اثنين وستين سنة إلا ثلاثة عشر يومًا وصفته: أنه كان نحيف الجسم، ليس بالطويل ولا بالقصير وحق أن ينشد فيه.
تراه من الذكاء نحيف الجسم ... عليه من توقده دليل
إذا كان الفتى ضخم المعالي
... فليس يضيره الجسد الضئيل (١)
ولما دفن فاح من تراب قبره رائحة طيبة كالمسك، وكان الناس تأتي إلى قبره يأخذون التراب منه للتبرك به ولشمه، حتى ظهرت الحفرة للناس، ولم يكن يقدر على حفظ القبر بالحراس فنصبوا على القبر أخشابًا مشبكة منعوا الناس بها من الوصول إلى قبره، فكانت الناس تأخذ التراب والحصيات من حوالي القبر، دامت تلك الرائحة أيامًا كثيرة، حتى توارت وشاعت في جميع تلك البلاد، ولا يبعد أن تكون هذه الرائحة رائحة صيامه الذي صامه في الحياة وأخفاه عن الناس، فأظهره الله لهم بعد موته، إظهارًا لفضله وعظيم منزلته عنده.
قال العلامة ابن رجب في «اللطائف»: ريح الصائم أطيب عند الله من ريح المسك فكلما اجتهد صاحبه على إخفائه فاح ريحه، ثم قال: لما دفن عبد الله بن غالب كان يفوح من تراب قبره رائحة المسك، فرؤي في النوم فسئل عن تلك الرائحة التي توجد من قبره؟ فقال: تلك رائحة التلاوة والظمأ، ولله در من قال:
وكاتم الحب يوم البين منهتك ... وصاحب الوجد لا تخفى سرائره (٢)
لم ينم الصادقون أحوالهم، وريح الصدق ينم عليهم، ما أسر أحد سريرة إلا ألبسه
_________
(١) البيتان من بحر «الوافر»، أنشدهما الشيخ أبو إسحاق الشيرازي. انظر: معجم السفر لأبي طاهر أحمد بن محمد السلفي (ص ١٢٤) .
(٢) البيت للمتنبي. انظر: المدهش لأبي الفرج بن الجوزي (ص ٤٤١) .
1 / 54