Игры любви во дворцах королей
مكايد الحب في قصور الملوك
Жанры
ومع هذا الاستقبال الشائن الذي لقيته صوفيا دورثيا من أنسباء أبيها نالت أكبر محبة وأعظم إعزاز من والديها وأهل بلاط سل. وهذا كله لا يستعظمه من ينظر الآن إلى صورتها في أحد متاحف الصور الجميلة، ويشاهد على محياها المحاسن الباهية الباهرة التي خصتها بها الطبيعة وجعلتها أجمل فتاة في عصرها. وتدرجت في سني حداثتها مترقية في كل ما جعلها كعبة الأفكار وقبلة الأنظار. وقضت هذا الطور - طور الحداثة - في فرح وسرور ولعب ولهو مع أولاد من سنها، بينهم الفتى الجميل الكونت فليب فون كونغسمارك الذي اتصل بها فيما بعد اتصالا انتهت فيه حياة كل منهما بفاجعة أليمة.
ولما كانت دورثيا ابنة عشر سنوات ذهب أبوها دوق سل بزوجته - والدة دورثيا - التي كانت دونه في شرف المحتد إلى الكنيسة، حيث احتفل باقترانهما رسميا أمام أهل البلاط، وكان ذلك بموافقة إمبراطور ألمانيا. فأصبحت إليونور المنبوذة المحتقرة زوجة ملك سل، وارتقت ابنتها إلى مصاف الأميرات. وهذا الشرف العظيم اتفق أنها نالته عندما بلغ هلال جمالها التمام، وبات موضوع حسنها ورفعة شأنها ووفرة غناها حديث الخاص والعام.
وبعدما كانت موضوع الهزء والازدراء عند دوقة صوفيا - زوجة عمها - المتغطرسة صار لها عندها شأن عظيم، وعزمت أن تخطبها لابنها جورج لويس؛ لأنها رأتها فائقة في حسنها وجمالها وعلمها وتهذيبها وكثرة ثروتها؛ لأنها وارثة أبيها الوحيدة. فباتخاذها زوجة لابنها تمهد سبيل الاتحاد بين إمارتي سل وهنوفر. وكان زوجها إرنست أغسطس صاحب عرش الإمارة الثانية.
وكانت الدوقة صوفيا معروفة بمضاء العزيمة وقوة الإرادة، فما أبطأت أن مهدت عقبات الموانع وذللت أعناق الصعاب وعقدت إكليل ابنها على ابنة عمه الأميرة صوفيا دورثيا. أما العروس فقد قال فيها بعض واصفيها: «إنها كانت حنطية اللون سوداء الشعر نجلاء وردية الخدين جميلة المبسم طويلة العنق، وجميع ملامحها وأعضاء جسدها متناسقة متناسبة على ما يرام من حسن الانتظام وجودة الالتئام. وقد استوفت قسطها من فصاحة اللسان وسرعة الخاطر وسلامة الذوق، وضربت بسهم كبير في العلوم والآداب وفنون الرقص والموسيقى وغيرهما.» أما الفتى الأمير جورج لويس الذي لنكد طالعها اختير زوجا لها، فكان لسوء الحظ جلفا فظا أخرق سيئ الأخلاق وفاسد الآداب.
وهذا العقد كان من أشأم عقود الزواج طالعا وأسوئها مصيرا، ولما علمت الأميرة دورثيا به انقضت عليها صاعقة الغم والأسى، وعندما قدم إليها أبوها هدية الدوقة صوفيا، وهي تمثال صغير لصورة جورج لويس مرصع بالألماس ضربت به عرض الحائط ضربة عنيفة، سحقته ونثرت حجارة الألماس في أرض الغرفة. ولم ترض أن تشاهد خطيبها إلا بعدما ألحت عليها والدتها وذرفت دموع التوسل والاستعطاف. وحين وقعت عيناها عليه سقطت مغمى عليها في حضن والدتها، ولما وقفت بجانبه يوم الاحتفال بزفافها إليه في كنيسة قلعة سل غشيت المعبد ظلمة مطبقة تكاد تلمس باليد، وحالت جلجلة السحب والعواصف دون سماع شيء من أصوات الكهنة والمرتلين.
وإن لم تكن غلطة زوجها وصاعقته كافيتين لإخماد أنفاس سعادتها وتصويح زهرة هنائها في فجر صباها - وكانت ابنة ست عشرة سنة فقط في يوم عرسها - فقد زاد عليهما ما لقيته من العنت والانزعاج في أسلوب معيشتها في بلاط هنوفر؛ حيث حفتها مجالي الأبهة والسؤدد، ومظاهر العظمة والفخامة، وقيدتها أغلال الاحتفاظ بقواعد المعاشرة وآداب السلوك. فلا يؤذن لها في الخروج من القصر إلا في مركبة فخمة مذهبة تجرها الجياد المطهمة يعلو جيادها الخفراء والحجاب ويتقدمها العداءون. هذه الزخارف والبهارج ثقلت وطأها على العروس الحديثة السن، فحنت نفسها إلى عيشة اللهو والمرح في ظلال حديقة القلعة في سل مع رفيقاتها ورفقائها أيام حداثتها. ومما ضاعف أسباب الحسرة والوحشة عندها أنها لم تسعد قط في بلاط هنوفر بسماع كلمة لطف أو برؤية نظرة حنان تتعوض بهما ما فقدته من حنو والدتها ولطف أبيها. لم تجد شيئا ينسيها لذة قبلات الأم وابتسامات الوالد. فلم يكن لها من التعزية سوى معاشرة وصيفتها التي استصحبتها، فكانت تخلو بها متذكرة مسرات أيامها الغابرة.
وكان شقاء حالها ينمو ويزيد على مر الشهور وكرور السنين؛ لأن إهمال زوجها لها وعدم مبالاته بها تحولا شيئا فشيئا إلى جفاء فقسوة فشراسة وحشية، فإنه لم يكتف بتخليه عنها وإغفاله لها، بل زاد عليها أن نقض عهد محبتها وتبدل بها على مرأى ومسمع منها الهيام بغيرها، كعقيلة بوش وعقيلة فون شولنبرغ الضخمة الجسم والخشنة الملامح التي جعلها فيما بعد عندما صار ملك إنكلترة دوقة كندل. ولما وبخته زوجته على خيانته ونكثه لعهد المحبة والولاء استشاط غيظا وحنقا، وأمعن في تنقصها وتحقيرها. وقد رزق منها ابنا وابنة، ولكن هذه العلاقة الجديدة بينهما قصرت على أن ترده عن غيه وتستميله إلى الفتاة التي عاهدها على الولاء والوفاء.
فليس عجيبا بعد هذا أن نرى الأميرة دورثيا ناشطة من عقال الخضوع للذل، وقد أبت عليها عزة نفسها احتمال الضيم، وتاقت إلى المؤاساة والمحبة، فأتاح لها القدر الحصول عليهما كلتيهما متنكرتين في صورة غارة خطيرة؛ فبعد زواجها بست سنوات جاء إلى بلاط هنوفر الكونت فليب كونغسمارك أليف حداثتها، وقد أضحى الآن شابا في الثامنة والعشرين من سنه، جميل الطلعة نبيل الشأن ذائع الصيت في البسالة والإقدام، وقد استطارت شهرة بأسه وشجاعته في أنحاء أوروبا، وكان ممن يشار إليه بالبنان في شدة ذكائه وكثرة غناه وفرط سخائه، فلقي في بلاط هنوفر ما يستحقه من الحفاوة والإكرام. ولكونه جنديا متفوقا في الفنون العسكرية ولاه الدوق أرنست هنوفر قيادة حرسه، وأصبحت أبواب القصر مفتوحة أمامه يدخل ويخرج منها كلما شاء. وكانت الأميرة دورثيا رفيقته في اللعب منذ عشر سنوات أشد سكان القصر ترحيبا به؛ إذ وجدت به خير جليس ينصت إلى سماع شكواها المرة بملء الشعور والمؤاساة.
وقد يتعذر تصور موقف أشد تعرضا للخطر من موقف خلو الأميرة بصديقها الحميم القديم؛ فإن محبة كونغسمارك في أيام حداثته لدورثيا الصغيرة - تلك المحبة الطاهرة النقية - أخذت تتحول الآن شيئا فشيئا إلى غرام وهيام. وهذا الشغف الشديد الذي تملك فؤاده جرف تياره قلب صوفيا دورثيا، ولكن لا على رغمها، بل برضاها واختيارها. ولما ذهب الكونت إلى بلاد المورة لمحاربة الأتراك أخذ قلب الأميرة معه، ومن هذا الوقت ابتدأت المكاتبات بينهما وانتهت بمقتل كونغسمارك.
فمما قاله لها في أول رسالة بعث بها إليها: «ما أغلى ما أتكلفه في سبيل محبتي لك. فهل يتاح لي أن أتمتع بمشاهدتك مرة أخرى يا حياتي وإلهتي؟ ومجرد افتكاري في احتمال انقطاع الأمل من تلاقينا هو عندي عبارة عن الموت، بل شر منه. فلا يخطر هذا الاحتمال على بالي إلا ويدفعني إلى البخع والانتحار. ولكن لما كان من المحتم علي أن أعيش، فإن حياتي تكون دائما وقفا عليك.» ثم كتب إليها بعيد ذلك: «أعندك أقل ريب في حبي لك؟ إنه يفوق الوصف، والله على ما أقول شهيد. وليس الغم الذي أعانيه سوى نتيجة مفارقتي لك، وقد يصعب عليك تصديق كلامي هذا، ولكنه كلام رجل شريف لم يتعود الكذب قط. إذن ثقي بما أقوله لك، واعلمي أن جزعي كثيرا ما يشد وطأته علي حتى أوشك أن أغيب عن صوابي ... ولولا كتابك الذي بعثت به إلي لكنت في شر حال. إني بملء الرضا والمسرة مستعد أن أضع عند قدميك حياتي وشرفي ومستقبلي وكل ما أملكه.»
Неизвестная страница