Маламатийи, суфии и ахль аль-футува
الملامتية والصوفية وأهل الفتوة
Жанры
ولكنا لا نستطيع أن نضع حدا فاصلا بين نشأة مذهب الملامتية على يدي أبي حفص وحمدون القصار، وبين تطوره على أيدي أتباعهما الكثيرين وما أضافوه إليه، فقد كان لكل من هذين الشيخين تلامذة ظهر أثرهم في نيسابور وخارجها، وكان لهم الفضل في إيصال تلك المعاني الأولية التي تألفت منها فكرة الملامة الساذجة إلى صورة المذهب الكامل، فمن أكبر أتباع أبي حفص النيسابوري أبو عثمان الحيري (298) أكثر شيوخ الملامتية أتباعا وأبعدهم أثرا. يقول أبو نعيم إنه كان رازي المولد، خرج مع شاه الكرماني في زيارة أبي حفص بنيسابور فقبله أبو حفص وزوجه ابنته. وأقام أبو عثمان عنده وتخرج به. ولما مات دفن بمقبرة الحيرة عند قبر أستاذه.
ويظهر أن أبا عثمان كان أكثر علما وأوسع أفقا من أستاذه أبي حفص، وإن كان أقل منه حالا. وقد وافق أستاذه في بعض ما ذهب إليه وخالفه في بعض، وانفرد بأقوال نجد صداها واضحا في تعاليم الملامتية. ثم هو من ناحية أخرى يشاطر حمدون القصار بعض آرائه، وإن لم تثبت عندنا صحبته له.
ومن المبادئ الأساسية التي صدر عنها في مذهبه الملامتي أن العالم شر لا خير فيه، وهو في هذا يتفق مع حمدون القصار؛ ولذلك يوجب على الملامتي التزام الحزن والكمد ورؤية التقصير في جميع أفعاله مهما خيل إليه أنه جود فيها، ويلزمه باتهامه نفسه دائما بذلك التقصير. وقد كان ذلك سببا دعا بعض الصوفية كأبي بكر الواسطي (المتوفى حوالي سنة 320ه) إلى وصف مذهب أبي عثمان بأنه مذهب مجوسي. قيل إنه لما دخل الواسطي نيسابور سأل أصحاب أبي عثمان: بماذا كأن يأمركم شيخكم؟ فقالوا: كان يأمرنا بالطاعات ورؤية التقصير فيها، فقال: أمركم بالمجوسية المحضة. هلا أمركم بالغيبة عنها برؤية منشئها ومجريها؟
66
وفي هذا المعنى نفسه يقول أبو عثمان: «لا يرى أحد عيب نفسه وهو يستحسن من نفسه شيئا، وإنما يرى عيوب نفسه من يتهمها في جميع الأحوال.»
67
وإذا كانت الدنيا شرا محضا يجب التخلص منه فالزهد فيها أول ما يلزم به المتشائم نفسه؛ ولذلك كان أبو عثمان يرى وجوب الزهد المطلق في كل شيء، ويعتبر الزهد في الحرام فريضة، وفي المباح فضيلة، وفي الحلال قربة إلى الله.
68
وكان يرى أن الإيمان الكامل لا يتم للرجل حتى يستوي عنده المنع والعطاء والعز والذل. وهذا مقام لا يتحقق إلا لمن زهد في الدنيا زهدا مطلقا.
ومما يتمشى مع هذه النغمة الحزينة - نغمة التشاؤم - التي تغنى بها أبو عثمان، وضعه مذهبا كاملا في العبودية ووصفه الطريق التي تحقق معاني العبودية لأتباعه. يقول محمد بن الفضل البلخي (319ه): «إن الله تعالى زين أبا عثمان بفنون العبودية وأبرزه للناس ليعلمهم آداب العبودية.»
Неизвестная страница