نوادر الرسائل (٧)
مجلس من
أمالي ابن الأنباري
أبي بكر محمد بن القاسم بن بشار
المتوفى سنة ٣٢٨ هـ
عني بتحقيقه
إبراهيم صالح
دار البشائر
الطبعة الأولى ١٩٩٤
Неизвестная страница
وقفٌ بدار السنة الضيائية بالجبل
مجلس من أمالي أبي بكر محمد بن القاسم بن بشار الأنباري النحوي
رواية: الشريف أبي الفضل محمد بن الحسن بن الفضل بن المأمون أمير المؤمنين، عنه
رواية: الشريف أبي الحسين محمد بن علي بن المهتدي بالله أمير المؤمنين، عنه
رواية: القاضي الإمام أبي الفضل محمد بن عمر بن يوسف الأرموي، عنه.
رواية: الفقير إلى عفو الله ورحمته يوسف بن الحسن بن أبي البقاء بن الحسن البغدادي، المعروف بالفقيه العاقولي، وأخيه أحمد، كلاهما عنه
1 / 19
بسم الله الرحمن الرحيم
١- أخبرنا القاضي الأجلّ، العالم، فخر القضاة، جمال الإسلام، أبو الفضل محمد بن عمر بن يوسف الأرموي قراءة عليه، ونحن نسمع، بقراءةِ شيخنا العالم الحافظ أبي الفضل محمد بن ناصر السَّلاميّ، فأقرَّ به، قال: أخبرنا القاضي الشريف أبو الحسين محمد بن علي بن المهتدي بالله، لفظا. أخبرنا أبو الفضل محمد بن الحسن بن الفضل بن المأمون؛ حدثنا أبو بكر محمد بن القاسم بن بشَّار في شهر رمضان سنة ست وعشرين وثلاثمئة، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْهَيْثَمِ، ثَنَا عَفَّانُ، نا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، ثَنَا حَارِثُ بْنُ حَصِيرَةَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ [عَنْ جَدِّهِ] (١) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «كَيْفَ أَنْتُمْ وَرُبُعُ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ ربُعُهَا لَكُمْ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا لِلنَّاسِ» . قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «فَكَيْفَ أَنْتُمْ وثُلُثُ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟» قَالُوا: هَذَا أَكْثَرُ مِنَ الْأَوَّلِ. قَالَ: «فَكَيْفَ أَنْتُمْ وَالشَّطْرُ؟» . قَالُوا: هَذَا أَكْثَرُ مِمَّا قَبْلَهُ. قال: «فإن أهل الجنة عشرون ومئة صَفٍّ؛ أَنْتُمْ فِيهَا ثَمَانُونَ صَفًّا» .
٢- قَالَ اللُّغَوِيُّونَ: فِي الرُّبُعِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ: يُقَالُ: هُوَ الربُع والربْع وَالرَّبِيعُ؛ وَكَذَلِكَ العُشُر والعُشْر وَالْعَشِيرُ، والتسُع والتسْع والتَّسِيعُ، والثمُن والثمْن وَالثَّمِينُ، والسُبُع والسُبُع وَالسَّبِيعُ، والسدُس والسدْس وَالسَّدِيسُ، والخُمُس والخُمْس وَالْخَمِيسُ، والثلُث والثلْث وَلَمْ يُسْمَعِ الثَّلِيثُ، فَمَنْ تَكَلَّمَ به أخطأ.
⦗٢٢⦘ قال الشاعر:
وَأَلْقَيْتُ سَهْمِي وَسْطَهُمْ حِينَ أَوْخَشُوا ... فَمَا صَارَ لي في القسم إلا ثمينها
_________
(١) الزيادة لازمة، وفرق كلمة أبيه في الأصل ضبة.
1 / 21
٣- حدثنا محمد بن الحسن، ثنا أبو بكر، نا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَي النَّحْوِيُّ، عَنْ سَلَمَةَ، عَنِ الْفَرَّاءِ، قَالَ:
يُقَالُ: كَانَ هَذَا عِهِبَّاء شبابه. بالمد.
٤- حدثنا محمد، نا أبو بكر، قَالَ: قَالَ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيى: وَخَالَفَ النَّاسُ الْفَرَّاءَ فِيهِ فَقَصَرُوهُ، وَمَعْنَاهُ كَمَعْنَى: كَانَ هَذَا فِي عُنْفُوَانِ شَبَابِهِ، وَشَرْخِ شَبَابِهِ، وَرَيْقِ شَبَابِهِ، وجِنِّ شَبَابِهِ، وَغُلَوَاءِ شَبَابِهِ، وَرَيَّانِ شَبَابِهِ، وَرَيَّا شبابه. وأنشد الفراء: ⦗٢٣⦘ أَجِنُّ الصِّبى أَمْ طائرُ الْبَيْنِ شفَّني ... بِذَاتِ الصَّفَا تَنعابُهُ ومَحاجلُه
٤- حدثنا محمد، نا أبو بكر، قَالَ: قَالَ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيى: وَخَالَفَ النَّاسُ الْفَرَّاءَ فِيهِ فَقَصَرُوهُ، وَمَعْنَاهُ كَمَعْنَى: كَانَ هَذَا فِي عُنْفُوَانِ شَبَابِهِ، وَشَرْخِ شَبَابِهِ، وَرَيْقِ شَبَابِهِ، وجِنِّ شَبَابِهِ، وَغُلَوَاءِ شَبَابِهِ، وَرَيَّانِ شَبَابِهِ، وَرَيَّا شبابه. وأنشد الفراء: ⦗٢٣⦘ أَجِنُّ الصِّبى أَمْ طائرُ الْبَيْنِ شفَّني ... بِذَاتِ الصَّفَا تَنعابُهُ ومَحاجلُه
1 / 22
٥- حدثنا محمد بن الحسن، ثنا أبو بكر، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى، عَنِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ قَالَ: الْعَرَبُ تَقُولُ:
رمَّدت الضأنُ فرَبِّق رَبِّق ... رمَّدت الْمِعْزَى فرَنِّقْ رنِّقْ
قَالَ: وَتَفْسِيرُهُ: إِنَّ الْمِعْزَى إِذَا تَغَيَّرَتْ ضُرُوعُهَا لَمْ تَلِدْ سَرِيعًا. فَمَعْنَى رنِّق: احْتَبِسْ وَانْتَظِرْ.
يُقَالُ: رنَّق الطائرُ إِذَا رَفْرَفَ قَبْلَ وُقُوعِهِ إِلَى الْأَرْضِ.
وَإِذَا تَغَيَّرَتْ ضُرُوعُ الضَّأْنِ وَلَدَتْ سَرِيعًا.
فَتَفْسِيرُ ربِّق ربِّق: هيِّء الأَرباقَ، وهي الحبال التي تجعل في رؤوس أَوْلَادِهَا.
وَقَالَ غَيْرُ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى: رمَّدت، مأخوذٌ مِنَ الرَّماد، إِذَا صَارَ لَوْنُ الضُّرُوعِ مِثْلَ لَوْنِ الرَّمَادِ.
وَوَاحِدُ الْأَرْبَاقِ رِبْقٌ، والرِّبْقة مَعْنَاهَا بِمَعْنَى الرِّبْق.
مِنْ ذَلِكَ الْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ: «مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ من عنقه» .
⦗٢٤⦘ قال مهلهل بن ربيعة:
كَأَنَّ الْجَدْيَ فِي مَثناةِ رِبْقٍ ... أسيرٌ أَوْ بمنزلة الأسير
1 / 23
٦- حدثنا محمد بن الحسن، ثنا أبو بكر، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ:
الرَّوْقُ عِنْدَ الْعَرَبِ: السَّيِّدُ؛ وَالرَّوْقُ: الْقَرْنُ؛ وَالرَّوْقُ: الإِعْجَابُ، وَالرَّوْقُ: الصَّفَاءُ مِنَ الْكَدَرِ.
وَقَالَ غَيْرُ أَبِي الْعَبَّاسِ: الرَّاوُوقُ: مِصْفَاةُ الْخَمْرِ؛ أُخِذَ مِنْ: رَاقَ الشَّرَابُ رَوْقًا، إِذَا صَفَا.
وَقَالَ الأَعْشَى:
نازعتُهم قُضُبَ الرَّيْحَانِ مُتَّكِئًا ... وَقَهْوَةً مُزَّةً رَاوُوقُهَا خَضِلُ
الَخَضِلُ: الندي. ونازعتهم: ناولتهم.
٧- حدثنا محمد، ثنا أبو بكر، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَّامٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ النَّحْوِيُّ، قَالَ: قَالَ أَبُو الْأَسْوَدِ الدُّئِلِيُّ: رَكِبْتُ سَفِينَةً أَنَا وَعِمْرَانُ بْنُ ⦗٢٥⦘ حُصَيْنٍ مِنَ الْكُوفَةِ إِلَى الْبَصْرَةِ، فَسِرْنَا ثَمَانِيًا، ما مر بنا يومٌ إلا ونحن نتاشد فيه الشعر.
٧- حدثنا محمد، ثنا أبو بكر، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَّامٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ النَّحْوِيُّ، قَالَ: قَالَ أَبُو الْأَسْوَدِ الدُّئِلِيُّ: رَكِبْتُ سَفِينَةً أَنَا وَعِمْرَانُ بْنُ ⦗٢٥⦘ حُصَيْنٍ مِنَ الْكُوفَةِ إِلَى الْبَصْرَةِ، فَسِرْنَا ثَمَانِيًا، ما مر بنا يومٌ إلا ونحن نتاشد فيه الشعر.
1 / 24
٨- حدثنا محمد، ثنا أبو بكر، ثَنَا مُوسَى بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَيَّاطُ، ثَنَا عُثْمَانُ ابن أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ هُذَيْلِ بْنِ شُرَحْبِيلَ، قَالَ:
خَطَبَ النَّاسَ مُعَاوِيَةُ، فَقَالَ: لَوْ بَايَعَ النَّاسُ عَبْدًا مُجَدَّعًا لَتَبِعْتُهُمْ، وَلَوْ لَمْ يُبَايِعُونِي بِرِضَاهُمْ مَا أَكْرَهْتُهُمْ؛ ثُمَّ نَزَلَ. فَقَالَ لَهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: قَدْ قُلْتَ قَوْلًا يَنْبَغِي أَنْ تَأَمَّلَهُ. فَرَجَعَ إِلَى الْمِنْبَرِ، فَقَالَ: مَا بَقِيَ أحدٌ أَحَقُّ بِالْخِلَافَةِ مِنِّي؛ وَمَنْ أَحَقُّ بِالْخِلَافَةِ مِنِّي؟.
وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ حاضرٌ، قَالَ: فَأَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ: أَحَقُّ بِالْخِلَافَةِ مِنْكَ مَنْ ضَرَبَكَ وَأَبَاكَ عَلَى الْإِسْلَامِ؛ ثُمَّ خِفْتُ أَنْ تَكُونَ الْكَلِمَةُ فَسَادًا، وَذَكَرْتُ مَا وَعَدَ اللَّهُ أَهْلَ الْجِنَانِ، فَهَانَ عَلَيَّ ما قال.
٩- حدَّثنا محمد، ثنا أَبو بكر، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمُقَدَّمِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ التَّمِيمِيُّ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَى الْمَنْصُورِ، حَدَّثَنَا الْأَصْمَعِيُّ، قَالَ: بَعَثَ إِلَيَّ مُحَمَّدٌ الْأَمِينُ، وَهُوَ وَلِيُّ عهدٍ، فَصِرْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: إِنَّ الْفَضْلَ بْنَ الرَّبِيعِ كَتَبَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ يَأْمُرُ بِحَمْلِكَ إِلَيْهِ عَلَى ثَلَاثِ دَوَابَّ مِنْ دَوَابِّ ⦗٢٦⦘ الْبَرِيدِ، وَبَيْنَ يَدَيْ محمدٍ السِّنْدِيُّ بْنُ شَاهِكٍ فَقَالَ لَهُ: خُذْهُ فَاحْمِلْهُ وَجَهِّزْهُ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ. فَوَكَّلَ بِيَ السِّنْدِيُّ خَلِيفَتَهُ عَبْدَ الْجَبَّارِ، فَجَهَّزَنِي وَحَمَلَنِي. فَلَمَّا دَخَلْتُ الرَّقَّةَ أُوصِلتُ إِلَى الْفَضْلِ بْنِ الرَّبِيعِ، فَقَالَ لِي: لَا تَلْقَيَنَّ أَحَدًا وَلَا تُكَلِّمْهُ حَتَّى أُوصِلَكَ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ؛ وَأَنْزَلَنِي مَنْزِلًا أَقَمْتُ فِيهِ يَوْميَنِ أَوْ ثَلَاثَةً، ثُمَّ اسْتَحْضَرَنِي فَقَالَ: جِئْنِي وَقْتَ الْمَغْرِبِ حَتَّى أُدْخِلَكَ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ. فَجِئْتُهُ، فَأَدْخَلَنِي عَلَى الرَّشِيدِ، وَهُوَ جالسٌ متفردٌ، فَسَلَّمْتُ، فَاسْتَدْنَانِي، وَأَمَرَنِي بِالْجُلُوسِ، فَجَلَسْتُ؛ وَقَالَ لِي: يَا عَبْدَ الْمَلِكِ، وَجَّهْتُ إِلَيْكَ بِسَبَبِ جَارِيَتَيْنِ أُهْدِيَتَا إِلَيَّ، قَدْ أَخَذَتَا طَرَفًا مِنَ الْأَدَبِ، أَحْبَبْتُ أَنْ تَبور مَا عِنْدَهُمَا، وَتُشِيرَ عَلَيَّ فِيهِمَا بِمَا هُوَ الصَّوَابُ عِنْدَكَ. ثُمَّ قَالَ: ليُمضَ إِلَى عَاتِكَةَ، فَيُقَالُ لَهَا: أَحْضِرِي الْجَارِيَتَيْنِ. فَحَضَرَتْ جَارِيَتَانِ مَا رَأَيْتُ مِثْلَهُمَا قَطُّ، فَقُلْتُ لأجلِّهما: مَا اسْمُكِ؟ قَالَتْ: فُلَانَةُ، قُلْتُ: مَا عِنْدَكِ مِنَ الْعِلْمِ؟ قَالَتْ: مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ فِي كِتَابِهِ، ثُمَّ مَا يَنْظُرُ النَّاسُ فِيهِ مِنَ الأَشْعَارِ وَالْآدَابِ وَالأَخْبَارِ. فَسَأَلْتُهَا عَنْ حُرُوفٍ مِنَ الْقُرْآنِ، فَأَجَابَتْنِي كَأَنَّهَا تَقْرَأُ الْجَوَابَ مِنْ كتابٍ؛ وَسَأَلْتُهَا عَنِ النَّحْوِ وَالْعَرُوضِ وَالأَخْبَارِ، فَمَا قَصَّرَتْ. فَقُلْتُ: بَارَكَ اللَّهُ فِيكِ، فَمَا قصرتِ فِي جَوَابِي فِي كُلِّ فَنٍّ أَخَذْتُ فِيهِ، فَإِنْ كُنْتِ تَقْرِضِينَ الشِّعْرَ فَأَنْشِدِينَا. فَانْدَفَعَتْ فِي هَذَا الشِّعْرِ: يَا غِيَاثَ الْعِبَادِ فِي كُلِّ محلٍ ... مَا يُرِيدُ الْعِبَادُ إِلَّا رِضَاكَ لَا وَمَنْ شَرَّفَ الإِمَامَ وَأَعْلَى ... مَا أَطَاعَ الإِلَهَ عبدٌ عَصَاكَ وَمَرَّتْ فِي الشِّعْرِ إِلَى آخِرِهِ. فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا رَأَيْتُ امْرَأَةً فِي مَسْكِ رجلٍ مِثْلَهَا. وَفَاتَحْتُ الْأُخْرَى فَوَجَدْتُهَا دُونَهَا. فَقُلْتُ: مَا تَبْلُغُ هَذِهِ مَنْزِلَتَهَا، إِلَّا أَنَّهَا إِنْ ⦗٢٧⦘ وُوظِب عَلَيْهَا لَحِقَتْ. فَقَالَ: يَا عَبَّاسِيُّ. فَقَالَ الْفَضْلُ بْنُ الرَّبِيعِ: لَبَّيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ: لِتُرَدَّا إِلَى عَاتِكَةَ، وَيُقَالُ لَهَا: تَصْنَعُ هَذِهِ -يَعْنِي الَّتِي وَصَفْتُهَا بِالْكَمَالِ- لِتُحْمَلَ إِلَيَّ اللَّيْلَةَ. ثُمَّ قَالَ لِي: يَا عَبْدَ الْمَلِكِ، أَنَا ضجرٌ؛ وَقَدْ جَلَسْتُ أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَ حَدِيثًا أَتَفَرَّجُ بِهِ، فَحَدِّثْنِي بشيءٍ. فَقُلْتُ: لِأَيِّ الْحَدِيثِ يَقْصِدُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ؟. قَالَ: لِمَا شَاهَدْتَ وَسَمِعْتَ مِنْ أَعَاجِيبِ النَّاسِ وَطَرَائِفِ أَخْبَارِهِمْ. فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، صاحبٌ لَنَا فِي بَدْوِ بَنِي فُلَانٍ، كُنْتُ أَغْشَاهُ فَأَتَحَدَّثُ إِلَيْهِ، وَقَدْ أَتَتْ عَلَيْهِ ستٌ وَتِسْعُونَ سَنَةً، أَصَحُّ النَّاسِ ذِهْنًا، وَأَجْوَدُهُمْ أَكْلا، وَأَقْوَاهُمْ بَدَنًا؛ فَغَبَرْتُ عَنْهُ زَمَانًا، ثُمَّ قَصَدْتُهُ، فَوَجَدْتُهُ نَاحِلَ الْبَدَنِ، كَاسِفَ الْبَالِ، مُتَغَيِّرَ الْحَالِ! فَقُلْتُ لَهُ: مَا شَأْنُكَ؟ أَصَابَتْكَ مصيبةٌ؟ قَالَ: لَا. قُلْتُ: أفمرضٌ عَرَاكَ؟ قَالَ: لَا. قُلْتُ: فَمَا سَبَبُ هَذَا التَّغَيُّرِ الَّذِي أَرَاهُ بِكَ؟ فَقَالَ: قَصَدْتُ بَعْضَ الْقَرَابَةِ فِي حَيِّ بَنِي فُلَانٍ، فَأَلْفَيْتُ عِنْدَهُمْ جَارِيةً قَدْ لَاثَتْ رَأْسَهَا، وَطَلَتْ بَالْوَرْسِ مَا بَيْنَ قَرْنِهَا إِلَي قَدَمِهَا، وَعَلَيْهَا قميصٌ وقناعٌ مَصْبُوغَانِ، وَفِي عُنُقِهَا طبلٌ تُوَقِّعُ عَلَيْهِ وَتُنْشِدُ هَذَا الشِّعْرَ: مَحَاسِنُهَا سهامٌ لِلْمَنَايَا ... مُريَّشةٌ بِأَنْوَاعِ الْخُطُوبِ بَرى ريبُ الْمَنُونِ لَهُنَّ سَهْمًا ... تُصِيبُ بِنَصْلِهِ مُهَجَ الْقُلُوبِ فَأَجَبْتُهَا: قِفِي شَفَتَيَّ فِي مَوْضِعِ الطَّبْلِ تَرْتَعِي ... كَمَا قَدْ أَنَخْتِ الطَّبْلَ فِي جِيدِكِ الْحَسَنْ هَبِينِيَ عُودًا أَجْوَفًا تَحْتَ شنةٍ ... تَمَتَّعَ فِيمَا بَيْنَ نَحْرِكِ وَالذَّقَنْ فَلَمَّا سَمِعَتِ الشِّعْرَ مِنِّي نَزَعَتِ الطَّبْلَ، فَرَمَتْ بِهِ فِي وَجْهِي، وَبَادَرَتْ إِلَي الْخِبَاءِ فَدَخَلَتْهُ؛ فَلَمْ أَزَلْ وَاقِفًا إِلَي أَنْ حَمِيَتِ الشَّمْسُ عَلَى مَفْرِقِ رَأْسِي، لَا تَخْرُجُ إِلَيَّ، وَلَا تَرْجِعُ إِلَيَّ جَوَابًا. فَقُلْتُ: أَنَا مَعَهَا -وَاللَّهِ- كما قال الشاعر: ⦗٢٨⦘ فَوَاللَّهِ يَا سَلْمَى لَطَالَ إِقَامَتِي ... عَلَى غَيْرِ شيءٍ يَا سُلَيْمَى أُرَاقِبُهْ ثُمَّ انْصَرَفْتُ سَخِينَ الْعَيْنِ، قَرِحَ الْقَلْبِ؛ فَهَذَا الَّذِي تَرَى بِي مِنَ التَّغَيُّرِ مِنْ عِشْقِي لَهَا. فَضَحِكَ الرَّشِيدُ حَتَّى اسْتَلْقَى، وَقَالَ: وَيْحَكَ يَا عَبْدَ الْمَلِكِ، ابْنُ سِتٍّ وَتِسْعِينَ سَنَةً يَعْشَقُ؟. قُلْتُ: قَدْ كَانَ هَذَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ: يَا عَبَّاسِيُّ. فَقَالَ الْفَضْلُ بْنُ الرَّبِيعِ: لَبَّيْكَ يَا أمير المؤمنين. فقال: أعط عبد الملك مئة أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَرُدَّهُ إِلَي مَدِينَةِ السَّلَامِ. فَانْصَرَفْتُ، فَإِذَا خادمٌ يَحْمِلُ شَيْئًا، وَمَعَهُ جَارِيَةٌ تَحْمِلُ شَيْئًا. فَقَالَ: أَنَا رَسُولُ بِنْتِكَ -يَعْنِي الْجَارِيَةَ الَّتِي وَصَفْتُهَا- وَهَذِهِ جَارِيَتُهَا، وَهِيَ تَقْرأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ، وَتَقُولُ: إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَمَرَ لِي بمالٍ وثيابٍ، فَهَذَا نَصِيبُكَ مِنْهَا، فَإِذَا الْمَالُ أَلْفُ دِينَارٍ وَهِيَ تَقُولُ: لَنْ نُخليك مِنَ الْمُوَاصَلَةِ بِالْبِرِّ. فَلَمْ تَزَلْ تَعَهَّدُنِي بِالْبِرِّ الْوَاسِعِ الْكَثِيرِ حَتَّى كَانَتْ فِتْنَةُ مُحَمَّدٍ، فَانْقَطَعَتْ أَخْبَارُهَا عَنِّي. وَأَمَرَ لِيَ الْفَضْلُ بْنُ الرَّبِيعِ مِنْ ماله بعشرة آلاف درهم.
٩- حدَّثنا محمد، ثنا أَبو بكر، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمُقَدَّمِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ التَّمِيمِيُّ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَى الْمَنْصُورِ، حَدَّثَنَا الْأَصْمَعِيُّ، قَالَ: بَعَثَ إِلَيَّ مُحَمَّدٌ الْأَمِينُ، وَهُوَ وَلِيُّ عهدٍ، فَصِرْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: إِنَّ الْفَضْلَ بْنَ الرَّبِيعِ كَتَبَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ يَأْمُرُ بِحَمْلِكَ إِلَيْهِ عَلَى ثَلَاثِ دَوَابَّ مِنْ دَوَابِّ ⦗٢٦⦘ الْبَرِيدِ، وَبَيْنَ يَدَيْ محمدٍ السِّنْدِيُّ بْنُ شَاهِكٍ فَقَالَ لَهُ: خُذْهُ فَاحْمِلْهُ وَجَهِّزْهُ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ. فَوَكَّلَ بِيَ السِّنْدِيُّ خَلِيفَتَهُ عَبْدَ الْجَبَّارِ، فَجَهَّزَنِي وَحَمَلَنِي. فَلَمَّا دَخَلْتُ الرَّقَّةَ أُوصِلتُ إِلَى الْفَضْلِ بْنِ الرَّبِيعِ، فَقَالَ لِي: لَا تَلْقَيَنَّ أَحَدًا وَلَا تُكَلِّمْهُ حَتَّى أُوصِلَكَ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ؛ وَأَنْزَلَنِي مَنْزِلًا أَقَمْتُ فِيهِ يَوْميَنِ أَوْ ثَلَاثَةً، ثُمَّ اسْتَحْضَرَنِي فَقَالَ: جِئْنِي وَقْتَ الْمَغْرِبِ حَتَّى أُدْخِلَكَ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ. فَجِئْتُهُ، فَأَدْخَلَنِي عَلَى الرَّشِيدِ، وَهُوَ جالسٌ متفردٌ، فَسَلَّمْتُ، فَاسْتَدْنَانِي، وَأَمَرَنِي بِالْجُلُوسِ، فَجَلَسْتُ؛ وَقَالَ لِي: يَا عَبْدَ الْمَلِكِ، وَجَّهْتُ إِلَيْكَ بِسَبَبِ جَارِيَتَيْنِ أُهْدِيَتَا إِلَيَّ، قَدْ أَخَذَتَا طَرَفًا مِنَ الْأَدَبِ، أَحْبَبْتُ أَنْ تَبور مَا عِنْدَهُمَا، وَتُشِيرَ عَلَيَّ فِيهِمَا بِمَا هُوَ الصَّوَابُ عِنْدَكَ. ثُمَّ قَالَ: ليُمضَ إِلَى عَاتِكَةَ، فَيُقَالُ لَهَا: أَحْضِرِي الْجَارِيَتَيْنِ. فَحَضَرَتْ جَارِيَتَانِ مَا رَأَيْتُ مِثْلَهُمَا قَطُّ، فَقُلْتُ لأجلِّهما: مَا اسْمُكِ؟ قَالَتْ: فُلَانَةُ، قُلْتُ: مَا عِنْدَكِ مِنَ الْعِلْمِ؟ قَالَتْ: مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ فِي كِتَابِهِ، ثُمَّ مَا يَنْظُرُ النَّاسُ فِيهِ مِنَ الأَشْعَارِ وَالْآدَابِ وَالأَخْبَارِ. فَسَأَلْتُهَا عَنْ حُرُوفٍ مِنَ الْقُرْآنِ، فَأَجَابَتْنِي كَأَنَّهَا تَقْرَأُ الْجَوَابَ مِنْ كتابٍ؛ وَسَأَلْتُهَا عَنِ النَّحْوِ وَالْعَرُوضِ وَالأَخْبَارِ، فَمَا قَصَّرَتْ. فَقُلْتُ: بَارَكَ اللَّهُ فِيكِ، فَمَا قصرتِ فِي جَوَابِي فِي كُلِّ فَنٍّ أَخَذْتُ فِيهِ، فَإِنْ كُنْتِ تَقْرِضِينَ الشِّعْرَ فَأَنْشِدِينَا. فَانْدَفَعَتْ فِي هَذَا الشِّعْرِ: يَا غِيَاثَ الْعِبَادِ فِي كُلِّ محلٍ ... مَا يُرِيدُ الْعِبَادُ إِلَّا رِضَاكَ لَا وَمَنْ شَرَّفَ الإِمَامَ وَأَعْلَى ... مَا أَطَاعَ الإِلَهَ عبدٌ عَصَاكَ وَمَرَّتْ فِي الشِّعْرِ إِلَى آخِرِهِ. فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا رَأَيْتُ امْرَأَةً فِي مَسْكِ رجلٍ مِثْلَهَا. وَفَاتَحْتُ الْأُخْرَى فَوَجَدْتُهَا دُونَهَا. فَقُلْتُ: مَا تَبْلُغُ هَذِهِ مَنْزِلَتَهَا، إِلَّا أَنَّهَا إِنْ ⦗٢٧⦘ وُوظِب عَلَيْهَا لَحِقَتْ. فَقَالَ: يَا عَبَّاسِيُّ. فَقَالَ الْفَضْلُ بْنُ الرَّبِيعِ: لَبَّيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ: لِتُرَدَّا إِلَى عَاتِكَةَ، وَيُقَالُ لَهَا: تَصْنَعُ هَذِهِ -يَعْنِي الَّتِي وَصَفْتُهَا بِالْكَمَالِ- لِتُحْمَلَ إِلَيَّ اللَّيْلَةَ. ثُمَّ قَالَ لِي: يَا عَبْدَ الْمَلِكِ، أَنَا ضجرٌ؛ وَقَدْ جَلَسْتُ أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَ حَدِيثًا أَتَفَرَّجُ بِهِ، فَحَدِّثْنِي بشيءٍ. فَقُلْتُ: لِأَيِّ الْحَدِيثِ يَقْصِدُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ؟. قَالَ: لِمَا شَاهَدْتَ وَسَمِعْتَ مِنْ أَعَاجِيبِ النَّاسِ وَطَرَائِفِ أَخْبَارِهِمْ. فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، صاحبٌ لَنَا فِي بَدْوِ بَنِي فُلَانٍ، كُنْتُ أَغْشَاهُ فَأَتَحَدَّثُ إِلَيْهِ، وَقَدْ أَتَتْ عَلَيْهِ ستٌ وَتِسْعُونَ سَنَةً، أَصَحُّ النَّاسِ ذِهْنًا، وَأَجْوَدُهُمْ أَكْلا، وَأَقْوَاهُمْ بَدَنًا؛ فَغَبَرْتُ عَنْهُ زَمَانًا، ثُمَّ قَصَدْتُهُ، فَوَجَدْتُهُ نَاحِلَ الْبَدَنِ، كَاسِفَ الْبَالِ، مُتَغَيِّرَ الْحَالِ! فَقُلْتُ لَهُ: مَا شَأْنُكَ؟ أَصَابَتْكَ مصيبةٌ؟ قَالَ: لَا. قُلْتُ: أفمرضٌ عَرَاكَ؟ قَالَ: لَا. قُلْتُ: فَمَا سَبَبُ هَذَا التَّغَيُّرِ الَّذِي أَرَاهُ بِكَ؟ فَقَالَ: قَصَدْتُ بَعْضَ الْقَرَابَةِ فِي حَيِّ بَنِي فُلَانٍ، فَأَلْفَيْتُ عِنْدَهُمْ جَارِيةً قَدْ لَاثَتْ رَأْسَهَا، وَطَلَتْ بَالْوَرْسِ مَا بَيْنَ قَرْنِهَا إِلَي قَدَمِهَا، وَعَلَيْهَا قميصٌ وقناعٌ مَصْبُوغَانِ، وَفِي عُنُقِهَا طبلٌ تُوَقِّعُ عَلَيْهِ وَتُنْشِدُ هَذَا الشِّعْرَ: مَحَاسِنُهَا سهامٌ لِلْمَنَايَا ... مُريَّشةٌ بِأَنْوَاعِ الْخُطُوبِ بَرى ريبُ الْمَنُونِ لَهُنَّ سَهْمًا ... تُصِيبُ بِنَصْلِهِ مُهَجَ الْقُلُوبِ فَأَجَبْتُهَا: قِفِي شَفَتَيَّ فِي مَوْضِعِ الطَّبْلِ تَرْتَعِي ... كَمَا قَدْ أَنَخْتِ الطَّبْلَ فِي جِيدِكِ الْحَسَنْ هَبِينِيَ عُودًا أَجْوَفًا تَحْتَ شنةٍ ... تَمَتَّعَ فِيمَا بَيْنَ نَحْرِكِ وَالذَّقَنْ فَلَمَّا سَمِعَتِ الشِّعْرَ مِنِّي نَزَعَتِ الطَّبْلَ، فَرَمَتْ بِهِ فِي وَجْهِي، وَبَادَرَتْ إِلَي الْخِبَاءِ فَدَخَلَتْهُ؛ فَلَمْ أَزَلْ وَاقِفًا إِلَي أَنْ حَمِيَتِ الشَّمْسُ عَلَى مَفْرِقِ رَأْسِي، لَا تَخْرُجُ إِلَيَّ، وَلَا تَرْجِعُ إِلَيَّ جَوَابًا. فَقُلْتُ: أَنَا مَعَهَا -وَاللَّهِ- كما قال الشاعر: ⦗٢٨⦘ فَوَاللَّهِ يَا سَلْمَى لَطَالَ إِقَامَتِي ... عَلَى غَيْرِ شيءٍ يَا سُلَيْمَى أُرَاقِبُهْ ثُمَّ انْصَرَفْتُ سَخِينَ الْعَيْنِ، قَرِحَ الْقَلْبِ؛ فَهَذَا الَّذِي تَرَى بِي مِنَ التَّغَيُّرِ مِنْ عِشْقِي لَهَا. فَضَحِكَ الرَّشِيدُ حَتَّى اسْتَلْقَى، وَقَالَ: وَيْحَكَ يَا عَبْدَ الْمَلِكِ، ابْنُ سِتٍّ وَتِسْعِينَ سَنَةً يَعْشَقُ؟. قُلْتُ: قَدْ كَانَ هَذَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ: يَا عَبَّاسِيُّ. فَقَالَ الْفَضْلُ بْنُ الرَّبِيعِ: لَبَّيْكَ يَا أمير المؤمنين. فقال: أعط عبد الملك مئة أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَرُدَّهُ إِلَي مَدِينَةِ السَّلَامِ. فَانْصَرَفْتُ، فَإِذَا خادمٌ يَحْمِلُ شَيْئًا، وَمَعَهُ جَارِيَةٌ تَحْمِلُ شَيْئًا. فَقَالَ: أَنَا رَسُولُ بِنْتِكَ -يَعْنِي الْجَارِيَةَ الَّتِي وَصَفْتُهَا- وَهَذِهِ جَارِيَتُهَا، وَهِيَ تَقْرأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ، وَتَقُولُ: إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَمَرَ لِي بمالٍ وثيابٍ، فَهَذَا نَصِيبُكَ مِنْهَا، فَإِذَا الْمَالُ أَلْفُ دِينَارٍ وَهِيَ تَقُولُ: لَنْ نُخليك مِنَ الْمُوَاصَلَةِ بِالْبِرِّ. فَلَمْ تَزَلْ تَعَهَّدُنِي بِالْبِرِّ الْوَاسِعِ الْكَثِيرِ حَتَّى كَانَتْ فِتْنَةُ مُحَمَّدٍ، فَانْقَطَعَتْ أَخْبَارُهَا عَنِّي. وَأَمَرَ لِيَ الْفَضْلُ بْنُ الرَّبِيعِ مِنْ ماله بعشرة آلاف درهم.
1 / 25
١٠- حدثنا محمد بن الحسن، حدثنا أبو بكر، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى النَّحْوِيُّ:
أَنْشَدَنَا الْكِسَائِيُّ فِي مَجْلِسِ الرَّشِيدِ، وَالْأَصْمَعِيُّ حاضرٌ، هَذَا الْبَيْتَ:
⦗٢٩⦘ أَمْ كَيْفَ يَنْفعُ مَا تُعْطِي الْعَلُوقُ بِهِ ... رِئْمانُ أنفٍ إِذَا مَا ضُن بِاللَّبَنِ
فَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: رئْمانَ بِالنَّصْبِ. فَقَالَ لَهُ الْكِسَائِيُّ: اسْكُتْ، مَا أَنْتَ وَذَا؟ يَجُوزُ: رئمانُ ورئمانَ ورئمانِ: فَسَكَتَ الْأَصْمَعِيُّ.
قَالَ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى: وَالنَّصْبُ بتُعطي، وَالْهَاءُ تَرْجِعُ عَلَى اللَّبَنِ؛ وَالرَّفْعُ عَلَى الْإِتْبَاعِ لِمَا؛ وَالْخَفْضُ بِالرَّدِّ عَلَى الْهَاءِ وَالتَّكْرِيرِ.
وَمَعْنَى الْبَيْتِ: إِنَّ هَذِهِ النَّاقَةَ الْعَلُوقَ إِذَا بَذَلَتْ لِلْحُوَارِ الشَّمَّ، وَهُوَ الرِّئْمَانُ، وَمَنَعَتْهُ اللَّبَنَ، لَمْ يَنْفَعْهُ ذَلِكَ، فَكَذَلِكَ الْقَوْلُ بِلَا فعلٍ لا جداء معه.
1 / 28
١١- ثنا محمد، نا أبو بكر، نا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى، ثَنَا سَلَمَةُ، قَالَ:
سَمِعْتُ الأَصْمَعِيَّ يَقُولُ: أَفْسَدَ النَّحْوَ ثلاثةٌ: الْكِسَائِيُّ، وَالْفَرَّاءُ، وَالْأَحْمَرُ.
وَسَمِعْتُ بَعْضَ الشُّيُوخِ يَقُولُ: قَالَ الْأَصْمَعِيُّ هَذَا، لِأَنَّهُ كَانَ قَلْبُهُ نَضِيجًا مِمَّا يَنْزِلُ بِهِ مِنْهُمْ إِذَا اجْتَمَعُوا فِي الْمَجَالِسِ.
١٢- ثنا محمد، أنشدنا أبو بكر، أَنْشَدَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْوَزَّانُ لِمُحَمَّدِ بْنِ أُمَيَّةَ: ⦗٣٠⦘ لَقَدْ عَاجَلَتْنِي نَظْرَتِي بهواكِ ... كَأَنْ لَمْ تَكُنْ عَيْنِي تُرِيدُ سواكِ أَتَانِي رَسُولِي مُشْرِقًا نُورُ وَجْهِهِ ... وَلَمْ يَكُ عِنْدِي قَبْلَ ذَاكَ كَذَاكِ أَتَاكِ قَبِيحًا وَجْهُهُ فكسوتِه ... بَقَايَا جمالٍ مِنْكِ حِينَ أتاكِ كَفَانِي إِذَا غيبتِ عَنِّي بِأَنْ أَرَى ... رَسُولِي وَقَدْ كلمتِه ورآكِ آخر المجلس، والحمد لله رب العالمين، وصلواته على سيدنا محمدٍ النبي وآله.
١٢- ثنا محمد، أنشدنا أبو بكر، أَنْشَدَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْوَزَّانُ لِمُحَمَّدِ بْنِ أُمَيَّةَ: ⦗٣٠⦘ لَقَدْ عَاجَلَتْنِي نَظْرَتِي بهواكِ ... كَأَنْ لَمْ تَكُنْ عَيْنِي تُرِيدُ سواكِ أَتَانِي رَسُولِي مُشْرِقًا نُورُ وَجْهِهِ ... وَلَمْ يَكُ عِنْدِي قَبْلَ ذَاكَ كَذَاكِ أَتَاكِ قَبِيحًا وَجْهُهُ فكسوتِه ... بَقَايَا جمالٍ مِنْكِ حِينَ أتاكِ كَفَانِي إِذَا غيبتِ عَنِّي بِأَنْ أَرَى ... رَسُولِي وَقَدْ كلمتِه ورآكِ آخر المجلس، والحمد لله رب العالمين، وصلواته على سيدنا محمدٍ النبي وآله.
1 / 29