Собрание фетв

Ибн Таймия d. 728 AH
92

Собрание фетв

مجموع الفتاوى

Издатель

مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف-المدينة المنورة

Место издания

السعودية

وَهُوَ عِلْمُ التَّدْبِيرِ السَّارِي فِي الْأَكْوَانِ كَمَا قَالَ ﷿: ﴿إنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ . فَإِذَا تَحَقَّقَ الْعَبْدُ لِهَذَا الْمَشْهَدِ وَوَفَّقَهُ لِذَلِكَ بِحَيْثُ لَا يَحْجُبُهُ هَذَا الْمَشْهَدُ عَنْ الْمَشْهَدِ الْأَوَّلِ فَهُوَ الْفَقِيهُ فِي عُبُودِيَّتِهِ فَإِنَّ هَذَيْنِ الْمَشْهَدَيْنِ عَلَيْهِمَا مَدَارُ الدِّينِ فَإِنَّ جَمِيعَ مَشَاهِدِ الرَّحْمَةِ وَاللُّطْفِ وَالْكَرَمِ وَالْجَمَالِ دَاخِلَةٌ فِي مَشْهَدِ الرُّبُوبِيَّةِ. وَلِهَذَا قِيلَ: إنَّ هَذِهِ الْآيَةَ جَمَعَتْ جَمِيعَ أَسْرَارِ الْقُرْآنِ: ﴿إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ لِأَنَّ أَوَّلَهَا اقْتَضَى عِبَادَتَهُ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْمَحَبَّةِ وَالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ كَمَا ذَكَرْنَا وَآخِرَهَا اقْتَضَى عُبُودِيَّتَهُ بِالتَّفْوِيضِ وَالتَّسْلِيمِ وَتَرْكِ الِاخْتِيَارِ. وَجَمِيعُ الْعُبُودِيَّاتِ دَاخِلَةٌ فِي ذَلِكَ. وَمَنْ غَابَ عَنْ هَذَا الْمَشْهَدِ وَعَنْ الْمَشْهَدِ الْأَوَّلِ وَرَأَى قِيَامَ اللَّهِ ﷿ عَلَى جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ وَهُوَ الْقِيَامُ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَتَصَرُّفَهُ فِيهَا وَحُكْمَهُ عَلَيْهَا فَرَأَى الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا مِنْهُ صَادِرَةً عَنْ نَفَاذِ حُكْمِهِ وَإِرَادَتِهِ الْقَادِرَةِ فَغَابَ بِمَا لَاحَظَ عَنْ التَّمْيِيزِ وَالْفَرْقِ وَعَطَّلَ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ وَالنُّبُوَّاتِ وَمَرَقَ مِنْ الْإِسْلَامِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنْ الرَّمِيَّةِ. وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْمَشْهَدُ قَدْ أَدْهَشَهُ وَغَيَّبَ عَقْلَهُ لِقُوَّةِ سُلْطَانِهِ الْوَارِدِ وَضَعْفِ قُوَّةِ الْبَصِيرَةِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْمَشْهَدَيْنِ فَهَذَا مَعْذُورٌ مَنْقُوصٌ إلَّا مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْمَشْهَدَيْنِ: الْأَمْرِ الشَّرْعِيِّ وَمَشْهَدِ الْأَمْرِ الْكَوْنِيِّ الْإِرَادِيِّ وَقَدْ زَلَّتْ فِي هَذَا الْمَشْهَدِ أَقْدَامٌ كَثِيرَةٌ مِنْ السَّالِكِينَ لِقِلَّةِ مَعْرِفَتِهِمْ بِمَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ الْمُرْسَلِينَ وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ عَبَدُوا اللَّهَ عَلَى مُرَادِهِمْ مِنْهُ فَفَنُوا بِمُرَادِهِمْ عَنْ مُرَادِ الْحَقِّ ﷿ مِنْهُمْ لِأَنَّ الْحَقَّ يُغْنِي بِمُرَادِهِ وَمَحْبُوبِهِ وَلَوْ عَبَدُوا اللَّهَ عَلَى مُرَادِهِ

1 / 90