484

الجواب عن ذلك وبالله التوفيق: أنا نقول بإثبات دار ثالثة بين دار الكفر ودار الإسلام، ونسميها دار الفاسقين، وقد قال بذلك أعني التسمية من أهل العلم أبو علي الجبائي ومن اتبعه من أهل العلم، ولو لم يقل به لم يستوحش مع البراهين إلى أحد، لأنا نسأل السائل: لم قيل في دار الكفر دار الكفر؟ ولم قيل في دار الإسلام: دار الإسلام؟ فإن قيل: ذلك من أسماء الأعلام كذبه جميع أهل المعرفة من الأنام، لأن لنا أن نغير الاسم العلم واللغة بحالها فنسمي زيدا بعمرو، وعمرا بزيد، ولا يختل المعنى، ولا يصح ذلك فيما نحن بصدده؛ لأنا لو سمينا دار الكفر دار الإسلام لم يجز، وإن قال الغلبة الكفر في ذلك كما أنا نعلم أن مكة حرسها الله حرم الله، ومهبط وحيه، كانت في حال غلبة الكفر عليها دار حرب وكفر، فلما غلب الإسلام عليها، فصارت بحبوحة دار الإسلام حمى الله، فلما أصبت في قولك، ونحن ما سمينا دار فسق إلا لغلبة الفسق فيها ولا دار الفاسقين، فأما أموال هذه الدار ونساؤها وذراريها فلها حكم بين الحكمين، كما أن لها اسم بين الاسمين، وهو أن الأموال موقوفة على رأي الإمام إن شاء أباحها، وإن شاء حضرها، فإن أباحها حلت، وإن حضرها حرمت، كما فعل علي عليه السلام في أموال أهل الجمل والنهر بالبصرة، والنهروان، وكما فعل بمال المحتكر في الكوفة، فإنه قسم ماله نصفين، فحرق نصفه وأمر بنصفه إلى بيت المال، وقال: لو ترك لي علي مالي لربحت مثل عطاء أهل الكوفة.

وأما ما ذكر من أنا إن قلنا لا تحل، أصبنا طريقة علي عليه السلام في أصحاب الجمل والنهر وصفين، فهذا من النظر الدقيق أنا إذا قلنا بقول علي أصبنا طريقة علي، وهل يلتبس هذا على الجاهل فضلا عن العالم، وكان الأولى أن يقول: إصابتنا قول علي عليه السلام في الفقهيات واجب، فإن قال بذلك خالف الأمة والأئمة، وإن قال قوله أولى من فعل غيره طابق الزيدية؛ لأن عليا عليه السلام خولف في الفقهيات، ولم يعلم منه تضليل من خالفهم، ولا ولده الحسن عليه السلام لم ير توريث الغرقى والهدمى بعضهم من بعض.

وروي عن علي عليه السلام جواز بيع أمهات الأولاد إلى غير ذلك مما خالف فيه أولاده سلام الله عليه وعليهم، وخالفه الصحابة رضي الله عنهم في غير مسألة، وأكثر ما فيه أن يخالف اجتهادنا اجتهاده في مسألة أو أكثر، وقد جمع محمد بن منصور رحمه الله تعالى خلاف أهل البيت عليهم السلام وجعله كتابا، وكما نعلمه بين الهادي والقاسم عليهم السلام، وهذا من رحمة الله سبحانه لعباده أن جعل ميدان الشرع رحيبا، وكل مجتهد فيه مصيبا إذا بلغ درجة الاجتهاد ووفا الاجتهاد حقه.

Страница 75