فيه ويعظمون اللَّه تعالى، فاجتهدوا واختاروا يوم السبت، وكذلك النصارى فاختاروا يوم الأحد، وكل منهما أخطأ في اجتهاده ما أمره اللَّه به.
وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ وغيره أن موسى ﵇ أمر بني إسرائيل عن اللَّه تعالى بيوم الجمعة على التعيين فناظروه على ذلك، وقالوا: يوم السبت أولى، وعدلوا عن يوم الجمعة إليه ظلمًا وعدوانًا.
وَالأَوَّلُ أَظْهَرٌ؛ لحديث حذيفة المتقدم: "أَضَلَّ اللَّهُ عَنِ الْجُمُعَةِ مَنْ كَانَ قَبلَنَا. . . " الحديث، ولقوله ﷺ: "فَهَذَا الْيَوْمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ" أي أخطئوا لما اختلفوا في اجتهادهم، ولو كان عينه لهم ثم عدلوا عنه إلى غيره لقال: "خالفوا فيه".
وَكَذَلِكَ اختُلِفَ أَيضًا في معنى قوله ﷺ: "فَهَدَانَا اللَّهُ لَهُ" هل كان فعل الجمعة عن إلهام من اللَّه للصحابة وهداية منهم إليه من غير توقيف، أو عن توقيف من النبي ﷺ لهم على قولين:
أَحَدُهُمَا -وإليه مال السهيلي (١): أنه كان بتوقيف من النبي ﷺ وروى فيه حديثًا عن ابن عباس ﵄ قال: أذن رسول اللَّه ﷺ بالجمعة قبل أن يهاجر ولم يستطع أن يجمع بمكة ولا يبدي لهم ذلك؛ فكتب إلى مصعب بن عمير: أما بعد، فانظر قبل اليوم الذي تجهر فيه اليهود بالزبور لسبتهم فأجمعوا نساءكم وأبناءكم، فهذا مال النهار عن شطره عند الزوال من يوم الجمعة فتقربوا إلى اللَّه بركعتين. قال: فهو أول من جمع مصعب بن عمير حتى قدم النبي ﷺ.
وذكر هذا الحديث بسند فيه انقطاع، وفيه من هو مضعف، ومن يجهل حالة ولا تنتهض به الحجة.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أن الصحابة ﵃ جمعوا بالمدينة قبل أن يأمرهم النبي ﷺ بذلك، وقد روى عبد بن حميد في "تفسيره" عن عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب، عن ابن