت ضدك، أدافع بحرارة عن الاندماج ووقفت ضدك، لقد أثبتت الأحداث أنك كنت على صواب، وكنت أنا على خطأ، اليوم أعترف لك بأنني سأتبع خطاك.»
8
اعتبر الحاكم العام «كاترو» فكرة استقلال الجزائر إهانة لفرنسا، وقال: إن الجزائر «جزء لا يتجزأ عن فرنسا، وأنه لا يقبل أن تكون النقاط المقترحة من طرف الجزائريين قواعد للعمل والتفاوض.» وكان جوابه على موقف فرحات عباس والسائح عبد القادر اللذين قاطعا رفقة زملائهما مداولات المجلس المالي، استصدار أمر القبض عليهما بتهمة العصيان والتحريض.
أفاق من الوهم حزب البيان
فأسلم للمخلصين العنان
وزايله الشك في أصله
فمدت لحزب البيان اليدان
وأوحى اندماج فرنسا اندماجا
لحزبين مرماهما توأمان
فبارك باديس جمع الصفوف
ودشن باديس عهد الأمان
فور إفراج السلطات الاستعمارية عن فرحات عباس في ديسمبر 1943م، التحق مجددا بالنضال السياسي وأنشأ حركة «أصدقاء البيان والحرية» في 14 مارس 1944م، ضمت كلا من جمعية العلماء المسلمين، والحزب الشيوعي الجزائري، وحزب الشعب، ولاحت في الأفق بوادر مطالبة بإنشاء حكومة مؤقتة، وتحرير دستور جزائري، وإلغاء نظام الاستعمار، وإنشاء نقد وطني جزائري.
كان الظرف الذي ساد الحكم الفرنسي آنذاك مساعدا لطرح بدائل في صالح الجزائريين، اهتدى «البيان» فيها إلى كسب مودة فرنسا واستعطافها السعي لمساعدة الجزائريين للقوات الفرنسية في حربها ضد الألمان. (1-3) مجازر الثامن مايو 1945م
انتصر الحلفاء فخرج الشعب الجزائري عن بكرة أبيه مبتهجا بالنصر الذي اعتقد فيه وفاء فرنسا بوعدها في حصول الجزائر على استقلالها، لكن كانت الفاجعة أكبر مما تصور العالم؛ مجازر رهيبة لم يسبق للبشرية أن شهدتها، جرت بداية من 8 مايو 1945م، تحولت فيها المسيرات السلمية إلى مجزرة بكل مقاييس الجبن والحماقة في حق الشعب الجزائري، استشهد فيها 45 ألفا من الجزائريين، ثم حلت على إثرها كل الأحزاب السياسية، وألقت القبض على الزعماء السياسيين.
ولم ننس في أربعين وخمس
ضحايا المذابح في يوم نحس
طربنا مع الحلفاء اغترارا
وقمنا نصفق في غير عرس
فكانوا مع الغدر عونا علينا
ودرسا لقادتنا أي درس
وكانت مجازرهم بسطيف
وقالمة للشعب، دقات جرس
بات يقينا بعد هذه المجاز أنه لم يعد للمراوغات السياسية سبيل يخلص هذا الشعب من قيد الاستعمار، وأن كل نضالها السياسي لم يعد إلا وهما وحلما.
وكانت تلاحق أقلامنا
سراب الضياع فباءت ببخس
وكانت تكافح أحزابنا
مع الوهم، بين صراخ وهمس
فعطل صوت الرصاص اللغى
وأنطق ألسنة غير خرس
فقامت تعبد أكبادنا
طريق التخلص من كل رجس
اعتقل الشيخ البشير الإبراهيمي عقب المجزرة، ثم أطلق سراحه بموجب عفو عام.
استمرت جمعية العلماء في نشاطها بنضال ومؤازرة من الأستاذ الفضيل الورتلاني، والشيخ العربي التبسي، والشيخ محمد خير الدين، والأستاذ أحمد توفيق المدني. (2) العمل المسلح ... التنظيم، الانطلاقة ثم التفاوض
في 15 فبراير 1947م خلال المؤتمر الأول لحركة انتصار الحريات الديمقراطية، تقرر تكوين «المنظمة الخاصة»، وهي منظمة شبه عسكرية بقيادة محمد بلوزداد أوكلت لها مهام جلب الأسلحة والتحضير للعمل المسلح، شارك فيها كل من السادة: حسين آيت أحمد، بلحاج جيلالي، أحمد بن بلة، محمد بوضياف، رجمي الجيلالي، أحمد محساس، محمد ماروك.
9
وما الانتصار دخول انتخاب
وضرب الموائد، ضربا شديدا
ولا كلمات على جدران
هل الحبر في الحرب كان مفيدا؟
ولا بالهتافات عاش ويحيى
فما حرر القول يوما عبيدا
ولا بالوفود ... وسمع فرنسا
أهال عليه الغرور الصديدا
ولن يغسل العار إلا الدما
وعاش الحديد ... يفل الحديدا
كان تأسيس المنظمة الخاصة نهاية حتمية لأي حسم عن طريق الخطابات والتنديدات والانتخابات، وبداية لعهد جديد لا يفلح فيه إلا النفير والدخول في ثورة عارمة ضد المستعمر الغاشم. غير أن انكشاف هذا التنظيم سنة 1949م بالمنطقة الشرقية من البلاد، أدى إلى تقييد العمل المسلح، ووضع كل الناشطين تحت الرقابة البوليسية.
وطالت خرافات حرب الكلام
وما بلغ الشعب فيه المرام
فآمن بالنار من عرفوها
ومن كاشفتهم بسر النظام
إلى أربعين وتسع سلامي
وقد بلغ الشعب فيها الفطام
فكانت شرارة حرب الخلاص
وإن أخفتوها بلغو الكلام
أشاد مفدي زكريا في الإلياذة بذلك الرعيل الأول من المجاهدين والمناضلين في الأحزاب السياسية والشهداء، في التفاتة طيبة مباركة لتضحياتهم الجسام في سبيل إنهاء الاحتلال ونيتهم للحصول على الاستقلال، وذكر منهم: عمر عيمش، أرزقي كحال، رابح موساوي، إبراهيم غرافة، حسين عسلة، محمد طالب، محمد دوار ...
رعى الله عيمش في الخالدين
وكحال في السابقين الكرام
ورابح تعبق أنفاسه
وغرافة الوطني الهمام
وعسلة يندبه طالب
فيلحقه بعد مر السقام
ودوار يستقبل الشهداء
ومن أخلصوا للوفاء والذمام
هم الثائرون الألى ولدوا
نوفمبر من صلبهم فاستقام
متى نزلت ثورة من سماء
نزول المسيح عليه السلام؟
بعد وفاة محمد بلوزداد - رحمه الله - في 14 يناير 1952م خلفه السيد حسين آيت أحمد. ولتفادي عزلة العمل الثوري على العالم، قام زعماء المنظمة بتأسيس مكاتب اتصال بالقاهرة وتونس وبغداد والرياض؛ لإيجاد متنفس تتفادى به الثورة خطر الاختناق.
بغية إسماع صوت الجزائر في الأمم المتحدة قام الشيخ البشير الإبراهيمي بزيارة إلى محمد فاضل الجمالي في سنة 1951م عندما كان شاغلا لمنصب نائب رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة. كان هدف الإبراهيمي وضع القضية الجزائرية في جدول أعمال منظمة الأمم المتحدة، ولم يكن بيان جمعية العلماء المسلمين إلى الجامعة العربية في 6 يناير 1954م إلا قيمة مضافة لحصول الجزائر على مساندة تقيها خطورة العزلة. (2-1) التحضير لاندلاع الثورة
شهدت الساحة السياسية بين المناضلين انشقاقا بين المركزيين والثوريين لحركة الانتصار للحريات الديمقراطية، أسفرت في بادرة للم الصفوف عن إنشاء «اللجنة الثورية للحرية والعمل» في شهر مارس 1954م. وفي 25 يونيو 1954م، اجتمع الأعضاء ال 22 من المناضلين الذين آلوا على أنفسهم عناء الثورة المسلحة. (2-2) المنظمون الرئيسيون
ديدوش مراد، والعربي بن مهيدي، ومحمد بوضياف، ومصطفى بن بولعيد، ورابح بيطاط. (2-3) الممثلون لمنطقة العاصمة
محمد مرزوقي، وعثمان بلوزداد، والزبير بوعجاج، وغلياس دريش. (2-4) الممثلون لمنطقة البليدة
سويداني بوجمعة، وأحمد بوشعيب. (2-5) الممثلون لمنطقة وهران
عبد الحفيظ بوصوف، ورمضان بن عبد المالك. (2-6) الممثلون لمنطقة قسنطينة
زيغود يوسف، ولخضر بن طوبال، ومحمد مشاطي، وعبد السلام حباشي، وعبد القادر العمودي، ورشيد ملاح، والسعيد بوعلي، وعمار بن عودة، ومختار باجي.
انتخب محمد بوضياف مسئولا وطنيا، وخلصت المشاورات بين أعضاء لجنة ال 22 وبين كريم بلقاسم إلى ضرورة تضافر الجهود، وتوحيد العمل المسلح وتنظيمه عبر كامل التراب الوطني، وتقرر إلغاء كل الأحزاب والتكتلات الوطنية، والانضواء تحت «جبهة التحرير الوطني» الناطقة الوحيدة والرسمية باسم الشعب الجزائري، وتسمية المنظمة العسكرية ب «جيش التحرير الوطني».
جمعنا لحرب الخلاص شتاتا
سلكنا به المنهج المستبينا
تقرر أيضا تحديد تاريخ انطلاق الثورة التحريرية في الفاتح من شهر نوفمبر، وتوزيع المهام عبر مناطق الوطن، ولتفادي تداخل الصلاحيات، أعطيت أولوية الداخل على الخارج والعمل السياسي على العسكري في اتخاذ القرارات السيادية. أذيع بيان أول نوفمبر عبر أمواج «صوت العرب» من القاهرة.
ضبط الأستاذ أحمد توفيق المدني لقاء مع الشيخ عمر دردوز
10
في أكتوبر 1954م، تم التحضير فيه لاجتماع المجلس الإداري لجمعية العلماء المسلمين، وعليه تم الإعلان عن مساندة الجمعية لاندلاع ثورة التحرير تحت قيادة جبهة التحرير الوطني، ودعوة كل الجزائريين للمشاركة فيها، كان يومها الشيخ البشير الإبراهيمي في القاهرة، فقام بمعية الفضيل الورتلاني بإصدار بيان للشعب الجزائري حث فيه الشعب الجزائري للانضمام إلى الثورة، استمر الوضع متأزما إلى أن قامت ثورة أول نوفمبر 1954م وفق القواعد والمبادئ المنصوص عليها في بيان أول نوفمبر.
11
تأذن ربك ليلة قدر
وألقى الستار على ألف شهر
وقال له الشعب: أمرك ربي!
وقال له الرب: أمرك أمري
وقال:
نوفمبر غيرت مجرى الحياة
وكنت نوفمبر مطلع فجر!
وذكرتنا في الجزائر بدرا
فقمنا نضاهي صحابة بدر
وقال:
نوفمبر جل جلالك فينا
ألست الذي بث فينا اليقينا؟
سبحنا على لجج من دمانا
وللنصر رحنا نسوق السفينا
وثرنا، نفجر نارا ونورا
ونصنع من صلبنا الثائرينا!
ونلهم ثورتنا مبتغانا
فتلهم ثورتنا العالمينا
وتسخر جبهتنا بالبلايا
فنسخر بالظلم والظالمينا
كان أثر العمليات العسكرية الدقيقة على ثكنات العدو والاستيلاء على أسلحة وجلبها من تونس والمغرب والقاهرة، قويا على فرنسا، أربك قواتها وزاد من عزيمة صفوف الثورة الجزائرية.
لم يكن رد القوى الاستعمارية على اندلاع الثورة، وانتشار الهجمات العسكرية غريبا من فرنسا؛ فلقد أعلن رئيس الحكومة الفرنسية منديس فرانس أمام الجمعية الوطنية بتاريخ 12 نوفمبر 1954م توعده بالقضاء على هذا «التمرد» ورفضه لأي تفاوض مع «المتمردين». أما وزير الداخلية الفرنسي فرانسوا ميتران، فقد وصف إعلان الثورة ب «العمل الإرهابي» وهدد الجزائريين يوم 5 نوفمبر 1954م بإعلانه الحرب عليهم.
استعملت فرنسا في قمعها للثورة الجزائرية، القتل الجماعي والاغتيالات والتدمير الشامل للقرى والمداشر، والاعتقالات العشوائية والمحاكمات الجائرة، وسلطت القهر والتعذيب والتنكيل بكل فئات الشعب.
12
صدر قانون الأحكام العرفية بتاريخ 3 أبريل 1955م، وتم بموجبه نقل السلطات القضائية والتنفيذية إلى الجيش. (2-7) هجوم 20 أغسطس 1955م
كان لهجوم 20 أغسطس 1955م الذي قاده زيغوت يوسف على الشمال القسنطيني الأثر البالغ على قوات الاستعمار وعلى سياسات القمع والاندماج، وأعطى دفعا للثورة الجزائرية.
سكيكدة الثائرين أعيدي
علينا فضائح باغ حقود
أغسطس عشرون ... لم ينسها
ويذكرها ألف ألف شهيد
وخمس وخمسون في الذكريات
جلال ... يهدهد صدر الوجود
وعطر للمذابح في ساحها
نوافج تلهم سفر الخلود
أما سياسة «سوستيل» التي أراد بها فصل الثورة عن الشعب فلم تجد نفعا، وإنشاؤه في 26 سبتمبر 1955م «أقسام العمل المتخصص»
SAS
في الأرياف لاحتوائها، لم يزد الشعب الجزائري إلا تمسكا بثورته.
أننسى ثلاثة أيام نحس
وسوستال يندب في النائحين
وأخضر يحصد حمر الحواص
ل فيها، ويقطع منها الوتين (2-8) مؤتمر الصومام 20 أغسطس 1956م
استضافت الولاية الثالثة مؤتمر الصومام، وقام العقيد عميروش بتجنيد 3000 جندي لحماية المؤتمرين من أي هجوم فرنسي مفاجئ،
13
وانتهت أشغاله يوم 5 سبتمبر 1956م. خرج المؤتمر بترتيبات استراتيجية وهامة في مسار الثورة، كان أهمها: إنشاء تنظيم قائم على تقسيم التراب الوطني إلى ست ولايات، كل ولاية إلى مناطق، وكل منطقة إلى نواح ثم قسمات، وتنظيم الجيش في شكل كتائب وفرق وأفواج.
وضعت اللبنات الأولى لمجلس وطني للثورة الجزائرية، كما تعزز اعتبار جبهة التحرير الوطني الهيئة السياسية الرسمية الوحيدة المخولة لأي تخطيط أو قرار يخص الشأن الوطني.
تبارك واديك صومام إنا
حفظنا عهودك أيان ثرنا
أصومام باسمك، صمم شعب
سياسة ثورته فانطلقنا
وجلجل صوتك بين الجبال
يبارك وحدتنا، فالتحمنا
كأن لخمس وخمسين نجوى
لست وخمسين يوم اجتمعنا
وأصغى لنا المجمع الدولي
الأصم، وأرهف للسمع أذنا
رأينا السياسة دربا طويلا
فلذنا بساح الوغى، فاختصرنا
وقرر صومام أهدافنا
فسرنا على هديها، فانتصرنا
انتشرت الثورة الجزائرية في ربوع التراب الوطني، واتخذت فرنسا من سياسة عزل الثورة أسلوبا لقطع الدعم وتكميم الأفواه. زرعت حكومة «بورجيس مونوري» الأسلاك الشائكة المكهربة والملغمة على الحدود الغربية والشرقية فأوقعت 6000 شهيد والعديد من الإصابات المؤدية للبتر والإعاقات.
اعتقل في سنة 1956م الشيخ العربي التبسي، ولم يعرف إلى يومنا هذا مكان اعتقاله أو دفنه - رحمه الله.
وتقفو تبسة آثارها
تباركها هبوات العصور
ويدفعها العربي التبسي الش
هيد، فتحتل عرش النسور
ويجري العلوم بأوصالها
حياة أصالتها في الجذور
على العربي الشهيد، صلاة
مضرجة بدماء، ونور
بتاريخ 23 أكتوبر 1956م، حولت الطائرة المغربية المقلة للزعماء الخمسة المتوجهين لحضور مؤتمر بتونس؛ حيث أودعوا السجن بفرنسا إلى غاية مارس 1962م.
تعددت أطياف الثورة وتنوعت أساليب احتجاج الشعب الجزائري، وبات ضروريا رفع درجة الضغط على فرنسا الاستعمارية بالإضراب سنة 1957م.
قال مفدي زكريا:
وجنت فرنسا لإضراب شعب
فعاثت بعرض البلاد فسادا
بكت، فضحكنا ... وقال الزمان:
تبارك شعب تحدى العنادا
وقال أيضا:
وكم عاش طلابنا حربنا
وقاسم تجارنا خطبنا
وعم النضال وفاض النوال
فشدنا بهذا، وذاك، البنآ
ومن عرق الكادحين صنعنا
مصائرنا، فبهرنا الدنا
ومن نصب الزارعين غرسنا
مشاتلنا، فقطفنا الجنى
صادق البرلمان الفرنسي في 1 يونيو 1958م على تعيين ديغول رئيسا للحكومة الفرنسية، وخول له كامل السلطات وركزها بيده، دون إخضاع سياسته المسلطة على رقاب الجزائريين لأي رقابة شعبية.
انتخب رئيسا لفرنسا في يناير 1959م، وصار من الأكيد بعد عدم قدرته على إخماد الثورة البحث عن سبل ودية للمصالحة والتفكير في أي مشروع يؤدي إلى وقف التصعيد. أعلن ديغول، لتحقيق ذلك مشروعا اجتماعيا في 3 أكتوبر 1958م أطلق عليه مشروع قسنطينة لكسب ثقة الشعب الجزائري ومحاولة عزله عن الثورة.
بدأ الصف الفرنسي يتصدع وظهرت أزمة بين «سالان» وديغول، وتكتلت ضد ديغول كل التيارات الداعمة لفكرة «الجزائر فرنسية». (2-9) مظاهرات 11 ديسمبر 1960م
كان لإلقاء الثورة في الشارع واحتضانها من طرف الشعب الأثر البالغ على السياسة الاستعمارية، وفضح جرائمها أمام الرأي العالمي. إثر المطالب المتعددة لتقرير المصير، خرجت مسيرات حاشدة للجزائريين في مظاهرات بتاريخ 11 ديسمبر 1960م، فقوبلت بقمع المشاركين والتنكيل بالداعين إليها.
فيا عام ستين قص علينا
فضائح جيش يذوب غليلا
ويا زارع الموت في أرضهم
همو زرعوا، فأقمنا الدليلا (2-10) مظاهرات 17 أكتوبر 1961م
وكم ألحقوا بالمهاجر ذلا
فذاق العذاب الأليم الوبيلا
سل السين كم قذفوا من ضحايا؟
وكم صنعوا المذهل المستحيلا
وسل في المناجم كم من قتيل
أهالوا عليه التراب الثقيلا
وكم في سجون فرنسا بريء
من الداء والغدر عاش عليلا
هو الحقد طير صبر الرصاص
فألهب منه القصاص الفتيلا
بعد استفتاء شعبي 8 يناير 1961م في فرنسا والجزائر كان لصالح تقرير المصير في الجزائر بدأت المفاوضات مع جبهة التحرير الوطني، وهو نفس التاريخ الذي حل فيه الاتحاد العام للطلبة المسلمين واعتقل أعضاؤه. (2-11) المفاوضات
20 مايو 1961م مفاوضات بين الوفد الجزائري: «كريم بلقاسم، وأحمد بومنجل، وسعد دحلب، وأحمد فرنسيس، وقايد أحمد، ومحمد الصديق بن يحيى، وعلي منجلي»، والوفد الفرنسي: «لويس جوكس، وبرنارد تريكو». وقد شهدت «منظمة الجيش السري» سنة 1961م اغتيالات في صفوف مناضلي جبهة التحرير والمتعاطفين مع ديغول.
بعد مصادقة المجلس الوطني للثورة بطرابلس في 27 فبراير 1962م على أرضية المفاوضات بين الوفدين الجزائري والفرنسي، تقرر الشروع في المفاوضات يوم 7 مارس 1962م بإيفيان، توصل الجانبان إلى اتفاق يسري مفعوله بداية من يوم 19 مارس 1962م:
14
إطلاق سراح المساجين خلال 20 يوما من اتفاق وقف إطلاق النار.
يبقى الجيش الفرنسي في الجزائر لغاية يوم تقرير المصير.
إنشاء حكومة تنفيذية.
يختار الجزائريون بين الاستقلال التام أو الارتباط بفرنسا.
احتفاظ الفرنسيين الذين يريدون البقاء في الجزائر بين الجنسية الفرنسية والجنسية الجزائرية.
احتفاظ الأوروبيين بأملاكهم في الجزائر.
مصالح فرنسا في الصحراء تبقى مضمونة لمدة 5 سنوات.
تبقى القاعدة العسكرية بمرسى الكبير مؤجرة لفرنسا لمدة 15 سنة.
أتى أمرنا صارخا فانطلقنا
ولذنا بوحدتنا فانعتقنا
وفاوضنا القوم في أمرنا
وأمر سيادتنا ... فرفضنا
وقالوا: سنجري عليها اقتراعا
بلا ونعم - خدعة - فاعترضنا
فرنسا ... تناسيت ما ليس ينسى
أما في نوفمبر ... كنا اقترعنا
وأجرى علينا الرصاص انتخابا
وخضب أوراقنا فانتخبنا؟
وقلنا وقالت لنا الكائنات
خذوا حذركم واثبتوا فثبتنا
فلم نك نرضى بنصف الحلول
ولا بالدومنيون نحن انخدعنا
وديغول ألقى بيادقه
فطاولها رخنا فانتصرنا
وخاف الحواجز تحمي الغلاة
وتبكي فرنسا لها فضحكنا
وفكر ديغول في حمقهم
وفي صدقنا ... ثم قال: «فهمنا»
في يوم 1 يوليو 1962م أجري الاستفتاء، عبر 6 ملايين جزائري عن رأيهم في الاستقلال التام:5951581 صوتا بنعم، و53416 معارضا.
15 (2-12) التفاتة طيبة لدور الحيوان إبان ثورة التحرير
سخر الله تبارك وتعالى الحيوان للإنسان في حله وترحاله وحمل أثقاله، يقول تعالى في سورة النحل:
والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون * ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون * وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرءوف رحيم * والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون (الآيات: 5-8).
على نهج القرآن الكريم، عدد مفدي زكريا مناقب الحيوان إبان الثورة التحريرية، ودوره الدقيق في نقل السلاح، وحرق مزارع المعمرين، وتضليل العدو، وفي السكوت عن إصدار أصواته إذا تعلق الأمر بسلامة المجاهدين.
إذا الشعر خلد أسد الرهان
أينسى مغامرة الحيوان؟
أينسى البغال أينسى الحمير
وهل ببطولاتها يستهان؟
سلام على البغل يعلو الجبال
ثقيلا فيكبره الثقلان
وعاش الحمار يقل السلاح
ويغشي المعامع ثبت الجنان
وبارك فأرا يوزع نارا
فيخلع بالرعب قلب الجبان
ويلقى الشهادة شهما كريما
وقد عاف ذل الشقا والهوان
وطوبى لعنز يضلل جندا
ويخدع أحلاسه بالأمان
وللكلب يهجر طبع النباح
ويهوى النميمة بالطيران
فلولاك يا حيوان الفدا
لما أحرز الشعب كسب الرهان
بذكراك تعتز إلياذتي
فأزكى التحيات يا حيوان
ومن طرائف الشاعر مفدي مع الحيوان، هجاؤه لحمار الشيخ البشير الإبراهيمي الذي أسقطه من على ظهره بنظمه لأبيات في مأدبة أقيمت على شرف المشاركين في المؤتمر الخامس لطلبة شمال إفريقية المسلمين بتاريخ 8 أكتوبر 1935م:
16
يا حمار الشيخ لا نلت المنى
أبت بالجوع والضرب الوجيع
كيف أسقطت على الأرض امرأ
وهو ذو قدر على الأرض رفيع
تتمنى الشمس لو تغدو له
كحمار هادئ الظهر وديع (3) الاستقلال الوطني
ويعلن الاستقلال مدويا في سماء الجزائر معلنا الخلاص من ربقة الاستعمار، ومبشرا بغد ينعم به الجزائريون في كنف الحرية على مبادئ مقومات الأمة الأساسية الني ضحت من أجلها القوافل من خيرة هذا الشعب الأبي، يقول الله تبارك وتعالى:
وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم (الأنعام: 115) اقتبس صاحب الإلياذة من هذه الآية الكريمة حقيقة أزلية وسنة كونية، مفادها أن بعد العسر يسرا، وأن من جد وجد، وأن من قام دون حقه مدافعا ومطالبا ومضحيا كان على الله نصره على أعدائه.
فرضنا إرادتنا الفارعه
ولم تخب نيراننا الدالعه
وصغنا مصائرنا بالرصاص
وبالرأي والحجة القاطعه
وتمت بها كلمات الإله ال
تي وقعت باسمها الواقعه
ولاح الخلاص بحلم الليالي
ترفرف أعلامه اللامعه
ودوى نشيد الجزائر يغزو الد
نا قسما بالدمآ الناصعه
17
بدأت ثورة البناء والتشييد مستلهمة قواعدها وسياساتها وأهدافها الاستراتيجية من بيان أول نوفمبر الذي أسس لمشروع دولة مستقلة تحفظ فيه الحقوق وتصان الواجبات، ويحقق فيها النمو الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.
وقمنا نشيد صرح البلاد
ونبني سيادتنا الطالعه
الفصل الرابع
جزائر العلم والنهضة الفكرية
كان فضل الجزائر على الأمة العربية والإسلامية خاصة والإنسانية عامة بارزا من حيث مساهمة علمائها في نشر العلوم الشرعية واللغوية والتجريبية، وإنه لمن دواعي الاعتراف بالجميل، وإظهار هذا البعد الحضاري الذي تميزت به الجزائر أن تلقى الأضواء وتنظم الملتقيات لإبراز حياة ومؤلفات هؤلاء العلماء. (1) علماء الجزائر ... المفخرة الوطنية
أشاد مفدي زكريا بأبي حمزة، والأخضري، وأبي مروان الذين نبغوا في شتى العلوم وبالأخص في الرياضيات.
أصالة هذي البلاد الكريمه
تجل كفاح النفوس العظيمه
تحيي أبا حمزة في بنيها
وأفكاره النيرات العليمه
وتكبر عالمها الأخضري
وآراءه الناصعات السليمه
وعالم بونة مروان مهما
تصدى لفك الرموز القديمه
عباقر أرض الجزائر كون
تموج به المعجزات الجسيمه (1-1) أبو حمزة
هو علي بن ولي بن حمزة المغربي، عالم رياضيات جزائري، ولد سنة 1554م في الجزائر، حفظ القرآن الكريم بها ثم انتقل إلى اسطنبول في عهد مراد بن سليم. من مؤلفاته الشهيرة «تحفة الأعداد لذوي الرشد والسداد» و«تحفة الأعداد في الحساب» الأول كتبه في اسطنبول والثاني بمكة المكرمة. كان بفضل بحوثه ودراساته من المؤسسين لعلم اللوغاريتم. عين خبيرا للحسابات بديوان المال في قصر السلطان العثماني، بعد وفاة والده، رجع ابن حمزة إلى الجزائر وامتهن التجارة، تنسب له «المسألة المكية» في حساب النخل.
1 (1-2) الأخضري
هو أبو زيد عبد الرحمن بن محمد الصغير بن محمد بن عامر الأخضري من بني سليم، ولد سنة 920ه الموافق ل 1514م في بنطيوس بالزاب الغربي.
2
تتلمذ على أبيه محمد الصغير وشقيقه الأكبر الشيخ أحمد ، ومن أساتذته كذلك عبد الرحمن بن لقرون والخروبي، وعمر بن محمد الكماد المعروف بالوزان، درس في جامع الزيتونة العامر، وقد أخذ عنه العديد من المشايخ والطلبة والباحثين رغم حداثة سنه في عديد من علوم الفلك واللغة والفقه والتوحيد وأصول الدين والتصوف.
توفي - رحمه الله - على أرجح الأقوال سنة 953م، وترك موروثا علميا نفيسا، نذكر منه:
مختصر الأخضري على مذهب الإمام مالك.
المنظومة القدسية.
السلم الرونق في علم المنطق.
الدرة البهية في نظم الآجرومية.
اللامية في مدح الرسول
صلى الله عليه وسلم .
أزهر المطال في علم الأسطرلاب.
الدرة البيضاء.
عرف عنه نظم القصائد في العديد من المواضيع التي له باع عظيم فيها. نورد على سبيل الذكر أبياتا في الرياضيات يقول فيها:
3
والصفر كاف إن طرحت العددا
من مثله كالصفر من صفر بدا
وإن يك الصفر الذي من أسفلا
فاقنع إذا بعدد قد اعتلى
وكل ما ذكرت من أقسام
فيما عدا الآخر ذي الإتمام
لأنه حتما يكون أكثرا
من الذي من تحته قد شهرا
وله قصائد في غير الرياضيات والحساب والعلوم التجريبية، نلحق قصيدة على سبيل الإشارة فقط.
4 (1-3) طفيش
خصص مفدي زكريا مقطعا كاملا للتنويه بالشيخ طفيش محمد بن يوسف، لمرتبته العلمية ونضاله المستميت.
طفيش سقياك ... قطب الأيمه
ومن عاش بالفكر يصنع أمه
ومن شق بالعلم درب الحياة
وصان لنيل الرسالات حرمه
ومن قطع العمر يغزو الكتاب
ويفري الظلام ويلهب همه
ودان له الحرف بالخالدات
فأخلص للحرف عهدا وذمه
وأنصف من خالفوه اجتهادا
وصان عن الجدليات علمه
هو قطب الأمة الشيخ محمد بن يوسف بن عيسى بن صالح بن عبد الرحمن بن عيسى بن إسماعيل بن محمد بن عبد العزيز بن بكير الحفصي أطفيش، أشهر علماء المذهب الإباضي في العالم الإسلامي الحديث، ولد سنة 1237ه/1821م ببني يزقن.
نبغ في عائلة يميزها العلم والتدين، توفي والده - رحمه الله - وهو ابن الخامسة من العمر، وحرصت والدته على تربيته وتعليمه، فحفظ القرآن الكريم.
تتلمذ على يد أخيه إبراهيم بن يوسف أطفيش وعمر بن سليمان وسليمان بن يحيى وإبراهيم بن يوسف بن عيسى، أنشأ معهدا للتدريس وتتلمذ على يديه أبو إسحاق إبراهيم أطفيش، أبو اليقظان، إبراهيم الإبريكي ... وسليمان الباروني وسعيد بن تعاريت وأحمد الرفاعي وغيرهم.
له عدة مؤلفات، من بينها: تيسير التفسير، وداعي العمل ليوم الأمل، وهميان الزاد إلى دار الميعاد، وتلقين التالي لآيات المتعالي، وترتيب الترتيب، والرد على الصفرية والأزارقة، وشرح كتاب النيل وشفاء العليل. توفي - رحمه الله - سنة 1332ه/1914م.
ونبغ كذلك في الجزائر الشاعر ابن الفكون، محمد القسنطيني، عبد القادر البجاوي، حمدان بن الونيسي، ابن باديس والشيخ عاشور.
ذكرنا بسرتا نفوسا أبيه
ذكرنا بها الأعصر الذهبيه
معاهد تزخر علما وفضلا
وتلهم روادها العبقريه
يصوغ ابن فكون فيها الشوادي
بوحي خميلاتها السندسيه
تزهو قسنطينة بابنها
محمد من شرف العربيه
قوافيه تسري بأنفاس سرتا
فتخجل منها الورود النديه
وخلد سرتا البجاوي الضليع
وواصل حمدان صنع البقيه
كأن الحطيئة عاش مدينا
لعاشور في هجوه للبريه (1-4) ابن الفكون
هو عبد الكريم الفكون، ولد بقسنطينة سنة 988ه/1580م، من عائلة عريقة ومحافظة، كانت بيدها إمارة الحج لبيت الله الحرام، كان والده إماما بالجامع الكبير بقسنطينة، تلقى على يديه العلم الشرعي واللغوي وحفظ القرآن الكريم والحديث الشريف، تتلمذ كذلك على الشيخ سليمان القشي وعبد العزيز النفاتي وأبي عبد الله محمد الفاسي المغربي ومحمد التواتي المغربي ومحمد بن راشد الزواوي.
أورد شيخ الإسلام عبد الكريم الفكون تعريفا بجد والده الشيخ أبي زكريا يحيى بن محمد الفكون - رحمه الله - في كتابه «منشور الهداية في كشف حال من ادعى العلم والولاية» يقول فيه: «وممن يذكر في المدينة المذكورة، الجد أبو زكرياء يحيى بن محمد الفكون جد والدي، كان - رحمه الله - من العلماء المتقنين البارزين، وكان ممن له اليد الطولى في الفقهيات، وممن يعرف المدونة
5
وكان من المعتنين بها، وله حاشية عليها بديعة في معناها، ضمنها نوازل ووقائع قل أن توجد في المطولات، وهي مسودة بخطه - رحمه الله - ولم تخرج منها نسخة إلا ما يذكر أن نسخة أخذها الوادين، وكان من فقهاء البلدة لم توجد للآن، وكان الجد ممن تصدر الإفتاء في زمن مشيخة أكابر وهو أسن من الشيخ الوزان إلا أنه عاصره.»
6
نبغ في العلوم وتولى التدريس بالجامع الكبير بقسنطينة، وخلف أباه بعد وفاته - رحمه الله - في الإمامة والخطابة. يقول المؤرخ المهدي البوعبدلي الجزائري عن إمارة الحج:
تخرج على يدي الفكون العديد من الطلبة، أشهرهم: أبو مهدي عيسى الثعالبي، بركات بن باديس، علي بن عثمان بن الشريف، أبو سالم العياشي المغربي، محمد وارث الهاروني، محمد البهلولي، وغيرهم.
توفي - رحمه الله - في 27 ذي الحجة 1073ه الموافق ل 3 أغسطس 1662م عن عمر يناهز خمسا وثمانين سنة.
من آثاره «منشور الهداية في كشف من ادعى العلم والولاية»، طبع سنة 1987م، بعناية الدكتور أبي القاسم سعد الله - رحمه الله. «فتح الهادي في شرح جمل المجرادي ومخارج الحروف من الشاطبية.» «الدرر في شرح المختصر.» «شرح البسط والتعريف في علم التصريف.» «فتح المالك في شرح ألفية ابن مالك.» (1-5) محمد القسنطيني
هو محمد بن عيس الشاذلي البوزيدي القسنطيني، عالم جليل وأديب مشهور، ولد في قسنطينة سنة 1807م، بدأ دراسته في قسنطينة، وقرأ الفقه على الشيخ السعيد طبال الشيخ، واللغة والأدب على يد الشيخ مصطفى باش طرزي والشيخ أحمد العباسي
7
وتولى القضاء المالكي في قصر أحمد باي، وكان بمجلس حكمه الشيخ المكي بن باديس، جد الشيخ عبد الحميد بن باديس والشيخ محمد بن عزوز، كما اشتغل بالتدريس ، وتولى إدارة المدرسة الكتانية منذ تأسيسها عام 1850م، ودرس فيها علوم الشرع واللغة، لازم الأمير عبد القادر بفرنسا، توفي - رحمه الله تعالى - بقسنطينة سنة 1877م. (1-6) عبد القادر البجاوي
الشيخ عبد القادر البجاوي من رواد النهضة الإسلامية في الجزائر، ومناضل في الحركة الوطنية، ولد سنة 1265ه/1848م. وعرف بتسمية «دائرة المعارف» لغزارة علمه، من مؤلفاته الشهيرة «منظومة اللمع فى إنكار البدع»، توفي - رحمه الله - سنة 1332ه/1913م. (1-7) حمدان بن الونيسي
هو الإمام العلامة الشيخ محمد بن أحمد بن محمد حمدان الونيسي، ولد سنة 1272ه/1856م بقسنطينة، تتلمذ على الشيخ عبد القادر المجاوي، وامتهن التدريس بالجامع الكبير بقسنطينة بداية من سنة 1881م. برع في علوم الشرع واللغة، تتلمذ على يديه الشيخ العربي التباني، والشيخ عبد الحميد بن باديس، والشيخ البشير الإبراهيمي، والشيخ الطيب العقبي، والشيخ سعيد بهلول الورتلاني، والمفتي محمود بن دالي كحول وغيرهم.
رحل الشيخ حمدان الونيسي إلى البقاع المقدسة واستقر بالمدينة المنورة ودرس بالحرم النبوي إلى أن وافته المنية - رحمه الله - سنة 1338ه/1920م ودفن بالبقيع. (1-8) الشيخ عاشور
هو أبو الفيض عاشور بن محمد بن عبيد بن أبي عبد الله محمد المسعود بن أبي العباس أحمد بن عبد العزيز الهلالي الخنقي الشهير بالشيخ عاشور، ولد في خنقة سيدي ناجي ببسكرة سنة 1264ه/1848م، ونشأ في محيط يجل العلم ويشع خلقا حميدا. حفظ القرآن الكريم والحديث والمتون، تنقل في طلب العلم بين بسكرة وتونس وقسنطينة وبوسعادة، وتتلمذ على الشيخ محمد المكي بن الصديق الونجلي، والشيخ محمد الصالح العبيدي الحمادي، فأخذ عنه الفقه والنحو، وساير الشيخ محمد المدني بن عزوز. درس في زاوية الهامل، سبق له وأن التقى بشيخ الزاوية صدوق ببلاد القبائل، والشيخ الحداد شيخ الطريقة الرحمانية.
له ديوان شعر شهير «منار الإشراف على فضل عصاة الأشراف ومواليهم من الأطراف»، تم طبعه سنة 1914م بالمطبعة الثعالبية بالجزائر، قامت السلطات الاستعمارية بنفيه في إقليم «تعظميت» لقرابة عقد من الزمن ثم عاد للزاوية القاسمية للعمل بوساطة من مفتي الجزائر الشيخ سعيد بن زكري .
ومن أشعاره
أنا مغيار عليه، لم أزل
صخرة الوادي، عليكم لا تزول
من يساجلني يساجل شاعرا
يضع الأعراض في أنياب غول
توفي - رحمه الله - في مدينة قسنطينة سنة 1348ه/1929م. (1-9) نادي صالح باي
أسس جمع من علماء الجزائر نادي صالح باي بقسنطينة:
وقف بالربوع يفاجئك ناد
لصالح باي الشهيد الضحيه
تظافر فيه دعاة الصلاح ال
هداة إلى القيم السلفيه
وجاء ابن باديس يغزو الظلام
ويعلي الرءوس، ويذكي الحميه
ناد أسسه نخبة من المثقفين الجزائريين سنة 1907م في قسنطينة. وهو نسبة إلى صالح باي. ولد صالح باي في مدينة أزمير بتركيا سنة 1137ه/1739م ثم انتقل إلى الجزائر والتحق بفرقة الأوجاق بقسنطينة، عينه باي قسنطينة أحمد قلي قائد الحراكتة بالأوراس سنة 1762م، ثم تولى منصب خليفة الباي بقسنطينة سنة 1765م، يعود له فضل تدوين وتوثيق الأملاك الوقفية في قسنطينة وتطوير الزراعة، يروى أنه نفذ فيه حكم الإعدام خنقا من طرف الداي بابا حسن بحصن القصبة بقسنطينة في سنة 1792م، وقد استعطفت هذه النهاية قلوب سكان قسنطينة واستنكروا إعدامه وأصبح بفعل أعماله مفخرة لهم. (1-10) أبو مروان
ولد أبو عبد الملك مروان بن علي بن محمد البوني في قرطبة، وتتلمذ على يدي والده، حفظ القرآن الكريم والعلوم الشرعية وعلوم اللغة.
نهل من علماء تلمسان والقيروان والمغرب؛ فدرس عن علي القابسي وأبي جعفر الداودي من أئمة المالكية ببلاد المغرب ثم استقر ببونة، كان عالما ورعا معروفا بالصلاح، تتلمذ على يديه حاتم بن محمد بن عبد الرحمن بن حاتم التميمي وولده علي بن مروان. من مؤلفاته الشهيرة شرح موطأ الإمام مالك، وشرح لصحيح البخاري، توفي - رحمه الله - بمدينة عنابة سنة 439ه ودفن بها. (2) إشادة برجال النهضة في المشرق العربي
وفي تواصلها وتفاعلها مع العالم العربي والإسلامي استلهمت النخبة الوطنية أفكارها ومناهجها ونضالها في الإصلاح من رموز النهضة المشرقية التحررية أمثال: الشيخ رضا، ومحمد عبده، وجمال الدين الأفغاني، وتوري السموري، وعمر المختار، وشامل الداغستاني، وسليمان الباروني، وشكيب أرسلان ...
وفي الشرق، يبهرنا عبده
فيقفو رشيد خطاه الحكيمه
وأفغان تروي جهاد جمال
فتلهب في الثائرين العزيمه
وتوري السموري في غينيا
وشامل والروس تلقى الهزيمه
ومختار تلقي به الطائرات
وفتك سليمان يمحو الجريمه
وصوت شكيب يهز الدنا
فترجف منه النفوس السقيمه
رواد من العالم الإسلامي آلوا على أنفسهم رفع تعاليم الدين والنصر لمتطلباته في إقامة نظام حياة على أسس من التوحيد الخالص والأخلاق السامية والمنهج الرباني القويم، عظمت فيه شعائر الله واستنارت نفوس المسلمين، وتوسعت فيه رقعة الأمة الإسلامية. كان أول تحد مشترك بين كل هؤلاء الدعاة والمصلحين، طرد الاستعمار من الديار الإسلامية وتجديد الروح الإيمانية في مناهج الفكر والتربية والتعليم وأساليب تسيير الشأن العام للمسلمين، ولقد ذاق الرواد المصلحون في الأمة الإسلامية ويلات القمع والتشريد والتضليل والنفي من الأوطان في سبيل نهضة شعوبهم ورقي همتها في الدفاع عن هويتها. «ففي اتجاه مكافحة المحتل الغاصب تجد أعلاما ضحوا براحتهم، وأفنوا صحتهم ثائرين على الاحتلال، مرحبين بعذاب السجن، وأليم الجوع، ومرير البرد، حتى تعلو كلمة الله، ومن هؤلاء: عبد الحميد بن باديس، وعبد العزيز جاويش، ومحمد البشير الإبراهيمي، ولهم مع ذلك صرخاتهم البيانية في إيقاظ الرقود وإلهاب النفوس.»
8
ويحسب ذكر رواد النهضة في إلياذة الجزائر إلى ثقافة مفدي زكريا المتشبعة بخصال الحق والجهر بمحاسن كل من قدم تضحية في سبيل إعلاء الأمة العربية والإسلامية.
الفصل الخامس
جزائر ما بعد الاستقلال
وتتحقق للجزائر استعادة حريتها، وتنطلق السياسات بأشكالها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية مجتهدة لرفض التبعية الأجنبية ومسايرة تطور المجتمع الجزائري. رغم التوجهات الأيديولوجية في دفع التنمية الشاملة حافظت الجزائر على مركز إشعاعها الديني والثقافي، وظهر ذلك في بناء المساجد، ونشر التعليم الديني وإدراج مقومات الأمة في مناهج التربية والتعليم، رغم بعض المحاولات اليائسة الغريبة عن الشعب الجزائري في أصله وفي معتقده، والتي سخرت كل جهدها في بعث تيار التغريب، وإبعاد مظاهر الأصالة الوطنية من المشهد السياسي والثقافي والجامعي.
تسامت مصادر إشعاعنا
تدعم خالص إيماننا
مساجد للهدي في كل فج
تنير السبيل لأجيالنا
ونوه مفدي زكريا بالجزائريات الأصيلات اللاتي أنجبن للوطن من يحفظ قيمه ويذود عن مقدساته.
كانت عوامل النهضة الفكرية بارزة لدى علماء الجزائر وشبابها وشباتها، والشاهد على ذلك تنظيم ملتقى الفكر الإسلامي السنوي فيها، وكان جامعا لطاقات الفكر في العالم العربي والإسلامي، ويعود له فضل التنظير والتأسيس لفكر سليم أصيل.
وكانت شهادة مفدي زكريا بوزارة التعليم الأصلي والشئون الدينية في حفظ كتاب الله، والمساجد، وتعاليم الدين الإسلامي أصيلة؛ إذ يقول:
رعى الله في العاملين الوزاره
أعادت لعلم الكتاب وقاره
جهاد الوزارة نور وحق
سما بالبناء، وأرسى جداره
وكم خلد الملتقى مهرجانا
يوجه صدق الضمير حواره
وروح الأصالة تسمو بشعب
منابع إشراقه في الوزاره
ولعل من أبرز التأصيل الواجب الثناء على من أحسن لهذا الوطن، تأبينة الشاعر مفدي زكريا لسفير الجزائر في الصين مصطفى الفروخي - رحمه الله:
أناجيك يا مصطفى في سماك
ويوم عرجت تشق السماك
بعثت سفيرا لبيكين لكن
ذهبت سفيرا لأفق علاك (1) الاقتصاد الجزائري غداة الاستقلال
واجهت الجزائر غداة الاستقلال وضعا سيئا جراء تدمير البنية التحتية لاقتصادها، وانتهاج سياسة الأرض المحروقة من طرف القوات الاستعمارية والخلايا الاستدمارية للمعمرين. وتميزت الساحة الاقتصادية والاجتماعية بمغادرة جماعية لحقول الزراعة من طرف المعمرين، وتحويل مدخراتهم ورءوس أموالهم، وتعطل الشركات التجارية والصناعية، مما أدى إلى الانكماش الاقتصادي في البلاد. كما ساير هذا الوضع المتردي تفشي الأمراض المعدية، وارتفاع نسبة الوفيات لدى حديثي الولادة والطفولة؛ هذا فضلا عن البطالة والأمية.
في ضوء هذا الوضع المتردي، بات من الضروري أن تقيم الحكومة الجزائرية الحديثة سياسات اقتصادية واجتماعية تتحمل فيها أعباء التنمية على عاتقها، معتمدة في بادئ الأمر على الهياكل والمنشآت الاقتصادية والاجتماعية الموروثة عن الاستعمار، وعلى نمط تسييرها وترسانتها القانونية. كما سعت الجزائر إلى الحصول على الامتيازات المقدمة من طرف الحكومة الفرنسية بموجب اتفاقيات إيفيان.
اعتمدت الجزائر على سياسة التخطيط المركزي التي ولدت وترعرعت في المعسكر الشرقي، وتم إعلان الأملاك التي تركها المعمرون أملاكا شاغرة، وتبنت التسيير الذاتي للتعاونيات الفلاحية والاشتراكي للمنشآت الاقتصادية. أنشئت الدواوين والشركات الوطنية، وأممت الأراضي والشركات البترولية والبنوك، وضبطت آليات مراقبتها، وأعطيت الأسبقية في التنمية والتطوير لقطاع المحروقات وللفلاحة.
فقمنا نشيد اقتصاد البلاد
ونعلي المصانع فيه ونبني
ورحنا نوفر للكادحين الر
غيف الشريف بعلم وفن
ويزرع فلاحنا أرضه
بذوب الشرايين لا بالتمني
ونصنع من صلب واقعنا
مذاهبنا ... رافضين التبني
وفي مقطع آخر:
وفي الأرض للزارعين خبايا
مضمخة بدماء الضحايا
وفي عمقها تكمن البركات
إذا بارك السعي صدق النوايا
وقمنا نوزع ما أورث الله
للصالحين، زوايا زوايا
ورحنا نجمع ما طيرته
يد الغاصبين شظايا شظايا
لم تكن للزعامة الفردية فرصة للبقاء في الجزائر، وحلت محلها الاشتراكية في التخطيط والتسيير والبرامج، مستلهمة من قواعد العدالة الاجتماعية والمشاركة الشعبية معالم في سبيل التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة.
اتخذنا العدالة نهجا صريحا
وإنصافنا في علاج القضايا
ورأي الجماعة فيما نراه
فجنبنا الرشد كل البلايا (2) من مظاهر الوضع الأخلاقي
ذكر مفدي زكريا بعض مظاهر الزيغ والانحراف التي رآها مستفحلة لدى بعض الجزائريين بعد الاستقلال. وصف الانحلال الخلقي من تخنث وشذوذ وتعاط للمسكرات والمخدرات، وغلاء المهور وتفضيل الزواج بالأجنبيات، وكذا التميع واللهف على المناصب والمجون والفجور. كما أظهر امتعاضه من انتشار النفايات والقاذورات وتلوث المحيط الخارجي للمدن، وفي كلا الإشارتين تذكير بقواعد الأخلاق والنظافة التي نص عليها ديننا الحنيف، والتي من العار أن توجد في بلد مثل الجزائر الذي شهد أعظم ثورة، وساير تاريخها كل محطات البشرية بطولة وشهامة ونبلا.
وفي خضم هذا التنكر السفيه لمقومات الأمة الجزائرية وتاريخها وبطولاتها وامتدادها للحضارة العربية والإسلامية، نورد ما ذكره الدكتور سعد الله: «إن ثورتنا قد جردت من قيمها، وأصبحت شعارات جوفاء تعلن في المناسبات.»
1
إضافة إلى الانحرافات الأخلاقية، تفشت في الجزائر مظاهر الانحراف الفكري، وكانت وقتها عابرة للحدود والقارات، ومن بين المظاهر التي ذكرها مفدي زكريا، اعتبار صوت الأذان إزعاجا، والإنابة إلى الله رجعية مقيتة، والإلحاد حرية فكرية؛ بل وجه من وجوه التحضر والتقدم، وشاعت في البلاد رزايا الخمور والمخدرات وفساد الفكر والأخلاق.
يقول مفدي زكريا:
وصهين صهيون أخلاقنا
فكيفنا أن نكون رعايا
وهل يحزن العتق مستعمرا
وأخلاقنا في يديه سبايا
وكل هذه المظاهر هي استثناء عن القاعدة العامة التي بني عليها قوام الشعب الجزائري، وفي ذلك يشيد مفدي زكريا بالشباب الجزائري الواعي والمؤمن بقضية وطنه وامتداد تاريخه وأصالة منبعه، وضارب عرض الحائط بكل أيديولوجية منحرفة وكل ضلالة غربية:
وأفلت من قفص الإتهام
شباب أصيل وفي الذمام
شباب تطهر فيه الضمير
فأعرض عن شبهات الطغام
وأشرب من نبع إسلامه
وفلسفة الدين، روح النظام
ولم يتنكر لأمجاده
وأجداده الخالدين العظام (3) الوحدة المغاربية ... السعي الجزائري
تأسست التكتلات في العالم على قواعد جغرافية وأخرى تاريخية وثقافية، ظهر إيجابياتها في حشد المعسكرات وتوجيه التجارات. وكان توجه الجزائر وسعيها المتواصل لجمع القوى الإسلامية والعربية لتوحيد الصفوف في وجه التكتلات الخارجية التي باتت تهدد أمن الدول العربية وقراراتها السياسية. ولا شك أن أثرها كان جليا على الأصعدة السياسية، والاقتصادية، والعسكرية، والثقافية.
ورغم استحالة الوحدة العربية في تلك الحقبة الزمنية، كان بريق أمل يلوح في أفق المغرب العربي ويشير لوحدة مغاربية، أشاد بها مفدي زكريا بحكم التاريخ المشترك والمقومات التي تتقاسمها الدول المتجاورة في المغرب العربي من إسلام وعروبة وروابط أسرية وقبلية.
هو المغرب الأكبر المستمد
رسالاته من رسول الهدى
ووحدة مغربنا اليوم خطو
إلى وحدة المسلمين غدا
بتوحيد بعض، نوحد كلا
وهل ينكر الخبر المبتدا؟
فربما كان مغربنا
مثالا قويما، به يقتدى
يقول الله تبارك وتعالى:
واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون (سورة آل عمران، الآية: 103).
بعد التذكير بملتقى الفكر الإسلامي المذكور آنفا والترحيب بالمشاركين فيه والإشادة بوزارة الشئون الدينية والعاملين فيها، يرفع الشاعر مفدي زكريا أكف الضراعة سائلا الله - عز وجل - المغفرة والصفح، ثم يعود مفتخرا ببلاده التي ألهمته الحب ووهبها فكره وعمره فوهبته المجد:
فخلد قدس اللهيب بياني
وأذكى لهيب الجزائر فكري
وإن يجحدوني فحسبي أني
وهبت الجزائر فكري وعمري
ومن المفاخر في الإلياذة الرد على المناوئين لمفدي زكريا في مسألة الشعر وتبيان أصالة شعره شكلا ومضمونا، وفي مسألة تفضيله الإقامة خارج الوطن بعد الاستقلال، وما تحتويها من خصوصيات شخصية لا يحق لأي إنسان الخوض فيها، ها هو شاعرنا المفدى يبرز مرة أخرى في آخر مقطع من الإلياذة هيامه بالجزائر وحبه العميق لها ولتاريخها وحضورها البطولي في التاريخ البشري ليختتم شعره الإلياذي مسكا وعطرا:
إليك صلاتي وأزكى سلامي
بلادي، بلادي الأمان الأمان
ومن الملاحظ من خلال الإلياذة أن الشاعر مفدي زكريا يتميز بشخصية فذة وفريدة من نوعها، أعظم شأن الدين، وأعلى الوطن، وأكرم الشهداء، وأحب كل مقومات الجزائر، وأجل بطولاتها بأسلوب جميل جمال طبيعتها ورائع روعة تاريخها، لم ينتقص قدر أحد من الزعماء، ولم ينتصر لفكرة أو مذهب. تظهر نقاوة سريرته، كذلك في اعتبار كل الدول والممالك التي حكمت الجزائر في العصر الحديث والمعاصر من قبيل القيم المضافة في تاريخ الجزائر رغم تطاحنها وسجالها فيما بينها، فرحمة الله تعالى عليك أيها الشاعر المتمرس والمناضل الخالص مفدي زكريا.
خاتمة
بنظم شعري متميز ورصين، استطاع الشيخ زكريا بن سليمان بن يحيى بن الشيخ سليمان بن الحاج عيسى، الملقب بمفدي زكريا أن يؤرخ لتاريخ شعب، ويبرز معالم نبوغه ونهضته ونضاله من أجل إثبات وجوده ونيل حريته وسيادته على أرضه عبر فترات تاريخية متعاقبة شهدت بزوغ فجر البشرية وتنامت فيها حملات الغزو والاحتلال، أرخ للبطولة وللقيم السامية التي تحلى بها الشعب الجزائري، وأظهر فخره بأمازيغية الأصل وبعروبة المنبع وبإسلام المعتقد، متخذا من هذه المقومات الأساسية لحمة الشعب الجزائري وكنه وجوده في هذا العالم.
إن مشوار الشاعر القدير المستلهم من دراساته الخلدونية والزيتونية صقل قريحته اللغوية، وغذى روحه الوطنية، وأضفى على سريرته النضالية نزعة ثورية ضد المحتل ومسحة جمالية ودلالية تواقة لوصف جمال الجزائر والهيام في سحرها.
من عبقرية مفدي زكريا في الشعر الربط الرائع بين العقيدة وجمال الطبيعة في شطر واحد، في قوله:
فلولا جمالك ما صح ديني
وما أن عرفت الطريق لربي
إشارة جليلة لقول الله تبارك وتعالى:
أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور (سورة الحج، الآية: 46).
ومن المآثر التي تتجلى في إلياذة مفدي زكريا تلك الرغبة المتأصلة في الشعب الجزائري، الداعية لتحرير فلسطين المغتصبة والآملة في توحيد الأمة العربية والإسلامية في زمن لا مكان للفرقة والضعف فيه.
إلياذة الجزائر ملحمة ليست كالملحمات، وكلمات ليست كالكلمات. إلياذة الجزائر ليست أساطير هوميروس ومن نحا نحوه؛ بل ديوان شعر ... بل ألبوم أمة يحتفظ للأجيال بصور التاريخ العريق والحب العميق لمبادئ السلام وحرمته ولحرية الإنسان وكرامته.
اختلج تركيب الأبيات الشعرية ذكر للقيم الجمالية والتاريخية والوطنية؛ فالقيم الجمالية هي كل وصف لجمال الطبيعية التي حبا الله بها الجزائر وللمواقع الأثرية. أما القيم التاريخية فهي بيان لمختلف المحطات التاريخية التي شيدتها بطولة الشعب الجزائري. وأما القيم الوطنية: فهي تركيبة الشخصية الجزائرية من إسلامها وأمازيغيتها وعروبتها.
ولعل التناص القرآني هو من أعطى لإلياذة الجزائر بعدا جماليا ونسقا إبداعيا مميزا تجلت فيه أعظم الدلالات القرآنية والتعاليم السمحة للإسلام.
حاولت أن أقدم مقاربة تاريخية في هذا البحث المتواضع الموسوم ب «ملحمة الجزائر»، وأن أراعي التسلسل التاريخي الوارد في الإلياذة، مستلهما التوضيح والاقتباس من المصادر الموثقة، متخذا الحيطة من أباطيل المستشرقين وأراجيف الحاقدين.
بعد التغني بجمال الجزائر وذكر شمائلها يشق بنا الشاعر مفدي زكريا عباب بحر التاريخ بشموخ، مستظهرا معالم الإعجاز في النضال والجمال وتقبل الإسلام دينا، والعربية لغة والجزائر وطنا. طبع التذكير بأمازيغية الشعب الجزائري وتبنيه للعروبة واعتناق رعيله الأول للإسلام الإلياذة برونق من الشمائل الوطنية التي جعلت من الجزائر بالفعل مطلع المعجزات وحجة الله في الكائنات.
يتطرق الكتاب الذي بين أيديكم إلى أبرز الوقائع التاريخية، خاصة منذ العهد الفينيقي الذي شهد تعايش الفينيقيين، ووصولا إلى ما بعد استعادة السيادة الوطنية.
أبحر الفينيقيون من فينيقيا واستقروا بسواحل البحر الأبيض المتوسط في القرن 12ق.م، وأسسوا فيها الموانئ وطوروا التجارة والصناعة، ثم أسسوا قرطاجة فمدينة الجزائر «إيكوسيم» في القرن 6ق.م. عرف السكان الأمازيغ بالنوميديين. كان نظام الحكم لديهم ملكيا بعدما كان قبليا، وما لبثوا أن أعلنوا الثورة ضد جور القرطاجيين. برز ماسينيسا كأعظم ملك بربري، واستطاع بعد معركة زاما الشهيرة أن يوحد نوميديا وتزدهر في عهده الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
كانت روما تتحين فرصة احتلال الجزائر منذ 213ق.م، وجمعت لذلك الجيوش، وألبت صدور المناوئين للإطاحة بها. أجبر البربر على الدخول في عهد استعماري روماني لازم حياتهم جورا وقهرا. تزعم يوغورطا حركة التمرد على روما وأسس لنظام سياسي مستقل عنها.
أشهر من جاء من بعده يوبا الأول الذي أعلن الحرب على قيصر، ثم يوبا الثاني العالم والفيلسوف، واتخذ من شرشال عاصمة للمملكة النوميدية. خرجت المقاومة من القصر الملكي ليتزعمها رجال المقاومة، مثل: تاكفاريناس وفيرموس وأعلنوا الحرب ضد الاستعمار الروماني.
حل الوندال بعدتهم وعتادهم وهمجيتهم مستعمرين للأراضي الجزائرية منذ سنة 428م، وفي حربهم الشرسة ضد القائد بونيفاس، احتلوا عنابة سنة 431م، واتخذوها عاصمة لمملكتهم، وقتل القسيس أغستنس في معركة فك الحصار وهو يدافع عن الجزائر. بوفاة جنسريق، اشتد عضد المقاومة الأمازيغية في المنطقة الشرقية للجزائر، فكان النصر حليفها سنة 483م.
خلفت بيزنطة الوندال وأعلنت سطوة القهر والاستعباد على رقاب الأمازيغ، لكن ما فتئت أن انتظمت المقاومة الأمازيغية مرة أخرى بعد مرور 113 سنة من الاحتلال البيزنطي.
قتل جرجير، ودب الخور في البيزنطيين، وأفل ليل الاستعمار، وأشرقت شمس الإسلام على العالم مبشرة بعهد جديد لا عبودية فيه إلا لرب العالمين.
قدم العرب الفاتحون إلى شمال إفريقية لأول مرة سنة 22 للهجرة، وعين عقبة بن نافع الفهري - رضي الله عنهما - واليا على إفريقية في خلافة يزيد بن معاوية، سنة 62ه/682م، وأعلن الحرب على كسيلة بن لزم القائد البربري. قتل عقبة في معركة تهودة رفقة أبي مهاجر. بعدما عين الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان سنة 69ه/688م زهير بن قيس البلوي واليا على إفريقية، جهز جيشه في طلب كسيلة وجنوده فوقعت معركة قتل فيها كسيلة. تولت دهيا بنت تابتت بن تيفان الشهيرة باسم الكاهنة أمر الأمازيغ فأعلنت الحرب على حسان بن النعمان، ثم توفيت سنة 82ه/701م بعدما أوصت أبناءها وقبيلتها الأمازيغية باعتناق الإسلام.
عمل حسان على ترقية التعايش العربي الأمازيغي، فعرب الدواوين وجند الأمازيغ تجنيدا طوعيا، ونظم الخراج والأسواق فتوسعت رقعة الإسلام في بلاد الجزائر وفهموا تعاليمه، وفتحوا تحت قيادة موسى بن نصير وطارق بن زياد أفريقيا والأندلس.
ما إن استتب الأمن في بلاد المغرب حتى بدأ التصدع ينخر جسم الأمة فعادت ثورات البربر في الجزائر من جديد رافعة راية الخروج عن الإمارة الإسلامية، واتخذ التيار الخارجي بداعي النقمة مذهب الصفرية، وانتقل الصراع في بلاد المغرب من حراك مذهبي إلى حرب جارفة بين المسلمين، ظهرت على إثرها دويلات مستقلة؛ الدولة الرستمية بمنطقة الزاب وقسنطينة وتلمسان، والدولة الإدريسية بمنطقة وهران وشلف ومعسكر، والدولة الأغلبية سكيكدة وسطيف وميلة. تولى عبد الرحمن بن رستم حكم الدولة الرستمية بتيهرت؛ فكانت إسلامية في قضائها، عربية في معارفها، بربرية في عصبيتها، وفارسية في إدارتها، وإباضية في مذهبها.
وهي أول دولة إسلامية بقيادة بربرية نشأت في الجزائر. أسس عبد الرحمن بن رستم لنظام الشورى في الجزائر، وعرفت في عهده ازدهارا اجتماعيا واقتصاديا وأدبيا وحضاريا. نبغ في منطقة الزاب عدد من الأدباء والشعراء أمثال بن تميم الطبني ومحمد بن هانئ بن سعدون الأزدي.
تأسست الدولة الفاطمية في الجزائر على أنقاض صراع بين الأغالبة والرستميين. أسس بلكين أشير، ثم مدينة الجزائر على أسس مدينة إيكوسيوم سنة 349ه/960م، وسميت «جزائر بني مزغنة».
تأسست الدولة الحمادية سنة 405ه/1014م معلنة ولاءها للعباسيين في بغداد بعد سقوط الدولة الزيرية، أسسها حماد بن بلكين ونبغ فيها الناصر بن علناس. اشتهرت بجاية بالعلم والفنون وتطور الصناعة الحربية وأواني النحاس والفضة، كذا صناعة الشمع وازدهار تجارتها الخارجية.
عرفت الفترة الحمادية هجرة الهلاليين الشهيرة إلى المغرب العربي، وخاصة إلى الجزائر، وعرف المذهب المالكي أوج انتشاره في عهد الحماديين من قبل أبي حفص عمر بن الحسين الصابوني رئيس السادة المالكية في الجزائر في نشر المذهب المالكي. انتهى حكم الدولة الحمادية من بجاية على يد المرابطين، وأقام يوسف بن تاشفين دولة المرابطين التي دعا لها المهدي بن تومرت.
تولى عبد المؤمن بن علي الكومي الزناتي رئاسة الدولة الموحدية، واعتمد المذهب المالكي، وحمل السكان الأمازيغ للعمل بمذهب الإمام مالك رضي الله عنه. اشتهر في العهد المؤمني أبو مدين شعيب الأندلسي دفين تلمسان.
قامت على أنقاض الدولة الموحدية ثلاث دول: الحفصية، والمرينية، والزيانية، وظهر هذا الانقسام في فترة تأهب العالم المسيحي لاحتلال العالم الإسلامي.
في عهد الدولة الزيانية، ظهر أبو يحيى يغمراسن بن زيان الوادي، فشهدت تلمسان في عهده نموا كبيرا.
ما لبثت الإمارات الإسلامية أن تبسط نفوذها حتى بدأت جحافل الإسبان الصليبية تحوم حول حمى الجزائر. دخل الغزاة الإسبان مرسى وهران سنة 911ه/1505م بتواطؤ يهود بغيض، كل ذلك في ظل هوان للدولة الزيانية.
في سنة 1516م لبى الأخوان «عروج» و«خير الدين» لنداء الجزائريين، فكان لهما دور كبير في رد الهجمات الإسبانية عن الجزائر. حكم الجزائر العثمانيون ، ولم يكن حكما مزيلا لثوابت الشعب الجزائري؛ بل كان معززا له. كانت علاقة فرنسا بالجزائر ودية مبنية على مصالح مشتركة، حصلت فرنسا على امتيازات تجارية واقتصادية ودبلوماسية.
تقوت فرنسا من دعم الجزائر إلا أن مشروعها «الحضاري» في استعمار الجزائر كان دائم الحضور في اجتماعاتها وتحالفاتها، وكلف «بوتان» لإعداد خطة هجوم على الجزائر من سيدي فرج في يوليو 1808م. لجأت فرنسا إلى اعتماد وساطة اليهوديين ابن زاهوت ونافتالي بوشناق في تخليص ديون فرنسا نحو الجزائر، وهما اللذان يئول لهما حصار الجزائر والحملة عليها ثم احتلالها، وكانت حادثة المروحة من سنة 1827م سببا واهيا لقرار غزو الجزائر.
تحطم الأسطول الجزائري في معركة نافارين من نفس السنة، ووقع أول إنزال بحري للقوات الفرنسية سنة 1830م، ولم يقم الجيش التركي بأي محاولة للدفاع؛ بل يحسب على الحكم العثماني في الجزائر أن الباشا حسين وقع معاهدة الاستسلام في 5 يوليو 1830م مع شارل العاشر دون أية مقاومة.
منذ أن وطئت أقدام الفرنسيين أرض الجزائر بدأ التفكير والإعداد لصد عدوانها عن طريق الثورات الشعبية المنطلقة من المساجد بزعامة الطرق الدينية التي هزت أركان فرنسا؛ فقد كان السبق العظيم للأمير عبد القادر في تأسيسه للدولة الجزائرية الحديثة. واتسع أفق الثورات الشعبية الجزائر كلها، وكان أبرزها: ثورة الحاج أحمد باي، وثورة أولاد سيدي الشيخ، وثورة محمد بن تومي شوشة وبن شهرة، وثورة الزعاطشة، وثورة محمد الأمجد بن عبد الملك المعرف بالشريف «بوبغلة»، وثورة الصبايحية، وانتفاضة أولاد عيدون بالمليلية، وثورة لالة فاطمة نسومر، وثورة المقراني والشيخ محمد أمزيان الحداد وبومرزاق، وثورة الحسين بن أحمد الملقب بمولاي الشقفة، ويحيى بن محمد، وأولاد بن عاشور، وثورة الشيخ بوعمامة، وثورة الشيخ آمود ... إلخ.
برزت الحركة الوطنية الجزائرية بداية من نشاط محمد البدوي، ثم تشكلت حركة «الشبان الجزائريين» المطالبة بإلغاء قانون الإنديجينا، وأضاف الأمير خالد دفعا للحركة الوطنية، وتعززت بنشاط جمعية العلماء المسلمين.
مباشرة بعد إعلان انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، خرج الشعب الجزائري فرحا به معتقدا وفاء فرنسا بوعدها لنيل الاستقلال، فكان رد «الجميل» بمجزرة مروعة استشهد فيها 45 ألفا من الجزائريين، حلت على إثرها كل الأحزاب السياسية، وألقت القبض على الزعماء السياسيين والإصلاحيين. تقرر سنة 1947م تكوين منظمة شبه عسكرية بقيادة محمد بلوزداد، ثم تأسست «اللجنة الثورية للحرية والعمل» في شهر مارس 1954م. وفي 25 يونيو 1954م اجتمع الأعضاء ال 22 من المناضلين الذين آمنوا بالعمل المسلح.
قامت ثورة أول نوفمبر 1954م المباركة ودوى صداها في الداخل والخارج، وكان رد فعل فرنسا على الثورة الجزائرية متوقعا: القتل الجماعي، والاغتيالات، والتشريد والتعذيب، والمحاكمات الجائرة ...
لكن على الرغم من ذلك لم يتخلف الشعب الجزائري عن موعد الثورة التحريرية.
كان لهجوم 20 أغسطس 1955م ومؤتمر الصومام 20 أغسطس 1956م الأثر الإيجابي في فك الحصار على الثورة ودفع قوتها، ولمظاهرات 11 ديسمبر 1960م ومظاهرات 17 أكتوبر 1961م دور في إسماع صوت الجزائر في المحافل الدولية.
بعد رفض تام لأي تفاوض، ها هي فرنسا تقبل بالأمر الواقع، وتدخل في مفاوضات مع الثورة الجزائرية، انتهت بإجراء استفتاء لتقرير المصير في يوليو 1962م، ثم الإعلان عن استقلال الجزائر في 5 يوليو 1962م بعد حرب قدم فيها الشعب الجزائري التضحية والفداء وشارك فيها حتى الحيوان.
عهد جديد بعد الاستقلال لاح في سماء الجزائر مبشرا بالعيش الرغيد في كنف سياسة مستلهمة قواعدها وسياساتها من بيان أول نوفمبر الذي أسس مشروعها على قواعد عقدية وتحررية ودوافع للرقي الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.
إن الجزائر التي تغنى بها مفدي زكريا في إلياذته هي جزائر المعجزات في بطولاتها ومبادئها وحبها لتحرر الأوطان المضطهدة وغبطتها في الوحدة العربية والمغاربية والإسلامية، إنها جزائر المعجزات في علمائها من صف أبي حمزة والأخضري وأبي مروان والشيخ طفيش محمد بن يوسف وابن الفكون ومحمد القسنطيني وعبد القادر البجاوي وحمدان بن الونيسي وابن باديس والشيخ عاشور، إنها جزائر المعجزات في تواصلها مع العالم العربي والإسلامي، وفي استلهام نخبتها الوطنية من مناهج النهضة الحضارية في المشرق العربي للشيخ رضا ومحمد عبده وجمال الدين الأفغاني وتوري السموري وعمر المختار وشامل الداغستاني وسليمان الباروني وشكيب أرسلان.
إنها كذلك جزائر المعجزات في حفاظها على ثوابت الأمة وعنايتها بدور العبادة والمساجد، وإقامتها لملتقيات الفكر الإسلامي، وحفاظ نسائها ورجالها وشبابها على مبادئ الدين القويم وارتباطهم بوطنهم المجيد.
هذا رغم زيغ وانحراف بعض المحسوبين على الطبع الأصيل للشعب الجزائري والذين صدر عنهم بعض الانحراف الخلقي.
تلك خاتمة أو خلاصة «ملحمة الجزائر» حاولت أن أقف على أهم المحطات التاريخية التي ذكرها مفدي زكريا في الإلياذة بداية من:
جزائر يا مطلع المعجزات
ويا حجة الله في الكائنات
إلى:
إليك صلاتي وأزكى سلامي
بلادي بلادي، الأمان الأمان
إنها إلياذة الجزائر الزاخرة بالمواعظ التاريخية والمفاخر البطولية التي حق لكل جزائري أن يفخر بها ويحافظ على ما حققه الرعيل السابق من أجل تطورها ونمائها بين الأمم، والبعيدة عن كل عامل من عوامل التفرقة بين الجزائريين.
فيا أيها الناس هذي بلادي
ومعبد حبي وحلم فؤادي
وإيمان قلبي وخالص ديني
ومبناه في ملتي واعتقادي
الملحقات
ملحق رقم 1
إحصائيات القيم في الإلياذة.
المقاطع
القيم الجمالية
القيم التاريخية
القيم الوطنية
عدد الأبيات
الأبيات
290
428
283
1001
النسبة
28,97
42,76
28,27
100,00
1
10
10
2
7
2
1
10
3
8
2
10
4
7
3
10
5
7
3
10
6
6
4
10
7
8
2
10
8
9
1
10
9
5
5
10
10
10
10
11
4
6
10
12
7
3
10
13
8
2
10
14
10
10
15
6
4
10
16
8
1
1
10
17
6
1
3
10
18
10
10
19
8
2
10
20
1
9
10
21
10
10
22
8
2
10
23
2
8
10
24
3
2
5
10
25
7
3
10
26
10
10
27
10
10
28
9
1
10
29
10
10
30
3
7
10
31
10
10
32
1
9
10
33
1
9
10
34
10
10
35
10
10
36
7
3
10
37
10
10
38
10
10
39
10
10
40
10
10
41
10
10
42
5
5
10
43
2
8
10
44
4
6
10
45
10
10
46
3
7
10
47
10
10
48
2
8
10
49
10
10
50
2
8
10
51
10
10
52
3
2
5
10
53
1
9
10
54
10
10
55
6
4
10
56
10
10
57
8
2
10
58
8
2
10
59
2
8
10
60
7
1
2
10
61
4
4
2
10
62
8
2
10
63
10
10
64
9
1
10
65
4
2
4
10
66
10
10
67
1
1
8
10
68
10
10
69
4
6
10
70
5
5
10
71
10
10
72
10
10
73
5
5
10
74
2
2
6
10
75
10
10
76
2
8
10
77
10
10
78
1
9
10
79
10
10
80
10
10
81
10
10
82
2
8
10
83
10
10
84
2
8
10
85
1
9
10
86
10
10
87
10
10
88
10
10
89
10
10
90
10
10
91
10
10
92
8
2
10
93
10
1
11
94
10
10
95
3
7
10
96
8
2
10
97
10
10
98
10
10
99
10
10
100
10
10
ملحق رقم 2
ضريح يوبا الثاني وزوجته كيليوباترا سيليني. سيدي راشد-تيبازة. مصنف ضمن التراث العالمي للإنسانية سنة 1982م.
ضريح ماسينيسا بالخروب. ولاية قسنطينة. مصنف ضمن التراث الوطني.
تيمقاد مدينة أثرية رومانية. ولاية باتنة. مصنفة ضمن التراث العالمي.
تيبازة مدينة أثرية رومانية. مصنفة ضمن التراث العالمي.
ملحق رقم 3
منظومة الشيخ عبد الرحمن الأخضري، مخطوط 1 و2 / 7.
منظومة الشيخ عبد الرحمن الأخضري، مخطوط 3 و4 / 7.
منظومة الشيخ عبد الرحمن الأخضري، مخطوط 5 و6 / 7.
مخطوط منظومة الشيخ عبد الرحمن الأخضري (المرجع: مدونة سيدي بن عزوز البرجي عن خزانة المخطوطات بالمكتبة الموهوبية ببجاية).
ملحق رقم 4
ملحق رقم 5
صورة الأمير عبد القادر بن محيي الدين.
مراسيم نقل رفاة الأمير عبد القادر 5 / 7 / 1966م.
ملحق رقم 6
Fac-similé de la convention additive du 4 juillet 1838 (reproduit par LEYNADIER et CLAUZEL,
Histoire de l’Algérie française.
t. II, 1846, p. 68) .
Le gros cachet rond est celui du maréchal valée, le plus petit est celui de l’envoyé d’Abd el-Kader Mouloud ben Arrach .
ملحق رقم 7
Source: Relation de la guerre d’Afrique: pendant les années 1830-1831, Claude Antoine Rozet, volume 1, Fimin Didot frêres, Paris, 1831, page 268 (وثيقة رقمية).
ملحق رقم 8
عن موقع أحمد توفيق المدني
www.elmadani.org .
ملحق رقم 9
عن موقع أحمد توفيق المدني
www.elmadani.org .
ملحق رقم 10
عن موقع أحمد توفيق المدني
www.elmadani.org .
عن موقع أحمد توفيق المدني
www.elmadani.org .
عن موقع أحمد توفيق المدني
www.elmadani.org .
ملحق رقم 11
ملحق رقم 12
ملحق رقم 13
ملحق رقم 14
ملحق رقم 15
صورة عن مجازر 8 مايو 1945م.
مشهد من مشاهد إذلال واحتقار وتعذيب الشعب الجزائري في أبشع صوره.
ملحق رقم 16
وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا (سورة النساء: 102).
المراجع
ابن الأحمر، «تاريخ الدولة الزيانية بتلمسان» - تحقيق هاني سلامة - مكتبة الثقافة الدينية للنشر والتوزيع، مصر، 2001م.
أبو القاسم سعد الله، «أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر»، الجزء الرابع، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى، بيروت، 1996م.
أبو القاسم سعد الله، «محاضرات في تاريخ الجزائر الحديث: بداية الاحتلال»، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الطبعة الثالثة، الجزائر، 1982م.
أبو محمد علي بن حزم الأندلسي، «طوق الحمامة في الألفة والألاف»، مكتبة عرفة، دمشق، 1931م.
أحمد توفيق المدني، «قرطاجنة في أربعة عصور، من عصر الحجارة إلى الفتح الإسلامي»، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1986م.
أحمد توفيق المدني، «كتاب الجزائر»، المطبعة العربية، الجزائر، 1931م.
آغا بن عودة المزاري، «طلوع سعد السعود في أخبار وهران والجزائر وإسبانيا وفرنسا إلى أواخر القرن التاسع عشر»، الجزء الأول، دار الغرب الإسلامي، الجزائر، 1990م.
بوزياني الدراجي، «عبد الرحمن الأخضري العالم الصوفي الذي تفوق في عصره»، الطبعة الثانية، البلاد، الجزائر، 2009م، ص14.
جلال الدين المحلي وجلال الدين السيوطي، «تفسير الجلالين»، دار الكتاب العربي، بيروت، 2005م.
شاوش حباسي، «من مظاهر الروح الصليبية للاستعمار الفرنسي بالجزائر 1830-1962م»، دار هومة، الجزائر، 1998م.
صالح بن قربة، سامية بوعمران وخالف محمد نجيب، «تاريخ الجزائر في العصر الوسيط من خلال المصادر»، المركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر 1954م، الجزائر، 2007م.
عبد الحليم عويس، «دولة بني حماد، صفحة رائعة من التاريخ الجزائري»، دار الصحوة للنشر والتوزيع، القاهرة، 1991م.
عبد الرحمن بن خلدون، «ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر»، الجزء السادس، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 2000م.
عبد الرحمن بن محمد الجيلالي، «تاريخ الجزائر العام»، مكتبة الشركة الجزائرية، الجزائر، 1965م.
عبد الرحمن الثعالبي، «غنيمة الوافد وبغية الطالب الماجد»، تحقيق محمد شايب شريف، دار ابن حزم، الطبعة الأولى، بيروت، 2005م.
عبد الكريم الفكون، «منشور الهداية في كشف حال من ادعى العلم والولاية»، تقديم وتحقيق الدكتور أبو القاسم سعد الله، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى، بيروت، 1987م.
علاوة عمارة، «دراسات في التاريخ الوسيط للجزائر والغرب الإسلامي»، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 2008م.
عمار بوحوش، «التاريخ السياسي للجزائر من البداية ولغاية 1962»، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى، بيروت، 1997م.
عمورة عمار، «موجز في تاريخ الجزائر»، دار ريحانه للنشر والتوزيع، الجزائر، الطبعة الأولى، 2002م.
غنيمي هلال، «الأدب المقارن»، دار الكتب، القاهرة، 1970م.
فتيحة فرحاتي، «نوميديا من حكم الملك جايا إلى بداية الاحتلال الروماني، الحياة السياسية والحضارية (213-46ق.م)» منشورات أبيك، الجزائر، 2007م.
مبارك بن محمد الميلي، «تاريخ الجزائر في القديم والحديث»، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1989م.
محمد الهادي جارش، «التاريخ المغاربي القديم السياسي والحضاري منذ فجر التاريخ إلى الفتح الإسلامي»، المؤسسة الجزائرية للطباعة، الجزائر، 1992م.
محمد بن عبد الله التنسي، «تاريخ بني زيان ملوك تلمسان»، المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية، الجزائر، 2011م.
محمد بن لخضر فورار، «أبحاث في اللغة والأدب الجزائري»، مجلة المخبر، جامعة محمد خيضر ببسكرة، العدد الثامن، 2012م.
محمد حسن العيدروس، «المغرب العربي في العصر الإسلامي»، دار الكتاب الحديث، القاهرة، 2008م.
محمد رجب البيومي، «النهضة الإسلامية في سير أعلامها المعاصرين»، الجزء الأول، دار القلم، دمشق، 1995م.
محمد كمال سليمان حمادة، «الخطاب الشعري عند ابن حمديس الصقلي»، رسالة ماجستير، الجامعة الإسلامية بغزة، 2012م.
محمود آغا بوعياد، «تاريخ بني زيان ملوك تلمسان، مقتطف من نظم الدر والعقيان في بيان شرف بني زيان»، المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية، الجزائر، 2011م.
محمود شاكر، «التاريخ الإسلامي: التاريخ المعاصر، بلاد المغرب»، المكتب الإسلامي، بيروت، 1996م.
مفدي زكريا، «إلياذة الجزائر»، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1987م.
مفدي زكريا، «أمجادنا تتكلم»، جمع وتحقيق مصطفى بن الحاج بكير حمودة، مؤسسة مفدي زكرياء والوكالة الوطنية للإشهار، الجزائر، 2003م.
مولود قاسم نايت بلقاسم، «شخصية الجزائر الدولية وهيبتها العالمية قبل سنة 1830»، دار الأمة، الجزء الثاني، الجزائر، 2007م.
نبيل أحمد بلاسي، «الاتجاه العربي الإسلامي ودوره في تحرير الجزائر»، الهيئة المصرية العامة للكتاب، الإسكندرية، 1990م.
ياقوت بن عبد الله الحموي، «معجم البلدان».
إلياذة الجزائر
مقدمة الطبعة الأولى
إلياذة الجزائر
في آخر الملتقى الخامس للتعرف على الفكر الإسلامي في وهران 1391ه/1971م أعلنا أن الملتقى السادس سينعقد بعاصمة الجزائر بمناسبة العيد العاشر لاسترجاع استقلالنا والذكرى الألفية لتأسيسها مع المدية ومليانة على يدي بلكين بن زيري.
ووفاء بوعدنا، ركزنا جدول أعمال هذا الملتقى على التاريخ، لمراجعته، وكتابته من جديد، وتصفيته من جميع ما علق به عن روية وسبق إصرار من شوائب وتزييفات، لمعرفة ماضينا، والاستفادة من تجاربه في بناء حاضرنا ومستقبلنا، في الجزائر والمغرب الكبير، والعالم الإسلامي الأوسع.
ولهذا طلبنا من المناضل الكبير، الشاعر الملهم، شاعر الكفاح الثوري السياسي، وشاعر الكفاح الثوري المسلح، الأستاذ مفدي زكريا، صاحب الأناشيد الوطنية «من جبالنا طلع صوت الأحرار» سنة 1932م، و«فداء الجزائر روحي ومالي» سنة 1936م، و«قسما» سنة 1955م، و«اعصفي يا رياح»، ونشيد جيش التحرير الوطني، ونشيد العمال، ونشيد الطلبة، واللهب المقدس - وبعضها وضعها في سجن السركاجي - أقول طلبنا منه أن يضع لنا نشيدا جديدا يجمع هذه الأناشيد كلها، ويشمل فيه وبه تاريخ الجزائر من أقدم عصورها حتى اليوم، مركزا على مقاومتنا لمختلف الاحتلالات الأجنبية، وعلى العهود الحضارية الزاهرة المتعاقبة، وحاضرنا ومستقبلنا في كفاحنا لاستعادة جميع ثرواتنا، ومقومات شخصيتنا وحصانتنا، وبناء مجد جديد لأمتنا.
وهذا ما فعله مفدي، وسمينا نشيد الأناشيد هذا: إلياذة الجزائر! وقد تمت الإلياذة الآن، وننشرها كاملة في هذه الطبعة، كما ننوي نشرها فيما بعد منفردة، مرفقة بصور رمزية وواقعية تجسم بعض معانيها.
الجزائر 1392ه/1972م
مولود قاسم نايت بلقاسم
مقدمة الطبعة الثانية
هذه المقدمة القصيرة وضعتها لطبع الإلياذة في صيف 1392ه/1972م، بطلب من شاعرنا مفدي زكريا، وموافقته على كل سطر؛ بل على كل كلمة منها، والتفاصيل عن الأناشيد زودني بها هو نفسه - رحمه الله - وصدرت هذه المقدمة مع الإلياذة كاملة سنة 1392ه/1972م في حياة شاعرنا الذي توفي - خمس سنين بعد ذلك - يوم الأربعاء الثاني من رمضان المعظم 1397ه/17 أغسطس 1977م.
وقد تحمس مفدي لفكرة نظم هذه الإلياذة بمجرد أن تلقى رسالتي، في بدء 1392ه/بدء 1972م، وعبر عن استعداده المطلق لتنفيذها، وتعاونا نحن الثلاثة: المرحومين مفدي زكريا وعثمان الكعاك، وكاتب هذه السطور، في وضع المقاطع التاريخية، فكنا نتهاتف ليلا، خاصة، وكانت البادرة في هذا الهتاف الليلي تعود غالبا إلى مفدي، الذي كان ينظم الإلياذة ليلا، وعندما يتوقف عند نقطة تاريخية ما، ويود التأكد والاطمئنان، يهتف من الرباط؛ حيث كان مديرا لجامعة شعبية، إلي في الجزائر، وإلى الأستاذ عثمان الكعاك في تونس ... وهكذا كان ذلك الحوار الثلاثي الليلي عن تاريخ الجزائر، بالذات، وبصفة أخص، وعن التاريخ المغربي عموما، وعن التاريخ الإسلامي بصفة أعم، بين هذه العواصم المغربية الثلاث، لتستقر النتيجة، وتتركز، وتسجل، وتخلد في عاصمة الجزائر، مقر الملتقى، وصاحبة البادرة في الإلياذة، كنقطة الارتكاز والمنطلق، تشع منها الإلياذة على مجموع المغرب، والأمة الإسلامية كلها، لتخلد ذات يوم في التراث البشري العام، تخلد خلود الإنسان.
هذا فضلا عن المراسلة المستمرة، التي كنت أقترح فيها عليه بعض النقاط وأعرضها عليه لإدراجها في الإلياذة، والتي كان يرسل إلي في ثناياها بالمقاطع أولا بأول، لأدفع بها إلى الخطاط الأستاذ عبد المجيد غالب الذي ينقلها بخطه الجميل الرائع؛ لأن خط مفدي، وإن كان أحسن من خطي بكثير، وبلا مقارنة، إلا أنه لم يكن في مستوى الإلياذة.
هكذا نشأت إلياذة الجزائر، إذن، ونمت، وترعرعت، ووصلت في ظرف بضعة أشهر إلى ستمائة وعشرة أبيات أنشدها مفدي، بصوته، ونبراته، وصرخاته، وإشاراته، وصيحاته، وسخرياته، وتهللاته، وغضباته، وتعجباته، في افتتاح الملتقى السادس للفكر الإسلامي في قاعة المؤتمرات من قصر الأمم «نادي الصنوبر» يوم 13 جمادى الثانية 1392ه/24 يوليو 1972م أمام أكثر من ألف طالب وأستاذ جامعي من القارات الخمس، وبحضور مسئولين كثيرين، منهم الإخوة محمد الشريف مساعدية، والدكتور أحمد طالب الإبراهيمي، والمرحوم محمد بن يحيى، والعربي الطيبي، كما حضر جزءا من إنشادها المرحوم الرئيس هواري بومدين، الذي استقبل مفديا في مكتبه بالرئاسة بعد اختتام الملتقى، وعبر له عن كل إعجابه بالأثر الخالد الباقي، وكنت وسيط الخير في ذلك اللقاء.
وبعد ذلك واصلت الإلياذة مسيرتها؛ أي واصل مفدي نظمها، إلى أن بلغت الواحد بعد الألف؛ أي الألف بيت وبيتا (1001) أو: الألف يوم ويوما، من الأيام الخالدة، في تاريخ هذه الأمة الخالدة، وتمجيد الخلود، والخلود لله، والعرب كانت تسمي التاريخ «الأيام»!
ولئن لم ينشد مفدي زكريا بصوته الخالد إلا الستمائة والعشرة أبيات منها، سجلتها التلفزة والإذاعة حين إنشادها في القاعة المذكورة، أمام جميع الملتقين؛ فقد طبعت الإلياذة بعد ذلك كاملة، بعد أن أتمها مفدي، بالألف بيت والبيت، في الجزء الأول من كتاب الملتقى السادس للفكر الإسلامي، وطبعت ترجمتها أيضا إلى الفرنسية في الطبعة باللغة الفرنسية التي لا تكاد تقل في روعتها وجمالها عن الأصل (من ترجمة الأستاذ الطاهر بوشوشي، نشر وزارة التعليم الأصلي والشئون الدينية، طبع دار البعث بقسنطينة)، وكل من الطبعتين في خمس وعشرين ألف نسخة.
وسميناها: إلياذة الجزائر، وإن كانت تمتاز عن إلياذة هوميروس بالفارق العملاق: فبينما هذه الأخيرة؛ أي الإلياذة اليونانية، لا تروي إلا أساطير، نجد الإلياذة الجزائرية قد خلدت أمجادا حقيقية، وسطرت تاريخ وقائع وأحداث هي من روائع الدهر، لا من خلق الجن، ولا من اصطناع شاعر، ولكن من صنع الإنسان الجزائري في الميدان!
وقد قسمها مفدي إلى جزأين: قسم الجمال؛ أي الجمال الطبيعي للبلاد، وقسم الجلال؛ أي المجد التاريخي، وإن تداخل القسمان أحيانا.
والإلياذة أحسن سجل لتاريخ الجزائر حتى اليوم؛ أي أحسن كتاب فيه، وعنه، وله، وحتى إذا ما كتب هذا التاريخ يوما ما بصفة كاملة، شاملة، فستبقى إلياذة الجزائر أروع تاريخ للجزائر، وأكثره وقعا في النفوس، وأسهله على الحفظ، والتذكر، والاستشهاد في معرض الاستشهاد والاحتجاج!
ولنكتف هنا بالإشارة إلى بضع مقطوعات فحسب، كالأولى التي بدأها مفدي هكذا:
جزائر يا مطلع المعجزات
ويا حجة الله في الكائنات
ثم إلى البيتين الأولين من الثانية:
جزائر يا بدعة الفاطر
ويا روعة الصانع القادر
ويا بابل السحر، من وحيها
تلقب هاروت بالساحر
ثم إلى هذه، التي هي روعة الروائع، ومنها:
وأوقفت ركب الزمان طويلا
أسائله: عن ثمود ... وعاد
وعن قصة المجد ... من عهد نوح
وهل إرم ... هي ذات العماد؟
فأقسم هذا الزمان يمينا
وقال: الجزائر ... دون عناد!
هل هناك من قال مثل هذا؟ ابحثوا في تاريخ الأدب العالمي!
ثم إلى هذه عن أولئك المغاوير، الطلائع، الذين مهدوا لفاتح نوفمبر، منذ العشرينيات واستشهد الكثير منهم قبل فاتح نوفمبر قائلا:
وطالت خرافات حرب الكلام
وما بلغ الشعب فيه المرام
فآمن بالنار من عرفوها
ومن كاشفتهم بسر النظام
1
وإلى هذا عن دور أول نوفمبر، وأبعاده، ونتائجه، وما يوحي به من دروس:
نوفمبر جل جلالك فينا
ألست الذي بث فينا اليقينا؟
إلى أن يقول:
جمعنا لحرب الخلاص شتاتا
سلكنا به المنهج المستبينا
ولولا التحام الصفوف وقانا
لكنا سماسرة مجرمينا
2
فليت فلسطين ... تقفو خطانا
وتطوي - كما قد طوينا - السنينا
وبالقدس تهتم ... لا بالكراسي
تميل يسارا بها ويمينا
ثم إلى هذا، بمناسبة ذكرى الملتقى السادس للفكر الإسلامي:
ويا ملتقى فكر إسلامنا
ومجلى قداسة إيماننا
3
ولئن اضطرته ظروف - تسبب فيها من تسبب من الزعانف - سامحها الله - إلى عدم الاستقرار في بلاده، كما كان يود، وإلى التنقل بينه وبين البلدين الشقيقين المجاورين، فها هو يرد عليها بهذه المقطوعة التي بدأها بالبيتين:
بلادي وقفت لذكراك شعري
فخلد مجدك في الكون ذكري
وألهمتني فصدعت الدنا
بإلياذتي في اعتزاز وفخر
ويضيف:
وقالوا: هجرت ربوع البلاد
وهمت مع الشعر في كل وادي
أجل ... لقد بعدت لأزداد قربا
ويلهب حب بلادي فؤادي
أرى في كيان الجزائر ذاتي
بكل اعتزاز وكل اعتداد
وإني بتخليد مجد بلادي
مقيم على العهد رغم البعاد!
وأخيرا، وكأنه أحس بقرب الميعاد مع خالقه - سبحانه وتعالى - إذ توفي بعد ذلك بقليل، فها هو يمجد بلاده للمرة الأخيرة، وهو يودعها الوداع الأخير ... قبل أن يعود إليها جثمانه الهامد، وروحه تحوم عليه، وترفرف خفاقة فوق طائرة جزائرية تقله من تونس بأمر الرئيس الراحل هواري بومدين، ليوارى في تربة بلاده، وفي وادي ميزاب بالذات، قائلا:
بلادي، بلادي، الأمان الأمان
أغني علاك، بأي لسان؟
جلالك تقصر عنه اللغى
ويعجزني فيك سحر البيان
إليك صلاتي، وأزكى سلامي
بلادي، بلادي، الأمان الأمان!
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
وهذه البلاد، التي قضى مفدي عمره في التعبير عن كفاحها، والتغني بأمجادها، وتخليد ذكراها، وكافح هو أيضا وعانى من أجلها، ها هي تعيد إليه اعتباره كاملا، الذي أرادت بعض تلك الزعانف - ومنها الأفاقة - أن تفقده إياه، ظلما وعدوانا، وتزييفا للتاريخ.
فها هو المجلس الشعبي الوطني، بتوجيه من الرئيس المجاهد الشاذلي بن حديد، يرسم نهائيا نشيد الثورة: «قسما بالنازلات الماحقات» ... الذي صاغه مفدي وصبغه بصبغة كل ما سبق، صبغة الله - ومن أحسن من الله صبغة؟ - ونفخ فيه من روحه، روح الأمة الجزائرية، وهو في زنزانة مظلمة باردة بسجن السركاجي: سجن «بربروس»، الذي كان يعرفه مفدي منذ الثلاثينيات، وعرفه قبله وبعده، كم من جزائري وجزائرية، وأعدم فيه أكثر من بطل من أبناء هذه البلاد رمز البطولة.
وها هي الإذاعة الوطنية تبث الستمائة والعشرة أبيات التي سجلتها هي والتلفزة من الإلياذة حين إلقائها بصوته الجهوري، وكأنه واقف أمامنا الآن في منصة قصر الأمم، ذلك الصوت النابض بالحياة، صوت من جبالنا، وفداء الجزائر، واعصفي يا رياح، وقسما، وصوت الإلياذة، التي هي جوف الفرا، وجمع الجوامع، ونشيد الأناشيد!
وها هي هذه الإلياذة الجزائرية العربية الإسلامية العالمية يعاد نشرها مرارا وبصور مختلفة: فتصدرها وزارة الثقافة والسياحة في ثلاث أسطوانات كبيرة، ويصدرها حزب جبهة التحرير الوطني - وريث وامتداد ومكمل جبهة التحرير الوطني، التي مجدها وخلدها مفدي في اللهب المقدس والإلياذة - بواسطة ودادية الجزائريين في أوروبا في ست لوحات (كاسيطات) بالعربية، وفي ست أخرى بالفرنسية، وها هي وزارة التربية تعيد طبعها وتوزيعها على المدارس وتلزم تدريسها، وها هي وزارة الشئون الدينية تعيد طبعها، وهي التي طلبت من مفدي نظمها، ثم طبعتها، ونشرتها، وتستمر في ذلك، خدمة للأدب الجزائري، العربي، العالمي، والروح الوطنية، وتاريخ الجزائر، وتاريخ الأمة الإسلامية عموما!
ثم ها هي المؤسسة الوطنية للكتاب تصدرها بدورها في هذه الطبعة الأنيقة، الجميلة في شكلها، لموافقة مضمونها، مع رسوم رمزية تبرز مغزى بعض المقطوعات المتصلة وثيق الاتصال ببعض الأحداث الرئيسية من تاريخنا.
والمؤسسة الوطنية للكتاب، بصفتها المؤسسة الأولى من نوعها في البلاد، ستضمن، لا شك، أجمل طبعة للإلياذة، وأكبر توزيع لها، حتى في الخارج؛ أي ستوصلها إلى كل مكان! نداء مدويا له صداه - باسم الجزائر - عبر الزمان والمكان!
والإلياذة تستحق كل هذا وأكثر. فهي إلياذة الجزائر؛ أي أجمل وأكمل صياغة لتاريخها، بآلامها وآمالها، بانتكاساتها وانتصاراتها، كما هي وظيفة التاريخ لأية أمة من الأمم؛ إذ هو عقلها، كما كان يقول الفيلسوف الألماني شوبنهاور: «التاريخ للأمم هو كالعقل للأفراد»؛
4
إذ إنه هو مرشدها ودليلها، وخلاصة تجاربها، وسجل مجدها ووجودها، كأمة بين الأمم، بتأكيده عناصر الشخصية ومكونات الذاتية والأصالة لديها، وإعطائها وجها بارز السمات، واضح المعالم والتقاسيم، ووجودا متميزا هو عنوانها، وبه تعرف وتنادى في المحافل.
فالتاريخ هو الأهم، والبداية والنهاية، وبيت القصيد، والزبدة من كل ثقافة، ليس فقط للتعريف بالأنجاد والأمجاد،
5
وليس فقط لاستخلاص التجارب، ولكن أيضا لغرس الاعتداد بالنفس، وتعميق الوعي بالذات، وتوطيد الاعتزاز بالوطن.
وليس هذا من باب التغني بالماضي والاكتفاء بما تركه لنا الأجداد، بقدر ما هي عملية إبراز الأسس الأصيلة للبناء عليها في انطلاقتنا الجديدة، مع الاستفادة من تجارب الأمم في جميع الأزمنة، وبأخذ ضرورات عصرنا بالاعتبار.
هذا هو مغزى إلياذة الجزائر، وهذه هي الإلياذة الخالدة، وشهادة ميلادها، ورحم الله زكريا، مفدي الفدائي، شاعر الفداء، ورحم الله جميع شهدائنا وأبطالنا عبر العصور، وفي مختلف الأصقاع والربوع.
الجزائر في السابع من رمضان المكرم 1407ه/5 مايو 1987م
مولود قاسم نايت بلقاسم
إلياذة الجزائر
جزائر، يا مطلع المعجزات
ويا حجة الله في الكائنات
ويا بسمة الرب في أرضه
ويا وجهه الضاحك القسمات
ويا لوحة في سجل الخلود
تموج بها الصور الحالمات
ويا قصة بث فيها الوجود
معاني السمو بروع الحياة
ويا صفحة خط فيها البقا
بنار ونور جهاد الأباة
ويا للبطولات تغزو الدنا
وتلهمها القيم الخالدات
وأسطورة رددتها القرون
فهاجت بأعماقنا الذكريات
ويا تربة تاه فيها الجلال
فتاهت بها القمم الشامخات
وألقى النهاية فيها الجمال
فهمنا بأسرارها الفاتنات
وأهوى على قدميها الزمان
فأهوى على قدميها الطغاة
اللازمة
شغلنا الورى ، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
جزائر، يا بدعة الفاطر
ويا روعة الصانع القادر
ويا بابل السحر، من وحيها
تلقب هاروت بالساحر
ويا جنة غار منها الجنان
وأشغله الغيب بالحاضر
ويا لجة يستحم الجمال
ويسبح في موجها الكافر
1
ويا ومضة الحب في خاطري
وإشراقة الوحي للشاعر
ويا ثورة حار فيها الزمان
وفي شعبها الهادئ الثائر
ويا وحدة صهرتها الخطوب
فقامت على دمها الفائر
ويا همة ساد فيها الحجى
فلم تك تقنع بالظاهر
ويا مثلا لصفاء الضمير
يجل عن المثل السائر
سلام على مهرجان الخلود
سلام على عيدك العاشر
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
جزائر، يا لحكاية حبي
ويا من حملت السلام لقلبي
ويا من سكبت الجمال بروحي
ويا من أشعت الضياء بدربي
فلولا جمالك ما صح ديني
وما إن عرفت الطريق لربي!
ولولا العقيدة تغمر قلبي
لما كنت أومن إلا بشعبي!
وإذا ذكرتك شع كياني
وإما سمعت نداك ألبي
ومهما بعدت، ومهما قربت
غرامك فوق ظنوني ولبي
ففي كل درب لنا لحمة
مقدسة من وشاج وصلب
وفي كل حي لنا صبوة
مرنحة من غوايات صب
وفي كل شبر لنا قصة
مجنحة من سلام وحرب
تنبأت فيها بإلياذتي
فآمن بي، وبها، المتنبي!
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
جزائر أنت عروس الدنا
ومنك استمد الصباح السنآ
وأنت الجنان الذي وعدوا
وإن شغلونا بطيب المنى!
وأنت الحنان، وأنت السماح
وأنت الطماح، وأنت الهنآ
وأنت السمو، وأنت الضمير الص
ريح الذي لم يخن عهدنا
ومنك استمد البناة البقاء
فكان الخلود أساس البنآ
وألهمت إنسان هذا الزمان
فكان بأخلاقنا مومنا
وعلمت آدم حب أخيه
عساه يسير على هدينا!
صنعت البطولات من صلب شعب
سخي الدماء فرعت الدنا
وعبدت درب النجاح لشعب
2
ذبيح فلم ينصهر مثلنا!
ومن لم يوحد شتات الصفو
ف، يعجل به حمقه للفنا!
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
أفي رؤية الله فكرك حائر
وتذهل عن وجهه في الجزائر؟
سل البحر والزورق المستهام
كأن مجاذيفه قلب شاعر!
وسل قبة الحور نم بها
منار على حورها يتآمر
سل الورد، يحمل أنفاسها
لحيدر مثل الحظوظ البواكر
وأبيار تزهو بقديسها
رفائيل يخفي انسلال الجآذر
تباركه أم إفريقيا
3
على صلوات العذارى السواحر
ويحتار بلكور في أمرها
فتضحك منه العيون الفواتر
وفي القصبة امتد ليل السهارى
ونهر المجرة نشوان ساهر
وفي ساحة الشهداء تعالى
4
مآذن تجلو عيون البصائر
وفي كل حي، غوالي المنى
وفي كل بيت نشيد الجزائر
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
سل الأطلس الفرد عن جرجرا
تعالى يشد السما بالثرى!
فيختال كبرا، تنافسه
تقجدا فلا يرجع القهقرى
تلون وجه السماء به
فأصبح أزرقها أخضرا
وتجثو الثلوج على قدميه
خشوعا، فتسخر منها الذرى
هو الأطلس الأزلي الذي
قضى العمر يصنع أسد الشرى!
وتسمو بأوراس أمجاده
فتصدع في الكون هذا الورى
فيا من تردد في وحدة
بمغربنا وادعى، وامترى
أما وحد الأطلس المغربي
معاقلنا، بوثيق العرى؟
أما طوقتنا سلاسله
فطوق تاريخنا الأعصرا؟
وكم فوقه انتظمت قمم
فهل كان يعقد مؤتمرا؟
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
وفي باب واديك أعمق ذكرى
أعيش بأحلامها الزرق دهرا
بها ذاب قلبي، كذوب الرصاص
فأوقد قلبي، وشعبي جمرا
وثورة قلبي، كثورة شعبي
هما ألهماني، فأبدعت شعرا
إذا القلب لم ينتفض للجمال
ولم يبل في الحب حلوا ومرا
فلا تثقن به في النضال
ولا تعتمد في المهمات صخرا!
ولا يكتم السر إلا المشوق
ومن لم يهم ليس يكتم سرا!
وحرب القلوب كحرب الشعوب
ومن صدق العهد، أحرز نصرا
وعلمني الحب، حب الفدا
فكنت بحبي وشعبي برا
ويشهد لي فيه وادي قريش
سلوا قلبه، فهو مني أدرى
وديري
5
الذي كنت أتلو به
صلاتي - مع الليل - سرا وجهرا
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
عرجنا، ننافح باينام
6
ضحا
كأنا اغتصبنا لهامان صرحا
نسائل أشجاره الفارعات
حديث النجوم، فتبدع شرحا
ويلتف ساق بساق، فنصبو
فيغمرنا ملتقى الفكر نصحا!
كأن عمالق باينام جمع
بباريس، يبني لفيتنام صلحا!
كأن الإله الجميل تجلى
فأغرق باينام حسنا وأوحى!
يتيه به النجم
7
بين النجوم
دلالا، فيطلع في الليل صبحا
تموج مع الشمس أسراره
وسر الهوى ماثل ليس يمحى!
فكم بات يبكي به موجع
ويسفح دمعا، فيغمر سفحا
وكم من جريح الفؤاد اشتكى
فأثخن باينام في الصب جرحا
وكم من صريع الغواني، تداوى
بأنسام باينام فازداد لفحا
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
سجا الليل في القصبة الرابضة
فأيقظ أسرارها الغامضه
وبين الدروب، وبين الثنايا
عفاريت، مائجة راكضه
وملء سراديبها الكافرات
تصاغ قراراتنا الرافضه
فيحتار بيجار
8
في أمرها
ويحسبها موجة عارضه
فيفجؤ بيجار إصرار شعب
وتدمغه الحجة الناهضه
ويأبى علي
9
رضوخ الجنان
فتسمو به روحه الفائضه
كأن اشتباك السطوح جسور
بها امتدت الثورة الفارضه
كأن المضائق فيها خليج
تمور به السفن الخائضه
ويلتف جار بحار، كما
تعانفت المهج النابضة
فكانت على حظ حرب الخلاص
وأعمار أعدائنا قابضه
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
وبلكور للمجد شق طريقه
وخط معالمها في السويقه
10
وعجل أقدار يوم الخلاص
وكان يحاسبها بالدقيقه
فأيقن ماسو
11
وكان تغابى
وما عاد يجهل ماسو الحقيقه
وعاجل سالان
12
صحو السكارى
فبدد أحلام مايو الصفيقه
وسوستال
13
بالرعب طار شعاعا
فغص، وما اسطاع يبلع ريقه
ورجت حواجزهم
14
بالغلاة
غريق يشد بذيل غريقه
تشيعهم أدمع العاشقات
15
وهيهات تجدي دموع العشيقه
ويضحك فوروم
16
من حيوان
غواه السراب، فضل طريقه
ومن خائرين كأعجاز نخل
ضمائرهم في المزاد، رقيقه
وحسب الجزائر، أبطال بلكو
ر والقصبة الحاملين الوثيقه
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
وحمام ملوان
17
مل المجونا
وأنهى غوايته والفتونا
وفضل خوض الحمام، بديلا
عن المستحمات، والعائمينا
وقد عاش دربا لحلو الأماني
فأصبح دربا يلاقي المنونا
وكان كمين الضبا والذئاب
فصار لصيد الذئاب كمينا
وغاضت به، ثورات الهوى
ففجرت العزم في الثائرينا
وأعلن توبته في الجبال
فكان الرصاص القصاص الضمينا
ومد اليمين لداعي الفدا
فأقسم أن لا يخون اليمينا
وشمر، يرفض دنيا الملاهي
وينفض عنه غبار السنينا
وأضفى الجمال عليه جلالا
وكان الجلال عليه ضنينا
هي الأرض ... أرض الجزائر ... مهما
غوت، وصبت ... أبدا ... لن تخونا
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
وحمام ريغة
18
بين الروابي
ترنح طوع الهوى والتصابي
يصعد في الجو أنفاسه
عبيرا ... وأحشاؤه في التهاب
وتغلي المواجد في صدره
تطارحها نزوات الشباب
يحاول كتمان أسراره
فتفضحه خائنات الحباب
أيخفي هواه وفي راحتيه
تموج المحاسن ملء الرحاب؟
وتختال بين يديه اخضرارا
شواهق تزجي ركاب السحاب
مدامعه يتداوى بها
كما يتداوى بحلو الرضاب
وأنفاسه تغمر الصب دفئا
فينسى حرارة يوم الحساب!
ومنها استمد المجاهد عزما
فراع الدنا، بالعجيب العجاب
وفجر ثورته من لظاها
وسار على هديها في الغلاب
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
شريعتنا، كجلال الشريعه
19
كمالاتها، راسخات ضليعه
كأن الذي شرع الصالحات
أقام الدليل فأعلى الشريعه
وعمر فيها بني
20
صالح
فزكى الصلاح جمال الطبيعه
تطل جواسقها الضارعات
شواخص تحمد رب الصنيعه
كذوب النجوم على قدميها
فيبدع منها الزمان ربيعه
وتاه الصنوبر، كبرا وعجبا
على القمم الشامخات الرفيعه
ومن تك فيه الأصالة طبعا
تجبه الجذوع
21
الطوال مطيعه!
وفاخر بالأرز لبنان، وهما
وخلد فيه الأغاني البديعه!
ولولا تواضع أطلسنا
لكانت جزائرنا في الطليعه!
إلا أن حرمة ما بيننا
وما بين لبنان كانت شفيعه
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
تسلق إيعكورن واغز السها
وطاول به سدرة المنتهى!
فيخجل هامان من صرحه
ويعجز أن يبلغ المشتهى
22
وعانق بجاية في نخوة
يعانق حناياك سر البها
وناج بزغواط سرب الظبا
تناغك من حلق يتشي المها
عجائبها السبع
23
لا تأتلي
24
تتيه، فيحتار فيها النهى
ووادي الهوى والهواء بسرتا
يزكي مسيد
25
الهوى خلفها
تهدهده النسمات كأم
تهدهد - طوع الكرى - طفلها!
وفي جبل الوحش تاهت بلادي
شموخا، فأحنى الزمان لها
فلو شاء ربك وصف الجنان
ليغري الأنام ... بها شبها!
أضاع بها ذو الحجى رشده
ولو لم يخف ربه ... ألها ...
26
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
أمانا، ربوع الندى والحسب
أمانا تلمسان، مغنى الأدب
تماوج وهران في أصغريك
27
وفاس، فأبدع فيك النسب
وتاه الوريط بشلاله
يلقن زرياب معنى الطرب
وأغرى الملوك بحب الملوك
فأخلص في حبها كل صب
ولولا عناصر مليانة
وعين النسور لكنت العجب
تلمسان، أنت عروس الدنا
وحلم الليالي، وسلوى المحب
بحسنك، هام أبو مدين
وفي معبد الحب شاد القبب
وأجرى بك الروم ساقية
28
بها أسكر الحسن بنت العنب
وفي مشور المجد
29
أذن موسى
30
وخلد زيان
31
مجد العرب
ونافح فردوسك ابن خميس
32
ويحيى ابن خلدون
33
فيك التهب
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
وسبح لله ما في السماوا
ت والأرض، ملء شفائف شفا
34
كأنك تصغي بها للخليل
وموسى الكليم، يرتل صحفا
35
كأن مشارفها الحالمات الض
واحك، إلف يغازل إلفا!
كأن البليدة للورود تفشي
حديث الغرام، فيزداد لهفا
وتهفو المدية شوقا إليه
36
تطارحه صفوة الكأس صرفا
ويهتز قصر البخاري هياما
ويصبو البخاري فتحجل جلفا
أبالغوطتين يباهي الشآم
37
وأغواطنا بالشآم استخفا؟
كأن حدائقه العابقات
نوافج
38
مسك تضوعن عرفا
وفي رحب تيلغمت تاه الغزال
على الشمس يختال لطفا وظرفا
ويحفظ ميزاب لوح الجلال
فيصبح ميزاب في اللوح
39
حرفا
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
تقدس واديك، منبع عزي
ومسقط رأسي، وإلهام حسي
وربض أبي ... ومرابع أمي
ومغنى صباي، وأحلام عرسي
وفخر الجزائر، فيك تناهت
مكارم عرب، وأمجاد فرس
وأحفاد أول من ركزوا
سيادة أرض الجزائر أمس
دماء ابن رستم ملء الحنايا
صوارخ يلهبن عزة نفسي
وعرق الأصالة طهر طبعي
ونور الهداية أذهب رجسي
40
وكرمت، باسم المفاخر، قومي
وشرفت، باسم الجزائر جنسي
إذا للكريهة نادى المنادي
بذلت حياتي، وودعت أنسي
وإن للسخاء استجاب كريم
ففي الجود لقنت أروع درس
وإن شيدوا للبقاء والخلود
جعلت وفاتي دعامة أس
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
ألا ... ما لهذا الحساب ... وما لي؟
وصحراؤنا ... نبع هذا الجمال
هنا مهبط الوحي للكائنات
حيال النخيل ... وبين الرمال
ومهد الرسالات للعالمين
ونور الهدى، ومصب الكمال
هنا العبقريات والمعجزات
وصرح الشموخ، وعرش الجلال
تبادلنا الشمس إشعاعها
ويلهمنا الصفو نور الهلال
ونعدو فنسبق أحلامنا
ونهزأ من وثبات الغزال
وجنبنا الغدر ... ماء الغدير
وحذرنا الظل نهج الضلال
41
وعودنا الصدق ... راعي المواشي
وعلمنا الصبر ... صبر الجمال
وأخرجت الأرض أثقالها
42
فطار بها العلم ... فوق الخيال ...!
توفر للشعب أقداره
وتكفي الجزائر ... ذل السؤال!
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
فيا أيها الناس ... هذي بلادي
ومعبد حبي، وحلم فؤادي
وإيمان قلبي، وخالص ديني
ومبناه ... في ملتي واعتقادي
بلادي، أحبك، فوق الظنون
وأشدو بحبك، في كل نادي
عشقت لأجلك كل جميل
وهمت لأجلك، في كل وادي ...
ومن هام فيك، أحب الجمال
وإن لامه الغشم، قال: بلادي!
لأجل بلادي، عصرت النجوم
وأترعت كأسي، وصغت الشوادي
وأرسلت شعري ... يسوق الخطى
بساح الفدا ... يوم نادى المنادي
وأوقفت ركب الزمان طويلا
أسائله: عن ثمود ... وعاد ...
وعن قصة المجد ... من عهد نوح
وهل إرم ... هي ذات العماد؟
فأقسم هذا الزمان يمينا
وقال: الجزائر ... دون عناد!
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
وقفنا نحيي بها ألف عام
ونقرئ زيري العظيم السلام
فقام بولوغين
43
في عيدنا
يهز الدنا، ويروع الأنام
وسيبوس
44
فاض فتاه دلالا
يعانق زيري المليك الهمام
بولوغين إن صانها
45
فيرموس
وحازت أكوسيوم
46
أقصى المرام
وهب الأمازيغ من دوناطوس
46
تصول وتزجي الخميس اللهام
47
فأبناء مازيغ قادوا الفدا
وخاضوا المعامع يوم الصدام
48
وساقوا المقادير، طوع خطاهم
وشادوا البنا ... وأقروا النظام
رعى الله عشرا تنافس عشرا
49
وصان ذماما تراعي الذمام
وبورك يوليوز في حالتيه
فما الفجر إلا وليد الظلام!
وجلت بطولات أرض الجزائ
ر مهد الأسود وربع الكرام
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
دعوا ماسينيسا
50
يردد صدانا
ذروه يخلد زكي دمانا
وخلوا سفاكس يحكي لروما
مدى الدهر كيف كسبنا الرهانا
وكيف غدا ظافرا ماسينيسا
بزامة لم يرض فيها الهوانا
وكم ساوموه، فثار إباء
وأقسم أن لا يعيش جبانا
وألهمه الحب نيل المعالي
وقد كان - مثلي - يهوى الحسانا ...
ومن صنعت روحه سوفونيزبا
جدير بأن يتحدى الزمانا
تغذيه حبا وفنا وعلما
وتنبيه ما قد يكون وكانا
فجاء يغورطا
51
على هديه
بحكم الجماهير يفشي الأمانا!
وقال: «مدينة روما تباع
لمن يشتريها!» فهز الكيانا!
ووحد سيرتا بأعطاف كاف
وأولى الأمازيغ عزا وشأنا
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
صمود الأمازيغ عبر القرون
غزا النيرات، وراع النجوما
فكم أزعجوا نائبات الليالي!
وكم دوخوا المستبد الظلوما
سلوا طبرية يذكر تبيريوس
تيكفرناس يوالي الهجوما
52
ثمان سنين يصارع روما
فدق المسامير في نعش روما!
وأوحى له الأطلس الوحدوي
فوحدنا فانطلقنا رجوما
سلوا بربروس يجبكم فراكس
ن من جرجرا كيف أجلى الغيوما
53
وقالوا: أراد يون بالكاف أودى!
هل الموت عيسى؟ يداوي الكلوما
54
وهذا أغوستنس بالاعترافا
ت حير - عبر الزمان - الفهوما
55
وأسقف بونة أصبح قدي
س قرطاج مذ بث فيها العلوما
وكان أغستنس فخر البلاد
وكان بها الفيلسوف العظيما
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
أشرشال! ... هلا تذكرت يوبا؟
ومن لقبوا عرشك القيصريه؟
56
ومن مصروك فنافست روما؟
وشرفت أقطارنا المغربيه
لماذا يلقب يوبا بثان؟
أما حقق السبق في المدنيه؟
وباهي بشرشال جنة عدن؟
وزان حدائقها السندسية؟
أما كان أول من خط رسما
لوجه جزيرتنا العربيه؟
أما شاد يوبا بشرشال للعلم
أول جامعة أثريه؟
وهذا أبولوس كان طبيبا
يدين له العلم بالعبقريه
57
وأبدع في قصص الحيوان
فأثر في القصص الأمويه
وكان الأفارق في منتداهم
بروما يخصونه بالتحيه
وكان أبولوس قاضي روما
ليمناه ترفع كل قضيه
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
أولئك آباؤنا، منذ عيسى
وكان محمد صهرا
58
لعيسى
ولاح الصباح، فهز السكارى
وأجلى الندامى، ورض الكئوسا
وأيقظ حلم الليالي الحبالى
وأسرج في الكائنات الشموسا
وأهوى على البغي يذرو الجذوع
ويغرس في الجبروت الفئوسا
وحذر آدم ظلم أخيه
وسوى الحظوظ، وأعلى الرءوسا
وأخرج حواء من رمسها
فألهمت الروح هذي الرموسا
لئن حارب الدين خبث النفوس
فلم يغمط الدين هذي النفوسا
ولم نك ننكر آباءنا
أكانوا نصارى! أكانوا مجوسا!
59
وهل كان بربر إلا شقيقا
لجرهم؟ هلا نسينا الدروسا؟
إذا عرب
60
الدين أصلابنا
فما زال أحمد صهرا لعيسى!
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
وهبنا العروبة جنسا ودينا
وإنا بما قد وهبنا رضينا
إذا كان هذا يوحد صفا
ويجمع شملا رفعنا جبينا
وإن كان يعرب يرضى الهوان
ويلبس عارا ... أسأنا الظنونا
وقلنا: كسيلة كان مصيبا
وكاهنة الحي أعلم منا!
فأهلا وسهلا بأبناء عم
نزلتم جزائرنا فاتحينا
ومرحى لعقبة في أرضنا
ينير الحجى، ويشيع اليقينا
ويعلي الصوامع في القيروان
ويرفعها للدفاع حصونا
61
يبث المراحل
61
في كل فج
فراعت أساليبه العالمينا
وبادله السمر تبرا بملح
وما كان فزان عنه ضنينا
61
وما كان جوهر إلا مدينا
لعقبة ... يوم استقل السفينا
61
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
وهال ابن رستم أن لا تسود
ونبني كيانا لنا مستقلا
فقام بتاهرت يعلي اللواء
ويرسي نظاما، وينشر فضلا
62
يوجه حكم البلاد الشراة
بوحي الشريعة حقا وعدلا
ويجعل أمر الجماعة شورى
وحق انتخاب الإمامة فصلا
فلم يك للتبعيات ذيلا
ولم يك بالعصبيات يبلى
فدوخ بغداد في أوجها
فكانت لتاهرت بغداد ... ظلا!
وفاض بها العلم يجلو العقول
ويغمر أرض الجزائر نبلا
وتاه الربيع بجناتها
يهادي تلمسان، وردا وفلا
فكان ابن حماد من وحيها
كأوصافها، عبقريا، وفحلا
وأفلح خلد أمجادها
فأفلح أفلح قولا وفعلا
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
وإن تسألوا عن بني الأغلب
سلوا الزاب عن جاره الأقرب
63
وطبنة
64 ... هل تذكر ابن الحسين الت
ميمي وتاريخه القرطبي؟
وعند مسيلة
65
علم اليقين
بمن حققوا وحدة المغرب
برى الفاطميون شعر ابن هاني
كما يخلق اللحن للمطرب
وأبدع، حتى تنبأ مثلي ...
ولم يتقول ... ولم أكذب!
علام يلقب أندلسيا
فتى مغربي، أصيل الأب؟
فكم حسدونا
66
على مجدنا
وجاروا على البلد الطيب!
وكم بالجزائر من معجزات
وإن جحدوها، ولم تكتب!
وقالوا: الرسالات من مشرق الشم
س، لكن يخالفهم مذهبي
ولو أرسل الله من مغرب
نبيا ... إذن كذبوا بالنبي!
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
وفي قدس جناتنا الناضره
وجوه، إلى ربها ناظره ...
تمد المعز لدين الإله
فيصنع
67
جوهر والقاهره!
ويستلهم النيل من أرضنا
صفانا، وأخلاقنا الطاهره ...
ويجري رخاء على هدينا
يواكب أفضالنا الزاخره
وتفهم رمسيس معنى انعتاق الش
عوب،
68
جزائرنا الثائره!
هو النيل، خلد عشر قرون
وباركنا السنة العاشره؟
وكم شابه النيل
69
نهر دمانا
تمور به المهج الفاتره؟
وكم ضارعت في الفدا كليوبترا
جميلات ثورتنا الهادره!
ونحن الأمازيغ نرعى الذمام
ولا نجحد الفضل والآصره!
ونكبر مصر وأحرارها
ومن آزروا حربنا الظافره!
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
بولوغين يا من صنعت البقا
سنحفظ عهدك والموثقا
فيريموس
70
أم أنت من شادها؟
فحيرت الغرب والمشرقا؟
بنيت الجزائر فوق السماك
فكانت لمعراجنا المرتقى
غرست بها ذوب أكبادنا
ومن دمنا غصنها المورقا
علا بالمدية تاج الجلال
فأعلى بمليانة المفرقا
ومن هدهد الصدر بالتوأمين
قضى للجزائر أن تعشقا
دلال المدية أعيا الملوك
وكم خاطب ودها أخفقا!
تنازعها الروم، والمسلمون
وحاول زيان أن يسبقا
وكاد ابن توجين وابن مرين
بنار المدية أن يحرقا
71
ملائكة الله
72 ... هل نقلوها؟
أجل ... من رأى حسنها صدقا
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
أيا ومضة من جلال الشريعه
ويا هبة من هبات الطبيعه
أشاع ابن يوسف فيك الصلاح
ووشى الجمال رباك البديعه
73
أزكار أم أنت عش العقا
ب؟
74
أم الصقر منك استمد ضلوعه؟
أم العاشق، المستهام، المعنى
بنبع العناصر أجرى دموعه؟
75
أم الحب رق لمجنون ليلى
فرش بعين النسور صريعه؟
أشادك بومبي مقوقس روما؟
أم أن بولوغين رب الصنيعه؟
76
فأغرى بمليانة الطامعين
وما كنت للطامعين وديعه!
77
فما ارتاح فيك بنو هندل
78
وولى ابن عائشة بالفجيعه
79
جرى، مثل واديك، ناديك علما
فبوأ أحمد فيك الطليعه
80
وأقطع يعقوب أحمد أغما
ت والنبل في ابن مرين طبيعه
80
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
سل ابن علناس
81
عن ذكرنا
وقلعة حماد عن مجدنا
يجبك ابن حمديس في الخالدين
ويصنع قوافيه من وحينا
82
وتنبئك عائشة كيف كانت
ترق وتقسو على بعضنا
83
وتذكر بجاية أحلافنا
وأسطولنا الضخم يغزو الدنا
84
وفي القصر تختال بلارة
تشيع الضياء، وتفشي السنا
85
تصاهر فيها الدها والجمال
فضم انصهارهما شملنا
وأعلت بجاية هام الجزائ
ر، علما وشادت صروح الهنا
وبارى ابن سبعين فيها النصارى
فأفحم من لاحقوا ظلنا
86
وأرقامنا العربية مالت
أوروبا العجوز لها طوعنا
87
وكان أبو مدين والثعا
لبي هنا، يرفعان البنا
88
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
وتنجب ندرومة الخالدين
فتعلي الجزائر منا الجبين
ويصنع وحدتنا ابن علي
89
فيرفع رايتها باليمين
وتحدو مراكش أقدارها
فتنفض عنها غبار السنين
وينبض قلب بأرض الجزائ
ر، تمسك تونس منه الوتين
وتنصب أندلس عندنا
وترتاح للعرب النازحين
90
ويمضي ابن تومرت يغزو الضلال
فيخلص لله عقل ودين
وتصفو أعز المطالب
91
فيه
فتصفو المناهج للسالكين
وتزخر بالعلم أرجاؤنا
فتسمو المدارك بالنابهين
ويهزج بالصادحات الشريف
92
ويلمع يوسف في اللامعين
متى سيتوب الألى لم يزالوا
بوحدة مغربنا كافرين؟
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
تلمسان، مهما أطلنا الطوافا
إليك تلمسان ننهي المطافا
يغمراسن الشهم ضاق اصطبارا
وغالب خمسين عاما عجافا
93
وأصلى بني حفص حربا عوانا
وما اسطاع بابن مرين اعترافا
94
فكانت تلمسان دار سلام
وأمر الجزائر فيها ائتلافا
فأكرم بمشورها الوطني
وزيان يحسم فيه الخلافا
95
ويدفع خطو بني عبد واد
فتغزو الحياة، ثقالا خفافا
ويسكر هذا الوريط الدنا
فتعصر فيه النجوم سلافا
ويكتب يحيى بن خلدون سفرا
فيهتك في النيرات السجافا
96
وتنشق منجانة بالعذارى
فيلتاع موسى ويأبى انصرافا
97
أفي رفرف الخلد قد وجدوا
تلمسان ... فاختطفوها اختطافا؟
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
وأوغر قلب الصليب الحقود
علانا ، وأمعن فينا الحسود
98
وطافت بوهران جيطان غدرا
وزيان ما اسطاع حشد الجنود
99
ولعلع في بربروس نداها
فثار ... وأقسم أن لا يعود
100
وللدين خير يصون حماه
وأسطولنا في البحار يسود
101
قراصنة البحر، عاثوا فسادا
فأدب ليث البحار القرود
وخاض الأمازيغ ساح الفدا
تباركهم صلوات الجدود
وآزرنا الترك حتى انتصرنا
ولم يخفر الترك ماضي العهود
وقمنا نسوس البلاد بعدل
ونسدي الجميل، ونرعى الحدود
ولم نك للترك بالتابعين
وإن عززوا سعينا بالجهود
ونحن أناس نعد الجميل
ونرعى ذمام الصديق الودود
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
وجاعت فرنسا ... فكنا كراما
وكنا الألى يطعمون الطعاما!
فأتخمها قمحنا الذهبي
102
وكم تبطر الصدقات اللئاما
وباعت فرنسا ضمير اليهود
فباع ضمير اليهود الذماما
وما كان بوشناق إلا ابن آوى
وما كان بوخريص إلا طغاما
103
وخرب شارل المريض فرنسا
فثار بها الشعب يغلي انتقاما
وضاق الفرنسيس بالعاطلين
وما ذاق شارل المريض المناما
وأوحى له قمحنا غزونا
فأطلق هذي القموح سهاما
وصب النفايات في أرضنا
وخان المسيح، وأغرى السواما
104
ومروحة الداي لم تك إلا
كما يستبيح اللصوص الحراما
105
أبوتان
106 ... هل سيدي فرج
وإن طال ليل ... أقر النظاما؟
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
بلى ... يا فرنسيس، هذا الحمى
صنعنا سيادته بالدما
بلونا السنين الطوال جهادا
تباركنا معجزات السما
مضت مائة وثلاثون عاما
نذود، ونأنف أن نهزما
صعدنا، نقاوم، شرقا وغربا
ونجعل أرواحنا سلما
غزا لاموريسيير أحمد باشا
فقمنا بسيرتا نصون الحمى
107
وثرنا نقاوم: بيتا فبيتا
وشبرا فشبرا، ونسبي الدمى
ولولا تخاذل بعض الكسالى الر
عاديد، لم نفلت المجرما
معسكر فجر عزم الشباب
فطاول عملاقها الأنجما
وبويع، شاعرها الهاشمي
فكان بها القائد الملهما
108
يصوغ النطام، ويبري الحسام
فيقطر ذاك، وهذا ... دما
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
أيا عبد قادر ... كنت القديرا
وكان النضال طويلا عسيرا
شرعت الجهاد، فلباك شعب
وناجاك رب، فكنت النصيرا
ونظمت جيشا، وسست بلادا
فكنت الأمير الخبير الخطيرا
وألهبت في القابعين الحنايا
وأيقظت في الخانعين الضميرا
وحملت ماريان
109
ما لا تطيق
وجرعت بيجو
110
العذاب المريرا
ثمان وعشرا
111 ... تخوض المنايا
وتجزي السرايا، وتبني المصيرا
وتدمغ بالعلم من جادلوك
فكنت الضليع، وكانوا الحميرا
112
وكم رام إغراءك العابثون
فلم تك غمرا صبيا غريرا
113
وكم عاهدوك
114 ... وكم أخلفوا
وكنت بما يضمرون بصيرا ...
وعبدت للشعب، درب الفدا
وما خست، مذ خطفوك أسيرا
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
تلقف رايتك ابن الجزائر
وعند ابن زيان تبلى السرائر
115
وهب الزعاطشة الثائرون
فهب لنصرتهم كل ثائر
تحدى ابن زيان سخف اللئام
فمات الشهيد، فداء الجزائر
وهل يخفض ابن الجزائر هاما
ويحني جبينا أمام الصراصر؟
لتشهد بسكرة إصرارنا
وصدق ندانا أمام المجازر ...
وتروي النخيل لعقبة عنا
وتحك الرمال صمود القساور
ويذكر أبو معزة للجبال
116
صراع أبي بغلة في المغاور
وتحفظ سطيف لأبطالها
وأبطال سرتا جليل المفاخر
ودام الصراع، ولم تخب يوما
شعاليله، في القرى والحواضر
وكانوا البغاة، فكنا المنايا
وكانوا البغاث، فكنا الكواسر
117
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
وتذكر ثورتنا العارمه
بطولات، سيدتي فاطمه
118
يفجر بركانها جرجرا
فترجف باريس والعاصمه!
وخلد باسم أمها ذكره
فزكى قداسته الدائمه
118
وفاضت دماء بني راتن
تفدي قراراته الحاسمه
نسومر مذ نسبوك لتاكلا
رفضت التواكل يا فاطمه!
وألهبت نارا تذيب الثلوج
وتعصف بالفئة الظالمه
وجند، يباع ويشترى كما
تباع، وتستأجر السائمه
118
وأرعفت راندون في كبره
ودست على أنفه الراغمه
وصعرت للجنرالات خدا
فخابت نواياهم الآثمه
أتنسى الجزائر حواءها؟
وأمجادها لم تزل قائمه؟
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
بنو سيدي الشيخ
119
قادوا النضالا
فهزوا الثرى وأذابوا الجبالا
سليمان حمزة آلى يمينا
فبر، وأصلى المغير الوبالا
سلوا بوبريت
120
العقيد المسجى
وحمزة يغرس فيه النبالا
ويستل من صدره روحه
بيمناه، يبكي عليه الثكالى
ووهران تصرخ فيها الدماء
بساح الفدا، تستفز الرجالا
وصحراؤنا وابن شهرة فيها
يهيل على الغاصبين الرمالا
وجيش أبي شوشة المستميت
بصحرائنا، ينسف الاحتلالا
وصوت ابن حداد دوى دويا
ينادي: البدار، ويدعو: القتالا
ومن آل مقران في الشاهقات
نسور، بواشق، تهوي النزالا
وقال بومزراق حان الجهاد
فحقق بالمعجزات، المحالا
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
فيا آل مقران أسد الكفاح
ونبع الندى، والهدى والصلاح
نهدتم، تشقون درب الخلود
فعبدتموا نهجه بالسلاح
وحداد في السوق ألقى عصاه
وأعلنها في الذرى والبطاح
121
كمثل عصاي ... سألقي الفرنسي
س في البحر، أركلهم بالرماح
سلام لمقران يمضي شهيدا
بسوفلات رمز الفدا والكفاح
122
ولابن الثمانين يغدو أسيرا
وما كبل القيد فيه الطماح
123
ومرحى لمالك
124
يطغى بشرشا
ل بركانه بالأماني الفساح
وعاشت مناصر راحت تناجي
بوذريس شيخا وريف الجناح
125
فردد رجع صداه أبو
عمامة يدني حظوظ النجاح
126
وهقار تزهو بآمودها
يذود عن الشرف المستباح
127
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
جزائر، أبدعها ذو الجلال
وصور طينتها من نضال
بلاد تمازح عشاقها
وتمنع عنهم لذيذ الوصال
فما انكفأت ثورة في السهول
ولا انطفأت ثورة في الجبال
ولم يحن أوراس هامته
ولا هدأت عاصفات الرمال
128
ولا استسلمت جرجرا للمغير
ولا أوهن العزم طول النكال
سلوا ساحة الشهداء أما
بها قرر البدوي
129
المئال؟
ودوى بشرشال صوت النفير
وإن كان يبدو بعيد المنال!
وراود صدق الضمير ال
أمير
130
فقام يلاحق طيف الخيال
ويعدو بفرساي خلف الوعود
يناشد ولسون فرض المحال!
تجاريب خالد مهما تكن ...
فلم نك نغمط قدر الرجال!
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
لئن بح صوت السيوف الصقال
وأغفى صرير الرماح العوالي
فحرب اليراع أعاد الصراع
يقود سراياه نجم الشمال
131
بأرض فرنسا، يدك فرنسا
وينذر ساستها بالوبال
معاميد تزخر فيهم حنايا
بروح الفدا، والأماني الغوالي
تباركهم صرخات الضمير
وتلهمهم ذكريات النضال
وقال الرعاديد: قوم رعاع
مجانين، تجري وراء الخيال
وقال المناجيد: قوم كرام
صناديد، من عظماء الرجال
وقال الفرنسيس: بئس المصير
إذا القوم لم يمحقوا بالنكال
وقال الألى ناصروا حزبنا
سنقضي على لعنة الاحتلال
وقال الذي خلدوا شعره
فداء الجزائر، روحي ومالي
132
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
وفي الدار جمعية العلماء
تغذي العقول بوحي السماء
وتهدي النفوس الصراط السوي
وتغرس فيها معاني الإباء
تواكب نجم الشمال اندفاعا
وتغمر أكوانه بالسناء
ويعضد باديس فيها البشير
فتزخر بالخلص الأصفياء
وتغزو الضلالات في التائهين
مع الوهم، في موكب الأغبياء
وترسي جذور الأصالة في الشع
ب، تمحو بها وصمة الدخلاء
وتبني المدارس عرض البلاد
فيعلي ابن باديس صرح البناء
ويرتاع مستعمر مستبد
وتخشى الخفافيش نبع الضياء
ويرهب ظل الأسود ابن آوى
ويؤذي المنافق صدق النداء
كذا عبد العلماء الثنايا
بوحي السماء، ووحي الدماء
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
جزى الله عنا الشدائد خيرا
وذكرى احتلال الجزائر
133
شكرا
وإن ننس هلا نسينا الجراح
وما تزال الجراحات حمرآ؟
وإن آلمونا بمائة عام
حفلنا بعيد الجزائر دهرا
وإن رقصوا فوق أشلائنا
وأحيوا على مذبح الشعب ذكرى
رقصنا على نغمات الرصاص
ورحنا نبث المقادير سرا
وإن خسفوا نجم هذا الشما
ل،
134
فللشعب حزب مضى مستمرا
ضمائر أخلص فيها البقاء
على العهد ... ما إن تباع وتشرى
إذا ما فيوليت
135
ضلل قوما
وغر ضعاف العقول وأغرى!
وخدر قوما بمؤتمرات
136
فظنت سراب المتاهات نهرا!
فللشعب حزب يصون المبادئ
وشعب الجزائر بالناس أدرى!
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
أفاق من الوهم حزب البيان
فأسلم للمخلصين العنان
137
وزايله الشك في أصله
فمدت لحزب البيان اليدان
وأوحى اندماج فرنسا اندماجا
لحزبين مرماهما توءمان
138
فبارك باديس جمع الصفوف
ودشن باديس عهد الأمان
ويوليوز والملعب البلدي
وأحمد يعلن فيه الأذان
139
ويصعق فيه بصوت جديد
فيصعق منه العتل الجبان
ولاذت فرنسا بأصنامها
تحاول بالدس كسب الرهان
فتغتال كحول تلقي دماه
على الطيب الواسع الصولجان
140
لئن خاننا الدهر في طيب
وأصغى مصالي لغدر الزمان
فلن يجحد الفضل تاريخنا
وهذي الدنا للرجال امتحان!
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
وإن وزع الرأي حزبا عتيدا
ففي القصد، ما انفك حزبا وحيدا
141
وتأبى الزعامات كبح الطموح
فتصنع للخلف شكلا جديدا
وتغري الكراسي ضعاف العقول
كنار جهنم، ترجو المزيدا
وتغزو السياسة فكر الزعيم
فيصبح فكر الزعيم بليدا
كأن الزعامة إعصار جان
ولم أر للجان عقلا رشيدا
وما الإنتصار
142
دخول انتخاب
وضرب الموائد، ضربا شديدا!
ولا كلمات على جدران
هل الحبر في الحرب كان مفيدا؟
ولا بالهتافات عاش ... ويحيى
فما حرر القول قوما عبيدا!
ولا بالوفود ... وسمع فرنسا
أهال عليه الغرور الصديدا ...
ولن يغسل العار إلا الدما
وعاش الحديد ... يفل الحديدا ...
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
ولم ننس في أربعين وخمس
ضحايا المذابح في يوم نحس
143
طربنا مع الحلفاء اغترارا
وقمنا نصفق في غير عرس
فكانوا مع الغدر، عونا علينا
ودرسا لقادتنا أي درس
وكانت مجازرهم بسطيف
وقالمة للشعب، دقات جرس
وهز لستراد شعبا توانى
وأيقظ في العمق ميت حس
144
وعلمنا آشياري الثنايا
فبدد لون الدمآ كل لبس
145
وكانت تلاحق أقلامنا
سراب الضياع فباءت ببخس
وكانت تكافح أحزابنا
مع الوهم، بين صراخ وهمس
فعطل صوت الرصاص اللغى
وأنطق ألسنة غير خرس
فقامت تعبد أكبادنا
طريق التخلص من كل رجس
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
فيا أربعين وخمسا
146
أعيدي
فضائح جند، غبي بليد
وآثام أحلاس جيش عميل
عديم الحيآ، كضمير اليهود
ويا ذكريات الدماء الغوالي
أفيضي جلالك ملء نشيدي
ويا لعنات السماء، انزلي
صواعق، فوق الظلوم الحقود
ويا زهرة، زرعتها دمانا
وفتحنها بالصباح الجديد
ألا، ضمخي مهجات الضحايا
بخراطة
146
المجد ربض الأسود
تنافحك عموشة
146
الخالدين
عبيرا، فيخجل عطر الورود
وهزي بعزتنا في بني
146
ع
زيز المغاوير، صدر الوجود
وتيهي بمن شيدوا للبقا
ومن كتبوا صفحات الخلود
ومن قرروا للبلاد المصير
بنور الحجى، وبنار الوقود
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
وطالت خرافات حرب الكلام
وما بلغ الشعب فيه المرام
فآمن بالنار من عرفوها
ومن كاشفتهم بسر النظام
147
إلى أربعين وتسع سلامي
وقد بلغ الشعب فيها الفطام
فكانت شرارة حرب الخلاص
وإن أخفتوها بلغو الكلام
رعى الله عيمش
148
في الخالدين
وكحال
149
في السابقين الكرام
ورابح
150
تعبق أنفاسه
وغرافة
151
الوطني الهمام
وعسلة
152
يندبه طالب
153
فيلحقه، بعد مر السقام
ودوار
154
يستقبل الشهداء
ومن أخلصوا للوفاء والذمام
هم الثائرون الألى ولدوا
نوفمبر من صلبهم، فاستقام!
متى نزلت ثورة من سماء
نزول المسيح ... عليه السلام؟
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
تأذن ربك ليلة قدر
155
وألقى الستار على ألف شهر
وقال له الشعب: أمرك ربي!
وقال له الرب: أمرك أمري!
ودان القصاص فرنسا العجوز
بما اجترحت من خداع ومكر
ولعلع صوت الرصاص يدوي
فعاف اليراع خرافات حبر!
وتأبى المدافع صوغ الكلام
إذا لم يكن من شواظ وجمر!
وتأبى القنابل طبع الحروف
إذا لم تكن من سبائك حمر!
وتأبى الصفائح نشر الصحائ
ف ما لم تكن بالقرارات تسري!
ويأبى الحديد استماع الحديث
إذا لم يكن من روائع شعري!
نوفمبر غيرت مجرى الحياة
وكنت - نوفمبر - مطلع فجر!
وذكرتنا - في الجزائر - بدرا
فقمنا نضاهي صحابة بدر
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
نوفمبر جل جلالك فينا
ألست الذي بث فينا اليقينا؟
سبحنا على لجج من دمانا
وللنصر رحنا نسوق السفينا
وثرنا، نفجر نارا ونورا
ونصنع من صلبنا الثائرينا!
ونلهم ثورتنا مبتغانا
فتلهم ثورتنا العالمينا
156
وتسخر جبهتنا بالبلايا
فنسخر بالظلم والظالمينا
وتعنو السياسة، طوعا وكرها
لشعب أراد ... فأعلى الجبينا!
جمعنا لحرب الخلاص شتاتا
157
سلكنا به المنهج المستبينا
ولولا التحام الصفوف وقانا
لكنا سماسرة مجرمينا!
فليت فلسطين ... تقفو خطانا
وتطوي - كما قد طوينا - السنينا!
وبالقدس تهتم ... لا بالكراسي
تميل يسارا بها ويمينا ...!
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
تبارك واديك صومام
158
إنا
حفظنا عهودك أيان ثرنا
أصومام باسمك، صمم شعب
سياسة ثورته، فانطلقنا
وجلجل صوتك، بين الجبال
يبارك وحدتنا، فالتحمنا
وكانت شريعة حرب الخلاص
بوحي نظامك لما اندفعنا
خلقت كيانا لثورة شعب
أراد الحياة، ودعمت ركنا
وصغت وثيقتنا في الجهاد
دروبا معبدة، فسلكنا
كأن لخمس وخمسين
159
نجوى
لست وخمسين يوم اجتمعنا
وأصغى لنا المجمع الدولي
160
الأصم، وأرهف للسمع أذنا
رأينا السياسة دربا طويلا
فلذنا بساح الوغى، فاختصرنا
وقرر صومام أهدافنا
فسرنا على هديها، فانتصرنا
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
سكيكدة الثائرين أعيدي
علينا فضائح باغ حقود
أغسطس
161
عشرون لم ينسها
ويذكرها ألف ألف شهيد
وخمس وخمسون في الذكريات
جلال ... يهدهد صدر الوجود
وعطر للمذابح في ساحها
نوافج
162
تلهم سفر الخلود
وتحكي لهذا الورى قصة
مضرجة عن جهاد الأسود
وتروي لهذا الزمان مجاز
ر مرتزقين لئام عبيد!
وقالوا: التمدن من طبعنا
وتأنف منهم طباع القرود!
لئن حصد التانك أوصالنا
حصدنا تضامننا في الجهود!
وإن وزع القطر
163
أشلاءنا
دفعنا بأقطارنا للصعود!
هو المغرب الأكبر الأطلسي
يرج بكل غبي بليد!
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
وفالمة تزهو بحمامها
يهدهد معسول أحلامها
يشيع البخار تباريحها
ويشكو مواجع آلامها
ويرجف بركانها ساخطا
164
فيمسخ صناع آثامها
165
ويمضي الزمان، ويأتي الزمان
فيضحك من ذقن أصنامها
فيالك أسطورة لم نزل
نسير على هدي إلهامها
ويا لخيال، أجل الخيال
وأحيا نفوسا بأوهامها
ويا تربة أغرقت في الدماء
هواتك حرمة أرحامها
ويا بلدة عصفت باللئام
وحمق فرنسا وحكامها
ولفت شرارتها آشياري
وكان عدوا لإسلامها
وفار بتنورها كاربتال
فأصبح كاربون حمامها
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
وبونة تحفظ أمجاد زيري
ويصرخ فيها نداء الضمير
وتنفض عنها غبار الليالي
فتبدي العجاب، بحرب المصير
ويذكر إصرارها فردناندو
166
فيندب جيطانه في القبور
وتصخب للثأر أمواجها
فتروي حكاياتها للصخور
وتذكر تاقست
167
يوم انطلقنا
أغستنس
168
يزجي ركاب الدهور
فتهوي شواهقها الحانقات
صواعق، تحصد هام المغير
وتقفو تبسة آثارها
تباركها هبوات العصور
ويدفعها العربي التبسي
169
الشهيد، فتحتل عرش النسور
ويجري العلوم بأوصالها
حياة، أصالتها في الجذور
170
على العربي الشهيد، صلاة
مضرجة بدماء، ونور
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
وساجل بسكرة نجوى الأصيل
وهمس الرمال بأذن النخيل
تنافحك من طلعها النسمات ال
عذاب، يوقعن سجع الهديل
ويبهرك منها انسكاب النجوم
على وجنات النخيل الجميل
وذوب العراجن في صدرها
على لحن جدولها السلسبيل
كأن عسالجها المثقلات ال
حوامل، ينضحن بالزنجبيل
وبين النخيل وبين الرمال
عزائم تهزأ بالمستحيل
يواكب عقبة
171
في الخالدين
مسيرتها لسواء السبيل
ويحدو الزعاطشة
172
الثائرون
جحافلها للمصير الجليل
وتقسم طولقة
173
بالطلاق
ثلاثا، فتلهب نار الخليل
ويذكي المغير
174
غيرتها
فتنصب نحو الصراع الطويل
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
ويا وادي سوف العرين الأمين
ومعقل أبطالنا الثائرين
ومأوى المناجيد من أرضنا
وأرض عشيرتنا الأقربين
175
وربض المحاميد أحرار غوما
176
ومن حطموا الظلم، والظالمين
ودرب السلاح لآوراسينا
177
وقد ضاقت السبل بالسالكين
أينسى ابن شهرة
178
أحرارنا
تلقف
178
رايته باليمين؟!
أننسى ثلاثة أيام
179
نحس
وسوستال
179
يندب في النائحين
وأخضر
180
يحصد حمر الحواص
ل فيها، ويقطع منها الوتين
وضرغامها الهاشمي الشريف
181
يذيق بواز العذاب المهين
وكم كان سوف لضم الصفو
ف، وجمع الشتات الحريص الضمين
لتحفظ زناته أرحام نيكسي
ويرع الطوارق عهد البنين!
182
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
تبارك شعب، تحدى العنادا
فصام، وأضرب،
183
سبعا شدادا
وآنف أن يستسيغ الحياة
تجرعه ذلة واضطهادا
وأقسم، أن لا يعيش النهار
عميلا يوفر للبوم زادا
وأن يهجر النوم يلقى المنايا
ويبلو الليالي الطوال جلادا
على م يكد لخير الدخيل
ومن كد أتعابه ما استفادا؟
يصوم، ويمضغ جمر الغضا
أما ألهب الجمر فيه الجهادا؟
ويضمأ، والماء ملء يديه
إذا استفحل السم فيه، وسادا
ومن دمه، يرتوي، ويروي
سنابله، ويفدي البلادا
وجنت فرنسا لإضراب شعب
فعاثت بعرض البلاد فسادا
بكت، فضحكنا وقال الزمان
تبارك شعب تحدى العنادا!
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
وكم عاش طلابنا حربنا
وقاسم تجارنا خطبنا
وعم النضال وفاض النوال
فشدنا بهذا، وذاك، البنآ
ومن عرق الكادحين صنعنا
مصائرنا، فبهرنا الدنا
ومن نصب الزارعين غرسنا
مشاتلنا، فقطفنا الجنى
ومن تك أكباده لبنات
تطعه المقادير، طوع المنى
ويملأ حنايا الوجود دويا
ويسأل ضمير البقاء ... من أنا؟!
ويجث الزمان على قدميه
خشوعا، ويركع له مذعنا
هو الشعب ... آمنت بالشعب فردا
فصرت بخالقه مؤمنا!
ولولاك - يا شعب - تزجي الشراع
لما بلغ الركب شاطي الهنآ
ولولاك - يا رب - واكبت شعبا
إلى النصر ما حزت إيماننا!
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
وكم جحدوا فضلنا والجميلا
فكان الحساب عسيرا طويلا
وكم ألحقوا بالمهاجر ذلا
فذاق العذاب الأليم الوبيلا
فيا عام ستين قص علينا
فضائح جيش يذوب غليلا
ويا زارع الموت في أرضهم
همو زرعوا، فأقمنا الدليلا
سل السين كم قذفوا من ضحايا؟
وكم صنعوا المذهل المستحيلا
184
وسل في المناجم كم من قتيل
أهالوا عليه التراب الثقيلا
وكم في سجون فرنسا بريء
من الداء والغدر عاش عليلا
هو الحقد طير صبر الرصاص
فألهب منه القصاص الفتيلا
وأغضب عيسى، وراع الصليب
فناشدنا أن نرد المثيلا
صرخنا، فلم يعبئوا بالصراخ
فلم يك غير القصاص سبيلا
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
وخامر دوبري
185
صداع السكارى
وزلزله، عزمنا، فتوارى
وحاول تنصير أطفالنا
بأرض فرنسا، فباء خسارا
فخمس وعشرون ألفا تحدى
186
بإيمانها الواهمين الحيارى
وأخلص إسلام أكبادنا
بأرض فرنسا فكان الجدارا
وآمن أشبالنا بالجهاد
فعافوا الخنوع، وخاضوا الغمارا
وفجر أصلابنا في حماها
187
براكين تنصب حقدا ونارا
وجاسوا خلال الديار فكانوا
رجوما تحيل الظلام نهارا
سلوا المنشآت بها والأنابي
ب
188
والقاطرات بها والديارا
وكان الفرنسيس صما وبكما
وعميا، فأصغى لنا من تمارى
وما كان عيسى ظلوما جهولا
وكان محمد، يرعى النصارى
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
إذ الشعر خلد أسد الرهان
أينسى مغامرة الحيوان؟
أينسى البغال؟ أينسى الحمير
وهل ببطولاتها يستهان؟
سلام على البغل، يعلو الجبال
189
ثقيلا، فيكبره الثقلان!
وعاش الحمار يقل السلاح
ويغشى المعامع ثبت الجنان
وبارك فأرا
190 ... يوزع نارا
فيخلع بالرعب قلب الجبان
ويلقى الشهادة شهما كريما
وقد عاف ذل الشقا والهوان
وطوبى لعنز
191
يضلل جندا
ويخدع أحلاسه بالأمان
وللكلب
192
يهجر طبع النباح
ويهوى النميمة بالطيران
فلولاك يا حيوان الفدا
لما أحرز الشعب كسب الرهان
بذكراك تعتز إلياذتي
فأزكى التحيات: يا حيوان!
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
أتى أمرنا صارخا فانطلقنا
ولذنا بوحدتنا فانعتقنا
وفاوضنا القوم في أمرنا
وأمر سيادتنا ... فرفضنا
وقالوا: سنجري عليها اقتراعا
بلا، ونعم - خدعة - فاعترضنا
193
فرنسا ... تناسيت ما ليس ينسى
أما في نوفمبر ... كنا اقترعنا
وأجرى علينا الرصاص انتخابا
وخضب أوراقنا ... فانتخبنا؟
وقلنا ... وقالت لنا الكائنات
خذوا حذركم واثبتوا ... فثبتنا
فلم نك نرضى بنصف الحلول
ولا بالدومنيون نحن انخدعنا
194
وديغول ألقى بيادقه
فطاولها رخنا فانتصرنا
195
وخاف الحواجز تحمي الغلاة
وتبكي فرنسا لها ... فضحكنا
196
وفكر ديغول في حمقهم
وفي صدقنا ثم قال: «فهمنا»!
197
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
فرضنا إرادتنا الفارعه
ولم تخب، نيراننا الدالعه
وصغنا مصائرنا بالرصاص
وبالرأي، والحجة القاطعه
وتمت بها كلمات الإله
التي وقعت باسمها الواقعه
ولاح الخلاص، بحلم الليالي
ترفرف أعلامه اللامعه
ودوى نشيد الجزائر يغزو
الدنا، قسما بالدمآ الناصعه
198
وجلجل صوت نشيد اللواء
فتعنو الرءوس له خاشعه
199
وجيش يردد: هذي دمانا ال
غوالي دوافقها دافعه
200
ويصدح طلابنا بالنشيد
وعمالنا، واليد الزارعه
201
وبنت الجزائر تتلو نشيد ال
عذارى، فتصغى الدنا راكعه
202
وقمنا نشيد صرح البلاد
ونبني سيادتنا الطالعه
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
أناجيك يا مصطفى
203
في سماك
ويوم عرجت تشق السماك
بعثت سفيرا لبيكين لكن
ذهبت سفيرا لأفق علاك
وفضلت - لما سئمت الدنا
وآدمها - أن تكون الملاك
وأضناك في الأرض مكر وغدر
وقبر النبوغ، ونصب الشباك
فطلقت أصنامها دون رجعى
وسرت إلى حيث تلقى رضاك
وهالك عقم الشباب المسجى
فخلفت تحنيطه لسواك
وعفت من البعض، حمى الكراسي
وما بلغوا في الوفآ مستواك
فحطمت أخشابها، طائرا
مع الريح، تغرقها في دماك
وكنت لروح النضال لهيبا
شعاليله، من شظايا هواك
وكنت لصدق الضمير مثالا
فيا ليتهم يتبعون خطاك
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
وقالت: جزائرنا الغاليه
هو الصدق، حقق أماليه
ومن دم شعبي، وأكباده
إلى النصر، قدمت قربانيه
وجندت من خالد بن الوليد
وسعد بن وقاص أبطاليه
وجددت حطين في موطني
وخلدت أمجاد أنطاكيه
وجل الفدا بالملايين شر
فت، الخلد، في رفرف العاليه
204
وفي كل شبر لنا لوحة
مشاهدها المهج القانيه
تلقن وجدة أدوارها
فتحفظ بنزرت والساقيه
فيا مغربا مازجته الدمآ
وأجمع، في الصرصر العاتيه
وزكاه أطلسنا في القرون
فرحنا ندين بوحدانيه
دعوا المغرب الوحدوي يقرر
ويفرض مصائرنا الباقيه!
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
سلام على المغرب الأكبر
على طبعه الناصع الأطهر
أحيي الألى آزروا حربنا
إلى النصر، في ريحها الصرصر
وما بخلوا بالدم المغربي
على دمنا الفائر الأحمر
وكانوا ملاذا لأحرارنا
وعونا، على الهدف الأكبر
أليس امتزاج دمانا الغوالي
شهيدا على وحدة العنصر؟
أليست جراحاتنا الداميات
وآمالنا، فلك المحور؟
وقالوا: حدود ... فدسنا الحدود
ورحنا بأصنامها نزدري ...
متى كان بين الأشقاء سد
يقام على الزور والمنكر؟
205
وشائجنا، رحم، وذمام
تخلدها حرمة الأعصر
لتقف السياسة خطو الشعوب
لوحدة مغربنا الأكبر!
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
وأفلت بعض زمام التأني!
وحمى الكراسي ... كإعصار جن
ودنيا المطامع، تبدي الخفايا
وتدفع عشاقها للتجني
فهب رجال لضمد الجراح
وإن قلب البعض ظهر المجن
وتطوي الحماقات، طي الكتاب
وعن كنه أسرارها ... لا تسلني!
وخل غوامضها للزمان
فإن الزمان لأفصح مني!
وطالعنا بالبشائر يونيو
فأنعش، كالعارض المرجحن
فقمنا نشيد اقتصاد البلاد
ونعلي المصانع فيها ونبني
ورحنا نوفر للكادحين الر
غيف الشريف، بعلم وفن
ويزرع فلاحنا أرضه ...
بذوب الشرايين لا بالتمني!
ونصنع من صلب واقعنا
مذاهبنا ... رافضين التبني!
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
وفي الأرض للزارعين خبايا
مضمخة بدماء الضحايا
وفي عمقها تكمن البركات
إذا بارك السعي صدق النوايا
وثورتنا في سبيل البقاء
لها في صميم التراب بقايا
وأبطالنا في صراع الأراضي
كأبطالنا في صراع المنايا
وتأبى عقيدتنا الإحتكار
وتأبى خطانا ارتكاب الخطايا
ويعضد ثورتنا الإقتناع
وإيماننا بوضوح الثنايا
اتخذنا العدالة نهجا صريحا
وإنصافنا في علاج القضايا
ورأي الجماعة فيما نراه
فجنبنا الرشد كل البلايا
وقمنا نوزع ما أورث الله
للصالحين، زوايا، زوايا
ورحنا نجمع ما طيرته
يد الغاصبين شظايا شظايا
206
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
شربت العقيدة، حتى الثماله
فأسلمت وجهي لرب الجلاله
ولولا الوفاء لإسلامنا
لما قرر الشعب يوما مناله
ولولا استقامة أخلاقنا
لما أخلص الشعب يوما نضاله
ولولا تحالف شعب، ورب
لما حقق الرب يوما سؤاله
207
هو الدين يغمر أرواحنا
بنور اليقين، ويرسى عداله
إذا الشعب أخلف عهد الإله
208
وخان العقيدة، فارقب زواله
إذا ما انتصرنا بحرب الخلاص
فثورتنا اليوم حرب أصاله
208
نهدنا لمعركة المستوى
نربي النفوس ونغزو الجهاله
ويصنع إيماننا أمة
قواما ... فترجف منها الضلاله
وإن ينصر الشعب حرب الضمير
أقمنا بوحي الضمير احتفاله
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
طبائعنا، صالحات جليله
تعاف انحلال النفوس الذليله
وتأبى رجولتنا الابتذال
وأحلاسه، والشعور الطويله
تخنث هذا الزمان ودبت
خنافيس هيبي، يشيع الرذيله!
ونافس آدم حواءه
دلالا، وغنجا، وذبح فضيله!
وجرت ذيول الطواويس هذي الس
راويل، وهي القصار الطويله
ولولا النهود، لما كنت تفر
ق، بين جميل وجميله!
209 ...
وشاع الشذوذ، وذاع الحشيش
وأصبح للموبقات وسيله
وتقرف آنافنا القاذورات
فلم تجد في صرفها أي حيله
وأرض الجزائر أرض الفحول
فأين الشهامة؟ أين الرجوله؟
ومن لم يصن حرمات البلاد
ويذر النفايات ... قد خان جيله!
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
تسامت مصادر إشعاعنا
تدعم خالص إيماننا
مساجد للهدي في كل فج
تنير السبيل لأجيالنا
بسرتا ابن باديس لاح سناها
ووهران تسمو بإلهامنا
وجامع كتشاوة المستعاد
أما انفك رمزا لأجلالنا؟
يناجيه في النيل أزهرنا
فيستنجدون بأسلافنا!
دبورمون هل دام حقد الصليب؟
210
أنال قريقوار من بأسنا؟
211
وهل فت فيليب
212
في عزمنا؟
وحط القساوس من شأننا؟
وهل نابليون ومن وسمته
يداه، استهان بإصرارنا؟
وهل لافيجري
213
وطول السنين اس
تطاعا المروق بأطفالنا؟
ومهما يقيمون فيه احتفالا
فقد عاد يهفو لأكبادنا
214
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
تماوج في فاس رجع الصدى
من القرويين يغزو المدى
يساجل زيتونة للسلام
مباركة فتلبي الندا
هو المغرب الأكبر المستمد
رسالاته من رسول الهدى
ووحدة مغربنا اليوم خطو
إلى وحدة المسلمين غدا
215
بتوحيد بعض، نوحد كلا
وهل ينكر الخبر المبتدا؟
فربما كان مغربنا
مثالا قويما، به يقتدى!
وإن سلك العرب في أمرهم
سواء السبيل ، مددنا اليدا
وقمنا بأرواحنا نفتديهم
ونحن الألى أخلصوا للفدا
ونحن الألى غسلوا العار بالنا
ر، يسترهبون الردى بالردى!
ويستبدلون بالشعارات الفع
ل، فاستوجبوا العز والسؤددا
216
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
ذكرنا بسرتا نفوسا أبيه
ذكرنا بها الأعصر الذهبيه
معاهد، تزخر علما وفضلا
وتلهم روادها العبقريه
يصوغ ابن فكون
217
فيها الشوادي
بوحي خميلاتها السندسيه
وتزهو قسنطينة بابنها
محمد
218
من شرف العربيه
قوافيه تسري بأنفاس سرتا
فتخجل منها الورود النديه
وخلد سرتا البجاوي
219
الضليع
وواصل حمدان
220
صنع البقيه
كأن الحطيئة عاش مدينا
لعاشور
221
في هجوه للبريه
وقف بالربوع يفاجئك ناد
222
لصالح باي الشهيد الضحيه
تظافر فيه دعاة الصلاح ال
هداة إلى القيم السلفيه
وجاء ابن باديس، يغزو الظلام
ويعلي الرءوس، ويذكي الحميه
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
أصالة هذي البلاد الكريمه
تجل كفاح النفوس العظيمه
تحيي أبا حمزة
223
في بنيها
وأفكاره النيرات العليمه
وتكبر عالمها الأخضري
224
وآراءه الناصعات السليمه
وعالم بونة مروان
225
مهما
تصدى لفك الرموز القديمه
عباقر أرض الجزائر كون
تموج به المعجزات الجسيمه
وفي الشرق، يبهرنا عبده
226
فيقفو رشيد
227
خطاه الحكيمه
وأفغان تروي جهاد جمال
228
فتلهب في الثائرين العزيمه
وتوري السموري
229
في غينيا
وشامل
230
والروس تلقى الهزيمه
ومختار
231
تلقى به الطائرات
وفتك سليمان
232
يمحو الجريمه
وصوت شكيب
233
يهز الدنا
فترجف منه النفوس السقيمه
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
طفيش سقياك ... قطب
234
الأيمه
ومن عاش بالفكر يصنع أمه
ومن شق بالعلم درب الحياة
وصان لنيل الرسالات حرمه
ومن قطع العمر يغزو الكتاب
ويفري الظلام، ويلهب همه
ودان له الحرف بالخالدات
فأخلص للحرف عهدا وذمه
وأنصف من خالفوه اجتهادا
وصان عن الجدليات علمه
ومهما توزع في الرأي فكر
فهيهات يصدع شملا ولحمه
وكم قام يعصف بالظالمين
وينصب فوق المغيرين نقمه
فلم تثنه ظلمات السجون
ولا الدس والكيد أوهن عزمه
ويدعو لكل احتلال ثبورا
ويضرع في النكبة المدلهمه
سلوا قادة الشرق عن صدقه
ونبل مشاعره في الملمه
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
أمانا، من الخطر الداهم
ومن معول قاصف هادم
غزا المذهبيون عقل الشباب
بمستورد آفن آثم
وزاغوا بهم، دون إسلامهم
إلى مذهب ليس بالسالم!
ودسوا شيوعية كالوباء
كما يصرف السم للطاعم
وقالوا: التقدم شرع الحياة!
وكم ركض الحلم بالنائم؟!
وقالوا: الرجوع إلى الدين رجعي
وإن الحياة مع القائم
فضل الشباب البريء انخداعا
برقطاء في جلدها الناعم
ولج مع الأرذلين انحرافا
عن المبدأ الخالد الدائم
وبث أساتذة في الشباب
رواسب مستعمر غاشم
وقيل دكاترة عالمون
فويل لمستهتر عالم!
235
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
تفسخ هذا الشباب وماعا
236
وخرب أخلاقه وتداعى
فويل الجزائر والمسلمين
إذا دنس النشء هذي الطباعا
وكيف يسوس البلاد غبي
بليد أضاع الضمير فضاعا!
ومن يطمئن لأقدار شعب
إذا استخلف الشعب فيها الضباعا؟
وكيف يقوم بنيانه
وتقويم أخلاقه، ما استطاعا؟
وكيف يصون الأصالة نشء
وقد ساوموه عليها فباعا؟
وكيف ينير الطريق شباب
وقد طمس الرجس فيه الشعاعا؟
وكيف يداوي المريض صحيحا
وفي قلبه مرض السل شاعا؟
وكيف يصارع موج الحياة
وما اسطاع في أصغريه الصراعا؟
هو الخطر الجارف المستطير
فإن تهملوه ... الوداع ... الوداعا!
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
ومستهترون، أضاعوا الثنايا
وشاع تنكرهم للسجايا
وقالوا: التقدم خلع العذار
وهتك العفاف، ونشر الخطايا
وجدل الشعور، ولبس الحلي
وحمل القلائد، مثل الصبايا
ويفتخرون بشرب الخمور
وفي الكأس ترسب كل البلايا
فهم يرقصون كطير ذبيح
ولا يحفلون بركب المنايا
وقالوا: التقدم، شعر لقيط
تطير الأصالة فيه شظايا
تفاعيله كضمير اليهود
237
يصوغ مبانيه خبث النوايا
وقد أصبح الشعر، كالجيل، خنثى
تذيب الميوعة فيه الخلايا
وصهين صهيون أخلاقنا
238
فكيفنا أن نكون رعايا ...
وهل يحزن العتق مستعمرا
وأخلاقنا في يديه سبايا؟
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
بناة الجزائر صونوا الشبابا
ولا تأمنوا في الشباب الذئابا
ولا تهملوا أمر طلابنا
فقد أصبح العقل فيهم يبابا
فكم شوه المسخ فيهم عقولا
وكم أمعن المسخ فيهم خرابا
وحرف من زاغ إسلامهم
وأفقدهم وعيهم والصوابا
وأصبح تفكيرهم قرمزيا
239
دخيلا، وإيمانهم مسترابا
وتفشو حماقات كوهين باندت
فتحدث في الأغبياء اضطرابا
240
وتنعق أبواق ... ماركس فيهم
فيتخذون الدليل ... الغرابا
241
فويل لطلاب من شيوخ
توافه، لا يعلمون الكتابا
242
ومرتزقين بأفكارهم
صنائع ... لا يقرءون الحسابا!
ولا زال فينا ... لمستعمرينا
عيون ... وإن أسلمونا الترابا!
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
كم اندس بين المثقف حركي!
243
فأبدل فيه اليقين بشك!
يسبح يوما ويكفر عشرا
ويعبث بين عفاف، وهتك!
يجادل في الحق بالشبهات
وإن حصحص الحق جاء بإفك!
ويطعن في وثبة الثائرين
وإن خاف عقباه، قام يزكي!
ويرتاب في المذهب المرتضي
244
وإن حس بالكسب ... الشموع يذكي!
يشيع المروق بدنيا الشباب
ويذكي غرور الشباب، ويحكي!
كجزار قريتنا، لم يزل
يجز الرءوس - احترافا - ويبكي!
ويمعن في الدس، سرا وجهرا
ويغمض مشي النميم بضحك!
سواء لديه، إذا بان مال
ألاذ بإيمانه، أم بشرك!
همو في البلاد، شهادة زور
فويل الجزائر، من كيد حركي!
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
وبعضهم: أغربوا في السخافه
وبالجهل يحتكرون الثقافه
فينتقدون، ويحتقرون
وينتقصون الحجى والحصافه
وينتحلون أعز الكنى
ويمتهنون جلال الصحافه
ويختلسون جهود سواهم
بدون حياء، ودون نظافه
غرابيب سود، تجيد النعيق
وتختال في مشيها كالزرافه
وتستبله الناس في كل شيء
فما أثبت العقل قالت خلافه
وما قرر العلم والضالعون
رمته، وقالت: حديث خرافه
ويفشو الفراغ ، بهم والضياع
فيعتبرون الأصالة: آفه
وتقرع فيهم رياح الطبول
فتغريهموا بادعاء الخلافه
قرامطة كالحجارة غلف
فيالمصيبتنا في الثقافه!
245
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
ومستشرقون، أحبوا الجلالا
ومستشرقون، أشاعوا الضلالا
فمن أنصفونا وقالوا صوابا
وشدوا إلى ملتقانا الرحالا
ولم ينقصوا قدر أمجادنا
تخذناهمو قدوة ومثالا
وأكبر إنصافهم شعبنا
ولم ينكر العلم فيهم خصالا
ومن ألبسوا الحق حقدا دفينا
وألقى الصليب عليهم ظلالا
وكانوا طوابير مستعمرينا
وكانوا مخاض الليالي الحبالى
دعوناهمو للجدال النزيه
وقلنا لهم لا نهاب الجدالا
246
فإن أنصفوا العلم والحق قلنا:
نفوس الرجال تجل الرجالا
وإن طمس الحقد أبصارهم
نبذناهمو، وسحبنا السؤالا
وبالدم نكتب تاريخنا
ونبلغ - بالعدل فيه - الكمالا
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
وأعيا المبشر عمق العقيده
فلم تجد فينا المساعي الحميده
247
ولا عسل في طواياه سم
ولا البذل يخفي الشرور المبيده
ولا أن يطوف بأبوابنا
ومن خلفها، عزمات وطيده
ولا أن يعالج فينا المريض
وتهتك في أصغريه العقيده
ولا بالأناجيل، تنشر فينا
فتصبح بالوضع غير مفيده
فحسب المبشر قرن ونصف
تجارب للزيغ، كانت بليده!
فإيماننا شامخ كعلانا
ونظرتنا فيه ظلت بعيده
ليغز المبشر أبناءه
فقد أصبحوا كالقرود الطريده
بهم تتدحرج هيبية
في خطوات إلى الموت مريده
وأحرى أن نبشر فيكم
بإسلامنا، والمبادئ الرشيده
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
وبعض تزوج بالأجنبيه
وقال: مثقفة حضريه
تراقصني وتراقص هذا
وذاك ... وتبعث عن حسن نيه
وتختال بالميني جوب دلالا
وتستعرض المغريات الخفيه
وتتركيني ... لا جناح عليها
وتذهب للسهرة النرجسيه
وتقضي الليالي خارج بيتي
وذلك من نعم المدنيه
وإن ولدت ... لست أدري لمن؟
كفى أنه من بني البشريه
أناديه صالح عند الصباح
وأدعوه موريس عند العشيه
وإن زل يوما، تناديه بيكو
248
فأحسب بيكو من البكويه!
248
وتدعو مساعدنا مون أراب
فأهوى العروبة والعربيه!
وأنحر في نحرها غيرتي
فتغدو أنا ... ثم أصبح هيه!
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
وتفاحة، أخرجت آدما
من الخلد، مذ لعنته السما
ولكن حواءنا بلعتها
وبالعلج أبدلت المسلما
249
ولم ترض بالفحل من قومها
فهامت بمن ... «ما رمى إذ رمى»!
فسحقا لبنت تزيف جيلا
وتلعن فيها الدماء الدمآ ...
وتغضب عيسى المسيح، وتبكي
على جذع نخلتها مريما
وتبا لمجتمع خائر
تعيش الرجال به كالدمى!
يموت ويقبر فيه الضمير
ويحمي البريء به المجرما!
تعالي فرنسا ... ادخلي بسلام
فأبناء صلبك ملء الحمى ...!
غدا بالزغاريد يستقبلون
نزولك في أرضنا بعدما
ويا قادة الشعب ... إن دام هذا ...
أقيموا على شعبكم مأتما ...!
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
ومنهن كالعنز
250
بادي الرذيله
يدللن بالعار بين القبيله
يشمرن ذيلا عن العورات
يثرن فضول النفوس الدخيله
ويسلكن غير الطريق السوي
كخابط ليل أضاع دليله
وفوق الطريق، وتحت الطريق
251
يهمن كسكران ضل سبيله
خنافس، يكشفن ساقا كأن ال
قيامة قامت لوأد الفضيله
جلابيبهن القصار الطوال
كأحلامهن
252
القصار الطويله
بصائرهن كأبصارهن
مرنحة، خاسئات، كليله
وأخلاقهن، كوجوههن
بواسر، ممتقعات، عليله
253
وأجسادهن قطاع غيار
فكل القطاعات يكفي بديله
إذا جف ماء الحياء بأنثى
فلم لا تجف الطباع الأصيله!
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
وحاشاك، حاشاك بنت الأصاله
ومن شرفت جنسها ورجاله
وصان شبابك بنت الحلال
كما صنت عرضك بين الحثاله
سلكت الطريق القويم المبين
فجنبك العقل سبل الضلاله
وأضفى عليك جلال الحياء
جمال الحياة، فصنت جلاله
وهالك من جنسك الابتذال
فعفت حقارته وابتذاله
وناداك شعبك يوم التنادي
فشرفت ثورته ونضاله
254
وكنت لحواء في الخالدات
مثالا فريدا، عدمنا مثاله
فمثلك من يصنع الجيل شهما
ويرعى استقامته، واعتداله
ويزرع ملء دماه اعتدادا
يذيب ميوعته وانحلاله
إذا الجيل قطع أسبابه
بأمجاده، فاقطعن حباله
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
وأجلى الشباب غلاء المهور
فلاذ - على حبه - بالنفور
255
وفضل ماري على مريم
وريتا على زينب والزهور
وطار مع الريح من وكره
وأفلت من ظلمات القبور
كأن البنات، بضاعة سوق
تباع وتشرى ... فتقضى الأمور!
وتحلب في الحي كالبقرات
فإن غاض منها الحليب تبور
وبالمال تقذف طوعا وكرها
بأحضان من نفضته الدهور
وتقضي مع الثور عمر الثكالى
وإن أفلتت بلعتها الشرور
وعلال عاد إلى وكره
بماري ولعنته تيودور
فويل الجزائر، جيلا فجيلا
إذا لم تحطم غلاء المهور
وتعس شباب، عديم النهى
على رجس عاداته لا يثور!
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
وأفلت من قفص الاتهام
شباب أصيل، وفي الذمام
شباب تطهر فيه الضمير
فأعرض عن شبهات الطغام
وأشرب من نبع إسلامه
وفلسفة الدين، روح النظام
ولم يتنكر لأمجاده
وأجداده الخالدين العظام
ولم يك بالتبعيات يغزى
ويجري وراء السحاب الجهام
256
ولا بالمذاهب
257
يغرى فتشرى
ببخس عقيدته كالسوام
ولم تختطفه مراهقة
258
ثقافية ضل عنها الفطام
ولم تجد فيه معاول هدم
يصوبها دارس
259
الانهزام
ولم يتأقلم بيسرى،
260
ويمنى
وإسلامه بين ذاك قوام
شباب عليه مناط الرجا
فمنكم، ومني ... عليه السلام
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
وساجل بولوقين
261
عذب النغم
يناغمك شاطئه المبتسم
وتفتح حناياك جرحا قديما
وما نام جرح الهوى بالقدم
فلا تفش، يا قلب أسرارها
فإن شهيد الهوى من كتم
ولا تشك للكائنات أساك
فأنت الخصيم، وأنت الحكم
وخل المواجد للذكريات
تخلد بها حرمات الذمم
قداسة أوجين
262
لم تجد فيها
فأرسى بولوقين فيها الحرم!
مررنا على الوكر مر الكرام
نحث الخطى نحو قصر الأمم!
فيشبعنا سيدي فرج
عناقا، فنلقى إليه السلم
وتجثو الرياض
263
على قدمينا
فيخفق فوق ذراها العلم
وقالت لنا الكائنات: لماذا
أتيتم؟ فقلنا: لنبني الهرم!
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
ويا ملتقى
264
فكر إسلامنا
ومجلى قداسة إيماننا
ويا لوحة لسمو الجلال
ومغنى الجمال بأوطاننا
ويا منبع النور من وحينا
وبرج أصالة إشعاعنا
ويا حجة لرسالات أرض ال
جزائر تسمو بأمجادنا
وبرهان إخلاص أرض الجزائ
ر عبر القرون لقرائنا
ويا وافدون على الرحب، حلوا
كراما بتربة أجدادنا
تحييكمو مهجات الملايي
ن، في الخلد من عز أبطالنا
تناشد فيكم صفاء الضمير
وإنصاف حرمة إسلامنا
وخدمة تاريخه من جديد
إذا ما صدقتم لأجيالنا
وأن تغمروا منتداكم وضوحا
ينير الطريق لطلابنا
فأرض الجزائر، أرض الوضوح
وتلك طهارة نياتنا
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
وأزعج قوما أذان الصلاة
يجلجل في القمم الضارعات
فيلقي له السمع قلب شهيد
تموج به القيم الصالحات
ويصدم آذان قوم بوقر
فتفجعهم صرخات الحياة
وحي الدرابك
265
في كل فج
تصب على أهله اللعنات
وقرع الطبول، ونفخ المزامي
ر لم يزعج المهج الفاجرات
ولائم يخجل إبليس منها
ويرشح زقومها بالهنات
وأعراس
266
خمر، تراق على
كساكس تقرف منها اللهاة
وصوت دعاة الهزيمة يغري الض
لوع، ويزرع فيها الممات
أيطربكم، في الحق ناعق
وتستنكرون أذان الصلاة؟
وفوق المآذن صوت الإله
يقود الشراع لشاطي النجاة
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
رعى الله في العاملين الوزارة
267
أعادت لعلم الكتاب
268
وقاره
فكم ظل يشكو الكتاب عقوقا
ويلعن من يطمسون مناره
وكم صدق الوعد، لو كان يجدي
رعاعا، قلوبهم كالحجاره!
وكم وصموه بعقم، وقالوا:
تجاوزه اليوم ركب الحضاره
ولو كشفوا عمق أسراره
لفجر فيهم معاني الطهاره
جهاد الوزارة نور وحق
سما بالبناء، وأرسى جداره
مساجد لله في كل حي
يبلغ ربك فيها قراره
منارات
269
علم بعرض البلاد
ففي كل فج عميق مناره
وكم خلد الملتقى
270
مهرجانا
يوجه صدق الضمير حواره
وروح الأصالة تسمو بشعب
منابع إشراقه في الوزاره
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
فيا رب قد أغرقتني ذنوبي
وأنت العليم بما في الغيوب
أتوب إليك بإلياذتي
عساها تكفر كل ذنوبي
عصيتك علما بأنك تعفو
على المسرفين
271
فهانت خطوبي
ولولا صفاتك: رب غفور
رحيم، لضاقت علي دروبي
وأكد فعل الصفات العصاة
272
فأكد فضلك ستر العيوب
عصيتك لما خلقت الجمال
وهجت به نصبي ولغوبي
وصورتني شاعرا مرهفا
يهب الصبا والهوى لهبوبي
ولولا الجمال لعشت عقيما
وما همت يوما بغزو القلوب
وإن أنا لم أعص، أهلكتني
273
وأبدلتني بطروب لعوب
فيا رب، ما حيلتي في الهوى
وفيك؟ إذا لم تكفر ذنوبي
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
بلادي، وقفت لذكراك شعري
فخلد مجدك في الكون ذكري
وألهمتني فصدعت الدنا
بإلياذتي في اعتزاز، وفخر
وكنت أوقع في الشاهقات
خطى الثائرين بألحان صدري
فخلد قدس اللهيب
274
بياني
وأذكى لهيب الجزائر فكري
وإن يجحدوني ... فحسبي أني
وهبت الجزائر، فكري وعمري!
فآمن بي كل حر أصيل
وأنكر شمس الضحى كل غمر!
وتقصر دون خطاي خطاهم
ويؤذيهم الورد
275
من طيب عطري
تركت الخوالف ، تحسو الغبار
وطرت أسابق مطلع فجر
ودست الصراصير بين الصخور
فصعر خد الحجارة صخري
وألقيت في الساحرين عصاي
تلقف
276
ما يأفكون بسحري
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
وران على البعض حمق وجهل
وأغرقهم في السخافات وحل
وقالوا: قصيدك شعر قديم
يكبله بالتفاعيل غل
وما حيلتي ... إن يكن شعرهم
دخيلا ... وشعري يزكيه أصل؟
وإن يك شعر الخنافيس خنثى!
فشعري صريح الرجولة، فحل!
وقالوا: مدحت به الحاكمين
ومدح ذوي الحكم يجفوه عقل
ولو أنصف الغشم، قالوا: وصفت
ووصف البطولات فضل وعدل
ولن ينكر المجد إلا الجبان
ولن يجحد الفضل إلا العتل
وقالوا: انحرفت بإلياذة
تلوم الشباب، ومثلك يعلو
هوميروس أرخ لم ينتقد
وشهنامة الفرس بالوصف تغلو
فقلت: وشعر الخرافات يفنى!
وشعر البطولات لا يضمحل!
277
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
وقالوا: هجرت ربوع البلاد
وهمت مع الشعر، في كل وادي
أجل، قد بعدت لأزداد قربا
ويلهب حب بلادي فؤادي!
أرى في كيان الجزائر ذاتي
بكل اعتزاز، وكل اعتداد!
وما زلت عنها بدنيا القلوب
سفير القلوب، بدون اعتماد!
278
وإن بلادا تصدر
279
فكرا
وكانت تصدر فن الجهاد!
حري بها أن تروع الزمان
وتفخر بالمجد، في كل نادي!
ولولا التنقل يذكي شعوري
ويرهف حسي، ويبلو
280
رشادي
لغاض معيني، وأجبل
281
فكري
وعشت بليدا كبعض العباد!
وصرت أردد كالببغاء
مذاهب لم تك صنع بلادي!
وإني بتخليد مجد بلادي
مقيم على العهد، رغم البعاد!
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
بلادي، بلادي، الأمان الأمان
أغني علاك، بأي لسان؟
جلالك، تقصر عنه اللغى
ويعجزني فيك سحر البيان
وهام بك الناس، حتى الطغاه
وما احترموا فيك حتى الزمان
وأغريت مستعمريك، فراحوا
يهيمون في الشرق بالصولجان
282
ولم يبرحوا الأرض، لما استقلت
شعوب، ولم تستكن للهوان
وزلزلت الأرض زلزالها
وضج لغاصبك النيران
وراهنه الشعب يوم التنادي
ورج به الشعب يوم الرهان
فتبيض صفحة إفريقيا
ويسود وجه المغير الجبان
وإشراقة الروح منك تناهت
تشيع الجمال، وتفشي الحنان
إليك صلاتي، وأزكى سلامي
بلادي، بلادي، الأمان الأمان!
شغلنا الورى، وملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر
Неизвестная страница