Игры любви во дворцах королей
مكايد الحب في قصور الملوك
Жанры
فاجعة ملكة القلوب
حدث في سنة 1646 أن امرأة برحت لندن قاصدة دوفر وهي في زي أهل الريف، مرتدية ثيابا رثة، ومعها ولد في ثياب صبي جميل العينين أصفر الوجه. وكانت تارة تقوده بيدها وتارة تحمله مع ما هي عليه من شدة الإعياء. وكان المارة ينظرون إليها بعين العطف والشفقة، وكثيرون من أصحاب المركبات يعرضون أن يقطعوا بهما جانبا من الطريق محمولين في مركباتهم. ولكن المرأة كانت تمتنع عن القبول بلطف وشكر. وأما الولد فكان يرفض كل ما يعرض عليه من هذا القبيل بغيظ وحنق صارخا: «دعني! أنا لست صبيا فلاحا! أنا الأميرة هنريتا الإنكليزية.» وإذ ذاك كانت المرأة تبادر إلى إسكاته بقولها له: «صه!» فيمعن المارة في الضحك.
ومع ما في تصريح الولد من الغرابة، فإنه كان صحيحا لا ريب فيه. وتلك الأطمار البالية كانت تستر عري هنريتا أصغر أولاد تشارلس الأول ملك إنكلترة. وكانت قد ولدت منذ نحو ثلاث سنين في إكستر في أثناء شبوب الحرب الأهلية التي ثلت عرش أبيها وذهبت به إلى المقصلة (الآلة لقطع الرءوس). ولما سقطت إكستر في أيدي الثائرين أخذت هذه الطفلة أسيرة، ووضعت هي وظئرها لادي دلكيث في قلعة سنت جيمس. أما والدتها فكانت قد هربت. وعند سنوح أول فرصة للادي دلكيث خرجت بالطفلة سرا متنكرتين بملابس نساء العامة وأولادهن، وطفقت تجد السير إلى دوفر؛ حيث عبرت البحر إلى فرنسا ذاهبة بالطفلة إلى والدتها الملكة هنريتا ماريا المقيمة في بلاط فرنسا مسقط رأسها.
وبعد وصول ابنتها إليها أعدت لها الحكومة منزلا في اللوفر يعد حقيرا جدا بالنسبة إلى قصرهما الفخم الفاخر في لندن. وعين لها مجلس النواب أربعين ألف ليرة في السنة، وكان هذا المبلغ يكفيها لتعيش بسعة. ولكنها كانت مضطرة أن تبعث بأكبر جانب منه إلى ابنها وأتباعه الذين كانوا في أشد حالات الفقر. وبناء عليه كانت مرغمة أن تعيش عيشة الضنك وتتجرع مرارة الاحتياج حتى إلى الطعام والوقيد. وكثيرا ما قضت ليالي الشتاء الطويلة الباردة هي وابنتها في أرق وحزن وبكاء، وليس لهما ما تدفعان به عضة الجوع وقرس الزمهرير.
ومع ما عانته من شدة البؤس والشقاء وشظف العيش، ظلت محتفظة بعزة نفسها ورفعة شأنها، ولم تبح لأحد بشكوى. ووجهت كل اهتمامها إلى تنشئة ابنتها على الطموح إلى المعالي، باثة فيها روح الشجاعة والإقدام والتعلل بمستقبل سعيد مجيد، يبسم لها عن ثغر الرغد والرخاء، وأقل ما في هذا الطموح أن تصير زوجة لويس الرابع عشر، وكانت والدته أكبر معينة لها على تعليل نفسها بتحقيق هذا الأمل مع ما يلابسه من ظواهر التعذر والاستحالة.
وذلك لأن ابنتها الأميرة هنريتا كانت في طفولتها غير محرزة شيئا من ملامح الحسن والجمال، وكانت عيوبها الطبيعية تزداد ظهورا ووضوحا بما كانت تصاب به على الدوام من الزكام والرمد ووجع الأسنان. فكان من أبعد الممكنات أن الملك وهو من أجمل شبان فرنسا وأشدهم طموحا إلى الجري وراء أميال الشبيبة، يرضى بأن تكون هذه القبيحة المنظر زوجة له. وكان يؤثر عليها بنات أخت مازاران الحسان، ويقضي أيامه في مغازلتهن. ولما أعدت والدته مرقصا لتجمعه بهنريتا أبى إباء مطلقا أن يرقص معها، ولم يذعن لإرادة والدته إلا بعدما هددته بأنها لا تأذن له في الرقص مع غيرها. وعندما عرضت عليه والدته بعد ذلك أن يتزوج هنريتا صاح بملء فيه ساخطا حانقا: «لن أتزوج هذه الفتاة القبيحة المنظر ما دمت حيا.» هكذا عزم، وأصر على عزمه إلى النهاية. ولما أراد الزواج اختار زوجة له إنفانتا ماريا تريزا ابنة فليب الرابع ملك إسبانية.
ولكن غيوم البؤس والخمول التي تلبدت في جو حياة هنريتا ووالدتها لم تعتم أن تقشعت؛ فإن أخاها تشارلس استرد عرش إنكلترة. وكأخت ملك إنكلترة نهضت تلك الأميرة المنبوذة من حضيض الضعة والخمول إلى يفاع الرفعة والظهور. وقد صحب رفعة شأنها إشراق غريب غير منتظر لبدر حسنها وجمالها، وتلك البنت القبيحة المنظر في طفولتها استحالت في السابعة عشرة إلى فتاة فاتنة العقول والأبصار ببهاء باهر وحسن ساحر. لم تكن جميلة بالمعنى المتعارف المبتذل، بل بما كان يتلألأ في عينيها من أنوار السناء والجلاء، ويتدفق في محياها من أمواج خفة الروح ونباهة الشأن وحسن التناول. وكان أخص ملامح جمالها ابتسامتها الشائقة التي كانت تكسو وجهها حلة البهجة وتحليه في عين كل ناظر إليه. وهذه المظاهر الخالبة زانها ذكاء نادر وسرعة خاطر قليلة النظير وخفة روح رائقة وبراعة فائقة في فنون الغناء والموسيقى والرقص. ولا عجب بعد ذلك أن تبيت صاحبة هذه الجواذب قبلة الأنظار، ومحط رجال الأمراء والعظماء يتبارون في خطبتها وطلب الاقتران بها. ويقال إن إمبراطور ألمانيا خطبها غير مرة محاولا أن ترضاه زوجا لها، فلم تجبه إلى ما طلب. وأخيرا رضيت أن تقترن بفليب دوق أورليان أخي لويس الرابع عشر الأصغر، وكان في استطاعتها أن تجد من هو فوقه رتبة ومقاما. وقبيل زفافها إليه زارت بلاط أخيها تشارلس الثاني ملك إنكلترة، فلقيت هناك من مجالي الاحتفاء والترحيب والتجلة والتكريم، ومظاهر الإعجاب بحسنها وجمالها، ما يفوق الوصف، بل يشب عن طوق التصور.
ولكنها بقبولها فليب أورليان زوجا لها، سعت إلى حتفها بظلفها، وقضت على سعادتها قضاء مبرما. ولو أنها بحثت في فرنسا كلها لما وجدت زوجا أقل منه جدارة بها وأهلية لها. قال عنه بعض واصفيه: «كان في حداثته أجمل ولد في فرنسا، فشب على أفسد الأخلاق وأرذل الصفات. ومع شدة جماله كان عاريا من حلية الفضائل . وإذ نشأ وترعرع بين النساء تملكه التفنيق والترفيه، وصار من أكبر المخنثين الذين يضرب بهم المثل. وكان عندما يرتدي ثياب بنت - وكثيرا ما كان يفعل ذلك - يصعب على من يراه أن يصدق نسبته إلى جنس آخر.» وظل حتى جاوز الثالثة عشرة يلبس لباس فتاة. ولما بلغ أشده صار خنثه أظهر وأجلى، فكان يقضي كل يوم ساعات في التجمل والتعطر والتبرج، وعرض نفسه على عشاق من جنسه. وقال عنه سنت سيمون: «كان امرأة بكل عيوبها ونقائصها، ولم يكن له شيء من فضائلها، وظل بعد بلوغه متخلقا بأخلاق الأولاد ضعيف الإرادة مهذارا، غريب الأطوار، كثير الغرور، سيئ الظن، مولعا بالنميمة والسعاية.» فكان والحالة هذه يستحيل على هنريتا أن ترى فيه من أول يوم اقترانها به غير ما يسوءها ويحزنها. وقد قال الدوق لأحد أصحابه: «انتهت محبتي لها بعد أسبوعين.» بل قيل عنه إنه يوم زفافها إليه تركها وذهب يطلب التمتع بلذاته بين جماعة المخنثين.
فهل يعجب أحد بعد ذلك إذا رأى الأميرة هنريتا تعرض عن زوجها الساقط وتلتفت إلى غيره؟ وكان من أسرى جمالها دوق بوكننهام وكونت دي غيش وغيرهما، حتى إن سلفها الملك نفسه الذي أشاح عنها في حداثتها صار الآن في طليعة عشاقها. وقبلما انقضى شهر العسل دعاها إلى فونتنبلو؛ حيث وجدت نفسها إلاهة القصر وجنية الينبوع وحورية الغابة. وهناك أعد الملك إكراما لها حفلات الصيد والرقص والغناء والولائم. وأصبحت زوجة فليب المهجورة مليكة بلاط لويس وقلبه. وهناك خلا الجو لها ولسلفها، فتساقيا كئوس الغرام مترعة، وتمليا لذاذات الهوى صافية من أكدار الرقباء، وقضى فصل الصيف كله ناعما بقربها والتنزه معها في غابة فونتنبلو، وهي غير باخلة عليه بشيء استتماما لمسرات نفسه وشهوات قلبه. لم تمنعه شيئا؛ هكذا قالت هي: «كنت أفضل الموت على عصيانه في شيء.» لم تمنعه شيئا، ولا أبدت أقل اكتراث للرأي العام أو مبالاة بصحتها.
ولما اتصلت هذه الأنباء بمسامع والدة الملك غلت مراجل غيظها، وادعى أخوه الغيرة ادعاء، فتظاهر بالاستياء والاشمئزاز. ولكن لويس سكن غيظ والدته وغيرة أخيه واعدا باجتناب مثل هذه الأعمال في المستقبل. والملوك ليسوا أوفى من رعاياهم بالمواعيد. فكان لويس تحت ستار التودد إلى لويز دي لافالير أجمل نساء الشرف في قصر الأميرة هنريتا، ينتهز الفرص للاجتماع بالأميرة نفسها، فيقضي ساعات خاليا بها وناعما بقربها. وما عتم أن تحول تكلفه حب لويز إلى كلف حقيقي، فهام بها واسترد قلبه من سيدتها إليها.
Неизвестная страница