Игры любви во дворцах королей
مكايد الحب في قصور الملوك
Жанры
وفي باريس استقبلت استقبال ملكة، ولقيت من مظاهر التجلة والتكريم ما هو جدير بأجمل امرأة في أوروبا. وكان نبوليون نفسه في طليعة المرحبين بها والمكرمين وفادتها. وكان ظهورها أول مرة في البلاط الفرنسوي يوم أقيمت حفلة الرقص الفخمة في قصر التويلري، حيث خف الكبراء والعظماء للاحتفاء بها على وجه يدهش العقول ويحير الأفكار.
وعند دخولها بلغ من شدة دهشة المعجبين بحسنها الرائع وجمالها البارع أن انقطعت على الفور حركة الرقص وأصوات آلات الموسيقى، كأن روعة بهائها شلت أيدي الضاربين بالآلات وغلت أرجل الراقصين والراقصات، وصوب جميع من في ردهة الرقص أبصارهم إليها، وهم حابسو الأنفاس مشردو الحواس. وتقدم الإمبراطور لملاقاتها، فانحنى لها انحناء تحسدها عليه أعظم ملكة وقبل يدها وطوق خصرها بيده، ودار يرقص بها على نغمات الموسيقى بين جماهير الراقصين والراقصات.
وبهتت باريس كلها من جمال الكونتس الإيطالية التي جرت محاسنها الفائقة الوصف ذيول النسيان على جميع الباريسيات الحسان. وكاد الرجال يقتتلون في سبيل الفوز ببسمة أو بكلمة من شفتيها، وكانت ربات الحسن والجمال في البلاط في عداد اللاهجين بحسنها الساحر وبهائها الباهر. وحيثما ذهبت كان الناس يزحمون بعضهم بعضا في الشوارع لينعموا بنظرة من محياها البديع. ولعلها هي نفسها كانت أدرى الناس بما أوتيته من جمال صار قبلة الأنظار وكعبة الأفكار. فالطبيعة جعلتها ملكة والعالم بأسره رعيتها.
ومهما يكن من شدة روعة الناس بجمالها، فإن دهشتهم من إقدامها على استخدامه في سبيل إدراك مقاصدها كانت أشد وأعظم. وقد روي عنها أنها كانت تظهر في المراقص الكبرى في ملابس مختلفة الأزياء والأشكال، ولكنها كلها كانت رقيقة شفافة تبهر عيون الناظرين وتسحر عقولهم بما يشاهدونه من الجمال الفائق الوصف المزدان به كل عضو من أعضائها. ومعلوم أن نبوليون كان مشهورا بشدة ولوعه بالنساء الحسان، فليس عجيبا أن نراه الآن مفتونا بملكتهن وفريدة عقدهن. ولم يكن كافور مبالغا فيما توقعه من الفوز والنجاح لسفيرته الحسناء، فقد استخدمت قوة جمالها ودهائها أحسن استخدام في استعباد نبوليون ووضعه عند موطئ قدميها صاغرا خاشعا ومستعدا لعمل ما يكسبه رضاها عنه وميلها إليه. وقد أشارت الكونتس فيما بعد إلى هذا النصر المبين الذي أحرزته في بلاط فرنسا فقالت: «لو سبقت فذهبت إلى باريس قبل ذلك الحين لكانت شريكة نبوليون في عرشه إيطالية لا إسبانية.» لأن الإمبراطورة أوجيني المشهورة بالحسن والجمال كانت بالنسبة إليها كالماء إلى الراح أو كالقمر إلى شمس الصباح.
ولشدة شغف نبوليون بها أصبح لا يعرف معنى المسرة والهناء إلا إذا جالس الكونتس ومتع عينيه برؤية وجهها الأنيق الوسيم وأذنيه بسماع كلامها العذب الرخيم، ولإدراك هذه الأمنية كان يتعرض لخطر المغامرة حتى بصيته وحياته، ويختلس زيارتها في شارع دي لا بومب، ويقضي معها ساعات، ثم يتوقع بذاهب الصبر سنوح فرصة أخرى لتكرار الزيارة. وحدث مرة أنه بعد خروجه من عندها قبيل الفجر نجا بأعجوبة من خنجر رجل كامن له، ولولا يقظة الحوذي وإعمال سوطه في أظهر الخيل حثا على شدة الإسراع في الجري لذهب الإمبراطور ضحية طيشه ومغامرته.
وعرضت له حادثة أخرى أخطر شأنا من هذه، خلاصتها أنه خرج ذات ليلة قاصدا فندق بوفر حيث كانت الكونتس تنتظره، ومعه رئيس أركان حربه الجنرال فليري وغريسلي أحد رجال الشرطة السريين، وكانت إحدى الجواري واقفة أمام غرفة الكونتس فأدخلت الإمبراطور ورئيس أركان حربه إليها، وتغفل الشرطي الجارية وانسل إلى خلوة مظلمة مقابل باب الغرفة. وبعدما أغلق الباب صفقت الجارية يديها وعلى الفور خرج رجل من غرفة مجاورة وسار يسترق الخطى نحو الغرفة التي فيها الإمبراطور والكونتس. وفيما هو يدير مقبض الباب بيده فاجأه غريسلي بضربة من الوراء طرحته خامد الأنفاس فاقد الحواس، وحاولت الجارية الغادرة الفرار فانقض عليها وشد وثاقها وأقفل عليها باب إحدى الغرف، وعاد بالإمبراطور من حيث أتى على رغم تنصل الكونتس من الجريمة وما ذرفته من الدموع توسلا إلى حمله على البقاء عندها. ولولا شدة يقظة غريسلي ومتانة ذراعه لبات سيده في عداد الموتى.
أفكانت الكونتس كما ادعت بريئة لا يد لها في هذه المكيدة المعدة لاغتيال عاشقها؟ (وقد وجدوا مع الرجل الذي قتله غريسلي طبنجة وخنجرا). وإن لم تكن بريئة فماذا أرادت بإقدامها على اقتراف هذا الإثم العظيم؟ هذان السؤالان لم يستطع أحد الإجابة عنهما. وفي صباح اليوم التالي سير بالكونتس مخفورة إلى تخوم إيطاليا، فقضت بضعة أشهر معتزلة في أحد قصور تورين تندب سوء الحظ الذي عرقل مساعيها وختمها بهذه العاقبة الوخيمة.
ولكنها لم تكن من النساء اللواتي يستسلمن إلى صروف الدهر ونوائب الأيام، ففي أثناء إقامتها في باريس تمكنت من الوقوف على شيء كثير عن نبوليون وكانت مستودعا لأسراره، فلم يصعب عليها أن تحمله على استدعائها. ولم تلبث أن عادت إلى باريس واستردت مقامها كسلطانة الجمال وملكة قلب الإمبراطور. وكانت سيادتها هذه المرة أوسع نطاقا وأشد توطيدا، فأرت سكان باريس من باهر حسنها وجمالها ما خطف أبصارهم وسحر أفكارهم.
ففي كل يوم كانوا يتناقلون الأحاديث عن قصة جديدة تتسلق بشدة جسارتها وغرابة أطوارها، ولا سيما فيما يختص بتبرجها وعرض محاسنها الفاتنة للأنظار على وجوه متنوعة وأساليب مختلفة لا محل لذكرها بالتفصيل. وكان لها بهذا الغرض ولع يفوق الوصف، ولم تنقطع عنه حتى في أيام مرضها؛ إذ كان الطبيب يأتي لمعالجتها فيجدها مضطجعة في سريرها وغارقة بين أنفس النمارق وأفخر الوسائد وأنوار الحلى والجواهر تتألق من شعرها المسترسل، وجيدها وذراعها ويديها في غرفة مملوءة بالأزهار والرياحين. وكان إعجابها بجمالها كثيرا ما تعدى حد الصراحة الداعية إليه فيحمل على محمل الغرابة والاستنكار. مثال ذلك أنها كانت تقول لزائرها: «أتود أن ترى ذراعي؟» وقبل أن يجيبها بالقبول تحسر كمها عن ساعد منقطع النظير في حسن خلقه وجمال تكوينه. وهكذا كانت تفعل في عرض ساقها التي لم تقل عن ساعدها دقة وأناقة. ومما يدلك على شدة إسرافها في الإعجاب بجمالها أنها دعت إليها أحد كبار المصورين في فرنسا ليصورها على مثال الزهرة (إلهة الحب والجمال)، ففعل حسب طلبها، وجاءت الصورة آية في الإتقان. ولما رأتها الكونتس هاجت فيها الغيرة وصاحت: «إنها أجمل مني!» ثم تناولت سكينا وشرطت الصورة وجعلتها طعاما للنار.
ومع شدة اهتمامها بشئون الهيئة الاجتماعية وأحوال العشق والغرام، لم تغفل طرفة عين عن المهمة الأساسية التي لأجلها جاءت إلى باريس. وفي سبيل قضائها استخدمت ما أوتيته من حسن وجمال ونبوغ وعبقرية، فتملقت نبوليون وتزلفت إلى السفراء والوزراء، ورقت بسحر سنائها وبهائها كل ذي شأن في سياسة أوروبا، فنالت بثقافتها وكياستها أكثر جدا مما غالى كافور في توقعه. فقد قالت في كتاب بعثت به إلى صديقها الجنرال إستنسلين: «حملت فكتور عمانوئيل إلى رومية، وقلبت عروش سبع أسر نبوليونية وبوربونية وبابوية، فأنشأت إيطاليا وأنقذت البابوية.» ومهما يكن من تباهيها وافتخارها، ففي كلامها جانب كبير من الصحة.
Неизвестная страница