Манускрипты Мертвого моря и Община Кумран
مخطوطات البحر الميت وجماعة قمران
Жанры
مقدمة
1 - الاستكشاف والكشف
2 - التعرف بالمكان وتعيين الزمان
3 - بعض الماضي المعروف
4 - المكشوف على ضوء المعروف
5 - نظم الجماعة في قمران وقوانينهم وعقائدهم
6 - الجماعة والنصارى
مقدمة
1 - الاستكشاف والكشف
2 - التعرف بالمكان وتعيين الزمان
Неизвестная страница
3 - بعض الماضي المعروف
4 - المكشوف على ضوء المعروف
5 - نظم الجماعة في قمران وقوانينهم وعقائدهم
6 - الجماعة والنصارى
مخطوطات البحر الميت وجماعة قمران
مخطوطات البحر الميت وجماعة قمران
تأليف
أسد رستم
مقدمة
لا أذكر تماما متى بدأ اهتمامي بنصوص العهد القديم، ولكني أذكر أنني عندما قرأت نص الذيالوغوس الذي دار في القرن الثاني بين القديس يوستينوس الشهيد وبين تريفون اليهودي في أفسس لفت نظري ادعاء تريفون أن الآباء بدلوا في نصوص العهد القديم؛ لإثبات ما ذهبوا إليه، وكنت أكتفي آنئذ بالقول: إن الكلمة المتجسد لم يكن في أي وقت في الأوقات بحاجة إلى التبديل في النصوص لإثبات رسالته، وأنه لا بد أن يكون اليهود قد قرءوا النصوص نفسها التي أشار إليها السيد، وقرأها الرسل ورسل الرسل والآباء، ولا يخفى أن أقدم النسخ العبرية كانت آنئذ لا تزال من مخلفات القرن العاشر، وأن بردية ناش وما شاكلها التي عادت إلى ما قبل الميلاد كانت نتفا صغيرة من النصوص لا يجوز الاعتماد عليها كثيرا، وأما الترجمات اليونانية واللاتينية كالكودكس السينائي والكودكس الفاتيكاني، فإنها ترجمات مسيحية لا تفيد في البت في أمر التبديل، وهي متأخرة نسبيا لا تعود إلى ما قبل القرن الرابع بعد الميلاد. أما الآن وقد وجدنا «مكتبة» دينية عبرية كاملة تعود إلى القرنين الأخيرين قبل الميلاد، والقرنين الأولين بعد الميلاد، بفضل ما كشفه العلماء في جوار البحر الميت، فإننا أصبحنا أقرب بكثير إلى البت في أمر التبديل مما كنا عليه بالأمس.
Неизвестная страница
ولكن ما كاد العلماء ينفضون الغبار عن دروج هذه المكتبة ويبدءون بقراءة نصوصها، ويطلعون على تراث اليهود الذين عاصروا السيد والرسل، حتى أطلق بعض المتسرعين العنان لأنفسهم، فركبوا سجية رءوسهم واختاروا لأنفسهم ما وافق فلسفتهم المادية أو ما طلبوا من شهرة مستعجلة. فقالوا: «إنه كان لأصحاب هذه الدروج «معلم صالح»، وإن هذا المعلم قاسى الصلب، ومات وقام من بين الأموات، وإنه ليس من جديد في سيرة المسيح»! وتاه مع هؤلاء في شعاب الباطل بعض التجار من رجال الصحف والنشر، فزينوا وزوقوا ابتغاء البيع والربح، وافتروا على علماء الكنيسة، واتهموهم بالجبن والخوف، وقالوا: إن بضاعة هؤلاء كالثياب المتداعية، كلما حيصت من جانب تهتكت من آخر! ولكن العلماء من رجال الكنيسة، ولا سيما آباء مدرسة علوم الكتاب في المدينة المقدسة، لم يعبئوا بشيء من هذا، بل شمروا عن ساعد الجد، واشتركوا في أعمال الكشف وفي إثبات النصوص المكشوفة واثقين جريئين.
وتكاثرت الكتب والمصنفات في موضوع دروج البحر الميت، حتى بلغت في عشر سنوات (1948-1958) ثلاثة آلاف أو أكثر، وظهرت في جميع لغات الغرب، ولكن شيئا من نوعها لم يظهر بالعربية قبل السنة 1957. ومع أننا لا ننكر على القس جايمس ولبي والسيد إبراهيم مطر والدكتور أنيس فريحة فضلهم في الكراس الذي نشروه في هذه السنة عينها عن «مخطوطات البحر الميت وجماعة قمران»، فإننا لم نجد فيه ما يروي ظمأ المؤمن والعالم في آن واحد.
وكان صديقنا العلامة الأب جورج فاخوري البولسي، مدير مجلة «المسرة» يرقب هذا الأمر نفسه، فلا يغفله طرفة عين ويحصي على رجال الإلحاد أنفاسهم ويتتبع عثراتهم، فشجعنا على كتابة هذه الرسالة، وتبرع بنشرها هدية لقراء المسرة، فشكرنا له وللرهبانية البولسية يقظتهم، واشتركنا معهم في ذكر يوستينوس الفيلسوف الشهيد ممجدين معه، بعد ألف وثمانمائة سنة، المسيح الذي لا يموت ملكنا وإلهنا، مؤكدين أن تريفون وأعقابه اليوم كانوا ولا يزالون على ضلال مبين.
بيروت، في عيد القديس يوحنا الدمشقي
4 من كانون الأول 1959
أسد رستم
فريق من العلماء من رجال الدين والدنيا اجتمعوا من بلدان متعددة للبحث في مخطوطات وادي القمران (في متحف القدس).
منظر عام للخرائب يرى بعدها البحر الميت ثم جبال مؤاب.
الفصل الأول
الاستكشاف والكشف
Неизвестная страница
محمد الذيب وقطيعه
نحن في ربيع السنة 1947، عند شاطئ البحر الميت الغربي. وفي المكان الذي ينتهي أو يبدأ فيه وادي قمران، وعلى بعد كيلومترين ونصف الكيلومتر عن مياه البحر الميت، وأريحا ليست بعيدة عنا فهي إلى شمالينا، والمسافة بيننا وبينها لا تتجاوز الاثني عشر كيلومترا.
وقد جاء شاب ينتمي إلى عشيرة التعامرة الضاربة بين البحر الميت وبيت لحم، اسمه محمد الذيب، يرعى قطيعا من المعزى، والمعزى عندنا نفور كثير الحركة، يأبى الحبس في الزرائب، ويؤثر الانفراد في طلب الكلأ. وشردت ماعزة وتباعدت وتسلقت الصخور في طلب العشب الرطب؛ فتأثرها ذيبنا خشية التطوح والهلاك، وتسلق الصخور لأجلها، ولهث إعياء فجلس يستريح في ظل أحد الصخور الناتئة، والتفت يمنة ويسرة، فألفى فوهة فوق رأسه، فالتقط حجرا وقذف به إلى الداخل وأصغى، فإذا به يسمع خزفا يتكسر! فلاح له أنه رزق حسن يربحه بلا كد أو تعب، فأعاد الكرة فسمع الصوت نفسه، فأمسك بحافة الفوهة بأطراف أصابعه، وأطل بنفسه إلى الداخل، فإذا هو أمام كهف مملوء جرارا!
ومالت الشمس نحو المغيب، فعاد الذيب والماعزة إلى القطيع، وعاد القطيع إلى الحظيرة، وعاد محمد في المساء إلى الأهل والخلان، وتحدث إليهم عما شاهد في الكهف فلم يصدقوه، وفي الصباح التالي جاء أحدهم يقول لمحمد: أرني ما رأيت، فذهبا توا إلى الكهف ودخلا إليه، فوجدا عددا من الجرار سالمة، وعددا كبيرا منها مكسرا، فكشفا عن السالم منها، فإذا بعضه فارغ والبعض الآخر يحتوي على دروج من الرق، وبعض هذه مغلف بقماش من الكتان قديم.
1
والدرج قرطاس طويل يكتب فيه ويلف.
وأخذا بعض هذه الدروج، وصعدا بها إلى بيت لحم، وعرضاها على أحد أشياخها، فوجدها غير عربية، فأشار عليهما أن يعرضاها على المعلم إسكندر خليل تاجر العاديات في بيت لحم، فابتاعها «كندو» منهما وأبقاها في حانوته زمنا يسيرا، ثم أخذها إلى القدس، وأطلع عليها أحد أفراد ملته، ملة السريان القدماء، المعلم جرجس شعيا. فأشار هذا بالاتصال بمطران الطائفة إثناسيوس يشوع صموئيل في دير مار مرقس في شارع النبي داود، والدير قائم، في عرف السريان، في المحل نفسه الذي قام فيه «بيت مريم أم يوحنا الملقب مرقس» حيث كان الرسل والمؤمنون يجتمعون؛ ليصلوا بعد القيامة.
حمل كندو درجا كبيرا، وذهب ورفيقه جرجس، وعرضه على المطران صموئيل، فألفاه المطران مكتوبا بالعبرية. وبعد أن أحرق قطعة صغيرة منه ثبت له أن الدرج مكتوب على رق، فقال إنه يبتاع الدرج وغيره من نوعه. وفي السبت الأول من تموز عاد التعامرة إلى بيت لحم؛ ليبيعوا منتجات قطعانهم، وعاد معهم أصحاب الدروج، فهتف كندو إلى المطران في دير ما مرقس ينبئه بقدومهم وبوصول دروج جديدة، فأجاب المطران: «أرسلهم»، فلما وصلوا إلى الدير لم يسمح لهم بالدخول، فعادوا إلى بيت لحم، ومنها إلى مضاربهم. ويرى بعض رجال الاطلاع أن التعامرة باعوا دروجهم هذه أو بعضها، قبل خروجهم من بيت المقدس إلى تاجر عاديات يهودي، فاستقرت في الجامعة العبرية.
المطران صموئيل ينشر درجا.
وبعد ذلك بمدة يسيرة عاد التعامرة إلى سوق السبت في بيت لحم، فاقتادهم كندو إلى بيت المقدس واتصل بجرجس، وذهب الجميع إلى الدير وقابلوا المطران، فابتاع منهم دروجا خمسة بمبلغ يعادل مائة وخمسين دولارا أميركيا. ونزل جرجس إلى وادي قمران وزار الكهف، ونزل بعده الأب يوسف أحد رهبان دير مار مرقس، وشاهد جرة سليمة قائمة، ولكنه لم ينقلها إلى الدير نظرا لوزنها وصعوبة المسلك وحرارة الجو. وشاور المطران في أمر هذه الدروج من رأى فيهم الاستعداد للبت في أمرها، فاعتبرها أحد موظفي دائرة الآثار الفلسطينية، أسطفان أسطفان، مزورة لا قيمة لها، أما الأب فان در بلويغ
Неизвестная страница
Van der Ploeg
الهولندي، فإنه رأى في أحد هذه الدروج نص نبوة أشعيا. وفي أوائل أيلول أخرج المطران الدروج إلى سورية، وأم حمص المقر البطريركي السرياني، فأشار عليه البطريرك بعرضها على أستاذ اللغات السامية في جامعة بيروت الأميركية، فاتجه المطران شطر بيروت، ولكن الدكتور أنيس فريحه كان لا يزال في مصيفه، فعاد المطران صموئيل إلى القدس، وعاد إليها من الولايات المتحدة الدكتور سوكينيك
Sukenik
أستاذ الآثار في الجامعة العبرية، وما كاد يعلم هذا بما جرى في أثناء غيابه حتى تيقظ للأمر، وعرضت عليه بضعة دروج وجرتان، فابتاعهما للجامعة العبرية.
وفي ذلك اليوم نفسه اتخذت هيئة الأمم المتحدة قرارها بتقسيم فلسطين، فاضطرب حبل الأمن في البلاد، وتطورت الأحوال من سيئ إلى أسوأ، وبدأت المواصلات تتعذر في القدس نفسها، فاحتار المطران في أمره، ولكن سريانيا آخر، كيراز، هب لمعونة المطران، فأطلع الدكتور سوكينيك على درج نبوة أشعيا، وكان سوكينيك آنئذ واحدا من شرذمة ضئيلة من العلماء الذين يرجع إليهم في الكتابات العبرية القديمة، وكان قد عني مدة من الزمن في درس أسماء الموتى التي وردت على توابيت اليهود في أوائل النصرانية في فلسطين، وما إن اطلع على خط الدروج المكشوفة حتى تيقن أنها تعود إلى حوالي بدء التاريخ المسيحي، ولكن اكتشافه هذا جاء في أثناء الاضطرابات الدامية، فلم يجد نفعا من حيث التيقظ والسعي لإنقاذ هذه الآثار من يد العابثين.
وفي شهر شباط من السنة 1948 حاول المطران صموئيل الاتصال برجال المدرسة الأميركية للبحث والتنقيب في القدس؛ ليأخذ رأيهم فيما لديه من المخطوطات، وكان مديرها العام لتلك السنة الأستاذ ميلر بوروز
Miller Burrows
غائبا في بغداد، فنظر في أمر الدروج المعروضة أحد المقيمين المساعدين - الدكتور يوحنا تريفر
John Trever - وكان لحسن الحظ حديث العهد في البحث والتنقيب، فلم يعبه شك الخبراء المتقدمين في السن، وكان لديه نسخ فوتوغرافية عن بردية ناش
Nassh
Неизвестная страница
أقدم الآثار الخطية العبرية التي يعود عهدها إلى القرنين الأخيرين قبل الميلاد، فلمس تشابها شديدا في الخط بين دروج المطران وبين هذه البردية! فصور بعض مقاطع من درج نبوة أشعيا، وأرسلها إلى الدكتور وليم أولبرايت
Albright
أحد رجال الاختصاص في آثار فلسطين في الولايات المتحدة، فأجاب أولبرايت، في الخامس عشر من آذار السنة نفسها، أن ما شاهد من الدروج هو أقدم من بردية ناش، فدخل بذلك درس هذه الدروج في دور جديد.
مطاردة في اليهودية
وتنسمت مديرية الآثار الفلسطينية وقائع هذه الدروج، وعلمت بما قاله فيها سوكونيك وآلبرايت، فراحت تسعى بدورها للتعرف بالمكان الذي وجدت فيه الدروج، وبالأشخاص الذين عثروا عليها واتجروا بها، وكانت الأزمة السياسية وما رافقها من اضطرابات تشتد وتتحرج. وانسحب البريطانيون من البلاد وأنهوا الانتداب عليها، فضاعت هيبة الحكم، وقل نفوذ مديرية الآثار ، وكاد معينها ينضب، وبالرغم من هذا كله فإن المدير الإنكليزي جورج هاردنغ
Harding
الذي كان لا يزال في منصبه، بذل مع معاونيه جهودا جبارة للقيام بالواجب الإداري والعلمي، وفي أوائل السنة 1949 تعرفوا «بكندو» في بيت لحم، وابتاعوا منه ما تبقى لديه من فتات الدروج بمعدل ليرة إنكليزية عن كل سنتيمتر مربع، فقبض كندو في صفقة واحدة ألف ليرة إنكليزية، وشاع آنئذ أن المطران صموئيل الذي كان قد حمل الدروج إلى الولايات المتحدة يتطلب مليونا من الدولارات مقابل ما حمل!
السمسار كندو.
وأوفدت هيئة الأمم المتحدة لجنة لمراقبة سير الأمور في فلسطين، فكان بين أعضائها نقيب بلجيكي اسمه فيليب ليبنس
Lippens ، وكان هذا النقيب قد درس في معهد العلوم الشرقية في جامعة لوفان قبل التحاقه بالجيش، فصمم أن يغتنم فرصة وجوده في فلسطين؛ ليخدم العلم في قضية مخطوطات البحر الميت، فاتصل باللواء أشتون في جيش الأردن، واستعان بالأنفار البدو وغيرهم للتعرف بالضبط بالمكان الذي وجد فيه محمد الذيب دروجه، فتم له ذلك في أيام معدودة، وتيسر لمديرية الآثار وللعلماء الوقوف على تفاصيل الكشف عن هذا المخبأ، والتثبت من صحة قدمه.
Неизвестная страница
وقامت في شهر كانون الثاني من السنة 1949 لجنة رسمية مؤلفة من مدير الآثار، ومن رئيس معهد أبحاث الكتاب المقدس الدومينيكي في القدس، الأب دي فو
R. de Vaux ، وغيرهما، وما إن أطلوا على الكهف حتى أسفوا لما شاهدوه من آثار العبث والتخريب اللذين قام بهما التعامرة، ورسل المطران وعملاؤه! فإن هؤلاء كانوا قد شقوا مدخلا جديدا للكهف، ونشروا ترابه في كل مكان، وألقوا إلى الخارج بكل ما نبذوا! وأكب العلماء على التفتيش عما تبقى، فجمعوا ألف فتيتة من الرق والبردي وكميات من فتائت الخزف، وسراجا رومانيا، و«لفافة» سجاير، وقطعا من الكتان الذي كان قد استعمل في لف الدروج لوقايتها، وتبين بعدئذ أن لفافة السجاير كانت لجبرا أحد رجال المطران، فتيقن العلماء أن دروج المطران تمت بصلة إلى هذا الكهف عينه.
وبينما كان رجال العلم يسعون للتثبت مما جرى كان التعامرة يفتشون عن كهوف أخرى لعلهم يغنمون بشيء جديد، وكانوا يعرفون «برية اليهودية» معرفة تامة؛ لانتشارهم في وديانها ومنعطفاتها يوما بعد يوم في طلب الكلأ للماشية، فكشفوا مخبأ في خربة المرد في وادي المربعات بعيدا عن الكهف الأول إلى الجنوب، ثم كشفوا كهفا آخر بالقرب من الكهف الأول، وظل التعامرة سباقين في غالب الأحيان، وظل العلماء مدة من الزمن لاحقين متأخرين متهافتين، يشترون ما يجده التعامرة، ولكنهم ثابروا على التفتيش، وساروا به سيرا علميا منتظما، فكشفوا بدورهم كهوفا أخرى، وعند السنة 1956 بلغ عدد كهوف المخطوطات المكشوفة في ساحل خربة قمران وحدها أحد عشر كهفا، وغير واحد في وادي المربعات، وخربة المرد.
نموذج من الجرار التي وجدت فيها الدروج.
كهوف قمران ومحتوياتها
وقد رقم العلماء هذه الكهوف تسهيلا لتعيينها؛ فالكهفان الأول والثاني يقعان في الصخور بين وادي الدبابير ووادي غوفات زبين. وقد وجد في الكهف الأول درج كامل لنبوة أشعيا، وشرح على حبقوق ونظام جماعة قمران. وقد عني بنشرها جميعها، بين السنة 1950 و1951، أساتذة المعهد الأميركي للأبحاث الشرقية.
2
ووجد أيضا في هذا الكهف نفسه درج نظام الحرب المعروفة بحرب أبناء النور ضد أبناء الظلمة، ومجموعة من الترانيم، وشيء من نبوة أشعيا. وقد أعدها جميعها للنشر الدكتور سوكنيك
Sukenik
الأستاذ في الجامعة العبرية، فنشرت بعد وفاته في السنة 1955.
Неизвестная страница
3
ومن محفوظات هذا الكهف أيضا شرح بالآرامية لفصول سفر التكوين الخمس عشرة الأولى، وهو مخروم بال. وقد بدأ بنشره الأستاذان أفيجاد
Avigad
ويادين
Yadin
بالعبرية والإنكليزية في السنة 1956.
4
أما الفتائت التي وجدت منثورة هنا وهنالك في هذا الكهف الأول، فإنها تعد بالمئات. وقد عني بها الأبوان «برتلماوس وميليك»، ونشراها مع غيرها من شتى الآثار في المجلد الأول من سلسلة أوكسفورد في السنة 1955.
5
وكشف التعامرة الكهف الثاني في شباط السنة 1952 بالقرب من الكهف الأول، ولحقهم العلماء إليه، فلم يجدوا فيه سوى فتائت منثورة من نوع ما وجد في الكهف الأول.
Неизвестная страница
6
سلسلة الصخور التي تقع فيها الكهوف.
وحز سبق التعامرة في صدور العلماء، فقاموا بين العاشر والثاني والعشرين من آذار سنة 1952 بحملة منظمة اشتركت فيها مدرسة الأبحاث الكتابية
Ecole Biblique
الفرنسية، ومدرسة الأبحاث الأميركية، وإدارة المتحف الفلسطيني، فمشط العلماء جميع الصخور المطلة على البحر في جبهة طولها ثمانية كيلومترات امتدت من رأس الفشخة في الجنوب حتى حجر السباع في الشمال، وأسفر هذا الجهد المضني عن كشف عشرين كهفا قديما مشحونة بالخزف خالية من المخطوطات، ولم يوفق العلماء إلا إلى كهف واحد في أقصى الشمال هو ذو الرقم الثالث، فيه درجان من النحاس مخطوطان بالحروف العبرية المربعة.
7
والدرجان النحاسيان يحملان تعليمات عن كنوز معينة خبئت في زمن مجهول في أماكن معينة؛ فقد جاء في العمود الأول وفي السطر 6-8 أنه يوجد في الصهريج الكبير في وسط الدار الخارجية 900 مثقال، ويوجد في الصهريج عند أسفل الحصن، في الجهة الشرقية، في مكان محفور في الصخر 600 سبيكة من الفضة (ع2س-10-12)، ويوجد تحت زاوية الرواق الجنوبية عند قبر صدوق وتحت الفلستر آنية بخور من خشب الصنوبر، وآنية بخور من خشب الأكاسية (ع11 س1-4)، ولو أحصينا جميع كميات الذهب والفضة الواردة في هذين الدرجين النحاسيين لبلغلت مئتي طن.
8
ويشك العلماء في هل تنبئ هذه المعلومات بأخبار كنوز حقيقية أو لا.
وفي أواخر صيف السنة 1952 التف لفيف من التعامرة حول أحد شيوخهم يتسامرون، ويتبادلون أطراف الحديث حول هذه الآثار القديمة التي درت عليهم أرباحا بغير حساب، فذكر الشيخ أنه منذ زمن بعيد حين كان لا يزال في مقتبل العمر اتفق له أن طارد حجلا جريحا، ففر من أمامه، واختفى فجأة في ثقب في الصخر لا يبعد كثيرا عن خربة قمران، وأنه تأثره فوجد بعد جهد جهيد أن الثقب مدخل لكهف قديم، فالتقط الحجل وحمل معه سراجا قديما مصنوعا من الخزف، وتلقى الشبان التعامرة هذا الحديث بلهفة وشوق زائدين، ولحظوا بدقة الأماكن التي أشار إليها الشيخ في حديثه، ثم تحركوا آخذين معهم كيسا من القنب وحبالا ومشاعل قاصدين قمران، وما إن وصلوا إلى الهدف حتى تدلوا بالحبال ودخلوا الكهف وبدءوا يحفرون أرضه، وما إن أزاحوا عدة أمتار مكعبة من التراب الذي تراكم في أرض الكهف حتى عثروا على ألوف من فتائت المخطوطات، وبدأ التعامرة بعد ذلك يتوافدون على المؤسسات العلمية في المدينة المقدسة يعرضون ما وجدوا، ويضللون فيما أبدوا من معلومات عن الأماكن التي وجدوا فيها بضاعتهم الجديدة.
Неизвестная страница
ولكن أعين زملائهم كانت قد تفتحت، وكان الحسد قد أخذ من هؤلاء كل مأخذ، فعلم العلماء أين وجدت البضاعة بالضبط. وفي الثاني والعشرين من أيلول سنة 1952 زار الأبوان دي في وميليك كهف الحجل فأطلقا عليه الرقم أربعة، وأمسى الكهف الرابع، وهو لا يبعد كثيرا عن خربة قمران، بل يطل عليها من الصخور الجنوبية الغربية، وعمل العالمان في أرضه زهاء أسبوع كامل بالتعاون مع مديرية الآثار والمتحف، فعثروا على بضع مئات من الفتائت، ثم أدى التفتيش في الصخور المجاورة إلى الكشف عن كهف جديد دعي الكهف الخامس، وإلى العثور على اثنتي عشرة مخطوطة جديدة، وكشف أيضا عن كهف جديد في أسفل المضيق نفسه دعي الكهف السادس، وعثر فيه على وسقة جديدة من الفتائت.
واستمسك التعامرة بما وجدوا في الكهف الرابع، وضنوا به طالبين أسعارا مرتفعة غير عارضين للبيع سوى بعض ما وجدوا بين آونة وأخرى. واستمر العرض حتى صيف السنة 1956، واشتدت المساومة، وشعر العلماء المحليون أنه لا بد من الاستعانة بأموال من الخارج لإرضاء التعامرة، فناشدوا المؤسسات العلمية في العالم أجمع وطلبوا المعونة المالية منها بعد اعترافهم بفضل الحكومة الأردنية، وإنفاقها الذي كان أكثر مما تسمح به ظروفها، فلبت النداء كل من جامعة ماغيل
McGill
الكندية وجامعة مانشستر البريطانية وجامعة هيدلبرغ الألمانية وكلية ماكورميك
McCormik
اللاهوتية في شيكاغو ومكتبة الفاتيكان، فوجد المال المطلوب، وباع التعامرة البضاعة، فتجمعت كلها في متحف فلسطين في بيت المقدس.
وكان لا بد من التعاون العلمي الفني أيضا لإظهار ما حوته هذه الآثار الجديدة، فتألف فريق علمي جديد من الأسقف سكيهان
Skehan
الأستاذ في جامعة واشنطون الكاثوليكية، والدكتور كروس
Cross
Неизвестная страница
الأستاذ في كلية ماكورميك اللاهوتية، والدكتور أليغرو
Allegro
الأستاذ المساعد في جامعة مانشستر، والأب ستاركي
Starcky
من مركز الأبحاث العلمية في باريز، والأستاذ ستروغنل
Strugnell
من كلية يسوع في جامعة أوكسفورد، والأستاذ هونزنغر
Hunzinger
مندوب جامعة غوتنغن
Gottengen ، والأب ميليك من مركز الأبحاث العلمية في باريز، وأسند إلى كل من هؤلاء عمل يقوم به ليتم النشر على أكمل وجه. وستظهر أبحاثهم جميعا في سلسلة من الدراسات تدعى اكتشافات في برية اليهودية
Неизвестная страница
Discoveries in the Judaean Desert
تعنى بها مطبعة جامعة أوكسفورد.
وفي ربيع السنة 1955 اهتدى العلماء الباحثون المنقبون إلى كهوف أربعة أخرى (السابع حتى العاشر) وذلك في الصخور المطلة على خربة قمران، ولكنهم لم يجدوا فيها سوى بعض فتات من الخزف تحمل بعض الألفاظ ونزر يسير من فتائت المخطوطات. وفي مطلع السنة 1956 عثر التعامرة على كهف في أقصى الشمال هو الحادي عشر، يوازي في أهمية محتوياته الكهفين الأول والرابع؛ فقد ظهر فيه درج صغير جميل يحتوي على جزء من كتاب اللاويين، ومقطوعات كبيرة من رؤيا أوروشليم الجديدة، ودرج من المزامير ونص لسفر أيوب بالآرامية.
9
كهوف المربعات
ولم ينفرد وادي قمران بالكهوف التاريخية؛ فقد عثر العلماء على عدد منها في وادي المربعات أيضا. ووادي أو «درجة» المربعات يقع على بعد خمسة وعشرين كيلومترا عن أوروشليم، إلى الجنوب منها، وعلى بعد خمسة عشر كيلومترا عن خربة قمران وواديها، إلى الجنوب الغربي منهما، وهو ينفتح على وادي التعامرة وينفذ معها إلى البحر في مضيق من الصخر كوادي قمران ووادي النار. وكان التعامرة قد حملوا إلى المؤسسات العلمية في بيت المقدس، في صيف السنة 1951، شيئا من المخطوطات من كهف في وادي المربعات، فأعد العلماء العدة لحملة علمية صغيرة، وقاموا إلى وادي المربعات في مطلع السنة 1952، فإذا بهم هذه المرة ينقبون في مجموعة من الكهوف تعلو سطح البحر الميت، وتعلو أيضا كهوف قمران، وتوازي بارتفاعها سطح البحر المتوسط، وهي تطل على واد سحيق ينخفض تحتها إلى عمق مائتين وخمسين مترا. وكهف المربعات الرئيسي وعر المسلك لما تساقط من سقفه وتهدم من جوانبه، طوله ستون أو سبعون مترا، وعرضه ثلاثة أو أربعة أمتار، وارتفاع سقفه ثلاثة أمتار، وأدى تساقط الصخور من سقف الكهف الثاني إلى سد مدخله، وقل الأمر نفسه عن الثالث وغيره.
وأشرف على أعمال هذه البعثة العلمية كل من المستر جيرالد هاردنغ
Gerald Harding
مدير العاديات آنئذ في شرق الأردن، والأب رولان دي فو رئيس مدرسة الأبحاث الكتابية الفرنسية في بيت المقدس، وأول ما لفت الأنظار من الناحية الأثرية صهريج للماء عند مدخل الكهف الأول يعود إلى العهد الروماني، ولكن أعمال الحفر في ركام هذا الكهف أظهرت بوضوح أنه آوى الإنسان منذ العصر الحجري الخالكوليثي؛ أي: منذ الألف الرابع قبل الميلاد (4000-3000ق.م.). فقد عثر المنقبون على فئوس وسكاكين ومكاشط وسهام حجرية، ومثاقب عظمية، وما هو أهم من هذه وتلك، على أدوات خشبية قلما تبقى شيء منها من هذا العصر البعيد في أي مكان آخر، وأهم هذه الأدوات الخشبية مساس حمار قد يظنه الناظر إليه لأول وهلة أنه أعد بالأمس، ومقبض مقشر لا يزال خشبه لماعا، ولا تزال سيوره الجلدية التي كانت تشد نصله الحجري محفوظة مرتبطة به، وعثر المنقبون في الكهف الثاني على إبرتين برونزيتين، وعل قارورة من الألبصطر الشفاف، وعلى خنفسة من الحجر الثمين تحمل زخرف عصر الرعاة؛ أي: زخرف القرنين الثامن عشر والسابع عشر قبل الميلاد.
مقبض المقشر وسيوره.
Неизвестная страница
وكشفت أعمال الحفر في كهوف المربعات الأول والثاني والثالث عن آثار تعود إلى العصر الحديدي في القرنين الثامن والسابع قبل الميلاد مما يدل على استمرار لجوء الإنسان إليها حتى ذلك العصر. ودلت كثرة الآثار الرومانية الباقية في هذه الكهوف على أن سكانها، في عهد الرومان، كانوا أكثر عددا من ذي قبل، وأنهم استمروا في الإقامة فيها مدة طويلة، فكسرات الفخار والخزف الرومانية كثيرة جدا، والسرج الباقية تعود بوضوح إلى أواخر القرن الثاني بعد الميلاد، والأدوات والأواني المعدنية كثيرة أيضا، بينها رءوس ومعاول ورماح برونزية، ورءوس حراب حديدية، إحداها بشكل ورق الغار، وعدد كثير منها مثلث الحدود، وبين الأدوات سكاكين ومنجل ومبسط ومسامير وإبر عديدة ومفتاح متعدد الزوايا، وتنوعت الآثار الخشبية: فهنالك الكئوس والصحون والأمشاط والأزرار والملاعق، ومما عثر عليه في هذه الكهوف بقايا أقمشة مزركشة بدقة وخفاف من النعل، ووجدت في هذه الطبقة عينها مجموعة من النقود يعود معظمها إلى زمن ثورة اليهود الثانية (132-135) بعد الميلاد.
ومعظم آثار المربعات الخطية وجد في كهفها الثاني. وقد سلم بعض هذه الآثار، ولكن معظمها عبثت به حيوانات الكهف ولا سيما جرذانه؛ فإن هذه لم تعبأ بقدسية الدروج ولا بفائدتها العلمية، فراحت تبطن وكورها بقطع من رقوق المخطوطات وبرديها. وأمست أعمال الكشف في دور من أدوارها تفتيشا وتنقيبا عن وكور هذه الجرذان لاستعادة ما نقل إليها على مر العصور من أجزاء المخطوطات. وكانت قد تراكمت في أرض هذا الكهف الثاني كميات من سماد الطيور والحيوانات الصغيرة، فنقلها التعامرة إلى الأسواق المجاورة لبيعها، ولا يستبعد أن يكون اليهود قد سمدوا بياراتهم في ضواحي بيت لحم بمخطوطات عظيمة الأهمية لهم قبل غيرهم، فجاءت زراعتهم خاسرة.
والمدهش بين آثار المربعات الخطية هو بردية حملت كتابتين عبريتين، إحداهما تعود إلى القرن الثامن قبل الميلاد؛ أي: إلى مائتي سنة قبل الكتابة على كسرة لاخش
Lachish ، وعلى الرغم من محاولة إزالة هذه الكتابة القديمة لترقيم بعض الأسماء المستحدثة، فإن بعض الكلمات القديمة لا تزال مقرية، تدل على أنها تحية من رسائل القرن الثامن! وعثر المنقبون على عدد من الكتابات الوجيزة بالعبرية أو اليونانية على كسرات من الخزف، كما وجدوا على برديتين يونانيتين عقد زواج، ومصالحة بين زوجين هما «إلياس» و«صالومة». وقد جاءت هذه المصالحة مؤرخة في السنة السابعة لحكم أدريانوس؛ أي: في السنة 124 بعد الميلاد. وهنالك أيضا سند دين ناقص يعود إلى عهد الإمبراطور كومودوس (180-192)، ومما وجد في هذا الكهف عينة تسجيلات مدنية وعسكرية مكتوبة على الرق تتضمن أسماء يهودية شائعة آنئذ «كيوسيفوس ويشوع وشاوول وسمعان» تقابلها أرقام وعلامات معينة.
ويظهر من كيفية تأريخ بعض الرسائل التي وجدت في هذا الكهف وغيره من كهوف وادي المربعات الظرف الذي أدى لسكنى هذه الكهوف في القرن الثاني بعد الميلاد: فبعض هذه الرسائل مؤرخ في «زمن خلاص إسرائيل بخدمات سمعان بن كذبة أمير إسرائيل»، والإشارة هنا، هي بلا ريب، إلى ثورة اليهود الثانية في السنوات 132 إلى 135 بعد الميلاد، وسمعان بن كذبة نفسه أصدر اثنتين من هذه الرسائل، فقال في إحداهما: «سمعان بن كذبة إلى يشوع بن جلجلة والرجال الذين بمعيتك، سلام، لتشهد السموات على أنه إذا قام أحد من الجليليين الذين تحمي بما يزعج، فإني سأقيد قدميك كما قيدت ابن أفلول» (سمعان بن كذبة).
10
ونصوص الأسفار التي وجدت في المربعات جميعها مسور
Massoretic
أي: مضبوط بالشكل العبري المعروف. وقد آثرنا هذا اللفظ العربي للتدليل على معنى اللفظ العبري «مسورة»، ولعل الأصل واحد في الحالتين: فالسور عندنا هو اللفظ الدال في القضية المنطقية على كمية أفراد الموضوع، والقضية المسورة هي عندنا عكس القضية المهملة. وورود هذه النصوص مسورة يدل على أن تسوير النصوص العبرية على هذا الشكل كان قد أصبح متفقا عليه معمولا به عند السنة 132 بعد الميلاد. وأكمل هذه النصوص درج يتضمن النبوات الاثنتي عشرة. وقد أثرت فيه الرطوبة طوال العصور، فاسود وأمسى لا يقرأ إلا على ضوء الأشعة دون الحمراء.
وعثر المنقبون أيضا على مقاطع من أسفار التكوين والخروج والتثنية ونبوة أشعيا، وكانت هذه جميعها مرمية في زاوية مهملة من زوايا الكهف الثاني. وهنالك شقة صغيرة تحمل الآيات الرابعة إلى التاسعة من الفصل السادس من سفر التثنية، وكانت تكتب وحدها بهذا الشكل لتصبح حجابا أو تعويذة. وهنالك أيضا مخطوطات أخرى متأخرة بينها بعض رسائل عربية كتبت على ورق قطني، تعود إلى القرن العاشر بعد الميلاد.
Неизвестная страница
11
وحمل التعامرة من هذه المنطقة نفسها، منطقة وادي المربعات، إلى بيت المقدس في منتصف تموز في السنة 1952 مخطوطات أخرى لا يمكن تعيين المكان الذي وجدت فيه بالضبط، وتضمنت هذه المجموعة رسائل تجارية وشرعية بالعبرية والنبطية.
12
تعود إلى أيام الثورة الثانية أيضا، 135 بعد الميلاد، وهاك تعريب إحداها بالضبط:
في العشرين من أيار في السنة الثالثة لتحرير إسرائيل في كفر ببايو، قال هدر بن يهوذا الكفربباي إلى أليعازر بن أليعازر الساكن معه في المكان نفسه: لقد بعتك اليوم بإرادتي بيتي الذي يتصل من الشمال بداري؛ لتتمكن من جعله يتصل ببيتك، وليس لك أي حق علي في الدار المذكورة . وقد بعتك بمبلغ قدره ثمانية دنانير توازي تتزا دراخمتين هما كامل الثمن؛ ولأليعازر كل الحق في شراء هذا البيت حجارته وخشبه وأثاثه وكل ما فيه ... وأرضه. وحدود هذا البيت الذي تشتريه يا أليعازر هي شرقا ملك يوناتان، وشمالا الدار، وغربا وجنوبا ملك البائع. وليس لك أي حق علي في داري وأنا هدر لا أدخل ولا أخرج منذ اليوم أبدا.
وأنا صالومة بنت سمعان وزوجة هدر لا أعترض على بيع البيت المذكور أبدا، وأن ما نملكه اليوم وفي المستقبل سيكون ضمانا لك.
مرة واحدة، وهؤلاء هم الموقعون: كتبه هدر بن يهوذا. كتبته صالومة بنت سمعان، أليعازر بن متائيا، سمعان بن يوسف شاهد، أليعازر بن يوسف شاهد، يهوذا بن يهوذا شاهد.
13
والدرج اليوناني الذي يتضمن أجزاء من النبوات الاثنتي عشرة المشار إليه أعلاه ذو أهمية كبرى لتاريخ الترجمة السبعينية، وموقف اليهود والنصارى منها ولا سيما وأن هذا الدرج يعود، بدليل نوع خطه، إلى نهاية القرن الأول بعد الميلاد، وهو يتضمن أشياء من نبوات ميخا ويونان ونحوم وحبقوق وصفنيا وزكريا. وقد عني بهذا الدرج الأب برتلماوس، فقابله بالنصوص السبعينية مقابلة دقيقة كاملة، وأعاد درسه على ضوء المحاورة بين القديس يوستينوس وتريفون اليهودي التي تعود إلى القرن الثاني بعد الميلاد، فتبين له أن يوستينوس كان على حق فيما ذهب إليه من أن اليهود أهملوا السبعينية بعد أن أخذ بها النصارى، وأن السبعينية كما عرفتها الكنيسة كانت في القرن الأول لا تزال محترمة في الأوساط اليهودية.
14
Неизвестная страница
خربة المرد
وسبق التعامرة العلماء إلى خربة المرد أيضا، فتسربوا في صيف السنة 1952 إلى كهف تحت الأرض في خربة المرد، وحملوا منه مخطوطات عرضوها للبيع في بيت المقدس، وخربة المرد هذه هي مردة
Marda
الروم وقسطلهم
Kastellion ، ومردة بالآرامية هي القسطل باليونانية أو القلعة، وهي هيركنيون
Hyrcanion
الآشمونيين، وقلعتهم الشهيرة لا تبعد أكثر من خمسة كيلومترات عن دير مار سابا.
وكان النقيب البلجيكي فيليب ليبنس الذي اشترك في أعمال الاستكشاف في السنة 1949 قد عاد إلى وطنه، وتولى التدريس في جامعة لوفان، وكان لا يزال يتابع أخبار قمران ومخطوطاتها، فأقنع إدارة جامعته، وأطل في السنة 1953 وزميله الأب دي لانغ
de Langhe ، فتوليا أمر التنقيب في خربة المرد، فتبين لهما أن هذه الخربة حوت ركام دير مسيحي قام على أطلال قلعة هيركانية في القرن الخامس، واستمر عامرا حتى القرن التاسع بعد الميلاد، فهنالك أرض كنيسة غشيت بالفسيفساء، وآثار عدد من الصوامع وقبور الرهبان. أما الأسفار الخطية التي وجدت في هذه الخربة فإنها جاءت باليونانية وبلهجة آرامية تعرف باللهجة الفلسطينية المسيحية. وهي أجزاء من سفر يشوع وإنجيلي متى ولوقا وسفر الأعمال، ورسالة بولس إلى أهل كولوسي. وهذه هي المرة الأولى التي ترد فيها بعض هذه الأسفار بالآرامية. وهنالك رسائل عادية بالآرامية والعربية إحداها لشخص يدعى جبرائيل وجهها في القرن السابع إلى رئيس هذا الدير والأسياد والآباء فيه، وإليك تعريبها:
من المبارك بالرب والخاطئ جبرائيل إلى رئيس دير أسيادنا وآبائنا: إني أرجو أن ترفع الصلوات لأجلي؛ لأنجو من العشيرة التي يرتجف منها قلبي. سلام لكم من الآب والابن والروح القدس، آمين.
Неизвестная страница
15
خربة قمران
وكان من الطبيعي أن يربط العلماء بين الكهوف التي كشفوا في صخور قمران وبين ركام قديم قام في السهل عند أسفل هذه الكهوف على بعد 750 مترا عنها، فعادوا يستقصون أخبار هذه الخربة، وينظرون فيما قاله فيها العلماء الباحثون، فوجدوا أن دي ساسي الذي زارها في السنة 1851 اعتبرها آثار عامورة، وأن كليرمون غافو الذي أطل عليها في السنة 1873 رآها رومانية، وكذلك دالمان في السنة 1920، ثم اعتبرها مرتينوس نوث مدينة الملح التي ورد ذكرها في سفر يشوع (15 : 62)، وكانت قبورها العديدة التي اتجهت شمالا قد استرعت نظر كليرمون غانيو، فأكد أنها تقدمت ظهور الإسلام، فرأى هاردينغ ودي فو في السنة 1949 أن يكشفا عن بعض هذه القبور، فوجداها بسيطة جدا خالية من أي زخرف أو مجوهرات، ووجدا الهياكل ملقاة على الظهر متجهة نحو الشمال مصلبة الأيدي، فافترضا أن سكان هذه الخربة كانوا من أهل الزهد مرتبطين بقوانين وتقاليد معينة.
محبرة من الخزف.
وألح عدد من العلماء على الكشف عن هذه الأخربة؛ لاستيضاح أمر المخطوطات في الكهوف المجاورة، فعاد هاردنغ ودي فو إلى الحفر والتنقيب في خريف السنة 1951، وشرعا في عمل علمي فني منظم استغرق مدة من الزمن، واستوجب متابعة العمل أربعة فصول متتالية بين السنة 1953 والسنة 1956، وأدى أيضا إلى الكشف عن خريبة أخرى تقع إلى الجنوب من قمران بالقرب من عين الفشخة.
16
وتشغل أخربة قمران بمجموعها مساحة من الأرض تقدر على وجه التقريب بثمانين مترا في ثمانين، وهي تتألف من بناء رئيسي وأجنحة ومقابر، والبناء الرئيسي يتألف من صحن مفتوحة من أعلاها تحيط بها من جهاتها الأربع أبنية متفاوتة الشكل والارتفاع. وأول ما يلفت النظر من هذه برج ذو دورين يقوم عند الزاوية الشمالية الغربية، ويتصل به من الجنوب، ويشغل ما تبقى من الضلع الغربي من البناء الرئيسي قاعة كبيرة بمقاعد ملاصقة لجدرانها، ويتصل بهذه القاعة من الشرق قاعة أخرى طولها ثلاثة عشر مترا وعرضها أربعة، أهم ما فيها موائد للكتابة مصنوعة من الآجر ومطلية بالجص. وهنالك موائد أخرى تحمل مغاسل لغسل الأيدي قبل البدء بالكتابة. وقد وجد على موائد الكتابة محابر من البرونز والخزف لا تزال تحفظ في قعرها بقايا ناشفة من الحبر الأسود.
ويلاصق البرج من الشرق بناء خصص للمطابخ، وفيه المواقد وغيرها مما يلزم لإعداد الطعام. أما مغاسل الثياب ونحوها والمصابغ فإنها تقع في أبنية قائمة في الضلع الشرقي من هذا البناء الرئيسي، بالقرب من صهريج كبير؛ بل بين صهريجين كبيرين، أحدهما في الضلع الشرقي والآخر في الضلع الجنوبي. ويقوم إلى الجنوب من الصهريج الجنوبي بناء طوله اثنان وعشرون مترا، وعرضه أربعة أمتار ونصف المتر. وهو في نظر رجال الاختصاص قاعة الاجتماع تتلى فيها النصوص المقدسة والشروح عليها، وتقام الأدعية والصلوات وتقدم وجبة الطعام المقدسة. وقد عثر في زاوية هذه القاعة الجنوبية الغربية على صحون مكسرة استعملت قبيل الخراب، ووجد أيضا في غرفة ملاصقة أكثر من ألف صحن محفوظة للاستعمال عند الحاجة.
وأهم ما في الأجنحة التابعة لهذا البناء الرئيسي الصهاريج التي كانت تحفظ ما يتدفق من مياه الشتاء لاستعماله في أيام القيظ. وهنالك أيضا مصانع ومشاغل كان لا بد من الاعتناء بها.
17
Неизвестная страница
الفصل الثاني
التعرف بالمكان وتعيين الزمان
خرائب قمران
والأفضل أن يقال: خرائب قمران لا خربة قمران؛ لأن ما تبقى من بنيان فيها يعود إلى عصرين مختلفين؛ فالمداميك السفلى من الزاوية الشمالية الغربية من البناء الرئيسي تختلف في حجم حجارتها وسماكة بنائها عن سائر ما تبقى من جدران قائمة. وهذا الطراز من البناء هو طراز القرون الثامن إلى السادس قبل الميلاد، وهو يتفق وما تبقى من آثار هذه القرون في وادي البقيعة فوق قمران. وعثر على هذا النوع من البناء أيضا في الجناح الغربي حوالي الصهريج المستدير، ومما يؤيد هذا الرأي أيضا وجود قطع من الخزف تعود هي أيضا إلى القرون الثامن إلى السادس قبل الميلاد.
ويجوز القول والحالة هذه أن القديم القديم من خرائب قمران هو بقية باقية من «مدينة الملح» التي يرد ذكرها في سفر يشوع (15 : 62)؛ فقد امتحن الأب ميليك والدكتور كروس، في صيف السنتين 1954 و1955، ما تبقى من آثار في سهل البقيعة إلى الشمال الغربي من قمران، فوجدا أن هذه الآثار تعود هي أيضا إلى القرون الثامن إلى السادس قبل الميلاد، ورأيا فيها البقية الباقية من مدين وسكاكة ونبشان المدن الثلاث الأخرى الواردة في الفصل نفسه من سفر يشوع (15 : 61)، ورأيا أيضا أن تكون هذه المدن هي الأبراج ومدن الخزن التي أمر يوشافاط بإنشائها في يهوذا عندما تقدم وعظم أمره، كما جاء في سفر أخبار الأيام الثاني (17 : 2 1)، وأن تكون هي نفسها المشار إليها في الفصل السادس والعشرين من هذا السفر نفسه «الأبراج التي بناها عزيا في البرية؛ لأنه كان محبا لأعمال الأرض».
1
وقد ارتأى مرتينوس نوث أن يكون وادي البقيعة هو وادي عكور الذي رجم فيه عاكان وبنوه وبناته وحميره وغنمه وأحرقوا بالنار، (يشوع 7 : 24).
2
ويجد العلماء المنقبون في التفتيش عن النقود في الآثار الباقية، لعلهم يهتدون بواسطتها إلى تحديد الزمن الذي تعود إليه هذه الآثار. وقد وجد المنقبون في خرائب قمران عددا كبيرا من النقود. وقد جاء في تقرير لهم عن أعمالهم، في أثناء السنة 1953، أنهم وجدوا ثلاث قطع من النقود الفضية التي سكها أنطيوخوس السابع في السنوات 136 و130 و129 قبل الميلاد، ووجدوا أيضا أربع عشرة قطعة من مسكوكات يوحنا هيركانوس (135-104) قبل الميلاد، وثمانيا وثلاثين قطعة من مسكوكات ألكسنذروس بن يوحانان (103-76) قبل الميلاد، وخمس عشرة قطعة حشمونية، واثنتين من إصدار أنتيغونوس متتياس (40-37) قبل الميلاد، وقطعة فضية واحدة من مسكوكات صور في السنة 29 قبل الميلاد، وست قطع من إصدار أرخيلاوس (4ق.م.-6ب.م.) وثلاثين قطعة رومانية من مسكوكات أوغوسطوس وطيباريوس وكلوديوس ونيرون (6-67) بعد الميلاد، وإحدى عشرة قطعة تعود إلى السنة الثانية من الثورة الأولى (67-68) بعد الميلاد، وقطعتين تعودان إلى السنوات (67-73) بعد الميلاد، وثلاثا تعود إلى زمن الثورة الثانية (132-135) بعد الميلاد، وخمس قطع بيزنطية عربية وجدت على وجه الأرض. ثم جاءت أعمال التنقيب في السنوات 1954 إلى 1956 تؤيد هذه النسبة نفسها في القلة والكثرة من مسكوكات هذه العصور نفسها.
دير قمران كما يظهره الترميم.
Неизвестная страница
وفوجئ المنقبون والعمال والتعامرة، في مطلع السنة 1955، بكنز مدفون حوى خمسمائة وخمسين قطعة من الفضة من مسكوكات مدينة صور الصادرة عنها في القرن الأول قبل الميلاد قبل السنة التاسعة، وكان قد دفن في جرات ثلاث في أرض غرفة صغيرة من غرف أحد الأجنحة، فعنيت به إدارة المتحف في بيت المقدس، ونظفت القطع مما علاها من الصدأ، وعرضتها كما عثر عليها، فضة براقة تتدفق من جرات قديمة.
وهكذا فإن قطع الدراهم التي وجدت في خرائب قمران عديدة ومتنوعة. ولولا كثرتها وتنوعها لما تمكنا من الاستعانة بها لتعيين الزمان الذي قامت فيه هذه الأخربة آهلة بالسكان؛ فمجرد العثور على ليرة ذهبية عثمانية في خربة ما في لبنان مثلا لا يدل دلالة منطقية سليمة على أن الخربة قامت آهلة بالسكان في الزمان الذي سكت فيه هذه الليرة؛ فإننا لا نزال في لبنان نتداول الليرات العثمانية الذهبية التي سكت في عهد عبد الحميد ومحمد رشاد حتى ساعتنا هذه، وبعد مرور نصف قرن على صدورها وعلى خروج الأتراك من ربوعنا . ولكن العثور على كثرة من النقود الواحدة في خربة معينة تدل على أن سكان هذه الخربة عاشوا في العصر الذي كثرت فيه هذه النقود وكثر التداول بها.
ولما كانت النقود التي سكت في عهد الإسكندر بن يوحانان
Alexander Jannaeus
الحشموني كثيرة في خرائب قمران، وكان هذا الإسكندر قد حكم من السنة 103 حتى السنة 76 قبل الميلاد، جاز القول: إن خرائب قمران كانت قائمة آهلة بالسكان في هذه الحقبة من تاريخ فلسطين.
وإذا استثنينا أمر الكنز الذي وجد مدفونا في إحدى الغرف، جاز لنا القول: إن الخرائب خلت من نقود تعود إلى عهد هيرودوس الكبير (37-4) قبل الميلاد. ولعلها خلت من السكان أيضا؛ لأن الجدران والسلالم والصهاريج لا تزال تحمل آثار زلزال كبير حل بها في عهد هيرودوس نفسه في السنة 31 قبل الميلاد؛ فالدرجات التي تؤدي إلى أحد الصهاريج مشقوقة من أسفلها حتى أعلاها. وقد انخسف أحد شقيها مقدار ثلاثين سنتيمترا عن الآخر. وجدران البرج الكبير مشققة أيضا، وعتبة من أعتاب غرفه مكسورة، وكذلك جدران بعض الأبنية الأخرى. ونحن نعلم نقلا عن يوسيفوس أن أرض فلسطين زلزلت في عهد هيرودوس في السنة 31، وأنه كان، وقت الإرجاف، على رأس جيشه في أريحا بالقرب من قمران، وأن جنوده تطايروا فزعا، ولكنه وفق إلى جمعهم والسير بهم عبر الأردن لمقابلة عدوه.
3
ولا تتكاثر النقود قبل عهد الأباطرة الرومانيين الأولين (6-67) بعد الميلاد. وقد يكون السبب في ذلك أن سكان قمران لم يجرءوا على العودة إليها، ولم يذهب خوفهم من الزلزال إلا بعد مرور ربع قرن عليه. فإنهم لم يرتقوا الشقوق ولم يدعموا الجدران، ولم يحفروا الصهاريج الجديدة إلا في النصف الأول من القرن الأول بعد الميلاد.
وجاءت الثورة الأولى في السنة 66 بعد الميلاد، فعمت فلسطين بكاملها، وشملت قمران، واضطرت رومة أن تقمعها، فأطل فيسباسيانوس بجنوده على أريحا وسهولها. ولعله لقي شيئا من المقاومة في قمران فأحرقها؛ فإن رءوس النبال الرومانية لا تزال منثورة في طبقة من الرماد وغيره من آثار النار. ولمس الرومان أهمية قمران من الناحية الاستراتيجية لنشر الأمن في البلاد، فحولوا برج قمران وبعض مبانيها القريبة من البرج إلى ثكنة عسكرية، وما فتئوا مقيمين فيها حتى نهاية القرن الأول، وعند خروجهم منها أمست خالية من السكان، ولم يعد أحد إليها قبل الثورة الثانية (132-135)، وما إن خمدت هذه حتى عادت قمران إلى سابق وحشتها، وما فتئت حتى يومنا هذا.
4
Неизвестная страница
الآثار المخطوطة
وتعيين الزمن الذي تعود إليه الآثار المخطوطة التي وجدت في كهوف قمران، ووادي المربعات وخربة المرد يوجب تبيان الزمن الذي وضعت فيه الآثار في كهوفها، وتحديد الزمن الذي كتبت فيه، وتعيين زمن تأليفها. ويلاحظ هنا أن اهتمام الجماهير لهذه المخطوطات وإقدام الجرائد والمجلات على نشر أخبارها بدون تبصر أو روية، وما نجم عن ذلك من اختلاف في الرأي وحماس في الجدل، اضطر بعض العلماء إلى إبداء رأيهم قبل اكتمال البحث، فزادوا بذلك الطين بلة. ويلاحظ أيضا أن بعض دور النشر في أميركة وأوروبة لا تزال تنظر إلى أمر هذه المخطوطات من الناحية التجارية فقط، فتدفع إلى واجهات المخازن بكل ما من شأنه أن يثير الخواطر، ويستفز النفوس ليزداد البيع وتتكادس الأرباح.
درج الدروج
والنظر في الزمن الذي درجت فيه هذه الدروج في كهوفها يستوجب الإجابة عن السؤال: لماذا وضعت هذه الدروج في هذه الكهوف؟ وقد تخالف العلماء في هذا الأمر، فأصر سوكينيك العالم اليهودي على أن الكهوف «جنازات» سترت فيها كل نسخة وجب إهمالها، وأشار لهذه المناسبة إلى درج نبوة أشعيا الذي وجد في كهف قمران الأول وإلى الفوارق بين نصوصه والنصوص المألوفة، ووجوب إهماله ووضعه في جنازة. وأضاف أنه لا بد من جنازة أو جنازتين لكل كنيس تحفظ فيهما الأسفار المهملة، وتدفن بكل وقار واحترام بعد تكاثرها. والجنازة في العبرية والعربية واحدة؛ فهي مشتقة من الثلاثي جنز، ومعناه جمع وستر، ولا يخفى أن الجنز في العربية هو البيت الصغير من الطين، وأن أصل المعنى في هذه المادة كلها هو الإخفاء والكنز.
الدرج النحاسي.
وأيد هنري دل ماديكو
Del Medico
البندقي القسطنطيني رأي زميله سوكينيك، فقال: إن الأقمشة التي لفت بها هذه الدروج إنما هي أكفانها، وإن الدروج ألبست هذه الأكفان؛ لأنها اعتبرت كتبا ميتة. وأضاف أن التقليد قضى بدرج الأسفار المشوهة والكتب المنتحلة في جنازات من نوع ما تقدم. وأشار إلى اهتمام المعلم سمعان بن غملائيل في القرن الأول بعد الميلاد لجمع رسائل الأنبياء الكذبة الذين حرضوا اليهود على الثورة الأولى ضد رومة، ولدرجها في مخابئ بعيدة عن متناول القوم، وقال: إن المعلم غملائيل الثاني (92-100) بعد الميلاد أمر بمثل ما تقدم ذكره بعد سقوط أوروشليم وخراب الهيكل. وارتأى دل ماديكو أن تكون هذه هي الظروف التي أدت إلى درج الدروج في كهوف قمران.
5
ورأى معظم العلماء غير ما رآه سوكينيك ودل ماديكو، فقالوا: إن هذه الدروج إنما درجت في كهوفها ضنا بكرامتها وحرصا عليها، وإنها لا بد أن تكون قد خبئت في ظرف عصيب حل بأصحابها كحرب كاسحة أو اضطهاد شديد. ثم اتسعت أعمال الحفر والتنقيب فاتسع أفق العلماء معها، وتبين أن هذه الكهوف حوت مئات المخطوطات، وأن بعضها كالدرجين النحاسيين، كانا من نوع لا يجب تحذير الرجوع إليه. وعثر المنقبون في السنة 1951 في خرائب قمران على جرار من الفخار تتفق كل الاتفاق مع الجرار التي وجدت في الكهوف من حيث الشكل والصنع. ووجد العلماء مع هذه الجرار نقودا تعود إلى أواخر القرن الأول قبل الميلاد وإلى النصف الأول من القرن الأول بعد الميلاد. ودقق الدكتور أولبرايت
Неизвестная страница
Albright
الأميركي في طينة الجرار فوجدها رومانية. فاضطر العلماء الباحثون أن يعتبروا الجرار التي وجدت فيها الدروج من النوع الذي كان يصنع في فلسطين في القرن الأول بعد الميلاد، واضطر من كان يقول بهلينية الجرار وأنها تعود إلى القرن الثاني قبل الميلاد إلى التراجع عما ذهب إليه.
وأخذ الدكتور كلسو
Kelso ، مدير المدرسة الأميركية للأبحاث الشرقية، قطعة من القماش الذي لفت به الدروج إلى الولايات المتحدة، ووضعها تحت تصرف العالم النووي الدكتور لبي
Libby ، الأستاذ في جامعة شيكاغو، وطلب إليه أن يحللها تحليلا كيماويا نوويا للتعرف بعمرها. فجاء جواب هذا العالم أن هذه القطعة من الكتاب تعود إلى مدة حدها الأقصى 167 قبل الميلاد، وحدها الأدنى 233 بعد الميلاد؛ وتعليل ذلك أن هنالك نوعا من الكاربون وزنه الذري 14 بدلا من 12، وأن هذا الكاربون ذا الرقم 14 يتولد باستمرار في أعلى طبقات جو الأرض من جراء تعرض ذرة النيتروجين ذي الرقم 14 إلى أشعة كونية. ويختلط الكاربون ذو الرقم 14 بالأوكسوجين فيولد نوعا خصوصيا من أكسيد الكاربون يختلف عن أكسيد الكاربون العادي، ولكنه يمتزج فيه. وهكذا فإن جميع النباتات الحية والحيوانات تتنشق الكاربون 14 فيبقى فيها بنسبة معينة. وهذه النسبة هي واحد على تريليون من الكاربون 14 فيبقى فيها بنسبة معينة. وهذه النسبة هي واحد على تريليون من الكاربون 14 في الغرام الواحد إلى غرام واحد من الكاربون 12، وعند الوفاة ينقطع دخول الكاربون 14 إلى الأجسام والنباتات، ويبدأ انحلال الموجود منه فيها. ويتم هذا الانحلال ببطء، ولكن بمعدل لا يتغير، ونصف مدة الكاربون 14 هذه تساوي 5500 سنة. وهكذا فيصبح الغرام الواحد منه نصف غرام بعد مرور 5500 سنة على موت الحي، ويصبح أيضا ربع غرام في ال 5500 سنة التالية. وهكذا دواليك.
ويتضح مما تقدم أنه إذا تمكنا من معرفة الكاربون 14 الباقية في جسم لفظ أنفاسه عرفنا الزمن الذي مر على هذا الجسم بعد انقطاعه عن الحياة. ويحرق عندئذ نموذج منه حتى يمسي كربونا نقيا. ويصار إلى تحديد كمية الكاربون 14 الباقية بمقياس إشعاعي حساس جدا على مثال عداد غيغر
Geiger . وتعين النتيجة بعدد انحلالات الكاربون 14 في الدقيقة الواحدة والغرام الواحد. وهذه النتيجة تكون 3، 15 في مادة الجسم المعاصر، وتكون 65، 7 في جسم انقطع عن التنفس منذ 5508 سنوات، وتكون 83، 3 لنموذج انقطع عن التنفس منذ 1163 سنة، ويحسب رجال الاختصاص في هذا العمل الدقيق حساب الخطأ، فيفسحون مجالا له يقدرونه بخمسة إلى عشرة في المائة.
ومع أن الكاربون 14 موجود في جميع الأجسام التي تتنفس، فإن بعضها أقرب لهذه المعالجة العلمية الإشعاعية من غيره. وهذا البعض هو النباتات على أنواعها، ومنها كتان الأقمصة التي لفت بها دروج البحر الميت، والفحم والأصداف والقشور، وقرون الحيوان والعظم المحروق والزبل والجذور.
وقد أجريت تجارب من هذا النوع على آثار مادية تاريخية معينة، فجاءت النتائج مدهشة، فقد أحرقت قطعة من خشب سقف بيت وزير فرعوني، يعود، في عرف علماء الآثار، إلى ما بين السنة 3100 والسنة 2800 قبل الميلاد، فجاءت نتيجة امتحان الكاربون 14 تدل على أن هذا الخشب قطع في السنة 2933 قبل الميلاد، مع إمكانية خطأ يقدر بمائتي سنة قبل هذا الرقم أو بعده. وامتحن علماء الإشعاع خشب قارب ينسب إلى الفرعون سيسوسترس الثالث الذي توفي في السنة 1849 قبل الميلاد بموجب تقدير علماء الآثار، فجاءت نتيجة الامتحان تحدد سنة قطع هذا الخشب بالرقم نفسه تقريبا. وهكذا فإنه بإمكاننا أن نقول بشيء كثير من الضبط العلمي أن الكتان الذي صنعت منه أقمصة الدروج في كهوف قمران قطع وامتنع عن التنفس بين السنة 167 قبل الميلاد والسنة 233 بعد الميلاد.
6
Неизвестная страница