إذا عرفت هذا تبين لك عدم ورود ماكرره في هذا المقام الأمير، ومن حذا هذا الحذو من الناظرين، وأن كلام الإمام القاسم وولده الحسين، ومن سلك هذا المسلك صحيح لا غبار عليه، وأن دعوى الأمير الإتفاق بين العدلية والجبرية في الحسن والقبح العقليين ورفع الخلاف نزاع في المعلوم الضروري، وجهل أو تجاهل بصرائح أقوالهم المعلومة، والله تعالى ولي التوفيق.
قال الأمير في صفح 320: أقول إن كان الاعتماد على هذا دل على نفي ما أثبتوه من إدراك العقل صفة النقص لأنه لم يلجئهم إلى هذا الجواب إلا عدم التفرقة بين القبح العقلي وصفة النقص، وهذا خلاف ما قرروه من الإتفاق من إدراك العقل صفة النقص.. الخ كلامه.
الجواب: بل هذا خلاف ما قررته أنت أيها الأمير، ومنه يعلم بطلان جميع ما تدندن حوله من الاتفاق، وأن حالك في تفسير كلامهم بخلاف المعلوم من مرامهم، وردك للنقولات الصحيحة عنهم أحق بقوله:
صارت مشرقة وصرت مغربا .... شتان بين مشرق ومغرب
وإنك إنما عمدت إلى الإلزامات التي تلزمهم، فجعلتها مذاهب لهم وهم لايرتضونها، فإنهم مصرحون ضرورة بنفي الحسن والقبيح العقليين، وهذا لايحتاج إلى تطويل.
وأما إثباتهم صفة النقص والكمال فإنما ذلك منهم مغالطة ومراوغة، وقد ألزمهم محققوهم كالشريف وغيره المناقضة كما ترى، وذلك لايقتضي أنهم قد صاروا عدلية قائلين بالحسن والقبيح، كيف وهم مصرون على خلافه، منكرون له أشد الإنكار، قد ملأوا بكلامهم فيه واحتجاجهم بطون الأسفار، وعلى الجملة أن المنازعة في هذا تلحق بالمباهتة في البديهيات، نسأل الله تعالى السداد.
قال الأمير [في صفح 322]: وقوله العبد مجبور في أفعاله، يقال: لو كان كذلك بطل ما اتفق عليه من إثبات إدراك العقل للقبيح والحسن.. الخ كلامه.
Страница 45